«المصري اليوم» ترصد الطابع الاقتصادى للحكومات المصرية منذ «52»    حدث ليلًا| موعد إجازة رأس السنة الهجرية وحالة طقس الخميس    وزير الري: نطالب بتطبيق مبادئ القانون الدولي للحصول على حصتنا من المياه    ماعت تتناول الفئات الأولى بالرعاية في ضوء المعايير الدولية والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    وزير الشؤون النيابية يشكر الرئيس ويؤكد: سنفتح قنوات مع جميع الكيانات السياسية    الأصغر سنا.. شريف الشربينى أول رئيس جهاز يصبح وزيرا للإسكان.. فيديو    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق في ختام الأسبوع الخميس 4 يوليو 2024    أبرز مشروعات وزير البترول الجديد بالقطاع الحكومي.. تعرف عليها    الموساد: إسرائيل تلقت رد حماس على اقتراح وقف إطلاق النار في غزة    الكويت تعلن اعتقال مواطنين بتهمة الانضمام لتنظيم محظور    بيراميدز: لم نرفض انضمام صابر وعادل للمنتخب الأولمبي وطلبنا التنسيق فقط    عرابي: نرفض انضمام زعزع للمنتخب الأولمبي.. ولم نناقش انتقال نجويم إلى الزمالك    ملف رياضة مصراوي.. تعادل الزمالك.. قائمة الأهلي لمواجهة الداخلية.. وتصريحات وزير الرياضة    مدرب إسبانيا الأولمبي: لدينا غيابات كثيرة ستؤثر علينا.. وسأكون سعيدًا بالعمل في مصر    دويدار: الموسم الحالي الأسوأ في الكرة المصرية    موعد مباراة الأهلي والداخلية بالدوري المصري والقناة الناقلة    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 4 - 7 - 2024    بالصور.. انهيار منزل في شبين الكوم بالمنوفية وسط قلق الأهالي    طارق الشناوي: توفيق عبد الحميد بخير    خبراء ل قصواء الخلالي: السير الذاتية لأغلبية الوزراء الجدد متميزة وأمر نفخر به    أحمد حلمي: "أتمنى الدولار يوصل 3 جنيه وأوصل العالمية"    ميمي جمال تكشف حقيقة وجود جزء ثاني ل"العتاولة" وثالث ل "كامل العدد"    أفعال مستحبة في ليلة رأس السنة الهجرية    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    كراكاس: فنزويلا والولايات المتحدة تتوافقان على "تحسين العلاقات"    نجم الزمالك السابق: هناك عناد من الأهلي وبيراميدز ضد المنتخب الأولمبي    رئيس مجلس الوزراء يعلن موعد إجازة رأس السنة الهجرية    فلسطين.. اندلاع مواجهات عنيفة عقب اقتحام قوات الاحتلال المنطقة الجنوبية لمدينة الخليل    إجراء تحليل مخدرات لسائق ميكروباص تسبب في سقوط 14 راكبا بترعة بالصف    انتهى الخلاف بطلقة.. تحقيقات موسعة في مصرع شاب إثر مشاجرة بالواحات    تكليف لميس حمدي مديرًا لمستشفى طلخا المركزي بالدقهلية    هاني سعيد: بيراميدز لم يعترض على طلبات المنتخب الأولمبي.. وهذا موقفنا النهائي    لبنان.. قصف إسرائيلي يستهدف خراج بلدة السريرة بمنطقة جزين جنوبي البلاد    بايدن: أنا زعيم الحزب الديمقراطي.. لا أحد يدفعني للرحيل    وزيرا خارجية أمريكا وأوكرانيا يبحثان تعزيز الدفاع الجوي لأوكرانيا    وزير الخارجية الأرميني: مستعدون لتطبيع العلاقات بالكامل مع تركيا وفتح الحدود    الجانى مجهول.. إصابة شخص ونجله بطلق ناري حي ببنى سويف    والدة شاب تعدى عليه بلطجي بالمرج تكشف تفاصيل الحادث    فحص نشاطها الإجرامي.. ليلة سقوط «وردة الوراق» ب كليو «آيس»    مصرع طفل غرقا داخل نهر النيل بقنا    «مستقبل