يكتب : مشاهد من المحنة المشهد الأول: أ/عمر التلمساني رحمه الله وعفا عنه في عنبر المستشفى بليمان طرة وقد أودع فيه لمرضه وكبر سنه عقب اعتقاله في قرارات التحفظ قبل اغتيال السادات بشهر تقريبا. كان معه في ذات العنبر م/طلعت فؤاد رحمه الله وعفا عنه وكان الوحيد من مجلس شورى الجماعة الإسلامية الذي نجح الأمن في اعتقاله لأنه كان مصابا في حادث مروري ويرقد في الجبس. حكى لنا م/طلعت أن الأستاذ /التلمساني كان يقوم بخدمته وخدمة المرضى بنفسه رغم كبر سنه. وأنه لما وقعت مواجهات 1981 وقتها لم يكن راضيا عنها. وكلما جاء إلى المستشفى وارد من مصابي تلك المواجهات. يسألهم أ/ التلمساني من أين أتيتم فإن قالوا أسيوط قال: أسيوط!!!!! سامحكم الله!!!! ولا يزيد عليها. بعد حوالي شهرين وبينما أرقد في مستشفى السجن الحربي دخل علي أحد الجنود متهللا: الشيخ عمر (بتاعكم )خد إفراج!!!!! لم أصدق فالدكتور عمر عبد الرحمن محال معنا إلى المحكمة العسكرية بتهمة الفتيا بكفر السادات ووجوب قتله. وهو متواجد بالسجن الحربي. ولا زالت تنتظره محاكمة أخرى كما علمنا من المحامين. لكن الجندي راح يقسم لي إن الشيخ عمر (بتاعنا) أفرج عنه بالفعل. بعد قليل تأكد خبر الإفراج عن الشيخ/عمر ...........التلمساني!!!!! بعدها بقليل بدأ الإفراج عن بقية قيادات الإخوان وشبابه. سبحان الله كان السادات قد أقسم في خطاب التحفظ الشهير أنهم -أي الإخوان- لن يجاوروه أبدا في مصر ويعلن أنه أخطأ لما أخرجهم من المعتقلات بعد وفاة عبد الناصر. ............................................................................ المشهد الثاني: في مستشفى سجن استقبال طرة. الذي نقلوني إليه صبيحة أحد أيام شهر نوفمبر 1981 لما تدهورت حالتي الصحية وكانت الديدان تسرح بعشرات الآلاف في الجرح النافذ الذي أحدثته رصاصة بندقية آلية بركبتي فهشمت المفصل تماما ومزقت الأربطة والأنسجة وصنعت نفقا يمر من إحدى ناحيتي الساق وينفذ من الأخرى. لقيت هناك د/حلمي الجزار. الذي تحدث السادات عنه وقال طالب طب صغير عاملينه أمير الأمراء. كان يقوم على رعايتي ورعاية كثيرين من المرضى والمصابين. ويحتمل ما قد يناله من إهانة من أطباء المستشفى لأنه يتدخل في عملهم (كانوا لا يعملون شيئا تقريبا سوى تقديم تقارير لضباط أمن الدولة عن حالة المصابين ومتى يمكن إعادتهم للتعذيب مرة ثانية) تناقشت معه فيما حدث فقال أما السادات فلا خلاف عليه!!! وأما أسيوط فلا. حدثني عن معاناته وأن موقعه السابق كأمير للجماعات الإسلامية على مستوى الجمهورية جعله محط سؤال أمن الدولة عن كل قيادات الجامعات وخاصة قيادات الصعيد التي قامت بالأحداث. رغم ما كان بي من آلام مبرحة وإصابات مقعدة إلا أني شعرت بالأشفاق عليه. لم أمكث في المستشفى طويلا فقد جاءت الأوامر بتحويلي لمستشفى الشرطة لتدارك حالة الساق (كانت أوشكت أن تقطع بترا) فيما بعد عرفت السبب. فأنا محال لقضية عسكرية. سبحان الله!!!! أحيانا تأتيك المنحة في ثوب محنة!!!! تلقيت عناية حسنة في مستشفى الشرطة بالعجوزة!!!! ونجت ساقي من البتر. أما القضية العسكرية فقد نالني منها حكم بالسجن المشدد خمسة عشر عاما....لكن بعد عامين حكم المستشار عبد الغفار بإلغاء هذا الحكم واكتفى بحكمه هو وكان المؤبد. قبل أن أغادر مستشفى استقبال طرة كنت قلت للدكتور حلمي إنني أتوقع الإفراج عنه وعن الإخوان ونصحته نصيحة معينة. الحمد لله خرج د/حلمي أسرع مما تصورت أنا. وربما أسرع كثيرا مما تصور هو!!! لا تسألني عن مصير نصيحتي!!! فهو بالطبع لم يأخذ بها!!! ............................................................................ المشهد الثالث: نحن الآن في منتصف التسعينات. السجون والمعتقلات نار موقدة على كل شباب الجماعة الإسلامية.. الإخوان قد حكم على بعض قياداتهم بأحكام مخففة تتراوح بين 5 - 3 سنوات. تم إيداعهم في سجن ملحق مزرعة طرة كانت معاملتهم من قبل الأمن طيبة. فالأمن وقتها كان يفرق بين جماعة تقاوم بالسلاح..وأخرى سلمية. المعاملة لأفراد الأولى كانت قاسية جداً..بعكس القسم الثاني. ما كانت هناك فرصة للقاء بين شبابنا ومحكومي الإخوان إلا عند انتقالهم للامتحانات. كانوا ينتهزونها فرصة لمحاولة تهريب أطعمة لإخواننا بقدر ما يستطيعون. كان هناك شباب لا يجد ما يأكل إلا كميات محدودة من العدس أو الفول لمدة سبع سنوات أو يزيد يقيم الواحد منهم في زنزانة انفرادية لا يفتح بأبها لسنوات طوال إلا لتعذيب من فيها. حتى الطعام يلقونه له من فتحة صغيرة في باب الغرفة كي لا يفتحوا الباب فيدخل له شيء ولو قليلا من هواء. بالطبع لم تك محاولات قيادات الإخوان كعصام العريان وخيرت الشاطر فرج الله عنهما وعن جميع أسارانا لم تك تنجح سوى في التخفيف عن عدة عشرات من بين ألوف مؤلفة يموت منهم كل يوم من يموت مرضا أو جوعا أو تعذيبا. لكنها كانت تترك أعظم الأثر في نفوس الباقين. ادعوا معي للمعتقلين. ................................................................................. المشهد الرابع: في سجن الفيوم عندما سيق إليه العشرات من الإخوان قبيل انتخابات مجلس الشعب. فنحن الآن في العام 2005 والسجون في غاية الراحة لمعتقلي الجماعة الإسلامية وعددهم لا يزال بالآلاف لكن هناك إفراجات متتالية لهم. المعتقلون الجدد من الإخوان تم وضعهم في زنازين بعنبر مستقل مع التشديد على أن لا يدخل إليهم شيء. إدارة السجن ومباحث أمن الدولة بالسجن حذروا معتقلي الجماعة الإسلامية من محاولة الاتصال بهم. الإفراج على الأبواب بعد اعتقال قاس دام لغالبيتهم أكثر من عشرة أعوام. والإخوان جاءوا بالأمس فقط وسيخرجون غالبا بعد أسابيع قليلة عندما تنتهي الانتخابات!!!! بعض النقود في يد بعض السجانين تسهل لك الطريق وتفتح أبواب العنابر المغلقة. وبالفعل ذهبت وفود وعادت ثم ذهبت وعادت وانتهت المغامرة بسلام دون أن يضبط أحد. سأل د/ أحمد عبد الرحمن كبير الإخوان بالفيوم وقتها وأحد المعتقلين آنذاك سأل بعض هذه الوفود: ألم ينبه عليكم الأمن بعدم الاتصال بنا؟؟!! قيل له: نعم ولكن أخوة الإسلام التي تجمعنا أقوى من تهديدات الأمن. أبدى الرجل دهشته وقال: قيل لي عنكم غير ذلك. هل كان هناك من يحرص على الوقيعة؟؟!! ربما!!! خرج هؤلاء وهؤلاء والتقوا في مدن وقرى محافظة الفيوم. وكان د/أحمد عبد الرحمن شديد الكرم مع شباب الجماعة(خرجوا من المعتقلات كولا لا شبابا). علمت هذه القصة ممن عاصرها قالها لي بعد ظهور د/عبد الرحمن كمسؤول للإخوان خارج مصر. وإعلانه عبرشاشة الجزيرة إن الإخوان راجعت أخطاء المرحلة السابقة كلها وإنها مصرة على أن لا تتكرر هذه الأخطاء أبدا. قال لي الأخ الراوي: أبشر هذا الرجل على خير. وحكى لي ما حكيته لكم. مالي لا أرى د/أحمد عبد الرحمن هذه الأيام؟؟؟!!! ما لي لا أسمع تصريحات محمد منتصر؟؟؟!! عموما سلامي إليهما ولكل رفاق المحنة. إخوة الإسلام.... الإسلام الذي يجمعنا الذي هو أكبر من كل شيء وأعز من كل شيء.... من الجماعات......والشيوخ.......والقادة..........والآراء........... والتوجهات...........والاجتهادات.... أليس كذلك ؟! ------------ المقال نقلا عن صفحة عبد الماجد على فيس بوك المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية