محافظ القليوبية يقود مسيرة نيلية احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر    محافظ الجيزة يوجه بضرورة توعية المواطنين لسرعة تقديم طلبات التصالح    مندوب اليمن بجامعة الدول: هناك دعوة بأهمية تحمل المجتمع الدولي مسؤوليته بوقف العدوان    «خليك في فرقتك».. أحمد شوبير يرد على هشام نصر بعد تصريحات مباراة السوبر الإفريقي    شوقي غريب يعتذر عن تدريب الإسماعيلي والبديل يقترب    ضبط 5 تشكيلات عصابية و106 قطع أسلحة وتنفيذ 65 ألف حكم خلال يوم    ضبط متهم بحيازة سلاح و25 كيلو حشيش مخدر في الإسكندرية    رئيس الوزراء يشهد مع نظيره البافارى توقيع إعلان نوايا مشترك بقطاع الكهرباء    وزيرة التخطيط: 5.2% تراجعا فى نشاط الصناعات التحويلية خلال 23/2024    نائب وزير الإسكان يتابع موقف خدمات مياه الشرب والصرف بدمياط لتحسين الجودة    تصل ل9 أيام.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر أكتوبر 2024    «القاهرة الإخبارية»: استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل داخل لبنان    صلاح الأسطورة وليلة سوداء على الريال أبرز عناوين الصحف العالمية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل القيادي في حركة حماس روحي مشتهى    بزشكيان خلال لقائه وفد حماس: أي خطأ يرتكبه الكيان الصهيوني سيعقبه رد إيراني أقسى    بريطانيا تستأجر رحلات جوية لدعم إجلاء مواطنيها من لبنان    حزب حماة وطن يهنئ الرئيس السيسي بذكرى انتصارات حرب أكتوبر    رئيس مجلس الشيوخ يدعو لانتخاب هيئات مكاتب اللجان النوعية    الحلوانى: إمام عاشور يحتاج للتركيز داخل الملعب.. وعطية الله صادفه سوء توفيق مع الأهلى    محامي أحمد فتوح يكشف تفاصيل زيارة اللاعب لأسرة ضحيته لتقديم العزاء    وزير الآثار يلتقي نظيره السعودي لمناقشة آليات الترويج السياحي المشترك    بيع 4 قطع أراضٍ بأنشطة مخابز جديدة بالعاشر من رمضان لزيادة الخدمات    المنيا: ضبط 124 مخالفة تموينية خلال حملة على المخابز والأسواق بملوي    حبس عامل سرق محتويات من محل عمله بالجمالية 4 أيام    ب367 عبوة ل21 صنف.. ضبط أدوية بيطرية منتهية الصلاحية في حملات تفتيشية بالشرقية    التعليم تعلن موعد اختبار الشهر لصفوف النقل.. وعلاقة الحضور والغياب بالدرجات    14محضرا تموينيا بساحل سليم وإزالة تعديات الباعة الجائلين بأبوتيج فى أسيوط    فيلم عنب يحتل المركز الثالث بدور العرض.. حقق 47 ألف جنيه في يوم واحد    توقعات برج القوس اليوم الخميس 3 أكتوبر 2024: الحصول على هدية من الحبيب    معرض صور فلسطين بالدورة ال 40 لمهرجان الإسكندرية السينمائي    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    الصحة توصى بسرعة الانتهاء من رفع أداء 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    20 غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية و6 قتلى بقصف وسط بيروت    مصرع عامل وإصابة 3 أشخاص في حوادث سير بالمنيا    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    التابعي: الزمالك سيهزم بيراميدز.. ومهمة الأهلي صعبة ضد سيراميكا    مفاجآت اللحظات الأخيرة في صفقات الزمالك قبل نهاية الميركاتو الصيفي.. 