وطن»: تشكيل الحكومة الجديدة متناغم وقادر على إجادة التعامل مع التحديات    تونس وفرنسا تبحثان الآفاق الاستثمارية لقطاع صناعة مكونات السيارات    الجمعية العربية للطيران المدني تزكي الكويت عضوا بمجلسها التنفيذي للمرة الثالثة على التوالي    عمرو خليل: اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة على أساس الكفاءات والقدرة    اتحاد الصناعات: وزارة الصناعة تحتاج لنوعية كامل الوزير.. واختياره قائم على الكفاءة    رئيس جامعة دمياط يشهد مناقشة رسالة دكتوراة بكلية الحقوق    3 طرق بسيطة لإسعاد زوجك وجعله يشعر بالسعادة    حظك اليوم| برج الدلو 4 يوليو.. «يوم الأفكار المبتكرة والاتصالات الاجتماعية»    أستاذ استثمار عن التغيير الوزاري: ليس كل من رحل عن منصبه مقصر أو سيئ    أول تصريح لمحافظ الأقصر الجديد: نعزم على حل المشكلات التى تواجه المواطنين    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    وزير الزراعة الجديد: سنستمكل ما حققته الدولة وسأعمل على عودة الإرشاد الزراعي    أمين الفتوى: لا تبرروا كل ما يحدث لكم بشماعة السحر والحسد (فيديو)    إحالة طبيب وتمريض وحدتي رعاية أولية بشمال سيناء للتحقيق بسبب الغياب عن العمل    أهم تكليفات الرئيس لوزير الصحة خالد عبد الغفار.. الاستثمار في بناء الإنسان المصري    أستاذ حديث: إفشاء أسرار البيوت على الانترنت جريمة أخلاقية    تعيين عبلة الألفي نائبة لوزير الصحة والسكان    هيئة الدواء توافق على زيادة سعر 3 أدوية (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاة علي الشاشة.. يحيا العدل
نشر في القاهرة يوم 19 - 06 - 2012

كانت جملة شديدة القسوة تلك التي رددها بعض من كانوا في قاعة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك «الشعب يريد تطهير القضاء». كثير من أبناء هذا الشعب لم تدفعهم ظروفهم للذهاب إلي المحاكم وعرفوا صورة القاضي بكل ما يحاط بها من احترام وتبجيل من خلال رؤية الأعمال الفنية في المسرح والتليفزيون والإذاعة وخاصة في السينما. ومن يتابع السينما المحلية والعالمية فإن للقاضي مهابة ملحوظة، وهالة من الوقار يتناسب مع هذه الوظيفة والمكانة التي وصل إليها صاحبها، وأكاد أدرك أن أغلب الأعمال الفنية التي شاهدناها وأيضا النصوص الأدبية التي قرأناها ظلت دوما حريصة علي تصوير المنصة والجالسين عليها بالغة النزاهة، حيث يرتبط الأمر بقسم مقدس وبقانون يجب أن تحترم بنوده ولوائحه وأيضا بمصائر بشر، سواء كانوا مدانين أو أبرياء.. ولعل أبرز هذه الشخصيات هي نكليودف بطل رواية «البعث» لتولستوي، الذي انتابته حالة من التطهر الشديد، حين رأي حبيبته القديمة كاتيوشا في قفص الاتهام بتهمة الدعارة، وأحس أنه سبب هذا التحول الشديد وهو الذي أفقدها عذريتها، فقرر أن يترك سلك القضاء، وأن يرافق الفتاة في رحلتها إلي المنفي بسيبريا، وجرب التطهر الشديد رغم أن الفتاة في نهاية مسيرتها قررت أن تتركه كي تربط مصيرها بعد العقوبة بشاب آخر. هذه الرواية تحولت إلي العديد من الأفلام العربية والعالمية وقد أكدت أن الجالس فوق مقعد التحكيم كالجالس فوق الجمر لا يمكنه أن يشعر بالراحة والاستقرار، طالما أن العدالة غير محققة حتي وإن حاول أن يبذل أقصي ما لديه. ولأن الدراسة هنا عن تغير صورة القضاء في الواقع