جماعة فقدت بوصلتها بين السلطة والثورة و"دولاب" الدولة نجاح في عهد مبارك .. وسلطة تضطر لتنازلات إرضاء للخارج !! إيقاف المسار الثوري قبل أن يكتمل للاستئثار بالمشاركة في إدارة الدولة التحالف مع "العسكر" ساعد في تقليل تسارع عجلة الثورة ثم انهائها .. والتمكين أدخلها صراعا مع الجهاز الإداري لما خرجت جماعة "الإخوان المسلمين" من سجون عبدالناصر في منتصف السبعينات ثم جرى إعادة بناءها من جديد أواخر السبعينات لم يكن أحد يتوقع أن الدولة المصرية ستكون حكومة وبرلماناً ورئاسة بيد الجماعة التي ظلت صداعاً في رأس الحكومات والأنظمة السياسية المصرية منذ حكومة النحاس والنقراشي قبل ثورة يوليو 52 مروراً بآخر نظام سياسي سقط قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير. لكن كيف كانت علاقة جماعة الإخوان بالسلطة في أول تجربة لهم مع دوائر الحكم ؟ وما هي الحصيلة الأولية التي أفضت إليها هذه التجربة ؟. أولاً: الإخوان ونظامي السادات ومبارك بعد خروج الإخوان من سجون عبدالناصر على يد السادات تصالحت الجماعة مع نظام الأخير حيث تم استخدام الجماعة كعصا بقبضة السادات ضد خصومه من اليسار والقوميين قبل أن يسقط بعدها بيد مجموعات إسلامية يمينية في أوائل الثمانينات في الحادثة الشهيرة بالمنصة، بعدها جاء مبارك والذي اتخذ من الجماعة موقفاً وسطاً لا هو بالقمعي مثل عبدالناصر، ولا هو فتح المجال بالكلية للجماعة كي يصبح لها وجودً قوي متزايد بالحياة السياسية في وضع شبيه بوجود الجماعة بالأردن كنموذج. في الفترة الأولى من حكم مبارك بالثمانينات والتي تميزت نوعاً ما بالانفتاح السياسي استطاع الإخوان استثمار هذه الحالة بذكاء لبناء قواعد لها في الشارع، وفي الجامعات، وفي أغلب النقابات المهنية. في الحقيقة كان "مبارك" حريصاً مع بداية حكمه أن لا يدخل في مواجهة مباشرة مع الإسلاميين، ومن ثم أجّل مواجهة الإخوان بعد تصفية خصومه من الإسلاميين الأكثر راديكالية مثل "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية". كان مبارك يعيِّ أن الدخول في مواجهة كل الحركات الإسلامية مجتمعة يمكن أن تكلفه اهتزاز سلطته خصوصاً وأن الأمور لم تكن مستقرة بعد لا في المؤسسة العسكرية التي كانت تمر بتغيرات بنيوية بداخلها خصوصا بعد مقتل المشير أحمد بدوي هو وثلاثة عشر من كبار قادة الافرع الرئيسية للقوات المسلحة في حادث طائرة مجهول قبل بضعة أشهر فقط على تولي مبارك السلطة، ولا على الساحة السياسية التي كان يعصف بها اغتيال السادات بالمنصة، والعزلة العربية نتيجة اتفاقية كامب ديفيد، أو الوضع الاقتصادي المتردي، ومن ثم كانت مواجهة مبارك موجهة بشكل واضح للجماعات الإسلامية الجهادية، وبالطبع محاولة تثبيت أركان سلطته. في هذه الفترة نجحت الجماعة الإخوانية في احتكار الفضاء الديني والاجتماعي بشكل كبير، وحسمت القضايا المتعلقة بالعمل السياسي فأسست لمفاهيم العمل الإصلاحي، والتزمت بالمسار الدستوري سبيلاً للتغيير السياسي، ولم تتطرق أي أدبية إخوانية بعد الثمانينات للفعل أو المسار الثوري طريقاً