4 قيادات تحسم ملف التدعيمات    «وسائل إعلام إسرائيلية»: إطلاق 10 صواريخ على الأقل من جنوبي لبنان    بحث سبل التعاون بين وزارتي الصحة والإسكان في المشاريع القومية    كلية العلوم تعقد اليوم التعريفي لبرنامج الوراثة والمناعة التطبيقية    الصحة: تشغيل جراحات القلب في الزقازيق وتفعيل أقسام القسطرة ب3 محافظات    نقيب الأطباء: ملتزمون بتوفير فرص التعليم والتدريب لجميع الأطباء في مصر إلى جانب خلق بيئة عمل مناسبة    ألفاظ خارجة.. أستاذ جامعي يخرج عن النص ويسب طلابه في «حقوق المنوفية» (القصة كاملة - فيديو)    روسيا تعلن اعتقال "عميلين" لأوكرانيا على حدود ليتوانيا    إعلان النتيجة النهائية لانتخابات مركز شباب برج البرلس في كفر الشيخ    وزير الثقافة يفتتح الدورة 24 لمهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية    نجاح عملية استئصال لوزتين لطفلة تعانى من حالة "قلب مفتوح" وضمور بالمخ بسوهاج    ‫ تعرف على جهود معهد وقاية النباتات لحماية المحاصيل الزراعية    «يا ليالي الطرب الجميل هللي علينا».. قناة الحياة تنقل فعاليات مهرجان الموسيقى العربية ال 32 من دار الأوبرا    الفنانة منى جبر تعلن اعتزالها التمثيل نهائياً    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    حظك اليوم| برج العقرب الخميس 3 أكتوبر.. «يومًا مليئا بالتغييرات المهمة»    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    وزير الصحة الأسبق: هويتنا تعرضت للعبث.. ونحتاج لحفظ الذاكرة الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ستنتقب «السينما» ويطلق الإعلام «لحيته» في مصر؟
نشر في القاهرة يوم 08 - 05 - 2012

تأتي خطورة الحكم القضائي ضد الفنان عادل إمام ليس فقط في أنه محاكمة للممثل علي الأدوار التي جسدها في بعض أفلامه وأن السيد القاضي الذي أصدر هذا الحكم يري أنه يستحق العقاب لمدة ثلاثة أشهر سجناً بتهمة معاداة الإسلام، أو ازدرائه، أو أي من هذه المعاني الكبيرة، لكن الحكم سوف يصل بنا إلي أحكام أخري قادمة ضد هذه الأفلام المذكورة في حيثيات الحكم، واعتبارها مسيئة إلي الإسلام ويجب منعها من العرض وربما حرق أصولها ثم البحث عن دفعة ثانية من أفلام أخري ناقشت القضايا نفسها، وقد يصل الأمر إلي محاكمة كل الفنون التي تناولت الموضوع نفسه من مسرحيات ودراما تليفزيونية وإذاعية وفنون تشكيلية وكلها بتهمة ازدراء الدين. وللعلم فان هناك عشرات من الأفلام طوال تاريخ السينما المصرية التي يمكن الصاق التهم نفسها بها وعليه فسوف تكون الصورة القادمة حتما هي أن هذه الأفلام بشكل خاص والسينما المصرية طوال خمسة وثمانين عاماً، هي ضد الدين وإنها وقفت بشكل سلبي ضد العقيدة باعتبارها قد صورت رجل الدين أو أي شخص ملتح بالصور التي رأيناها في أفلام عديدة. ومن خلال المنطق الذي يتردد الآن بقوة لدي البعض وقد سمعته وقرأته كثيراً أن رجل الدين هو مفوض من الله سبحانه وتعالي لنشر العقيدة، وانه صورة العقيدة في الأرض فانه صار من حقه أن يرفع القضايا، ويغير المنكر بكل السبل وسط سؤال يطرح نفسه ما المنكر.. وهل السينما منكر؟ مثل الشاب الذي قتل فرج فودة، ومثل الشاب الذي طعن نجيب محفوظ بإس من قائده ومثل العديد من أصحاب الفتاوي العقائدية حول الأدب والفن، ومثل الذين هاجموا رواية «آيات شيطانية» وقتلوها بحثاً دون أن يقرأوها، لسبب بسيط أنهم لا يقرأون بالانجليزية فان ما يدور من أحداث يعتمد علي ثقافة السمع وعدم الإلمام بالموضوع كله وباختصار عدم القراءة أو عدم المشاهدة. ضد العقيدة فقد صار هناك اعتقاد قديم وراسخ ان السينما مثلا ضد العقيدة وان ماشاهدناه من أفلام مليئة بسلبيات المجتمع بكل أشكالها لا يؤكد علي فسق هذه السينما وميلها إلي المجون واللهو.. والواقع أنه ليس فسق السينما بل إن هذا الفن الذي يعتمد علي الصورة هو نقل للواقع وما يحدث فيه بصورة مخففة جدا جداً مما يحدث في هذا الواقع ويكفي أن تشاهد فيلما مصريا مأخوذاً عن حادث حقيقي، من بين ملايين الحوارات التي نشرتها الصحف السيارة في العقدين الماضيين وان تعرف تفاصيل الحادث، وتري كيف ان الأفلام قدمت هذا الحادث بشكل مخفف للغاية وقد سعت السينما إلي قراءة الواقع من خلال نقل هذه القصص الحقيقية في أفلام كثيرة من أبرزها فيلم «السفاح» عن حادث بشع للغاية ارتكبه سفاح المهندسين، وكانت الصحف والسينما أقل حدة من الواقع وبشاعته. أي أن هذه السينما كانت صورة للحياة التي نعيشها بما فيها من قسوة ودموية ومجون وتجاوزات ملحوظة، وإذا كان المخرج الأمريكي هيتشكوك «يتم الآن الاحتفال بمئويتهم قد قال ان 12% فقط من الجرائم هي التي يتم اكتشافها، فان هذا يعكس ما يدور من حولنا من جرائم بالغة البشاعة ولا نعرف عنها شيئا الذين يرتكبون هذه الجرائم ليسوا من الصالحية ولا يعيشون حياة التقوي والاستغناء.. ولكنهم يعيشون أجواء مرتبطة بالشهوات بكل أشكالها والمحرمات بكل صورها.. وعندما يتم تحويل إحدي هذه القصص إلي أفلام فانه يتم تخفيف قسوة الواقع إلي ما يقارب العشرة بالمائة علي الأكثر.. لأن الكاميرا لن تحتمل ان تنقل العنف والجنس والحيوات المشبوهة، بنفس التفاصيل التي تحدث في الواقع وسوف نري أن السينمائيين يضعون مرشحات لتمرير مشاهد بعينها، دون الخوض في تفاصيل ما يحدث كالجنس والاغتصاب والقتل بكل أشكاله والعنف الدامي حيث إن السينما تميل إلي الرومانسية وإلي عدم إحداث صدمات للناس وخاصة في مصر. ورق شفاف والآن لنأت إلي النقطة المهمة في هذا الشأن فالسينما مهما قدمت، فان الصورة مخفضة ومن يسع إلي تغيير السينما وموضوعاتها عليه ان يغير من شكل المجتمع، وبشكل جذري فالسينما ليست السبب في المشاكل الكبري، كالاختلاس والرشوة والاغتصاب، وكل ما نعيشه في الخفاء أو العلن السينما بمثابة ورق شفاف ينقل خيوطا شاحبة وليس كل مايحدث في الحياة والرقابة تقف بالمرصاد إذا حاولت السينما ان تكون جريئة لذا ظلت الأفلام بمثابة كائن ممسوخ أو رومانسي