تعد الأزمة التي تدور رحاها الآن بين جبهة رئيس الوزراء العراقي " نوري المالكي " من جهة، وجبهة الرئيس " جلال طالباني " من جهة أخرى بشأن ما يسمى "التهميش السياسي "؛ هي الأخطر؛ كونها الأولى بعد خروج القوات الأمريكية من العراق، بعد تسع سنوات مضت من الاحتلال الأمريكي، بعد أن بات التحدي الذي يواجهه النظام العراقي أكثر ضراوة من مثيله الذي كان يواجهه وقت وجود قوات " الغزو ". المالكي الذي أكد ل"طالباني " استعداده للتعاون بهدف الوصول إلى "حلول مناسبة" للصعوبات والعقبات التي تواجهها العملية السياسية، يبدو في مأزق حقيقي، خاصةً من جهة تداعيات مذكرة التوقيف بحق نائب الرئيس العراقي " طارق الهاشمي "، وشكوى القوى الكردية من التهميش السياسي. وذكر بيان صادر عن مكتب طالباني - نشر على موقع الرئاسة - أن المالكي أبدى في اتصال هاتفي مع الرئيس العراقي " استعداده للتعاون بغية الوصول إلى حلول مناسبة لكافة الصعوبات وتذليل العقبات ". ومنذ اكتمال الانسحاب الأمريكي من العراق قبل أكثر من أسبوع، تعيش البلاد على وقع أزمة سياسية حادة على خلفية إصدار مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس طارق الهاشمي، المتهم بالإشراف على ما سمي مؤخرًا ب " فرق الموت ". وإضافةً إلى ماسبق؛ أعلن ائتلاف " العراقية " الذي تدعمه شخصيات سنية بارزة بينها الهاشمي، مقاطعته جلسات البرلمان، احتجاجًا على ما وصفه بأنه " تهميش سياسي ". وكان المالكي قد هدد باستبدال وزراء " الائتلاف "، ودعا إقليم كردستان العراق إلى تسليم الهاشمي للقضاء في بغداد، علمًا بأن نائب الرئيس المتواجد في الإقليم الكردي منذ نحو أسبوع يرفض المثول أمام القضاء في العاصمة. وذكر البيان الرئاسي أن طالباني أبلغ المالكي بالعمل على ما أسماه تمهيد الأرضية المناسبة لانعقاد المؤتمر الوطني العام؛ لجمع القوى السياسية والاتفاق على مشروع وطني؛ لتوحيد الجهود وتقارب الرؤى. وسعى المالكي إلى القبض على نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بتهمة إدارة " فرق الاغتيال "، التي تستهدف الحكومة والمسؤولين الأمنيين، وطلب من البرلمان أيضًا عزل نائبه صالح المطلك، بعد أن شبه المالكي ب" الدكتاتور "؛ في إشارة إلى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين. وهددت الأزمة بفشل اتفاق هش لتقاسم السلطة؛ بين التحالف الوطني الشيعي، وكتلة تمثل الأكراد، والكتلة العراقية التي تدعمها السنة، والتي يقاطع نوابها جلسات البرلمان، وتعهدت بمحاولة الإطاحة بالمالكي. وقال بيان - على موقع الرئيس العراقي على الإنترنت - إن طالباني والنجيفي اتفقا " على حل قضية نائب رئيس الجمهورية " طارق الهاشمي " عبر الإجراءات القضائية التي يتيحها القانون، والتي تضمن الوصول إلى الحقائق بشكل سليم ". وقال الهاشمي إنه ضحية لانتقام سياسي، ووصف الزعماء السياسيون الشيعة الادعاءات المنسوبة إليه بأنها قضية جنائية، ونفوا أنها بدوافع سياسية مثلما قال بعض السنة. وقالت كتلة العراقية - التي يتزعمها علاوي - إن إجراء انتخابات مبكرة حل ممكن للأزمة، ودعا التكتل السياسي التابع لرجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة " مقتدى الصدر "، وهو حليف رئيس للمالكي؛ إلى إجراء انتخابات جديدة. وأجرى مسئولون عراقيون وأمريكيون سلسلة من المحادثات لتهدئة الأزمة، التي تهدد بدفع العراق إلى نوع من الصراع الطائفي، الذي دفع البلد العضو في " أوبك " إلى حافة الحرب الأهلية قبل سنوات قليلة. وبدأ " مسعود بارزاني " رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، سلسلة محادثات في بغداد؛ تهدف إلى عقد اجتماع بين الأطراف. ومن جانبه؛ أكد " عادل برواري " - العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني - أن هناك إشارات إيجابية من الجانبين؛ حيث اتفقا على التهدئة ومواصلة المناقشات والمشاورات. وأضاف: " أن جميع الكتل اتفقت على أن طارق الهاشمي لابد أن يمثل أمام القضاء، في بغداد، أو أربيل، وأن المطلك عليه أن يقدم اعتذارًا علنيًا للمالكي، أو أن ترشح الكتلة العراقية شخصًا آخر ليحل محله ". وإذا كان موقف المالكي بهذا الشكل من " التعاون "، وفي إطار سياسة الباب المفتوح الذي أعرب عنها طالباني، ومن خلفه رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود برزاني؛ فإن الأمل ما يزال قائمًا في إمكانية الخروج من تلك الأزمة.