ليكن شعارنا جميعا "اكتمال الثورة الشعبية العظيمة ممكن رغم الصعاب" الموجة الأولى من الانتفاض الشعبي في "25 يناير" كُسرت خلال حكم "المجلس العسكرى" وحكم اليمين المتأسلم من بعده تكليف المخلوع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ب"إدارة شئون البلاد" لم يكن إلا تكليفا بإجهاض الثورة وعقاب للشعب اكتمال الموجات التالية من الثورة الشعبيةهي قادمة لا محالة تراخي القبضة الأمنية الغليظة والباطشة في مواجهة الاحتجاج الشعبي دليل على قرب تصاعدها في إنتفاض شعبي واسع الاتفاق على مجلس رئاسي بعد انتفاضة شعبية ليس بالأمر اليسير ولكن ليس مستحيل ديسمبر 2014 في غمار الإحساس المتفشي بفشل الثورة الشعبية في مصر في اقتلاع جذور حكم الفساد والاستبداد الذي قامت الثورة لإسقاطه ولم تفلح بعد. وبحكمة التفكير فيما سبق من أحداث، وفي الأخطاء التي اقترفها من تعاقبوا على حكم مصر منذ اندلاع الموجة الأولى من الثورة الشعبية العظيمة في يناير 2011 ومن عارضوهم، وقارب بعضها الخطايا في حق الشعب والوطن. يبدأ هذا المقال سلسلة تتوجه نحو المستقبل تستشرف سبل كشف الغمة الحالية وتسهم في إنارة السبيل للتحرك صوب نيل غابات الثورة الشعبية العظيمة أقدم، فيما يلي القسمات الرئيسية لما اعتبره المسار الرئيس الذي يمكن أن يضع مصر، في تقديري، على الطريق السليم لإسقاط البنى الخبيثة الداعمة للحكم التسلطي الفاسد ولتشييد البنى القانونية والمؤسسسية الطيبة الكفيلة بالتحرك الجاد والفعال نحو نيل غايات الثورة الشعبية، في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية للجميع على أرض مصر. وبدون ذلك الإنجاز لا يمكن علميا الحديث عن اكتمال ثورة في مصر، سواء عنينا الانتفاض الشعبي في يناير 2011، أو الانتفاض الشعبي على حكم اليمين المتأسلم في نهايات يونية 2013. لدينا، على أفضل تقدير بدايات ثورة شعبية عظيمة لم تكتمل، وللأسف نحجت قوى المعادية للثورة في كسرها. ولعلي في مقال قادم أقدم معالجة نظرية لمعني الثورة في العلوم الإنسانية. علينا إذن أن نعترف من ثم بأن الموجة الأولى من الانتفاض الشعبي، وهذا هو التعريف العلمي الدقيق لتك الظاهرة العظيمة والنبيلة، في نهايات يناير 2011، قد كُسرت من خلال حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة للمرحلة الانتقالية الأولى وحكم اليمين المتأسلم من بعده. وأن الموجة الثانية من الانتفاض الشعبي، في نهايات يونية 2013، قد قضي عليها، وعلى ماكان قد بقي من إنجازات الموجة الأولى، تحرك المؤسسة العسكرية، وبالتحديد المخابرات العسكرية، لإزاحة حكم اليمين المتأسلم في 3 يولية 2013. والجهة الأخيرة هي الفاعل الأساسي في إجهاض الموجة الثانية من الثورة الشعبية، وربما الأولى أيضا، وجميع من أحاطوا بوزير الدفاع السابق في ذلك اليوم المشهود، أو مهدوا له في كواليس سرية، لم يكونوا إلا هامشا تجميليا لفعل آثم ومؤثم، أي "كومبارس" بلغة أهل الفن، جرى تجنيدهم أو إغوائهم بواسطة من كانوا يحيكون خطة الإجهاز على الثورة الشعبية، ربما منذ التكليف غير الدستوري من الطاغبة المخلوع، للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بمهة " إدارة شئون البلاد". ولعل هذه العبارة لم تكن إلا رمزا لإطلاق يدهم لإجهاض الثورة الشعبية، طلبوه هم ثمنا للإبقاء على حياته أو أوكل لهم من طاغية أيقن أن أيامه في الحكم صارت