للتغيير السياسي أو الاجتماعي. وانطلاقا من الرؤية الجديدة للإخوان، نجحت في تطوير أدائها السياسي، وذلك بالمشاركة في انتخابات 1984 و1987 والدخول في تحالفات انتخابية مع أحزاب المعارضة، وهو ما حدث أولا في انتخابات العام 1984 التي خاضتها الجماعة على قائمة حزب الوفد، وحصلت الجماعة آنذاك على تسعة من إجمالي 58 مقعدا حصل عليها ائتلافها مع حزب الوفد. وفي انتخابات 1987 دخلت الجماعة في تحالف جديد ضم حزبي الأحرار والعمل، تحت مسمى "التحالف الإسلامي" الذي نجح في الحصول على حوالي 56 مقعدا ذهب منها 36 للإخوان، وهي الانتخابات التي شهدت ظهور شعار الإخوان الشهير "الإسلام هو الحل1". مع نهاية الثمانينات وبداية التسعينات غيَّر مبارك استراتجيته نحو الجماعة فبدأ في مواجهة نوعية يمكن أن نسميها باستراتيجية " السيطرة" حيث عمل مبارك ونظامه على تحجيم التعاظم الإخواني خارج الإطار السياسي والمجتمعي وبدأت أولى المواجهات بقضية " سلسبيل" الشهيرة، وظلت فترة التسعينات بأكملها تشهد قضايا محاكمات عسكرية لكبار قيادات الإخوان؛ كان الغرض الوحيد من هذه المحاكمات هو تقليم أظافر الجماعة بحيث لا تتعدى الإطار المرسوم لها من قبل النظام. ********** ومع مطلع الألفية ومع حادثة 11 سبتمبر تغيرت الظروف العالمية كثيراً، وتغير معها أيضا بعض الشيء خطاب الحركات الإسلامية فالجماعات الإسلامية الجهادية بدأت تطرح مراجعات كانت بذرتها قد وُضِعت بالسجون أواخر التسعينات، وجماعة الإخوان زادت المرونة في خطابها السياسي وتحركها السياسي والتنظيمي، فبدأت تتجه للتحالف مع المجموعات والقوى المدنية الأخرى للضغط على النظام لتوسعة المجال السياسي ورفض المحاكمات العسكرية للمدنيين، وعملت على التنسيق الجبهوي مع حلفاء غير إسلاميين للعمل على القضايا المشتركة مثل قضايا "مناهضة الإمبريالية العالمية", ودعم "القضية الفلسطينية" وغيرها، ثم طرحت الجماعة مبادرتها الشهيرة للإصلاح في مارس 2004، ومع التحولات الطارئة على السياسية الأمريكية نحو الشرق الأوسط كان من بينها ضغط إدارة الرئيس بوش الإبن على بعض الأنظمة العربية والإسلامية لإدماج أكبر للإسلاميين في العملية السياسية، اضطر حينها النظام المصري مرغماً على إفساح المجال لدخول لاعبين جدد للساحة السياسية ومن ثم تواجد أكبر للإخوان، وشهد عام 2005 أول انتخابات رئاسية مصر حلَّ فيها الدكتور "أيمن نور" بالمركز الثاني وصيفاً للرئيس المخلوع "مبارك" وهو ما أعطى حينها أملاً للقوى السياسية في حدوث انفراجة نوعية في الحياة السياسية المصرية التي شهدت ركوداً خلال أكثر من 25 عاماً متصلة. في هذه الفترة عمل "مبارك" على تحييد وجود الجماعة بالحياة السياسية بالشكل الذي يضمن به وصول صورة ما لأمريكا والغرب مضمونها أنه يوجد حراك ما ديموقراطي يمكن أن يحافظ به على الدعم الأمريكي والغربي، لكنه في ذات الوقت يُبرز من وجود الجماعة كمنافس وحيد لمبارك يمكن أن تأتي به صناديق الانتخابات، وبالتالي يخفف من غلواء الضغط الخارجي عليه. ثانياً: الإخوان والثورة عندما اندلعت الثورة، كان