أو ساذج وهي تقدم موضوعاتها المحرمة إلي الناس. والسينما في ذلك وأيضاً الآداب بكل أشكالها تبدو كائنا بالغ التشدد في التعامل مع كل ما يتعارض وتعاليم الدين وقوانين المجتمع فإذا كانت الجراثيم غير المعلنة قد تم تجاهل أمورها، فان أصحابها قد لاذوا بالفرار وتمتعوا بما ارتكبوا، قبل أن تعاقبهم السماء بعيداً عن الأعين. وفي هذا الصدد، فان القصص التي تعرضها علينا الأفلام تنتهي دوما بقصاص حاد وحاسم قد لا يكون له صدي في الواقع، بما يعني أنه ليس كل مجرم ارتكب جريمة بملاقٍ للعقاب، وكم أفلت ملايين المجرمين علي خلاف جرائمهم وأحجامها وأنواعها، أما قصة هذا المجرم التي وجدت نفسها تذهب إلي السينما، فان صاحبها سوف يلاقي عقابا صارماً وحسب معلوماتي فان السينما المصرية لا تعرف استثناء واحداً في هذا الصدد.. فالقاتل حتي ولو عن طريق الخطأ في «اللص والكلاب» قد لقي جزاءه.. سواء في رواية نجيب محفوظ حيث قرر سعيد مهران ان يسلم نفسه، أو في الفيلم الذي أخرجه كمال الشيخ، حيث «يموت» علي أيدي رجال الشرطة. وهذا الشخص مستوحي من واقع والنص الإبداعي تعامل معه بحيادية قدم الصور الإيجابية والسلبية له هذا هو مجتمعه الذي يعيش فيه أغلبهم يمارسون العهر، ابتداء من الصحفي المكيافيلي الذي صارت له ثروات ومكانة، أو نور العاهرة التي ترتزق من مهنتها لكنها من ناحية أخري تبدو ذات مشاعر إنسانية مثل كثيرات ممن حولنا، وفي الرواية فانها تختفي بشكل غامض وفي الفيلم يتم القبض عليها، ثم تظهر لنا في المشهد الختامي ودون أن نعرف كيف خرجت من الحبس ولا شك أن هذا سذاجة من السيناريو أو ضرورة فنية لتواجد هذه الشخصية في هذا المشهد. عاهرات الفن ضمن شخصيات الأفلام تنتظرهن نهايات مأساوية عكس الواقع والأمثلة التي نذكرها لا تعبر عن كل ما يحدث لكنها مهمة في أن نسوق وجهة نظرنا، فقد تم القبض علي نفيسة في نهاية «بداية ونهاية» لم تكن تعمل ضمن شبكة وكانت نهاية النص الأدبي والسينمائي بالغة القسوة فقد دفعها أخوها الضابط إلي أن تلقي بنفسها في النيل، ثم لحق بها ولو طبقنا هذه النظرية في الواقع لصحونا ذات يوم ورأينا النهر وقد امتلأ بجثث عاهرات يمارسن هذه المهنة، وما أكثرهن في شوارع بعينها في القاهرة والجيزة. درس في الأخلاق وإذا كانت الحياة يمكنها ان تتسامح مع العاهرات اللاتي كن في الزنزانة ورحن يسخرن من نفيسة وهن يرددن «ياحلوة يابلحة يامقمعة شرفتي إخواتك الأربعة» بما يعني أن هؤلاء الغانيات قد يتم تسريحهن أو إصدار أحكام ما عليهن، لكن مصير أي منهن لن يكون بقسوة مصير نفيسة وأخيها الضابط أي أن السينما لا تتسامح أبداً مع أبطالها الذين يرتكبون الخطيئة وتعطينا درساً أخلاقياً ألا تكون أي امرأة «نفيسة» ويفضل كثيراً أن تكون ابنة الجيران التي سبق لحسنين أن خطبها. لو نظرنا إلي صورة كل بنات الليل في السينما المصرية فان مصائرهن إما العقاب البالغ القسوة وغالباً ما يكون «الموت» وليس التوبة وفي بعض الأحيان قد تتقبل السينما مسألة التطهر.. لكنه أبداً أمر غير مقبول، بمعني أن من ارتكبت الخطيئة