معدودة. ********** وليس هذا التعثر، الذي أظنه وقتيا وإن أحاطت به صعوبات جمة، بغريب على المسار التاريخي لثورة شعبية عظيمة في منطقة محورية من العالم، تسعى لهدم وإزاحة ركام عقود طويلة، بل قرون من التخلف الناجم عن الاستعمار والحكم التسلطي الفاسد من الأجانب ومن بعض أهل البلد. وأنا للتاكيد أتكلم هنا ليس فقط عن مصر ولكن عن عموم الوطن العربي، حيث أعتقد أن مصير الشعوب العربية واحد، وأن الانتفاض الشعبي الذي بدأ في بدايات العام الأخير من القرن الحادي والعشرين في عموم الوطن العربي، ليس إلا مدا تحرريا عربيا شاملا، سيفضي نهاية في ظني إلى سقوط الحكم التسلطي في عموم المنطقة العربية، وأرجو أن يفتح المجال واسعا لمسار نهضة إنسانية للأمة العربية جمعاء. ولكن ليس إلا واهما من يتصور أن قوى التسلط والاستعمار الجديد ستستلم أمام المد التحرري العربي من دون مقاومة شرسة لأن مصالحها التي يهددها نجاح المد التحرري العربي ضخمة وشاسعة. هذه هي نقطة البداية المنطقية للتدبر في مسار الثورة الشعبية العظيمة في مصر وأول خطوات العمل على اكتمال الموجات التالية من الثورة الشعبية، وهي قادمة لا محالة لسبين منطقيين: الأول هو أن الانتصارات الوقتية للقوى المعادية للثورة تخلق الظروف الموضوعبة، أي المزيج السام من القهر والإفقار، الذي يستدعي موجات تالية من الثورة. وفي تصاعد حركات الاحتجاج الشعبي، خاصة بين الطلاب والعمال، على الرغم من البنية القانونية الجائرة والقبضة الأمنية والقضائية الباطشة، وفي تراخي القبضة الأمنية الغليظة والباطشة في مواجهة الحركات الاحتجاج الشعبي هذه دليل على قرب تصاعدها في إنتفاض شعبي واسع. يقيني أن السبب الأساسى لإخفاق الموجتين الأولى والثانية مما أحببت أن أسميه ثورة الفل- لأسباب لا تخفى على مصري- هو أن أنهى الثوار موجة الانتفاض الشعبي العارمة في يناير 2011 بإعلان تنحي الطاغية محمد حسني مبارك، وتكليفه- غير الدستوري- المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد، والذي تبين فيما بعد أنه لم يكن إلا تكليفا بإجهاض الثورة وعقاب الشعب على الخروج على حكم الفساد والاستبداد. أعلم أن كثيرين يحتجون على فكرة أن يتسلم الثوار السلطة بأن ظروف الانتفاض الشعبي كانت تجعل من المستحيل الاتفاق على شخص واحد لقيادة الحكم الانتقالي التالي للإنتفاض الشعبي. وهذا صحيح بالقطع. ولكن وجه الخطأ الأساس هو مسألة الإصرار على القائد الشخص الواحد وليست إلا امتدادا لتقليد الفرعون ومقدمة طبيعية- في ضوء الميل البشري للتسلط- لبداية هزيمة الثورة الشعبية وإعادة صناعة متسلط أوحد جديد، أيا كانت مناقبه الابتدائية، المفترضة او المتوهمة. الحل المنطقي والثوري حقيقة الوحيد هو المجلس الثوري الذي يمكن أن يتسع لتيارات سياسية مختلفة ولتمثيل مختلف أجيال ومكونات متعددة الشعب، بشرط واحد هو الانتماء للثورة والإصرار على نصرتها. وفي آلية إتخاذ القرار الجماعي، ديمقراطيا بالطبع، عصمة من تجاوزات القرار الفردي أيا كان الفرد متخذ القرار. فيما مضى، كان ينبغي عدم إنهاء موجة الانتفاض الشعبي إلا بتشكيل مجلس رئاسي من المنتمين بالتاريخ والمواقف لغايات الثورة الشعبية من أجيال مختلفة وبحيث يضمن تمثيل جميع فئات الشعب لحكم فترة انتقالية طولها عامين تنتهي بانتتخابات رئاسية وتشريعية شريفة (أي خالية من تأثير المال السياسي، خاصة الأجنبي)، وحرة ونزيهة. وفيما يأتي لا مناص من المجلس الرئاسي إن أردنا اكتمال الثورة الشعبية العظيمة. وقد يدعي البعض، وبحق، أن الاتفاق على مجلس رئاسي بعد انتفاضة شعبية ليس أيضا بالأمر اليسير. ولكن ليس من استحالة. من ناحية تأخير ومعاناة بضع أيام ثمن زهيد بالمقارنة بالمخاطرة بإجهاض الثورة الشعبية. ومن الممكن من حيث المبدأ أن يتضمن أسلوب عمل المجلس إمكان الاتفاق على تعديل عضويته لضمان استمرار تمثيله لروح الثورة الشعبية وقواها. ******** وبعد ذلك يعيّن المجلس الرئاسي حكومة انتقالية مؤقتة بمدة عامين، من ثوار أو مناصرين للثورة، شريطة ألا يزيد عمر المسئول عن خمسين عاما على أكثر تقدير، ما يستبعد حتما جيل الكاتب ومن يكبرونهم، من المناصب التنفيذية. ويكلف المجلس الرئاسي الحكومة بأن تشرف ، تحت رقابة المجلس، على إنجاز الأهداف التالية. · تطهير وإعادة بناء أجهزة الأمن والقضاء لتحمي مسيرة وغايات الثورة الشعبية. · عقد محاكمات انتقالية ثورية عاجلة وناجزة، ولكن نزيهة وعادلة قدر الطاقة، لمن أفسدوا الحياة السياسية واقترفوا جرائم الفساد والنهب، وأوقعوا الشهداء والمصابين في أحداث الثورة الشعبية، مع مصادرة الثروات الحرام التي كونوها ووضعها في صندوق خاص، تحت الرقابة العمومية، لخدمة نيل غايات الثورة الشعبية. · ويلي ذلك بدء عملية الإصلاح القانوني والمؤسسي بوضع دستور جديد يضمن تحقيق غايات الثورة. يؤسس- من دون أي لبس- لدولة مدنية حديثة، لا دينية ولا عسكرية؛ ويضمن بلا مواربة الحقوق والحريات المفتاح (للرأي والتعبير والتنظيم في المجتمعين المدني والسياسي، بمجرد الإخطار للقضاء)، ويحظر الأحزاب الدينية؛ ويخضع جميع مؤسسات الدولة، خاصة المؤسسة العسكرية، لرقابة الشعب وممثليه ويقرر أسس مساءلتها أمامهم، ويؤسس لبناء مؤسسات الحكم الديمقراطي السليم بانتخابات شريفة، حرة ونزيهة، ولإقامة نسق وطني متكامل للنزاهة ومحاربة الفساد. · وينص الدستور، ويتوفر المجلس الرئاسي، على تشجيع إنشاء الأحزاب السياسية للشباب وللفئات المهمشة تحت الحكم التسلطي وتمويل نشاطها وحملاتها الانتخابية من صندوق الثورة. ولعلي أشير إلى أنني قد نشرت بعضا من مضمون هذا الموضوع، على صورة مقالات، وفي كتب (يوميات ثورة الفل، الهيئة العامة للكتاب، ستة أجزاء). منذ قبل قيام الموجة الأولى من الثورة الشعبية العظيمة. ولكن لم يستمع أحد في السلطة أو المعارضة، لأن المصالح السياسية الضيقة، والمفتقدة للأفق وللحس السياسي الثوري، كانت دائما غلّابة، ولو أهدرت بسببها مصلحة الوطن والشعب. ولكن مقابلة التصور البسيط السابق بما جرى في مصر في السنوات الأربع الماضية يبين مدى انحراف المسار التاريخي الفعلي عن المثال، أساسا بسبب قوة وشراسة نظام الحكم التسلطي الفاسد الذي قامت الثورة الشعبية العظيمة لإسقاطة ولم تفلح بعد. ولكن الشعب والثورة سينتصران، لا محالة. هذه حتمية التاريخ والتي أثبتها الشعب المصري مرات عديدة عبر تاريخه الطويل. وسأنشر فيما بعد سلسلة مقالات تقدم تصورا مجملا لمشروع لنهضة إنسانية في مصر يستهدف نيل غايات الثورة الشعبية في الحرية والعدل والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية للجميع على أرض مصر. وليس بالأمر العسير ما خلصت النوايا وصح العزم. وليكن شعارنا جميعا أن "اكتمال الثورة الشعبية العظيمة ممكن رغم الصعاب" اضغط هنا لمشاهدة الملف بالحجم الكامل