المصري وهو أمر لم يحدث كثيرا في السينما، حيث إن الصورة ظلت دوما ناصعة عدا فيلم واحد تقريبا هو «قاع المدينة» المأخوذ عن قصة ليوسف إدريس، فإنه من المهم الإشارة إلي تجربة سينمائية عالمية ماثلة في الأذهان، لفيلم فرنسي أخرجه جورج لوتنه وقام ببطولته برناز بيليه عام 1957 تحت عنوان «المحلف السابع». المحلف السابع حسب القانون الفرنسي فإنه يتم اختيار ستة محلفين بشكل رسمي للقضايا الكبري، أما المحلف السابع فيتم اختياره من الجمهور بشكل انتقائي، وقد تم اختيار هذا المحلف هنا ليكون بالمصادفة هو القاتل الحقيقي وليس المتهم الذي تتم محاكمته، وقد أكد الفيلم أن هيبة الكرسي الذي يجلس عليه القاضي أو المحلف هي التي تترك أثرها في المرء وأن المقعد قد أشع الندم لدي المحلف السابع، فأقر بعد المزيد من التردد أنه هو القاتل، وبذلك صارت القضية سهلة ونطق المحلفون الآخرون بالإدانة لزميلهم القاتل. في السينما المصرية كانت هناك جرائم قتل وجرائم أخري عديدة فيذهب الناس إلي المحاكم، حيث الثالوث الأثير في هذه الحكايات: المتهم، المحامي، القاضي، وفي هذه القصص غالبا ما يكون المحامي هو الأكثر تواجدا من القاضي، وينحصر دور القاضي في أنه يجلس مع مساعديه علي المنصة يستعلم ويسأل بشكل مبشر، أما الدور الرئيسي فيقوم به المحامي، وأيضا ممثل النيابة، ولعل من أوائل الأفلام المصرية التي صورت في المحاكم ورأينا فيها القاضي، هو «الاتهام» إخراج ماريو فولبي، وقام عبدالقادر المسيري بأداء شخصية القاضي، وهو ممثل طويل القامة له مهابة خاصة والحكاية هنا أن الزوجة بهيجة تتهم بقتل شاب مات برصاصة مجهولة انطلقت في حفل أقيم في بيت صديقتها زوزو، هدفه التسرية عن بهيجة بعد أن طردها زوجها من منزله بلا سبب، وفي المحكمة يحاول ابن العم شوكت إثبات براءة المتهمة، ويبدو القاضي متفهما لما يجري، ويتم اكتشاف القاتل وتعود بهيجة إلي زوجها الذي تصور فيها السوء. إذن فمصائر الأشخاص تكمن من خلال جملة أو بضع كلمات ينطقها القاضي تتبعها مصائر أشخاص، ولأن القاضي رجل فاضل يحكم بالعدل، يكون سببا لإسعاد أسر بأكملها وهو يرمز إلي الخير حيث إن أحكامه «العادلة» تذهب بالمجرمين إلي مصائرهم، وتعيد شمل أسرة تشتت بسبب هذا المجرم. علي المنصة وهكذا وتبعا لأحكام القضاء وهيبته صورت السينما القضاة بصورة نمطية للغاية لكنها تتمثل في صور عديدة هي في أغلب الأحوال لشخص يجلس علي المنصة، وكما قام ممثلون من الدرجة الثالثة بأداء شخصية القاضي في مئات الأفلام بينما رأينا المحامي، أو ممثل النيابة في أدوار البطولة خاصة المحامين الذين تباينت صورهم علي الشاشة، طوال خمسة وثمانين عاما من الأفلام الروائية ففي عام 1935 عادت الكاميرا إلي المحاكم مرة أخري في فيلم «الدفاع» الذي أخرجه وقام ببطولته يوسف وهبي، وقام حسين رياض بدور القاضي الذي عليه أن يحكم في جريمة قتل عاطفية، حيث إن المتهم عباس «أنور وجدي» يعترف أمام هذا القاضي بأنه قاتل الراقصة فتحية التي تحب المحامي جلال وتصبح المهمة سهلة أمام القاضي وسرعان ما تنتهي مهمة القاضي، أما عباس فإنه يصاب بالجنون ويهرب من العدالة. القضاة في أغلب هذه الأفلام هم المرحلة الأخيرة من القصة السينمائية حيث إنه بعد حدوث الجريمة وقيام الشرطة بالقبض علي القاتل ثم تحريات النيابة وتأتي المحاكمة في النهاية، ولذا فإن القاضي هنا شخصية درامية هامشية مثلما حدث في نهاية فيلم «اليد السوداء» لايلي ابتكمان الصغيرة عام 1936، وأيضا في نهاية فيلم «الأسطي حسن» لصلاح أبوسيف عام 1952، وكما ذكرنا فإن ممثلين كومبارس هم الذين يجسدون هذه الشخصية وقد كان أغلب القضاة فيما قبل ثورة يوليو من الشيوخ، ورجال الأزهر، ونحن لسنا بصدد الحديث عن الحادثة التي غيرت من شكل القاضي وملابسه في أفلام ما بعد تلك المرحلة، لكن من المهم أن نتوقف عند واحد من هذه الأفلام المهمة، وهو «النائب العام» الذي أخرجه أحمد كامل مرسي عام 1946، وهو مأخوذ عن نص ألماني للكاتب المعروف فردريك شيللر، بما يعني مكانة رجال العدالة في الثقافات المختلفة، والتعامل معهم، ومن خلالهم باعتبارهم رمز العدل فوق الأرض يطبقون سياسة السماء ويعيشون في عالم طوبوي وبالتالي فمن السهل تمصير هذه النصوص. والشخصيتان الرئيسيتان في الفيلم تمثلان العدالة بشقيها النيابة والقضاء، حيث يتسبب ثابت بك وكيل النيابة في توقيع عقوبة قاسية علي عبدالخالق شافعي الموظف بإحدي المصالح الحكومية الذي أخذ مبلغا من الخزانة لشراء دواء لأمه المريضة، وفي نيته أن يرد المبلغ في اليوم التالي، لكن تم ضبطه ويعتبر ذلك اختلاسا، فيحكم عليه بالسجن، وقد أثر هذا الحكم كثيرا في محمود شفيق الموظف الذي يتعلم كيف يراعي ظروف الجريمة عند النطق بالحكم، ويكون رحيما في حدود العدل، وتمر السنوات فيصبح ثابت بك بمثابة النائب العام، أما محمود فيصير قاضيا. يحدث أن يتم القبض علي ابن النائب العام ثابت بك، وهو يعمل وكيل نيابة بتهمة قتل الراقصة فيفي بعد أن انتهت علاقة شرعية بين الاثنين، وأمام هذه الظروف الحرجة فإن النائب العام يطلب من ابنه القاتل أن ينتحر حتي يخلصه من عاره الذي سيطارد الأسرة، يقف القاضي محمود في مواجهة القاتل إذ يكون رأيه أن الانتحار جريمة ويجب أن يحد النائب العام من قسوته المعتادة في الحكم علي كل متهم، وفي النهاية فإن الأب يكتشف أن سلوكيات ابنه جاءت نتيجة لقسوة الأب في معاملة ابنه. والفيلم كما يري يجعل من رجل العدالة محورا رئيسيا للأحداث، حيث تدخل الكاميرا إلي بيت النائب العام وأيضا إلي بيت القاضي، ونحن هنا لا نراه فقط جالسا علي منصته ينطق بالحكم أو يستمع إلي المحامين والشهود. القاضي الإنسان وهذا النوع من الأفلام هو الأهم في تاريخ السينما حول رجال القضاء، حيث يكشف لنا الجانب الإنساني الآخر لهذا الوجه الصارم الجاد، الذي لا يعرف الابتسام ولا يمكن قراءة ما بداخله من خلال ملامح وجهه طوال وجوده لذا فإنه طوال عمر السينما المصرية كانت هناك قصص أفلام كثيرة تحاول التعرف علي الجانب الإنساني لهذا الرجل باعتباره أبا وزوجا وأيضا علاقته بالزمن وبوظيفته مثل حكاية النائب هاليه في الأدب الفرنسي الذي عليه أن ينطق بالحكم القاسي في آخر قضية ينظرها خلال حياته الوظيفية ويجد من حوله الضغوط العديدة كي ينطق بالحكم لصالح الجاني مقابل إغراءات وتهديدات لكنه يقف بحزم شديد أمام كل الظروف التي تقابله هذا القاضي هاليه رأيناه مرارا في السينما المصرية لعل أبرزها فيلم «النيابة تطلب البراءة» الذي اخراجه عدلي خليل عام 1990. وكان قد سبق اخراجه مرات عديدة، وقد حول المقتبس المصري شخصية «الملك لير» إلي قاض في فيلم «حكمت المحكمة» لأحمد يحيي. وفي هذا النوع