فعليها ان تموت ويمكن أن نحصر آلاف الخاطئات في الأفلام المصرية واللاتي لاقين مصير «الموت» حتي لو قررن التوبة ومن هذه الأمثلة الكثيرة هناك «الجسد»، «فضيحة في الزمالك»، «ارحم حبي»، «زقاق المدق»، «القاتلة»، «امرأة في الطريق»، «صراع في النيل»، «حياة غانية»، «خذني بعاري»، «درب الهوي»، «بنات الليل»، «أبناء وقتلة»، «رد قلبي»، «نساء محرمات»، «صائدة الرجال»، «زوجة من الشارع»، «امرأة بلا قيد»، «كشف المستور» وغيرها. إذن فالسينما المصرية هي كائن بالغ «التشدد» في شأن التعامل مع الخطيئة والمرأة الخاطئة، فكم من خاطئات يعشن حياة طبيعية في الحياة دون عقاب سماوي ملموس، لكن في السينما فانها بالتأكيد لا تعرف «الغفران» ولا الصفح عن الخافتات حتي ولو كانت هناك نية خالصة في التوبة وفي السينما فان هناك احتمالاً للإفلات من العقاب المؤكد، في حالة واحدة فقط هو ألا يلمسها جنسيا أي رجل آخر غير الرجل المحلل لها مثلما حدث في «طريق الأمل» وأفلام عديدة. وليس لدينا أي استثناء واحد في هذا الأمر.. ونحن نتوقف هنا عن الخطيئة والخاطئة للتعرف علي التشدد الأخلاقي والديني لمنظور السينما المصرية بأن العقاب الذي تناله النساء في العالم هو صورة متشددة جدا من الواقع باعتبار ان الموت هو إعدام للحياة، أي أن قاضي السينما وهو غالباً الكاتب لا يعرف الرحمة، وهو أشد عدلاً وأكثر حزما من كل القضاة في الواقع حيث إن القانون الموضوع لا يسمح للقاضي باعدام امرأة لمجرد أنها غانية أو أنها خانت زوجها حتي ولو بشكل عابر أي أنه حسبما ذكرنا فان السينما في الكثير من الحالات أو فيها كلها تبدو صورة مخففة جداً من الواقع وفي أحكامها تبدو متشددة جداً لم يحدث في الواقع. وإذا كانت السينما قد صورت في الربع الأول من سنواتها داخل البارات والملاهي الليلية فانها لم تكن تزايد علي الواقع، بل ان البغاء كان مباحاً به رسمياً في الأربعينات من القرن الماضي وعندما كانت بهجة الناس هي الذهاب لبعضهم إلي الملاهي كانت السينما تصور هذا العالم ولم نتعاطف قط معه، فبنات الليل ذوات أخلاق سيئة، وهناك من دفعتهن الظروف إلي ممارسة هذه المهنة، وغالباً يأتي واحد من الأهل من أجل الانتقام لشرف الأسرة وقد حدث ذلك دوما في أفلام مثل «دعاء الكروان» حتي وان لم تخطئ آمنة، وأيضاً في «الهاربة» و«درب الهوي» وكانت قصص الأفلام تتعمد ان تزيد من مساحات الشر والموبقات التي تمارسها بنت الليل من أجل ان تستحق عقابها القدري في أفلام كثيرة.. ومنها الأفلام التي أشرنا إليها. وقد وعت السينما دوما، في هذا المنطق، انها تتعامل مع البشر، والكثير منهم خطاءون وسمة السينما الكبري أن شاشاتها عريضة وضخمة تسعي إلي أن تكون الصورة المقدمة ضخمة، مجسمة فيزداد التأثير وتزداد الكراهية لهذه الشخصيات الخاطئة خاصة النساء، ويروح المتفرج يتعجل أن تأتي نهاية هذه الشخصية قبل أن ترتكب المزيد من الموبقات والخطايا. شرير الفيلم هناك ما يسمي بالتأثير التراكمي لقصص الأفلام لدي المتفرج، فالبعض يجد نفسه في أحيان ما في ظروف مشابهة لما رآه علي الشاشة، والمرء لا يميل بشكل طبيعي، أن يكون أشبه بشرير الفيلم لذا فإنه بشكل تلقائي يتصرف ضد ما يفعله هذا الشرير، ومن هنا تبدو رسالة السينما، فهذه الرسالة لن تحدث تأثيرها الحقيقي إلا إذا تمادت المرأة في الخطيئة بجميع أشكالها لتعر، شراب وسكر، مكائد، مؤامرات وغيرها..