الإسلاميون-وفي مقدمتهم الإخوان- بعيدين عن إرهاصاتها الأولى، ولم يلتحق "أغلب" أفراد الجماعات الإسلامية بالحراك الاحتجاجي الذي تفجر بدعوة من قطاعات ثورية عديدة إلا في الساعات الأخيرة. وعندما أُزيح مبارك عن الحكم بفعل جناح آخر من السلطة تنفست حركة الإخوان الصعداء لابتعاد خصمها اللدود بشكل نهائي، ومن ثم سارعت الجماعة بإيقاف المسار الثوري قبل أن يكتمل في حركته النهائية لتحقيق أهدافه وأولها الاتفاق على بنية متفق عليها من القواعد التشريعية والدستورية المؤسسة للمسار السياسي القادم وسارعت بوقفه للتحرك في المسار الدستوري (المسار البديل الأقل كًلفة) للاستثئار سريعاً بمشاركة المؤسسة العسكرية إدارة الدولة، والاستعداد بعد الفترة الانتقالية لخطوة الإدارة الشاملة عبر الانتخابات التي تجيد اللعب فيها منذ بجدارة، حيث يؤمن الإخوان أن "حسن البنا" قبل أن ينشئ الجماعة أنشأ قبلها صندوق انتخابات! خاضت الجماعة ومعها دوائرها الإسلامية الاستفتاء الأول الذي تلى الثورة مباشرة على التعديلات الدستورية المطروحة من المجلس العسكري حينها، ورغم الرفض الكبير من بقية القوى الثورية إلا أن الإخوان والأحزاب والجماعات الإسلامية حشدت للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية لإن المعنى الضمني لتمرير هذه التعديلات هو الدخول المبكر للانتخابات والفوز بها قبل أن تستعد بقية القوى الأخرى لبناء أحزابها، وكان الاستفتاء ذاته هو أول محطة حقيقية لضرب التوافق الوطني من ناحية، ومن ناحية أخرى كان بمثابة إنذار وصل للقوى الثورية والمدنية معناه الواضح أن الجماعة تنوي الاستئثار شبه الكامل على إدارة المرحلة الانتقالية بشراكة مع المجلس العسكري تهيئة لإدارة كاملة للدولة المصرية بعد الفترة الانتقالية. كان المجلس العسكري يريد فعلياً تقليل تسارع عجلة الثورة بخلق غطاء شرعي لقوى أخرى إصلاحية يمكن التفاوض معها وخلق مساحات معها يمكنه الضغط عليها من خلالها، وكان للمجلس العسكري ما أراد، وكانت هذه أولى وأكبر أخطاء الإخوان. نجحت جماعة الإخوان في الحشد للاستفتاء الأول ثم نجحت في الانتخابات البرلمانية ولم تجد مرشحاً مناسباً لرئاسة الدولة تستطيع التحالف معه فسارعت بترشيح مرشحها للمنافسة على المنصب التنفيذي والأهم في الدولة، منصب الرئيس، لتسيطر الجماعة في البداية على مجلس الشعب- قبل حله- ثم مجلس الشورى لاحقاً والرئاسة وأخيرا التحكم في تشكيل حكومة الإخوان الأخيرة التي ترأسها هشام قنديل. ثالثاً: الإخوان وأزمة السلطة: بعد التجربة القصيرة في الحكم سواء في الاستئثار "شبه الكامل" مع بقية الفصائل الإسلامية على غرفتي البرلمان " مجلس الشعب والشورى" أو الرئاسة أو التحكم في إدارة الحكومة يمكن القول أن: جماعة الإخوان كما دفعت قسراً للمشاركة الثورية، بدا وكأنها دفعت قسراً للقبول بالديموقراطية (الديموقراطية كقيم وممارسة) وليس الديموقراطية بأشكالها المباشرة وأدواتها ( الحشد والتعبئة وصندوق الانتخابات) ومن ثم كان الاقتراب الأساسي الذي تعاملت به الجماعة مع حلفائها هو الإقصاء