ليالى الرعب فى طريق العودة من ليبيا - شباب سافر للبحث عن لقمة العيش فعاد عاريًا - عائدون: ذهبنا بحثًا عن المال وعدنا خوفًا من الموت - تركنا أموالنا وكل شئ وراءنا مقابل "الحياة" - القتل أو الانكسار مصير المصريين فى ليبيا بدا لهم أن الوطن ضاق بهم، وأن رزقهم مرهون بخروجهم على الحدود المصرية، حتى إقترب الحلم إلى الدولة النفطية الوحيدة التي لا تكبدهم عناء المبالغ الطائلة أو تأشيرات الدخول، ليبيا، وبعدما إرتسم الحلم وشق أبناء الوطن طريقهم إلى هناك، إرتجف حلمهم بالصراع الدائر حتى في العاصمة طرابلس، وأفزعت آمالهم سيطرة الميليشيات المسلحة على ما تبقى من بنغازى والبيضا ومصراتة وغيرها، فقرروا العودة إلى وطنهم من جديد حاملين الخيبة وفقدان الأمل وتاركين أموالهم وأمتعتهم وشقاء العمر وراء ظهورهم. عاد أبناء قنا بالفزع والوجيعة من بلاد "الغربة"، ولم يشفع لهم الإغتراب عن أهلهم أو حرمانهم مما يشتهون لأجل توفير المال لذويهم. يروى يوسف محمود أنور، قصته ل"المشهد" فيقول :"عندي 38 سنة، وانا من نجع حمادي بمحافظة قناجنوب مصر، ولا أصدق حتى الآن أنني لازلت على قد الحياة، فمنذ صلاة العيد ومشهد الموت لم يفارقني ساعة واحدة، ففررت من طرابلس ولا أعلم من يحارب من، تركتُ ملابسي وجواز سفري وحملت ما معى من أموال بسيطة، حيث أنني لم أستطع إستكمال تحصيل باقي الأموال أو التوصل لصاحب العمل الذي كنت أعمله لديه مندوبًا للمبيعات، وإستطعت الفرار إلى الحدود التونسية." ويستكمل "يوسف" : "بدأ الرعب الحقيقي بعد مقتل الجيش التونسي ل4 مصريين أمام أعيننا، كانوا تظاهروا ضد إهانتهم وضربهم لهم على الحدود، وظللت 48 ساعة دون طعام على الحدود التونسية حتى جاءت إحدى الجمعيات الأهلية بالطعام والشراب لي ولمن معى، وإستطاع السفير المصري بتونس أن يعبر بنا إلى داخل الدولة ومن هناك عبر الطائرة إلى القاهرة". يتحدث أحمد رمان ياسين "44" عام من قرية بنى حميل أقصى جنوبسوهاج، عن مأساته في الأراضي الليبية قبل الوصول لمصر قائلا :" نحن محاصرون منذ 3 أشهر فى المنطقة الغربية من مدينة بنى غازى والتى تشتعل فيها الحرب ولا نعلم من يحارب من". ويضيف :"بنى غازى يسيطر عليها المتطرفون الذين يبحثون عن أى أجنبى مسيحى ويقتلوه بدم بارد، وكنا نخبئ اخواننا الاقباط أسفل السراير ورغم صيحاتنا المتكررة للأوساط المصرية بالتدخل وانقاذنا، إلا أن شيئًا لم يحدث، خاصة أن المنطقة بين السلوم وبنى غازى، منطقة صحراوية مكشوفة تمامًا والميلشيات المسلحة تصطاد من يعبرها بسهولة كاملة." ويكمل :" أما فى الأسبوع الأخير تم اختطاف أكثر من 12 فردًا من أصدقائنا دون أن نعلم مصيرهم، فغادرنا بنى غازى إلى الزواية ومنها إلى طرابلس العاصمة، ظنًا منا أننا نتجه إلى الآمان، وفررنا الى تونس ومعبر رأس جدير، وخسرنا كل شىء عائدين كما ذهبنا فقراء ومعدومين ونشكو حالنا ونندب حظنا"، مختتمًا كلماته مطالبًا الدولة بإنقاذ 100 ألف شاب عالقًا بين بني غازي وطرابلس بعد تعثر وصولهم إلى منفذ السلوم. يواجه الآلاف من الشباب المنياوي المسافر إلى ليبيا، مخاطر وصعوبات العودة إلى وطنه وأهله تاركًا وراءه كل ما عاناه من أجلهم، أو القتل والفتك بهم في أراضي الغربة دون دية. ذهب محمد عبد العظيم 25 سنة، أحد أبناء محافظة المنيا إلى الدولة الليبية منذ ثلاثة أشهر عن طريق الهجرة غير شرعية، وتمكن من العمل فى بناء الوحدات السكنية، وفي الشهر الأول والثاني كانت المعيشة توحي بالاستقرار، إلا أن بدء الحرب بين أنصار الشريعة والجيش الليبي حوّلت حياتهم إلى جحيم – حسب وصفه – مضيفًا :"فوجئنا بالقذائف والصواريخ تحيط بنا من كل مكان، وقتها قررنا العودة إلى مصر، وبدأت رحلة الشقاء من معاملة غير آدمية من السلطات الليبية، وتفتيش وسب وشتم وسرقة هواتفنا وأموالنا، حتى وصلنا إلى الحدود المصرية لا نملك سوى أرواحنا والملابس التي نرتديها." يصف محمد فولي، أحد أبناء قرى مراكز المنيا، حياة المصريين بالبريقة، ب"المهددة"، فيقول :" توجهت للعمل بليبا وكنت أسكن مع إبن خالي ومجموعة من المصريين بالبريقة، خاصة وأننا كنا نعمل في المقاولات، وفجأة إنتشرت أعمال العنف والعصابات والميليشيات التي كان دورها قتل وترويع المصريين وسرقة ممتلكاتنا وجوازات السفر الخاصة بنا، والقبض على عدد منا للعمل معهم عنوة، حتى أصبحت الحياة لا تُحتمل وقررنا العودة، وإتفقنا مع عدد من أعضاء الميليشيات المسلحة بتوصيلنا للحدود المصرية مقابل مبالغ مالية، وبالفعل تم ذلك بركوبنا سيارة من السلوم حتى المنيا تاركين كل شئ وراءنا من أموال وممتلكات مقابل النجاة." وأشار "محمد" أن هناك مصريين يتم تعذيبهم بالصواعق الكهربائية من قبل المليشيات العصابية، وتم الاستيلاء على ممتلكاتها حتى اصبحت لا تملك شئ ولا تستطيع الدفع للمليشيات حتى يساعدوهم على الخروج، وهناك من قُتل أمام أعينهم، مناشدًا الحكومة المصرية بسرعة التحرك وإرسال الطائرات وترحيل المصريين الموجودين هناك حفاظًا على حياتهم من الخطر الذي يداهمهم من كل جانب. ويتحدث أيمن شوقى نان، أحد أبناء المنيا وكان أحد المسافرين لليبيا، أن هناك ميليشيات كانت ترتدي زي الشرطة وتهاجم المصريين وتستولى على كل شئ يملكونه، وبعدما رأى الموت يحيط به من كل مكان قرر الإتفاق مع ليبي متعهد بترحيل المصريين ليساعده على الخروج من ليبيا مقابل 600 دينار، كانت كل ما لديه من أموال إضافة إلى بعض النقود كان يدفعها عند كل كمين، إلى أن خطت قدميه الأراضي المصرية سالمًا ليس غانمًا. القتل أو الانكسار لم يسلم المسافرون إلى ليبيا منذ أعوام طويلة من عنف الميليشيات والجماعات المسلحة والحروب ، فبالرغم من الأموال والمعدات التي أضاع إبراهيم عبد الوهاب، من أبناء محافظة الشرقية، عمره في تجميعها وشرائها والعمل بها هو ومن يعمل لديه، إلا أن ذلك لم يغنى عنه بين أوساط الميليشيات، فطاردته هو وعماله واستولت على كل ما لديه من أموال ومعدات وسط التهديد بالقتل والإهانات والشتائم، إلا أنه عمله الطويل بليبيا والذي جمعه بعلاقات ببعض الشخصيات الليبية، مهّد له الطريق حول أمل العودة إلى وطنه، وفور إتصاله بصديقه ضابط الشرطة الليبي، توجه إليه مسرعًا وأوصله بنفسه إلى الحدود المصرية بعربته الخاصة. ليفاجأ "إبراهيم" بعد عودته لمصر بيومين وعن طريق مواقع التواصل الإجتماعي، بصورة صديقه الضابط مذبوحًا في الأراضي الليبية، لتصيبه الصدمة التي أخرسته عن الكلام. وكان لدى محمد علي، منياوي يعمل بليبيا منذ ما يزيد عن ال10 أعوام، أملاً في نجاته من أعمال العنف بليبيا خاصة وأن لديه عمله الخاص بها وأن لديه أصدقائه المصريين والليبيين الذين يجاهدون في العمل بها دون الإحتكاك بالميليشيات أو محاربيهم، وبعدما قضى إجازته بمصر وعاد إلى ليبيا قبل شهر رمضان المبارك، فوجئ بزيادة أعمال العنف والرعب والإرهاب في الأراضي الليبية حتى وصلت إلى مسكنه هو وأصدقائه، وتم مساومتهم على تسليم كل ما لديهم أو القتل، وبالطبع كغيرهم من آلاف المصريين، إختاروا النجاة والهروب والعودة إلى مصر دون التفكير في أموالهم أو حياتهم التي تركوها لمصيرها. لم تنتهى قصص العائدون من ليبيا عند هذا الحد، وحتى بعد قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بفتح جسر جوي للمصريين للعودة من ليبيا، أصبحت فرصة الرجوع من أرض الرعب مرهونة بالهروب من الميليشيات والوصول إلى مأوى يجمع عددًا من المصريين للعودة سويًا إلى موطنهم من جديد، لتواجه الدولة المصرية مزيدًا من البِطالة والضغوط المادية والمعنوية.