من الأفلام فإننا سوف نري اتساقا ملحوظا بين الحياة الخاصة للقاضي، وبين الأحكام التي يصدرها سواء كانت قاسية أم تسكنها الرحمة، فهو إنسان يلجأ إلي بنود القانون، ولعل فيلم «رجل لهذا الزمان» لنادر جلال هو الأوضح في هذه النماذج. الفيلم كتبه وحيد حامد وعرض في عام 1986 وجسد فيه دور القاضي «المستشار كمال» الممثل عادل أدهم الذي رأيناه كثيرا يقوم بأدوار الشر، فيتقن الأداء وصار هنا أيضا رجل قضاء، فاتقن الدور بقوة، وهذا المستشار يجد نفسه دوما أمام محامين أكفاء يحاولون تبرئة المجرمين الذين يمثلون عصابات إجرامية خارجة علي القانون، وقد اتسم القاضي هنا بالحزم الشديدة خاصة وهو يستعد لإطلاق حكمه علي دعبس، وهو واحد من عصابة كبيرة في قضية مخدرات، حيث يهدد هذا الأخير أنه لو تم الحكم عليه من قبل هذا القاضي فإنه سوف يعترف بأسرار العصابة ويتعرض القاضي للضغط المهني والنفسي لكنه يظل علي موقفه الصارم، فتقوم العصابة بخطف ابنته الوحيدة، للضغط عليه أكثر كي ينطق لصالح دعبس. هذا الرجل يعيش في شقة واسعة، مع وحيدته يسرية، وذلك بعد رحيل زوجته وهو رجل يقترب من الستين والابنة تستعد لمغادرة منزل أبيها وأن تتركه وحيدا، حيث إنها مخطوبة وأمام هذا الضغط الشديد المادي والنفسي فإن المستشار يصدر حكمه بالمؤبد علي المجرم، ثم يبدأ في اتخاذ الإجراءات القانونية بتبليغ الشرطة حول اختطاف ابنته ويسعي هو بنفسه لانقاذ ابنته، حيث إنه يحاول معرفة أسماء أفراد العصابة من المحامي ناجي الموكل في القضية، ويتمكن الرجل مع خطيب ابنته وبمساعدة الشرطة من العثور علي يسرية قبل أن يمسها أذي. مغامراتي باعتبار أن نادر جلال هو مخرج الفيلم، فإننا أمام عمل «مغامراتي» به المطاردات، والحركة لكن ما يهمنا هنا هو صورة القاضي في السينما المصرية، فهو رجل نموذجي بالغ الحدة في كل ما يفعله ابتداء من الأحكام إلي الشرف، حيث إنه من السهل أن يكسب حياة ابنته والحصول علي مبلغ يؤمن له حياته لكنه يرفض بقوة ويجتاز الأحكام وهذه صورة من صور ثابتة راسخة لرجل القضاء في الأفلام المصرية. ومن بين الأفلام الأخري في هذا الصدد، كان فيلم «حكمت المحكمة» الذي أخرجه أحمد يحيي عام 1981، حيث إن المخرج شارك بطل الفيلم فريد شوقي كتابة السيناريو والحوار في معالجة معاصرة أقرب إلي «الملك لير» لشكسبير، فالمستشار جلال هنا هو أبو البنات وهو رجل عدل صارم، شريف يمتلك كل الصفات الذهبية المتعارف عليها عند القاضي وقد كان حازما بشكل ملحوظ في القضية الأخيرة التي نظرها قبل إحالته إلي الاستيداع.. وما إن تنتهي خدمته حتي يعاني وحدة شديدة، ونحن هنا نري كيف تكون الحياة الخاصة لرجل عدل، بعد أن صار خارج الخدمة، فابنتاه قد تزوجتا خاصة الصغيرة هالة التي ذهبت مع زوجها إلي مدينة أخري. ونحن هنا أمام ما يسمي بمقبرة أفيال القضاة، فالمستشار جلال يقضي أغلب وقته لدي زميله المستشار الأسبق عبدالغني الذي لا يلبث أن يموت مما يصيب جلال بالمرض ويحتاج مربية لا يلبث أن يأنس لها ويتزوج بها فيقابل هذا الزواج باعتراض شديد من ابنتيه وزوجيهما.. ويبدأ الضغط علي الأب، لدفعه إلي تطليق زوجته كما يسعي زوجا الابنتين إلي اثبات جنون الرجل الذي يضطر إلي التنازل عن أمواله أمام القاضي ويكتفي بمعاشه ليعيش به مع زوجته وابنها من رجل آخر. من الناحية السياسية وضمن ما