من أسوان إلى الإسكندرية، لم تفوت التيارات الدينية، وإن أختلفت لافتاتها من سلف الى إخوان، فرصة صلاة عيد الأضحى ، وهي مناسبة دينية مثلها مثل صلاة الجمعة، للدعوة إلى برامجها الانتخابية، ضاربة عرض الحائط بتحريم اللجنة العليا للانتخابات استخدام المنابر الدينية في الدعاية السياسية، وشن هؤلاء هجوما على الخصوم من العلمانيين والليبراليين، دعاة التغريب، والسعي لنزع الإسلام عن البلاد والعباد، وفق رؤيتهم. هكذا في الساحات الفسيحة، والسرادقات الضخمة، وحتى الأزقة الضيقة، استغل حزب النورالسلفي، وشقيقه الحرية والعدالة الاخواني، العيد لدعوة البسطاء من الناس إلى التصويت لمرشحيهم، وحرمان العلمانيين والليبراليين من بركات أصواتهم، وأنّ عليهم "أن يختاروا بين الكفر والإيمان وبين من يريد شرع الله وبين دعاة المدنية من الليبراليين والعلمانيين" حسب ما جاء على لسان عدد من الخطباء. انتشر القوم بلحاهم الكثة وجلابيبهم القصيرة في الخلاء، حاشدين الآلاف في ظلال مناسبة دينية، حولوها إلى مؤتمرات انتخابية للترويج لإسلامية الدولة في وجه دعاة الدولة المدنية، ورفعوا مئات اللافتات التي تتبنى الشعارات الدينية فوق رؤوس المصلين، رغم أنف الجميع . ليست الشعارات والدعوات الصريحة لانتخاب مرشحي التيار الديني، وحدها ما لجأ إليه هؤلاء، وخاصة حديثي العهد بالعمل السياسي، ممن تبنوا تحريم الخروج على الحاكم قبل الثورة وعندما وجدوها لقمة طرية أغرتهم بركوب الموج والانخراط في اللعبة السياسية، بل دخلت اللحوم على الخط واستعان أبناء الخلف الصالح بالأنعام في دعايتهم الانتخابية، والترويج للبرامج السياسية، باعتبار أن أقرب طريق للناخبين هو بطونهم. في مدينة العامرية بغرب الإسكندرية حيث قضيت العيد وسط الأهل والاصدقاء، روج هؤلاء للحوم تباع بنصف الثمن تقريبا، وهو أمر طيب على كل حال، مع استفحال الغلاء، وضيق ذات اليد بالنسبة لملايين الفقراء، لكن ماذا جرى في الواقع ؟ لقد تمت دعوة الناس إلى أماكن محددة للحصول على خمسة كيلو جرامات من اللحوم التي قالوا في منشورات مطبوعة انه سيتم ذبحها في مجازر القوات المسلحة، مقابل 40 جنيها لكل كيلوجرام واحد، لكن اتضح فيما بعد أن الأمر مجرد دعاية إنتخابية، وليس هناك لحوم أصلا، وعندما اتسعت حيرة الناس، روج بعض الخبثاء لرواية مفادها أن برادا ضخما على متنه عدة اطنان من اللحوم وبينما كان في طريقه الى العامرية جرت سرقته والسطو عليه من قبل الاحزاب العلمانية والعياذ بالله! . هل هناك استخفاف بالعقول أكثر من ذلك، وهل وصلت الأمور الى هذا الحد من التلاعب بحاجة الناس لأغراض دعائية فجة، وفي أيام مفترجة يتقرب فيها العباد إلى الله بالعمل الصالح.. مساعدة المحتاج على مواجهة صعوبات الحياة يجب أن تكون بابا للمنافسة في تقديم الخدمات، وليس مجالا لمحاربة الخصوم السياسيين بالباطل، والإشاعات، فليس من أخلاق الإسلام استخدام تلك الإشاعات في الحصول على مكاسب آنية، وإن ساهمت في صعود سياسي لن يصمد كثيرا اذا اعتمد هذا النهج. نحن مقبلون على انتخابات برلمانية نتمنى أن تكون بابا للعبور إلى المستقبل، وليس طريقا للارتداد الى الخلف، واستمرار استخدام المبدأ الميكافيللي: "الغاية تبرر الوسيلة" فغايتنا لمصر يجب ان تعتمد الوسائل الشريفة التي دعا اليها الاسلام بحق، وليست الوسائل الرخيصة التي ينتهجها البعض تحت رايات مغلوطة. والسؤال هل ستتمكن اللجنة العليا للانتخابات من ملاحقة الاحزاب والقوى السياسية التي ستستخدم الدين والمنابر الدينية في الدعاية الانتخابية؟ وما هي ضمانة حيدة المنابر الدينية في العملية السياسية؟ وهل ستلزم اصحاب الشعارات الدينية بشروط المنافسة الانتخابية؟ البداية التي شاهدناها مع خطب العيد، وإطلاق البعض لصيحات التكفير للعلمانيين والليبراليين، وباقي المعزوفة المعروفة عن التغريب وما إلى ذلك، لا تبشر بأننا مقبلون على معركة انتخابية متكافئة في حدها الأدنى، فهل ننتظر نتائج يمكن أن تنقل مصر بعد سنوات الجمود الطويل إلى مرحلة جديدة تنهض فيها من الكبوة ؟ أتمنى ذلك.