ينظم بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب في القاهرة، التابع لمكتبة الإسكندرية، أولى حلقات سيمنار الدراسات الأندلسية والمغربية بعرض فيلم "مأساة الموريسكيين"، وذلك في تمام الساعة السادسة مساء يوم الأربعاء المقبل الموافق 18 يناير.. يعلق على الفيلم الذي أنتجه بيت العرب في مدريدبإسبانيا، الدكتور محمد الكحلاوي؛ الأمين العام لاتحاد الأثريين العرب وأستاذ الأندلسيات، ويدير اللقاء الدكتور خالد عزب؛ مدير إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية.. وتدور أحداث الفيلم الوثائقي حول مأساة طرد الموريسكيين من إسبانيا، ويبدأ العرض باكتشاف أحد الشباب ويدعى "خوان"، وهو مدرس تاريخ، لخزينة مخبأة في منزله في ألموناسيد دي سييرا (سرقسطة)، وعثر بداخلها على بعض المخطوطات القديمة، ولاحظ الشاب أنها مكتوبة باللغة العربية، لكنه أدرك بعد محاولته قراءة بعض الصفحات أنها مكتوبة باللغة الإسبانية ولكن بحروف عربية.. وتتناول هذه المخطوطات قصة أسرة عاشت هذه المأساة التي ذاق مرارتها أكثر من 300 ألف موريسكي طردوا من إسبانيا في التاسع من إبريل عام 1609 بموجب المرسوم الذي أصدره الملك فيليب الثالث، بسبب انحدار هؤلاء من أصول مسلمة، فأثارت القصة حب المعرفة والتطلع عند الشاب. وبتشجيع من جده قرر التحقيق والبحث في هذه القصة بالتعاون مع الخبراء في الموضوعات المختلفة في هذا المجال، ووجد أن المخطوطات تتناول بالتفصيل الأحداث اليومية لصيف عام 1609، مع تسليط الضوء على عائلة عزيز والتقلبات التي عاشتها، وهي عائلة تنتمي إلى جذور عميقة في ألموناسيد، وكيف تغير مسار حياتهم بين عشية وضحاها من أسرة متواضعة من العمال إلى غرباء في أرضهم، والأكثر من هذا أن يجبروا على الفرار إلى المنفى. ويعرض الفيلم رحلة طردهم من أرضهم وصولاً إلى ميناء لوس ألفاكس تحت رعاية كابتن لاراسونا، وقبل شروع المئات من الموريسكيين في الإبحار إلى تونس، تركت عائلة عزيز ابنهم الأصغر المريض في رعاية هذا الكابتن الذي ربطتهم به صداقة، وأثناء الوداع سلم الجد للكابتن مذكراته اليومية، وطلب منه أن يبقي عليها لحفيده حتى يكبر؛ لأنه لا ينبغي أن ينسى أصوله ولا الناس الذين اضطروا إلى تركه، وبعد غروب شمس ذلك اليوم الحزين غادرت عائلة عزيز وغيرها إسبانيا إلى مستقبل مجهول.. وقرر المؤرخ الشاب بعد التحدث مع المختصين والخبراء التعمق في دراسة تاريخهم والسفر إلى تونس؛ لأنه من الواضح أن العدد الأكبر من الموريسكيين انتهى بهم المطاف في هذه الأرض. وفي تونس اكتشف الترحيب الذي استقبل به أهل تونس الموريسكييون والآثار المترتبة على هذه الهجرة، وكانت مفاجأة أن يكتشف أن بعض هؤلاء الأسر مازالوا ينحدرون من أصول المطرودين من إسبانيا، ودفعته كل هذه الاكتشافات إلى زيارة بلدة (تستُر) التي أُنشئت آنذاك لاستقبال الموريسكيين، وهناك وجد الكثير من آثار الماضي واستطاع التحدث مع أولئك الذين ينحدرون من أصول إسبانية. وبعد عودته إلى إسبانيا تأكد من كل ما رواه له جده ومن التساؤلات التي كانت تدور برأسه وتكاد تنطق شفتاه بها من بداية رحلته إلى تونس، وإجابات جده بالابتسامات التي لم تقل شيئًا ويتوارى خلفها كل شيء. ويتناول الفيلم عرضًا لجانب من الحياة اليومية البسيطة لهؤلاء الموريسكيين ومعاناتهم وحضارتهم المزدهرة حتى سقوط غرناطة، وملابسهم وعاداتهم وتقاليدهم وطعامهم وشرابهم، وتناولهم الأعشاب الطبيعية مثل شراب النعناع والعسل للعلاج، واستخدامهم الأساليب البسيطة في العلاج، واستعمال النساء للحناء، وولعهم بالزراعة، كما برعوا بالصناعات اليدوية والحرفية، فمنهم من اشتغل بصناعة الأحذية والحدادة وغيرها، كما كان يوجد منهم الأغنياء، مثل عائلة ماريا زوجة خوان عزيز. ويوضح العرض كيف تنصر هؤلاء الموريسكيون وكيف كانوا يمارسون إسلامهم سراً ويعيشون بين المسيحيين ويتزينون بأزيائهم ويتكلمون لغتهم، إلى أن جاء القرار بطردهم من الأراضي الإسبانية ووقع الخبر عليهم، وألقى القرار الكابتن المكلف بذلك الأمر ونص على: "أهالي موناسيد، على الجميع الحضور، أعلن عليكم بأمر دون (أنطونيو خمينث دي أوروبا ومانريكه دي لارا كونت أراندا)، صاحب هذه الأراضي وبمرسوم من جلالة الملك فيليب الثالث، بأن جميع من يدعون بالموريسكيين رجالًا ونساءً وأولادهم عليم مغادرة موناسيد وكل أنحاء المملكة خلال مهلة لا تزيد على 10 أيام والتجمع في المكان الذي تأمر به الشرطة والذي لا يطبق الأمر سيعرض حياته للهلاك والحكم يطبق دون تراجع". وبتطبيق هذا القرار انطفأ آخر شعاع لحضارة الأندلس ليعيش الموريسكيون بعدها حياة الشتات وتنضب الحقول والمصانع والخزائن ويختفى الشعر، وشعور الجمال الموريسكي والأدبى. ويعرض الفيلم من خلال حديث خوان مع الخبراء بعض من الحقائق التاريخية عن الموريسكيين ودلائل التفاعل مع الإسبان، حتى إنهم وجدوا في اللغة "القشتالية" متنفسًا لتفكيرهم وأدعيتهم وكتبهم الدينية، وقاموا بابتكار لغة جديدة وتعرف (بالالخميادو)، وهي عبارة عن اللغة القشتالية ولكن تكتب بحروف عربية، وصنعوا حضارة مزدهرة في شتى المجالات لمدة ثمانية قرون، استمرت حتى سقوط غرناطة على يد فرناندوا وازابيلا. وفي نهاية الفيلم الوثائقي يتحدث مجموعة من المؤرخين في لمحة سريعة عن عدة نقاط، منها تمتع فيليب الثالث بالشهرة والنفوذ والبطولة، وأنه أراد أن يظهر القدرة الإسبانية أمام أعدائه، وحياة الموريسكيين في الأراضي التي استقروا فيها مثل تونسوالجزائر وغيرها، وكيف أثروا في ثقافة وحضارة تلك البلاد من النواحي المدنية والمعمار والزراعة، حتى إنهم شكلوا جانبًا من تاريخ الجزائر المعاصر، وكانت هذه الفترة عصر نهضة لتونس، وأن الإسبان سيطروا آنذاك على البحر المتوسط من جديد وأصيبوا بفقدان للثقافة والدين.