، ومن هنا تأتي عظمة وأهمية الفن الذي يراه البعض علي طريقة نصف الكوب الفارغ.. فلاشك أن الآداب والفنون تلعب دورا اجتماعيا وتعليميا، رغم أن الفن ليس أبدا فصلا لمحو أمية الأخلاق. ولو وددنا أن نأخذ نموذجا لما يسمي برومانسية الخطيئة فسوف نري أن جميع الأفلام المصرية المأخوذة عن مسرحية «غادة الكاميليا» للفرنسي إسكندر ليماس الابن، قد عاقبت العاهرة السابقة جزاء ما فعلته أيام العهر رغم أنها أرادت التوبة بعد أن وقعت في غرام شاب من أسرة عريقة، وتعاملت بنبل ملحوظ مع والد حبيبها، حيث وعدته إلا تقترب منه أبدا وأن تبعده عنها.. أغلب الأفلام المصرية التي اقتبست هذه الحدوتة، لم يرق قلبها للعاشقة التائبة، وتعاملت معها علي أنها «نجسة» رغم أن حبيبها غفر لها فعاقبتها علي ما ارتكبت أيام «الهوي» بأن ماتت مريضة بالسل في أفلام «ليلي» و«عهد الهوي» و«رجال بلا ملامح» و«عاشق الروح» و«السكاكيني» وغيرها. إذًا فالسينما حريصة أن تحتفظ المرأة الشرقية ببكارتها من أجل الرجل الذي تقترن به، أما إذا كانت غير ذلك، فإن عقابا صارما ينتظرها.. مما يؤكد ما نقصده، أن السينما من الناحية الاجتماعية، والأخلاقية بالغة التشدد، ولا تعرف التسامح، وتحمل السينما وجهة نظر المجتمع الرجولي، فقصص الأفلام تبيح للرجل أن «يزل» وأن «يخون» لأنه «رجل» في الوقت الذي تنظر فيه الأفلام مثل المجتمع إلي أي امرأة فكرت حتي في الخيانة،
باعتبارها ساقطة ويجب أن تدفع الثمن، مثلما حدث في فيلم «عاشت للحب» حيث إن الرجل الذي اعتاد أن يري خيانة امرأة أبيه وحاولت أم صاحبه أن تغويه، ظل ينظر إلي جارته التي أخطأت «معه» علي أنها قد تفعل ذلك في أي يوم مع أي رجل، رغم أنه أيضا أخطأ معها، لكن السينما لم تجرمه قط، بادعاء أنه رجل. وقد يتبادر إلي البعض أن العاهرات في ثلاثية نجيب محفوظ لم ينلن الجزاء، ولكن ما حدث هو العكس، فقد دفعت النساء الثمن، سواء من الشيخوخة والإدمان والفقر، والغريب أن الرجال هنا ذوا الخطايا الكثيرة لم يدفعوا الثمن باعتبار أنهم «رجال» مثلما حدث للسيد عبدالجواد الذي مات شيخا ووسط أسرته من الأبناء والأحفاد أي بشكل طبيعي. كائن متدين الموضوع مثير ومعقد ويحتاج إلي دراسات متأنية متفهمة، واسترجاع معلومات، وإعادة مشاهدة وتغيير مفاهيم، ونقاشات وإذا كان الحكم الصادر ضد الممثل بأنه يزدري الدين، وهذا شأن سينمائي فإن السينما المصرية كائن متدين، يسير في أهدافه العامة مع رسالة الدين لتغيير سلوك الناس، وقد نظرت إلي رجل الدين دوما باحترام شديد، ووقار ملحوظ وتعاملت معه أحيانا علي أنه بشر، والبشر غير محصنين أمام الإغراءات. كما أن الزي والشكل الخارجي لا يعنيان أبداً التدين الحقيقي، وقد شرحنا العديد من وجهات النظر في كتابنا صورة