الموقف الرسمي الروسي المتطابق مع النظام السوري تجاه المجازر التي يتعرض لها الأشقاء في بلدنا العربي المنكوب ليس بجديد، فهذا ديدن الأنظمة الدموية الفاشية، فالنظامان متشابهان حد التطابق حتى في التوريث، وخير دليل على ذلك؛ الترتيبات التي أعدها فلاديمير بوتين قبيل انتهاء فترة حكمه ((بتسليم السلطة إلى صبيه مدفيديف، لضمان عودته إلى سدة الحكم))، وهي ذاتها التي سبقه في استخدامها الأسد الأب في تسخير مؤسساته العسكرية والأمنية وتعديل الدستور، لتحويل النظام الجمهوري إلى وراثي أبدي، لا يفهم سوى لغة الرصاص والدم، في الرد على كل من يعارضه، وهذا ما نشاهده بأم العين في ميادين ال(( توأم )) سوريا وروسيا، ويبدو ((أن بو - تين المتمسك بالسلطة كزعمائنا المزمنين، عربي الجذور)). لا استغرب شخصيا موقف روسيا الاتحادية تجاه كل ثورات الربيع العربي، لأنه مستنسخ من مواقف حجر أساسها ((الاتحاد السوفييتي)) الذي تشرذم غير مأسوف عليه.. وهذا سيكون حال الولايات الأميركية - مبدأ التاريخ يعيد نفسه - الذي نؤمن بحتمية دورته في كل المتغيرات التي يشهدها العالم، ونستهجن أن يعيد نفسه في وطننا العربي (( بلاد الشام والهلال الخصيب – بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان .. )) !! الاتحاد السوفييتي الذي وضعت أنظمة عدة في عالمنا العربي ولا يزال بعضها (( كل البيض في سلته - منذ نكبتنا الأولى، التي كان إبانها أول المعترفين بدولة الكيان الغاصب لفلسطين ))، لا يعنيه أي شعب أو نظام عربي، حاله كحال أميركا وأوروبا المتحدة والصين واليابان، وكل الدول والقوى الفاعلة عالميا، التي تتنازع فيما بينها على بقرة الشرق الأوسط الحلوب، بينما نحن خارج النزاع (( عجيب أمرنا )) .. نعلم جيداّ أن الاستعمار قسم وطننا الكبير وينهب ثرواتنا ويسخرنا لتحقيق مصالحه ويعبث بمقدراتنا ويشتت شملنا بسياسته (( فرق تسد ))، ولأننا من شعوب الحفظ لا الفهم تحفظ كل أجيالنا عن ظهر قلب، وترضع الأمهات أطفالهن مفردات جميع النكبات التي تنصب على رؤوسنا، منذ اتفاقية (( سايكس بيكو – لعنة الله على كل من ساهم في إعدادها وتنفيذها ))، وحتى يومنا هذا، فمتى نعي ويتبين لنا (( الغي من الرشد )) ؟! أفيدونا يرحمكم الله . كفانا عواطف .. يجب أن نعيش عصر العقل والعلم والواقع قبل أن يخرجونا من التاريخ والجغرافية، ألسنا أمة (( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ))؟! أين نحن من ذلك القليل ؟؟ إلى متى نعلق فشلنا على شماعة الناجحين ؟! وإلى متى نلجأ إلى الغريب في حل مشكلاتنا واسترداد حقوقنا؟! متى نصحو من سباتنا الذي طال أمده (( أيها الراقدون تحت التراب ))؟! لا أنكر العاطفة على أحد .. لأنها الإنسانية والمحبة واستمرار الحياة بنواميسها الطبيعية، لكنها لا تصلح في دهاليز السياسة (( فن الممكن .. التي لن تتفق يوماً مع الأخلاق في لغة المصالح ولعبة أمم نحن المتفرجين ضحيتها )) . نحن أمة العواطف الجياشة حتى مع الأعداء .. ونتيجة تحكيم قلوبنا وتغييب عقولنا، صدقنا أكاذيب باراك أوباما الذي صفقنا له إعجابا ومحبة في قاهرة المعز عندما بادر الذين حضروا للقائه بتحية الإسلام (( السلام عليكم .. بلكنة أميركية نعرف كنهها ))، فظن الجميع حينها أنه – معاذ الله – صلاح الدين الثاني، حتى أن بعض الفلسطينيين المنكوبين، حزموا أمتعتهم استعدادا لركوب قطار العودة إلى الوطن المحرر على يد ابن جارتنا المضطهدة إفريقيا، وزادت محبة الشارع العربي لهذا المراوغ، عندما روجت وسائل إعلامهم الصهيونية لجذوره الإسلامية، كما هو حال صحافتنا الصفراء التي تروج لعاهرة كسدت سوقها (( أسمع كلامك يعجبني ... )) !! الموقف ذاته كررناه مع رجب طيب أردوغان، الذي بات في ليلة وضحاها زعيم الأمة العربية، عبر خطاباته وتصريحاته النارية في الهواء (( كخطاباتنا القومجية – جعجة من دون طحن )) .. وهنا يجب أن نسأل أنفسنا : هل أثرت تلك المواقف على علاقات تركيا وشراكتها وتحالفها الاستراتيجي مع عدونا الصهيوني ؟؟ وماذا قدمت في المقابل لقضايانا العربية ؟ مع عظيم تقديرنا لدماء شهداء أسطول الحرية – سفينة مرمرة. الحال تنطبق على الذين يحاربون الشيطان الأكبر، ويعدون النووي من أجل التلويح به في وجه معارضي مآرب أبناء وأحفاد الخميني، في دول (( الكيكة )) التي يتفق الجميع على تقاسمها لكنهم يختلفون على الحصص .. هي لعبة الأمم ورقعة الشطرنج الجديدة التي يتنازع السيطرة عليها أكثر من ملك لا يموت أحدهم ولا يهتز عرشه (( لا بالكش ولا بالحياء )). ليس بغريب علينا هذا الحب الجارف العذري (( من طرف واحد ))، فهكذا كانت حال المفاوض الفلسطيني (( حفيد قيس بن الملوح ))، يتعامل مع سارق وطنه بمنطق الصديق، وكأن الأمر لا يتعدى سوء التفاهم على بعض أراض اختلف أبناء العمومة في حقبة زمنية على توزيع حصص ميراث الأجداد !! إلى درجة أننا نسينا ذكرى نكبتنا في العام 1948، وأصبحنا في خانة المحتفلين بذكرى قيام دولة العدو .. (( يا حسرتي على دماء الشهداء وأنات الجرحى والمعاقين ))!! آن الأوان لإعادة حساباتنا.. يجب عدم إغفال حقيقة ومنهج السياسة الخارجية الأميركية وكذلك مثيلاتها في عالم (( أحادي القطب ))، فقد رسموها وفق محددات تحقق مصالحهم أولاً، حتى وإن أدى ذلك إلى تدمير دول (( نامية نائمة )) وإبادة شعوب وإزالة وحدات سياسية من الوجود، هذا ما شهدته ولا تزال الساحتين العراقية والأفغانية، ناهيك عن ضغوط اللوبي الصهيوني المؤثر في كل القرارات المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، التي تتخذها أميركا وحلفاؤها على حد سواء، إضافة إلى استخدام الدين (( النزاعات الطائفية ))، كعامل أساسي في صناعة القرار. آن الآوان وبإرادة شعبنا الذي انتزع حريته وأسقط الأتباع في ثورات الربيع العربي، لإعادة كتابة تاريخ (( خير أمة أخرجت للناس ))، بنتاج عقول أبنائها وسواعدهم الفتية، لنبرهن للعالم أننا نقول : نعم للصديق الصدوق فقط، ونتصدى بقوة وعزم وإيمان لكل طامع في أرضنا وثرواتنا. * كاتب صحفي فلسطيني