لست متحدثاً باسم «المصرى اليوم»، وهذه المساحة التى أكتبها يومياً تعبر فقط عن آرائى الشخصية جداً، ولا تمثل مواقف أو اتجاهات أو تعبر عن انحيازات للجريدة، لكننى فى الوقت نفسه عضو فى الجهاز التحريرى لها قبل أن أكون كاتباً بها. وإذا كنت ككاتب رأى مهتماً بالتعليق على الحوار الذى أجرته «المصرى اليوم» مع الفنان عادل إمام، ولدىّ انتقادات أريد أن أوجهها لخطاب الفنان الكبير، وملاحظات على آرائه لا تنفى حقه فى التعبير والاختلاف، فإننى كمحرر بالجريدة مهتم بمناقشة أستاذى العزيز الدكتور حسن نافعة الذى يكتب زاوية يومية مهمة فى الصفحة المقابلة، ومساحة أسبوعية تعد من علامات الرأى فى الجريدة منذ صدورها فيما عرضه فى زاويته بالجريدة من اتهامات مباشرة لجهازها التحريرى وصلت إلى وصفه الحوار مع عادل إمام بأنه «سقطة مهنية»، دون أن يشرح للناس ما هى السقطة المهنية وكيف يمكن تعريفها علمياً، وهل مجرد أن تجرى الجريدة حواراً مع شخص تختلف معه فى الرأى تكون قد سقطت مهنياً؟ فقط أريد أن أسأل الدكتور بعض أسئلة، وهو الذى جرح بكلماته، التى نشرت فى «المصرى اليوم»، كرامة محرريها وطعنهم فى مهنيتهم: لو أبدى عادل إمام رفضاً واضحاً للتوريث، وتأييداً صريحاً للبرادعى فى هذا الحوار هل كنت ستعتبره «سقطة مهنية»؟ الأهم من ذلك: هل تملك، وأنت أستاذ العلوم السياسية المعروف والمشهود له بالكفاءة، القدرة على أن تحكم على مهنية الصحيفة، وإلى أى الأسانيد تحتكم قبل إصدار هذا الحكم القاسى على جريدة تنتمى إليها ككاتب منذ بدايتها، وأجزم أنك طوال هذه المدة لم تحجب لك كلمة، ولم يصادر لك رأى، ولم تقابل إلا بكل احتفاء وتقدير، حتى إن الجريدة التى تلمح إلى أنها تنشر حواراً لرجل يعارض البرادعى ويروج للنظام تحت ضغط من الدولة أو صفقة معها، إذا كانت تستجيب لضغوط الدولة، لكان من المنطقى أن تكون مساحاتك التى تكتبها على صفحاتها أولى ضحايا هذا الضغط؟! الدكتور نافعة يعرف تماماً أنه فى ظل ترويجه وآخرين لتعرض «المصرى اليوم» لضغوط استكتبته الجريدة مساحة إضافية يومية، إلى جانب مساحته الأسبوعية، ليعبر من خلالها عن آرائه وآراء التيار الذى يمثله، لأنها مقتنعة أن نافعة حين يكتب مؤيداً للبرادعى فليس معنى هذا أن «المصرى اليوم» كجريدة تؤيد البرادعى، وعندما يقول عادل إمام على صفحاتها إنه مع «جمال مبارك» فليس معنى ذلك طبعاً أن الجريدة تؤيد أمين السياسات، وتعرف أن دورها هو الإتاحة وليس الحجب وترك الحكم للقارئ وحده. مهنياً: هل تعتقد أن حواراً موسعاً مع شخص بمكانة عادل إمام الجماهيرية، وشهرته العريضة التى بناها واستقرت من قبل أن يفكر مؤسسو «المصرى اليوم» فى صدورها، ليس هدفاً تتمناه أى جريدة؟ وهل تعتقد أن استطلاع رأى الفنانين فى الشؤون السياسية ليس عملاً مهنياً؟ دعك من أنهم مواطنون من حقهم التعبير عن آرائهم، لكنك وأنت الخبير المطلع تعرف أن الصحف الغربية، فى مواسم الانتخابات والجدل السياسى، تحرص على استطلاع أخبار كبار الفنانين لديها. ألم تقرأ مرة رأياً لمايكل مور فى جورج بوش، أو تعرف أن الصحف أعلنت دعم نجوم مثل إليزابيث تايلور وستيفن سبيلبيرج وجيسكا بييل وسكارليت جوهانسون وجورج كلونى لأوباما فى حملته الانتخابية، وغيرهم كانوا يبدون انحيازاً واضحاً لمنافسه الجمهورى؟ ولماذا تتعجب من إفصاح فنان عن ميوله السياسية وكأنه غير مسموح له؟ ولماذا تعتبر هذا الموقف منه صفقة أو «بيزنس» وليس قناعة حقيقية؟ وبافتراض أنه صفقة، أليست السياسة قائمة على المصلحة؟ فما العيب إذن أن يرى عادل إمام أن مصلحته مع النظام، هذا حقه المطلق، لكن ما هو ليس حقك أنت على الإطلاق أن تحاول التسفيه منه لأنه فنان، أو تحاول المصادرة على رأيه لأنه يقول قولاً معارضاً لك، فإذا كانت الديمقراطية قائمة على حرية الرأى، فحرية الرأى ليست بالضرورة معارضة، وكما أنك حين تقول «لا» تمارس حريتك فى التعبير، لماذا تستكثر على من يقولون «نعم» حقهم أيضاً فى حرية التعبير؟ على الجانب المهنى أيضاً: هل تعرف كم وسيلة إعلام محلية وعربية ودولية نقلت الحوار أو أشارت إليه، وعدد من قرأوه سواء فى «المصرى اليوم» أو على المواقع الإلكترونية التى نقلته؟ أعتقد أنك، وأنت العالم المدقق، تستطيع بعلمية رصينة بعيدة عن الهوى أن تعرف وأن تبحث وأن تتأكد. كذلك هل ترى فى الحوار أى تجاوز قانونى على مستوى «السب والقذف» مثلاً؟ إذا كان كل ذلك غير متحقق فلماذا تحكم على الحوار بأنه «سقطة مهنية»، إلا إذا كنت تبنى هذا الحكم على مجمل الآراء التى طرحها عادل إمام وتمثله هو وحده. لذلك أرجوك، لا تتحدث عن المهنية فى الصحافة مرة أخرى، فهذا ليس تخصصك العلمى، ولا المهنى، كما أنه من الواضح أن الموضوعية فارقت أحكامك منذ صرت طرفاً فى صراع سياسى قائم. المشكلة هذه المرة أن «المصرى اليوم» تتهم فى مهنيتها وتواجه تلميحات بانحيازها سياسياً من طرف يمارس على صفحاتها كل الحق فى الانحياز والتعبير على الجانب الآخر. وكما تتيح الجريدة صفحاتها لعادل إمام لينتقد البرادعى تتيحها كذلك للدكتور حسن نافعة والمستشار الخضيرى ود.عمار على حسن ود.سعدالدين إبراهيم والعشرات من معارضى النظام ومؤيدى البرادعى والمتعاطفين معه، فهل هى «مكارثية جديدة» يمارسها اليوم دعاة الديمقراطية الذين يحاولون مصادرة الآراء المختلفة معهم، و«التعريض» بالصحف التى تتيح لهذه الآراء الفرصة فى النشر، وكأن المفترض حتى يرضى الدكتور حسن نافعة والذين معه عن «مهنية الجريدة» أن تفرض على البرادعى قداسة كاملة فى صفحاتها، وأن تهدر دم النظام ورموزه.هذه المرة الخطر على الديمقراطية يأتى من دعاة الديمقراطية أنفسهم، الذين يثبتون كل يوم أنهم أضيق صدراً من النظام، لا يقبلون النقد ولا يتسامحون مع الاختلاف، فهل تعتقد أن هؤلاء يمكن أن يشاركوا فى صياغة مشروع بديل نتمناه جميعاً؟ وهل تثق فيهم بعد اليوم وهم يبشرونك بنعيم الديمقراطية؟ شخصياً، أعتقد أن د. حسن نافعة كما يكتب فى (المصرى اليوم) مثلما يشاء ويتمتع بمناخ الحرية فيها، ويستفيد من ثقلها وانتشارها ومصداقيتها، وينحاز فى كتاباته كما يشاء، لايجوز أن يطعن الجريدة فى مهنيتها، أو يحاول إرغامها على تبنى وجهات نظره أو تكون ساقطة مهنياً لو لم تفعل، وعليه أن يجيب قراءه على سؤال: بماذا يفسر نشر الجريدة لمقاله الذى ينتقد فيه سياساتها، والاحتفاء به عبر تنويه بارز بصورته فى الصفحة الأولى، إلا إذا كان ذلك دليلاً من «المصرى اليوم» على أن ترويجها لحرية الرأى يرتكز على قناعة حقيقية وأفعال وليس أقوال فقط. الهدف لم يعد الدفاع عن «المصرى اليوم» بقدر ما هو دفاع عن «مصر» التى وقعت بين تيارات تحاول احتكار الصحف سواء كانت تلك التيارات فى النظام أو المعارضة. الجميع يلبس قشرة الديمقراطية والروح ديكتاتورية.. قاتل الله السياسة التى تبتعد برجالها عن فضيلة العدل والإنصاف فى الأحكام، ولك الله يا مصر...! [email protected]