والمغالبة الكاملة والعجز عن تصدير خطاب وطني توافقي حقيقي، أو المبادرة في استيعاب الأطراف الثورية والسياسية الأخرى للمشاركة في تحمل أعباء إدارة دولة يصعب على جماعة ليست لديها أية خبرة في الإدارة والحكم أن تديرها وحدها! حصل تحول دراماتيكي في خطاب الجماعة الإخوانية السياسي، فبعدما كان يتميز خطابها السياسي وتحركها بالبراجماتية والاعتدال بدأت ومع توليها السلطة في التحالف مع قطاعات إسلامية أكثر يمينية مثل "الجماعة الإسلامية" و"الجهاد الإسلامي" ومجموعات سلفية أخرى. تبنى الإخوان خطابا سياسيا شديد الحدة, خطاب كان أكثر راديكالية حتى من بعض الجماعات والأحزاب المنتمية للتيار السلفي، والتي بالعكس عدَّلت بعضها كثيراً من رؤاها السياسية، وطرحت خطاباً شديد الاعتدال والاتزان كان غير متوقعا من مجموعات دخلت الساحة السياسية متأخرة جداً، كل ذلك أفقد الإخوان فرصة التحالف مع قطاعات سياسية وثورية أكثر اعتدالاً ومتوقع لهم أن يكونوا حلفاء لها بالضرورة, ثم كان خطاب رموزها وقادتها الإعلامي تم استغلاله بحرفية من خصومها لحرقها أمام الجمهور عبر وسائل الإعلام المملوك أغلبها لمجموعات تحسب على القطاع الليبرالي أو مجموعات رجال أعمال موالية للنظام السابق. ***** هيمنت على المرحلة الانتقالية أزمة ثقة حادة بين معظم الأطراف السياسية، وارتكنت جماعة الإخوان على الديموقراطية في شكلها الأداتي ( التعبئة والحشد وصناديق الانتخابات) دون استيعاب حقيقي للديموقراطية في إطارها القيمي، وبالتالي كان تصدير شعارات من عينة " الشرعية" و" بيننا وبينكم الصندوق" رؤية الإخوان للعملية السياسية وإدارتها، وبالتالي غلبت النزعة الاستعلائية على مكون الخطاب والفعل الإخواني في التعامل مع المعارضة المصرية، وكانت أزمة دستور 2012 نموذج حالة, حيث استأثر الإخوان ومعهم حلفاءهم من الإسلاميين وحدهم بوضع الدستور بعد استقالة أغلب المجموعات السياسية الليبرالية واليسارية والمستقلة منه، فضلاً عن انتقاد تشكيلة الدستور ذاتها التي لم تكن معبرة بشكل جاد عن أي حالة توافق سياسي أو مجتمعي. لم تستطع الجماعة فصل الحزب عن التنظيم القديم، وألقت الجماعة بثقلها ورجالها وأموالها في أتون المعركة السياسية، ومن ثم خسرت الجماعة مرتين، مرة على المستوى المجتمعي والدعوي حيث انسحبت الجماعة منهما بشكل شبه كامل لصالح المجال السياسي، ومرة أخرى حينما لوَّنت الجماعة نشاطها الديني والخيري بلون سياسي فأساءت لنشاطها الخيري الذي اُعتبر بمثابة " الرشوة السياسية"، كما انقلبت قطاعات عريضة من الشارع على دعاة الإخوان ودعاة إسلاميين آخرين محسوبين عليها على الاستخدام" الفج" والمؤدلج لخطاب الدعوي، والقدسية التي تم إلباسها لممارسات الإخوان السياسية، أما على المستوى السياسي فظلت الجماعة هي الحاضرة بقوة في رسم السياسات سواء للحزب، أو للحكومة المدعومة من الجماعة، أو في محيط الرئاسة، وظلت معايير الاختيار لكلتا المنظومتين مرتبطة بقوة بمعايير الولاء الأيدلوجي والتنظيمي. اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل