الأكثر خطورة من تقرير برامرتس بلاغ قصير صدر في أميركا يعلن ان "القاعدة" استعادت القوة التي كانت لها قبل 9/11... وربما أكثر! وكأن العاصمة العالمية الأقوى تنبئنا، نحن الضعفاء (المنكوبين بحرب "القاعدة" المستحدثة علينا، نقاومها ببطولة والكثير من الضحايا الشهداء ونستمر حتى النصر) بأنها خسرت "الحرب على الارهاب" التي شنّها عليه رئيسها عقب نسف برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وأعلنتها حرباً عالمية كانت أفظع ساحاتها العراق، ولا تزال سنوات... والسؤال الذي يفرض نفسه هو: حتّما تدوم؟ ومن ثمَّ: الى أية ساحات تنتقل، أية حدود تمزّق، وأية مجتمعات؟ وأية دول تدمّر، منهزمة او مهزومة؟ وأخيراً، كيف تنتصر اميركا، وهل يمكن ان تنتصر في حربها هذه، التي تشتعل حروباً، وليست آخرها حرب نهر البارد في لبنان... اللبنان الذي بشّرته ايران من سنتين، نظن، بأنه سيكون الساحة التي ستنتصر فيها على أميركا!؟ في انتظار تلك الحرب (أم تراها بدأت، "حرباً بالوكالة"؟) في انتظار تلك الحرب، على لبنان ألاّ ينسى، أو يهمل حرب برامرتس والمحكمة ذات الطابع الدولي و"الحقيقة" التي كان يلحّ، ويجب ان يستمر يلحّ على معرفتها... ليس هكذا، مجرّد "معرفة نظرية" بل معرفة "عملية" – اذا جاز التعبير – وواقعية تترجم نفسها او تترجمها ويترجمها معها المجتمع الدولي، أبعد من الآفاق المحض أميركية، قرارات عدلية عادلة، وادانات تنتقم، كما وحده القضاء يقدر بحق، من المجرمين، "قاعدة" كانوا أو طلائع القاعدة اياها، أو متفرعات من الرحم الارهابي الذي يستمر ينجب العنف والقتل والدمار وتخريب كل ما هو قائم، السليم وغير السليم على حد سواء. وتشاء صدف الجغرافيات التي تلتقي في لبنان ان يصاقب صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية في اليوم الذي تعود فيه "طاولة الحوار الوطني" – انما بالوكالة، وبناءً على دعوة باريس وفي كنفها وفي ظل مشاورات اقليمية تؤيدها... مما سيجعل بعض قصيري النظر ينادون بويل "تدويل" المسألة، وثبور التدخل الاجنبي... كأنما الأزمة لم تكن وليدة اعتبارات ومطامح ومطامع اجنبية تستبيح الوطن والانسان لتصفية خلافاتها وخوض حروبها على أرضنا وكأنها مجرّد "ساحة" او "مسرح"، وسائب. وقمة قصر النظر ان يظن واحدنا أو أي أحد من المراقبين ان الأزمة الدولية التي تتفاعل في لبنان وتمزّقه يمكن ان تعالج بمعزل عن الأفرقاء الاقليميين والدوليين للأزمة... خصوصاً هؤلاء الذين أعلنوا حربهم على اميركا في ديارنا، لا دفاعاً عن هذه الديار بل عن "حقهم" في مفاعل نووي لا ناقة لنا منه ولا جمل، ولا حتى كهرباء؟ نعم طبعاً قمة المعالجة ان يعود لبنان يتوحد وتلتحم مكوّناته، طوائف كانت أم قبائل أم مجرّد أحزاب وجبهات، وتتوافق على تحصين لبنان الوطن بدولة قوية تتوافق شرعيتها مع الشرعية الدولية وتستظلها (يخدمها جيش هو رمز الوحدة ولا يستخدمها لاقامة نفسه سلطة غير دستورية فغير ديمقراطية). وبديهي ان الطريق الى الدولة يجب أن يتغلب على جغرافية الارهاب المتجوّل، لا يتعثر في حبالها الخنّاقة، وييّسر فكفكة تعقيدات المصالح الدولية التي يسترهن معظمها افرقاء لبنانيين على نحو يبطل حريتهم في المشاركة في أي حل لا يؤمِّن أولاً تلك المصالح ويرضي أصحابها... وهذا ما يقتضي تلاقي عودة الحوار الوطني على ما هو حاصل بتشجيع دولي – نعم، ومشكور لأنه كان على ما يبدو ضروري المبادرة والمساندة – شرط ان يعود يستوطن أرضيته الطبيعية في مجلس النواب وفي رعاية رئيسه المستعيد صفته الرئاسية هذه دون سواها، بما هو مؤتمن عليه مما هو متوافر في ارثه وشخصيته. والآن أية "خريطة طريق" هي الأكثر أماناً للتوصّل الى اعادة تركيب جسم الجمهورية اللبنانية وهيكليتها الدستورية ؟ تنطلق الطريق، قلنا، من السير قدماً في المحاكمة ذات الطابع الدولي حتى لا يصحّ تهويل مراجع سورية (تعرف نفسها) على محاوريها اللبنانيين غير الرسميين بأن "اطمئنوا، وريّحوا بالكم، ما في محكمة دولية ولا من يحاكمون"!!! وكأن دمشق تمعن هكذا في اتهامها الذاتي وتقديم المزيد من البراهين عليه! إلا ان ذلك لا يعني ان ننتظر انتهاء المحاكمة وصدور الأحكام التي يجب أن تصدر (ويجب ان نحول دون وقوعها، هي الأخرى، في شباك خيوط العنكبوت الارهابي كما يحذّر برامرتس في تقريره)... قبل ان ننطلق في خريطة الطريق المنشودة، تتزامن مع معركة حرب نهر البارد على الارهاب وكل ما يمكن ان يتفرّع منها ويتزامن معها في بقية المخيمات ومنها وخارجها. ولا بأس بتكرار ما قيل وتردد مراراً عن مراحل الطريق وعتباتها، وهي: أولاً: انطلاق الأمين العام لجامعة الدول العربية، هذه المرة ليس من قرارات الجامعة، قمة ووزراء ومجالس، انما من المحادثات بين الدول العربية والدول الاسلامية المعنية (والمتزايدة لائحتها: تركيا بعد ايران، ومن يدري ربما غداً باكستان وافغانستان المعنية كلها بالارهاب ذاته، سلباً او ايجاباًّ!) فضلاً عن دخول فرنسا ومعها أوروبا على الخط، والمفاوضات الاميركية، مع هذه وتلك من الدول العربية والاسلامية، وطبعاً مع اسرائيل، على أكثر من "موجة" ليست أقلها أهمية أحاديث "حرب آب" على هامش عروض سلام أو رداً عليها أو تمهيداً لها...نقول: انطلاق الأمين العام من ذلك كله ليس عائداً الى بيروت حيث لا شيء سيستعجل حدوثه الآن، بل الى العاصمة "دمشق الشام" ليتلقى منها جواباً واحداً صريحاً بدل الجوابين اللذين عاد بهما معاً المرة السابقة، الجواب الديبلوماسي الايجابي والجواب الاعلامي السلبي بل التصعيدي.... جواب عن سؤال بسيط: متى ترسيم الحدود ووقف "الشحنات" عبرها، وهل ثمة موافقة او أمل في الموافقة على التبادل الديبلوماسي، كيف ومتى وبأي حجم وأية روحية؟؟؟ وغني عن القول ان السفير عمرو موسى، بشخصيته وديبلوماسيته، لن يحتاج الى كثير "مرونة في الشدّة" ليفهم أهل دمشق انها اذا كانت مطمئنة الى ان احداً - في "لعبة العصا والجزرة" – لن يستعمل العصا معها الآن، فان ثمة كثيرين يملكون وسائل منعها من الاستمرار في حسبان لبنان جزرة يمكنها ان تقضم منها على هواها. فحذار سوء الحساب! وحذار تصديق الذات والظن ان "لا محكمة دولية ولا من تحاكمون". ثانياً: المطلوب ان يتطوع "ذو صدقية ما" لدى العاصمة السورية ليفسّر لها ان أميركا، عندما تعلن اقتناعها بأن "القاعدة" استعادت قوتها السابقة لحرب 9/11، فمعنى ذلك انها في وضع الراغب في التحصّن للدفاع عن النفس خشية عودة جغرافية الارهاب اليها من أحد الأبواب الأوروبية المشرعة على "الشرق الأوسط". وهذا معناه انه مطلوب من كل الدول التي تريد اقناع اميركا والعالم بأنها ليست مع الارهاب بل ضدّه ان تمارس الاقناع هذا بالأعمال وليس بالحجج الممسرحة والخطب والتصريحات. وكفى. وبديهي ان اميركا ككل دولة تحترم نفسها، عندما تكون في وضع الدفاع عن النفس أو "التحصين الذاتي"، فانها تحلل اللجوء الى وسائل دفاع بحجم الخطر الذي تخشى. ولن يجدي دمشق نفعاً ان تحاول اقناع اميركا – لا اميركا بوش ولا اميركا المعارضة لبوش ولا اميركا الرأي العام الديمقراطي – أن لا تأثير لحرب نهر البارد على تطوّر جغرافية الارهاب العالمية التي سبق لها أن اثبتت انها جغرافية واحدة ذات تاريخ واحد ولا تمييز بين منطلقاتها والمحطات... ثالثاً: بعد ذلك كله، نقترح تشريع أبواب "الحوار الوطني" التي فتحتها فرنسا، لتثبت ان الحوار لا يزال ممكناً، وكذلك الاتفاق على حكومة الاتحاد الوطني وانتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها الدستوري، وهي أمور اكتفت حكمة الدبلوماسية الفرنسية بوضعها من جديد على جدول الاعمال الوطني من غير ان تستعجل محاولة اتفاق عليها في الجوهر، لادراكها أن ارادات الاتفاق ليست متساوية بعد في حرية القرار والالتزام. ومن يدري، فقد تكشف المحكمة ذات الطابع الدولي التي نستمر نطالبها بمعرفة "الحقيقة" ان الجرائم المتسلسلة التي قال تقرير برامرتس انها متصلة سببياً وفي النهج والافادة ممن "كانوا في مراكز لا يمكن الا يكونوا قد جهلوا المؤامرة التي امتدت من محاولة اغتيال مروان حماده فاغتيال رفيق الحريري مروراً باغتيال سمير قصير فاغتيال جبران تويني وصولاً الى جريمتي بيار الجميل ووليد عيدو هي مؤامرة واحدة متكاملة. والحبل على الجرار والعالم يتفرّج؟ والضحايا تنتظر صاغرة، بينما اللوائح تتعدد والتهديدات كذلك؟!