(مؤشرات) يبدو أن مفهوم إدارة الأزمات حالة مستحلية في بلادنا، في ضوء التطورات المتلاحقة بأزمة جزيرتي "تيران، وصنافير"، والتراشق السياسي والتاريخي بشأن تبعية الجزيرتين لأي من مصر أو السعودية. ومن أهم ملامح هذه القضية، أنه من غير المقبول أن يفاجئ الشعب بين عشية وضحاها بترسيم حدود، تم بمقتضاها أن تتنازل مصر، أو بأي تعبير آخر، عن سيادتها على الجزيرتين لصالح السعودية. فالغضب في الشارع بدأ بمجرد الإعلان عن ترسيم الحدود البحرية خلال زيارة الملك سلمان للقاهرة الأسبوع الماضي، وإشتعل أكثر وأكثر مع محاولات تبرير الحكومة، ومن بعدها الرئيس في وقت لاحق بأن الترسيم جاء تنفيذاً لتعيين الحدود الصادر عام 1990، والذي تم به إخطار الأممالمتحدة، وهو ما يعتبر تفريطا في حقوق الدولة، واستهانة بعقول الشعب. وبدى واضحا أن الحكومة لم تدرك حجم رد الفعل، لهذه الاتفاقية، والتي جاءت في الوقت والمكان غير المناسبين، ولم تستعد للتعامل مع حدث بهذا المستوى، فاختيار توقيت زيارة الملك للتوقيع، غير مناسب بالمرة، كما أن التفاوض ذو الطبيعة السرية، أعطى للقضية مزيدا من حالة الريبة، حيث تجلي للناس أن الحكومة تتنازل عما لا تملك، وفي غياب كل الأجهزة الشعبية والمجتمع المدني. وقد يكون الوضع مخالفا للدستور، حتى في حال ثبوت ملكية السعودية للجزيرتين تاريخيا، وهو ما يقوله بعض المؤرخين المعروفين، وهذا يفتح الباب أمام مزيدا من الجدل الذي لن ينتهي بسهولة، إلا لو كان الرهان على مسألة النسيان، وهذا في حد ذاته أمر صعب يزيد من الأمور تعقيدا، في ظل مخاوف شعبية وسياسية من تمدد إسرائيلي إلى "تيران، وصنافير". الأمر الملفت للنظر أن الحكومة والرئيس لم يردا على ما يراه البعض من أن الإتفاقية مخالفة للدستور جملة وتفصيلا، خصوصا المادة 151 من الدستور، والتي تنص على "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة". و هناك نص أخر أورده معارضون لاتفاق الترسيم، وهو ما جاء في المادة 77 من قانون العقوبات، والتي تنص على "يعاقب بالإعدام كل من ارتكب عمدا فعلا يؤدى الى المساس باستقلال البلاد أو وحدتها أو سلامة أراضيها"، والمادة 77 "ه" من نفس القانون، والتي تنص على "يعاقب بالسجن المؤبد كل شخص كلف بالمفاوضة مع حكومة أجنبية فى شأن من شئون الدولة فتعمد اجراءها ضد مصلحتها". ما جرى من حوارات وحبر سال على الأوراق، أثبت أزمة "تيران صنافير" جرى معالجتها من جانب الحكومة بطريقة بعيدة عن الإحترافية، دون النظر إلى الأهمية التاريخية والأبعاد النفسية لمجموع الشعب، أو لفئات منه، حتى لو كان العامة من الناس، منشغلون في همومهم الحياتية، واليومية، والأزمات التي يعيشها أفراد الشعب. فكرة إدارة قضية الجزيرتين، بأنها "إدارة أزمة" غاب عن الحكومة، والرئيس، في كل التفاصيل، صغيرها وكبيرها، فمن عام 2011، والحوار بين مصر والسعودية مستمر حول ترسيم الحدود، دون معرفة، وبعيدا عن الأوضاء، وهو ما أعطى للقضية مخاطر من ردود فعل شعبية أكبر بكثير من كل التوقعات. حتى أن مبررات الرئيس بأن هناك فوائد ستجنيها مصر، حيث ستتيح الإتفاقية التنقيب عن البترول والثروات الطبيعية في منطقة خليج العقبة، على غرار ما جرى مع قبرص والذي أوصل مصر لاكتشاف حقل للغاز، مع توقعات مماثلة مع اليونان، فكل هذا مازال غير مقنع للذين يحملون مخاوف أمنية وسياسية من الترسيم مع السعودية، لوجود اختلاف جوهري بين اتفاق الترسيم مع قبرص واليونان، عنه مع السعودية، التي تمتد لحدود مع "الكيان الصهيوني" العدو الأول لمصر والمنطقة. فهل ستظل تخطئ الحكومة في معالجات الأزمة، وغيرها من الأزمات، التي سيواصل النظام في ارتكابها، طالما أن فكرة الإيمان بالحوار المجتمعي والديمقراطي والشفافية، غير قائمة، ولا يؤمن بها طرف في هذا الوطن، ويصبح السؤال "من أدار أزمة تيران وصنافير"؟، من الواضح أن ليس لهم في علم السياسية من شئ.