يسمي بمحاكمة سنوات الستينات فإن السينما المصرية قدمت عددا من الأفلام عن مذبحة القضاة التي تمت في نهاية الستينات ومن بين هذه الأفلام «امرأة من زجاج» لنادر جلال عام 1977، ثم «إعدام قاضي» لأشرف فهمي عام 1990. ننحن في فيلم «امرأة بزجاج» بين طرفي رمز العدالة النيابة والقضاة وكمال هنا وكيل نيابة، مرتبط بمني التي أجبرها أبوها أن تتزوج برجل آخر له حيثيته السياسية وفي أثناء لقاء بين الحبيبين في سيارة يصدم كمال أحد المارة بسيارته
وتعود مني إلي منزلها، حيث زوجها رشدي رجل السياسة الذي يلفق تهمة القتل الخطأ لأحد شيوخ القضاة وجسد الدور أيضا عبدالرحيم الزرقاني، وهو الدكتور فهمي الذي اعترض علي إبعاد عدد كبير من رجال القضاة عن مناصبهم عام 1968 بدون سبب فيما عرف بمذبحة القضاة ويوكل بالقضية إلي وكيل النيابة كمال الذي يعرف أنه الذي ارتكب الحادث، ولم يعترف بعد، حيث يقع في حيرة من امره فالدكتور فهمي هو أستاذه الذي علمه القانون ويقرر كمال الاستقالة من وظيفته وأن يعترف بما يعرفه إلا أن ردود أفعال الاستقالة تصل إلي رشدي ويعرف ما يفكر فيه كمال الذي يلقي مصرعه بأيدي رجال مراكز القوي مما يدفع بالزوجة مني إلي الذهاب للمحكمة للاعتراف بما لديها من معلومات. الانتقام الفيلم الثاني حول مذبحة القضاة كتبه عادل أمين والقاضي هنا اسمه رفعت الدياسطي الذي اطلق سراح مجموعة من المتهمين بمحاولة قلب نظام الحكم، مما يفضح مراكز القوي في تلك الفترة ومعذرة إن استخدم مصطلح لست أنا صانعه ويقوم رجال الحكم برمي القاضي من أعلي شقته، ويسجل الحادث ضد مجهول. تدور أحداث الفيلم في الحاضر حين تعود ابنة القاضي القتيل للانتقام من قتلة أبيها الذين تعرفهم خاصة رفيق الحناوي رجل الاستخبارات الذي اختفي من مصر وعاد بعد سنوات كرجل أعمال تنتقده علا في مقالاتها التي تنشرها في الصحيفة التي تعمل بها، وفي هذا الفيلم بدأت المحاولات الأولي لاثبات أنه في عالم العدالة، هناك الانتهازيون الذين يستفيدون من وظائفهم، لكنهم أبدا لن يتغيروا ولن تتحرك ضمائرهم، مثل وكيل النيابة عادل حلمي الذي يقبل مكافأة مالية من رفيق ليغير التحقيقات، ثم يعتزل النيابة ويصبح من الأثرياء ويتزوج بشقيقة أحد الوزراء. وحسب الصراع فإن ابنة القاضي تواصل محاولات الانتقام من قاتل أبيها ويموت الحناوي سقوطا من الشرفة بالطريقة نفسها التي مات بها المستشار الدياسطي، أما وكيل النيابة السابق عادل حلمي فإنه يصاب برصاصة من مسدسه بعد أن أعلن توبته. رواية «النائب هاليه» للكاتب الفرنسي والتي سبقت الإشارة إليها تم تحويلها إلي فيلمين في فترة قريبة الأول هو «إنهم يقتلون الشرفاء» لناصر حسين عام 1984، والثاني هو «النيابة تطلب البراءة» لعدلي خليل عام 1990، وكانت المسرحية التي كتبها بول لاندر قد تحولت إلي فيلم فرنسي مهم باسم «الحكم» اخرجه اندريه كايات عام 1956 مما يعني أن الكثير من النصوص السينمائية عن القضاة مستوحاة من مصادر فرنسية علي غرار القانون المصري المستوحي من زميله الفرنسي. وقد ارجأنا الحديث عن هاليه إلي نهاية المقال للتأكيد أن أغلب ما صورته السينما كان مستوحي من مصادر أخري فالمستشار صبري في فيلم «إنهم يقتلون الشرفاء» ينظر في نظرية مصرع فتاة فقيرة وهو علي وشك الإحالة إلي المعاش، أنها قضيته الأخيرة والمتهم في هذه القضية هو الشاب أحمد ابن أحد رجال الأعمال، والقتيلة مصابة برصاصة من مسدسه، وفي الفيلم يدور الصراع بين القاضي النزيه ورجل الأعمال الذي يفشل في رشوة المستشار أو تهديده للحصول علي براءة ابنه ووسط الظروف الحياتية الخاصة التي قد تدفع بالقاضي إلي قبول الإغراء فإنه لا يمكنه أن يبيع كل هذا التاريخ، ويصدر حكمه بإدانة الابن في آخر حكم يصدره قبل الاستيداع ويكون جزاؤه هو أن يموت مقتولا في قاعة المحكمة. أما هاليه المصري في فيلم «النيابة تطلب البراءة» فهو مصاب بازدواج شخصية، حيث إنه خارج علي القانون، وقاض في الوقت نفسه وهو ينظر في قضية المتهم فيها هو الجانب الآخر من شخصيته. القاضي العصري لم تتغير الصورة كثيرا طوال تاريخ السينما، ويمكن النظر إلي شخصية القاضي كما جسدها خالد صالح في فيلم «محامي خلع» لمحمد ياسين عام 2002، حيث إن القاضي هنا يمكنه أن يتحدث علانية بعبارات ذات إيحاءات حسية، وهو يكتفي بالتعبير عن دهشته دون التعليق حول الحياة الخاصة جدا بين زوجين بعبارات مثل 64 سلندر، وما بعيرفش، وهذا أمر يختلف تماما عن سرية الجلسات كما رأيناها في موقف مماثل في فيلم «اريد حلا» لسعيد مرزوق عام 1975. لاشك أن بنود القانون نفسه قد ساعدت في استمرار التعامل مع القضاء بهذه الهالة المقدسة حيث إنه ممنوع علي الأشخاص التعليق علي أحكام القضاء أو انتباذها ولذا فإن جميع الوظائف العامة قد انتقدت بشدة في السينما، إلا القضاة.. تم انتقاد رئيس الدولة وكل رجاله من رئيس وزراء ووزراء ورجال برلمان ورجال أعمال لذا فإن من المحاولات القليلة التي رأينا فيها الجانب السلبي للقضاة، كانت في فيلم «قاع المدينة» الذي اخرجه حسام الدين مصطفي عام 1972 عن اقصوصة قصيرة ليوسف ادريس، حيث تأتي جرأة الفيلم أنه جعل البطل الرئيسي هو القاضي عبدالله، وهو أقراب إلي هاليه كما رآه فيلم عدلي خليل فهو مصاب بفصام ملحوظ، في النهار ليصدر أحكامه في مختلف القضايا ويعتمد في حياته وقضاء حوائجه علي الحاجب فرغلي، هذا القاضي يذهب في الليل إلي شقة مدام شندي، حيث مجتمع الصفوة والمجون، وهناك يتعرف علي نانا التي تصير عشيقته ولا تلبث أن تتركه إلي رجل آخر، يطلب القاضي من حاجبه أن يحضر له شغالة وتأتي الخادمة الفقيرة شهرت التي تعول أسرة وزوجا وتتسلم كارهة للقاضي الذي يتحرش بها فتصبح عشيقته وهي تستسلم له من أجل المال، ويؤرق هذا الأمر المستشار، فهل تقبل شهرت هذه العلاقة من أجل المال أم من أجله، لذا يقرر الامتناع عن دفع المال لها، فتترك له البيت دون عودة. والقاضي هنا يلفق القضايا فهو الذي جعل حاجبه يلفق قضية سرقة لشهرت بعد أن غادرت البيت وهو الذي دفع بالمرأة أن تتحول من زوجة شريفة قاومته بقوة في أول مرة تحرش بها إلي أن تصير عاهرة التقاها ذات يوم في الشوارع المظلمة وبكل كبرياء لفظت العلكة التي في فمها، وتركته مما دفع به إلي تقديم استقالته في اليوم التالي وهو ينظر إلي قفص فيه عاهرة سينظر في قضيتها، ويكتب في منطوق استقالته: لم أكن عادلا في قضية خاصة بي فكيف أكون عادلا في قضايا الناس. من ناحية الممثلين الذين قاموا بدور القضاة بشكل مقنع كان هناك حسين رياض وعادل أدهم وفريد شوقي ومحمود ياسين وعبدالرحيم الزرقاني، لذا تكرر ظهورهم في مثل هذا الدور أكثر من مرة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.