عندما يرحل بى الخيال إلى عالم مختلف يعيش فيه البعض بعيدا عن النمطية والرتابة، التى تُشكل أسلوب الحياة العربية عامة والمصرية خاصه، ترتسم علامات التعجب فى رأسى وأراقب حياتى وحياة من حولى فأجدها مملة متشابهة، لدينا مقولة معروفة نسمعها فى أغلب البيوت المصرية "اللى نبات فيه، نصبح فيه" وبنظرة متفحصة لتاريخنا القريب وتاريخ معظم الأسر المصرية تجد أن نمط معيشتنا هو ثقافة حياة اعتدنا عليها ولا نرغب فى تغييرها، التغيير دائما مصدر للقلق والخوف والتردد. أسأل نفسك عزيزى القارئ هل تعرف شخصا من أصدقاءك يحترف العمل فى مجال التصوير يقطع المسافات خلف لقطة هى الهدف، ينام فى الغابة فى انتظار مرور الفهد أمام عدسته؟ أو يسافر عبر الحدود لتغطية الكوارث والحروب. هل يوجد بين جيرانك شخص من أولئك الذين تُفتح لهم أبواب الطائرة فيلقون بأجسادهم ويشكلون صورا بديعة وسط صرخات الإثارة والسعادة؟ هل جربت الصعود لتشاهد شروق الشمس فى أعلى قمم الجبال أومارست الغوص تحت أعماق البحار ؟ هل شاركت أصدقاءك فى عمل أكبر فطيرة دخلت موسوعة " جينيس" أو مهرجان لنثر الألوان ورمى الطماطم؟. والسؤال الذى أبحث عن إجابته هو لماذا نعيش تحت وطأة الملل؟ لماذا نعتبر أى نوع من المغامرة هو مجازفة قد تعرض حياتنا للخطر؟ لماذا نقول دائما ماتعرفه أفضل مما لا تعرفه ؟ ومتى يحق لنا معرفة ما لم نتطرق إليه أو نخوض فيه ؟ فكرت كثيرا فى الإجابة واكتشفت أن طريقة التربية والتعليم فى بلادنا قد تكون أحد الأسباب فى تشكيل أسلوب الحياة التى نعيشها. منذ فترة كنت قد قرأت قصة طفل أمريكى يبلغ عمره ست سنوات، اكتشفت جدته أنه يتم عقابه فى المدرسة بوضع حاجز من الورق المقوى على طاولته حتى يصبح معزولا عن باقى زملائه فى الفصل والسبب هو تأخيره بمقدار دقيقة واحدة أو دقيقتين فى الوصول إلى المدرسة لأن سيارة والدته بها مشكلة، بكى الطفل وأبلغ والدته وجدته بالقصه فأقامت جدته الدنيا، ولم تقعدها ونشرت القصة والصورة على الفيس بوك، وطلبت من الجميع عمل مشاركة لها وتم عمل 113ألف مشاركة بالفعل وتأثر الجميع بالقصة وأعلنوا التضامن معها، ورفض الطريقة المهينة فى عقاب الطفل، لاحقت الجدة الاتصالات مع المدرسة والمسئولين فى الولاية حتى منعت طريقة العقاب التى كانت ترى - أنها سببت أثرا نفسيا لحفيدها - ليس فقط فى مدرسته ولكن فى كل مدارس الولاية. يتزامن مع نفس القصة..قصة أخرى فى مدرسة أخرى فى بلد آخر يستهين الناس فيه بحياة الآخرين لا مشاعرهم وحسب، فى قصتنا المصرية لم يعد التلميذ إلى البيت ولم يبك فى حضن أمه ولم تسانده جدته، لأنه عاد إلى البيت جثة هامدة كنوع من العقاب الذى تلقاه فى المدرسة على يد معلمه ولم تكن هذه هى المرة الأولى فى بلادنا التى تنتهى حياة تلميذ على يد من قالوا عنهم قديما أنهم رُسل يستحقون التبجيل. لنا أن نتخيل مشاعر الطفل.. وحدها تستحق أن نستعيدها ونتجسدها ونعيشها لأنه الضعيف، المجنى عليه، والضحية مثلنا جميعا كنا نعتقد أن الدراسة سوف تمر وتمضى وتنتهى بنا إلى أبواب الأحلام لا إلى المقابر..ربما تكون هذه هى إجابة السؤال ففى عالم لا يعرف معنى الطفولة ومعنى احترام الإنسان وحقه فى الحياة سوف نستمر هكذا نعيش على الهامش ولا نستطيع سبر أغوار ذلك الكون والتعرف عليه من قرب. من يربى فى داخلنا الخوف هو المسئول عن تلك الرتابة وأن تصبح أقصى أمانينا أن نسير بجوار الحائط لا أحد يرانا أو يسمع لنا صوتا،أن نُجمل أيامنا بالستر حتى تنتهى دون أن نعيشها بمذاق الحياة. من العدد المطبوع من العدد المطبوع