عندما قامت ثورة يوليو 1952 كانت تحدو ثوار يوليو آمال عريضة في تطوير وتصنيع مصر ..ونقلها من بلد زراعي يعتمد على محصول واحد فقط هو القطن ..الى بلد صناعي متطور .. كانت مصر فعليا ..مجرد مزرعة كبيرة للقطن تعمل من اجل مصانع النسيج في لانكشير وغيرها من مدن انجلترا . وبعد أن نجح " ثوار يوليو " في تسديد أول ضربة قوية للاقطاع المصري العتيد . بإصدار قانون الاصلاح الزراعي وتحديد الملكية الزراعية ..بعد شهر ونصف فقط من الثورة .. انتهت السيطرة الفعلية للاقطاع على الاقتصاد المصري .. وقد تطلع " الثوار " للطبقة الرأسمالية تحدوهم الآمال العريضة ..علها تقوم بمهامها في تطوير وتصنيع البلد . ففي 18 فبراير 1953 ، وجهت الثورة نداء علنيا في صورة قرار يناشد الهيئات والشركات الخاصة اقامة مشروعات ومصانع في مصر. وبعدها بأسبوع قررت اعفاء المدينين من تعويضات السداد العاجل التي اجراها البنك العقاري الزراعي ..وفي 4 مارس 1953 تقرر اعفاء شركات الطيران من دفع رسوم على الوقود والزيوت وقطع الغيار. وفي الفترة من 10 مارس 1953 الى 16 مارس ، اصدرت الثورة العديد من القوانين لتشجيع الرأسمالية المصرية على الاستثمار والعمل .بل اصدرت الثورة قانونا لتشجيع الرأسمال الاجنبي على المجيئ والاستثمار في مصر ، فأصدرت القانون 156 لسنة 1953 ، وفيه يباح لمن يستثمر امواله في مصر ان يكون له 51 % من رأس المال اذا أراد أن يحول ارباحه كلها سنويا للخارج ..وأن يحول رأس ماله كله للخارج بعد خمس سنوات من العمل ..وسمحت للاجانب تحويل اجورهم بالكامل .. وزاد القانون بأن أنشأ إدارة لخدمة الاجانب الذين يقبلون الاستثمار والعمل بمصر. وصدرت سلسلة طويلة من القوانين لتشجيع الرأسمالية المحلية والاجنبية على تطوير وتصنيع البلاد ....فماذا كانت النتيجة؟؟ النكوص التام ..والعزوف الكامل ..ووصل الامر الى حد تخريب الاقتصاد المصري الناشئ والضعيف من خلال رفض البنوك الاجنبية .. والبنوك الوطنية ..كالبنك الاهلي ..تمويل اي مشروعات للدولة . وهنا جاء قرار التأميم كإجراء حياة او موت لاقتصاد بلد يريد التنمية والاستقلال الوطني . وقد جربت ثورة يوليو كل الطرق والوسائل " لإغراء " الرأسمالية على العمل وقيادة التنمية .. وظل ذلك حتى عام 1960 ..فثبت عمليا " خيانة " هذه الطبقة لأهداف الوطن . فكان التأميم وقيام الدولة نفسها بقيادة التنمية . وخلال عشر سنوات فقط ..من 1960 حتى 1970 ، نجحت مصر بناء صناعة وطنية قوية .. كانت عماد صمود الدولة بعد هزيمة يونية وحتى نصر اكتوبر 1973. وفي عام 1974 عادت اوهام الرأسمالية من جديد تسيطر على السادات وخلفه محمد حسني مبارك في الاعتماد على الرأسمالية ..وكأنهما لما يقرآ دروس التاريخ القريب ... الآن .. وبعد اربعين عاما من هذا " الوهم "..كيف صارت مصر ؟؟!! اربعون عاما من التخريب الرأسمالي : اقتصاد قائم على الديون والمعونات ..صناعات خدمية واستهلاكية قائمة على " التجميع " للقطع المستوردة ..بيع مخطط للقطاع العام ومصانعه بأبخس الاسعار في مقابل الرشاوي والعمولات التحتية ..نهب منظم للبنوك والمصارف الوطنية والهروب بأموالها للخارج ..سيطرة منظمة على أراضي الدولة بأبخس الاسعار للمحاسيب من الرأسماليين الفاسدين ..رفض شبه كامل للرأسماليين المصريين دعم الدولة الوطنية في انجاز مشروعات قومية كبيرة لتشغيل العاطلين بعد ثورة 30 يونيو ..ضغوط منظمة على الدولة الوطنية من خلال الاعلام الخاص لتقويض نظام الحكم الجديد والعودة لقواعد الفساد الرأسمالي القديم والفاجر. تجاهل النقمة السائدة في الاوساط الشعبية نتيجة تدني مستوى الخدمات وارتفاع الاسعار ..وتحويل هذه النقمة بإتجاه الحكومة ورأس الدولة مستغلين في ذلك سيطرتهم على الاعلام والاعلاميين المنافقين . الخلاصة : أن أي توجه لنمو اقتصادي حقيقي يجب ان يتخلى عن " أوهام " الطريق الرأسمالي ..وان قيادة الدولة للاقتصاد هو الطريق الوحيد للنهوض من جديد ..كما حدث في الصين وروسيا . لقد كشفت تجربة مشروع قناة السويس الجديدة عن رغبة وقدرة الشعب المصري على بناء مستقبل جديد للاولاد والاحفاد . ولكن التجربة كشفت ايضا عن نكوص وتلاعب الرأسمالية المصرية وفسادها وتبعيتها للخارج . ولن يكون أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي خيارات كثيرة : اما الانحياز للشعب والمستقبل ..او الانحياز للرأسمالية المصرية الخائنة الفاسدة ..والوقت ليس لصالحه ..والتاريخ لن يرحمه ..كما لم يرحم انور السادات وحسني مبارك تحولهما عن خط الاستقلال الوطني والدولة الوطنية القوية . المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية المشهد.. لا سقف للحرية