الأديان في السينما المصرية الصادر عن المركز القومي للسينما عام 1998 وأشرنا إلي أن رجل الدين في الكثير من الأفلام كان قائدا اجتماعيا يقود وطنه ضد الاستعمار البريطاني وفي الحركات الوطنية من أجل أن يتقدم المجتمع، ولعل الأدوار التي جسدها كل من حسين رياض وحسين صدقي ويحيي شاهين كانت تعبر عن الفعل الصحيح لرجال الدين سواء في التاريخ أو في الحياة المعاصرة في أفلام من طراز «بورسعيد» و«واإسلاماه» بالنسبة لحسين رياض و«المصري أفندي» و«يسقط الاستعمار» بالنسبة لحسين صدقي، أما يحيي شاهين فقد جسد دوما هذه الأدوار، دور الشاب المتدين الذي يقاوم إغراءات الحياة في فيلم «سلامة» وأيضا في أفلام أخري مثل «المظاهر» وعندما تقدم به السينما أدي دور الشيخ واعظ الناس في أفلام عديدة منها «كهرمان» و«جعلوني مجرما» و«بلال مؤذن الرسول» وأيضا دور الشيخ الذي يتصدي للطاغية في «شيء من الخوف» إلا أن هذا الرجل كإنسان خاف علي مكاسبه وأرضه في فيلم «الأرض» وقام بمساومة الباشا الذي سيقيم طريقا فوق أرضه من أجل أن يحتفظ بهذه الأرض وهذا سلوك إنساني مهما كان سلبيا. أما مسألة الإرهاب في السينما المصرية فإن قصص الأفلام تأخرت كثيرا للتعامل مع ما شهدته فترة نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من سيطرة الجماعات الدينية علي قطاعات عديدة من المجتمع بشكل كشف عن ضعف الدولة بشكل ملحوظ، وكانت تتصدي أمنيا لظاهرة تصاعد شركات توظيف الأموال التي اتخذت لنفسها شكل اللحية كما تم اغتيال العديد من الكتاب والمفكرين الذين تعرضوا لهذا الإرهاب في كتاباتهم دون أن تتمكن الدولة من حماياتهم وبدت مدن بأكملها، مثل أسيوط، واقعة تحت السيطرة، وتمكن طبال سابق من فرض قانونه علي حي إمبابة، وتم تفجير العديد من نوادي الفيديو، والاستيلاء علي محلات ذهب، وغيرها من ظواهر أكدت ضعف الدولة أمنيا، لكن ماذا عن موقف الفن، بدا الفنانون كأنهم مرتعبون خائفون من التدخل بشكل مباشر، وظهرت أفلام تتحدث عن الإرهاب، كأنه يحدث في العالم وليس في مصر، منها فيلم «الإرهاب» لنادر جلال، حيث يعمل الإرهابي لمصلحة منظمة عالمية لا نعرف عنها شيئا، ولم يكن هناك أي تفسير أو إشارة لهوية الشخص الذي يفعل ذلك، وتجرأ وحيد حامد، فقدم فيلمه «الإرهاب والكباب» الذي تعامل مع موضوع شديد الحساسية بذكاء شديد، فليس في الفيلم إرهابي، لكن هناك خطأ وقع فيه مواطن «غلبه حاله» من أجل نقل ابنه إلي مدرسة أخري وسط روتين وظيفي عقيم، من بينه أن الموظفين متكاسلون وأحدهم يصلي بشكل دائم في مكان العمل، وتحدث مواجهة، ويتحول الموضوع إلي ما يقارب الكوميديا السوداء. العنف حتي الآن فإن السينما لم تكن قد تدخلت بشكل حاسم مع أحد الطرفين الدولة أو هذا العنف باسم الدين وهناك فيلم لسعد عرفة باسم «الملائكة لا تسكن الأرض» عاني الأمرين في عرضه الأول لمدة أربع سنوات، حيث لم يتمكن منتجه من عرضه في أي قاعة سينما خوفا من تفجيرها، كما تم تفجير محلات فيديو كانت تبيع شرائطه بشكل سري، إلي أن أضيء ضوء أخضر للفنانين أن يقدموا أفلاما ضد الإرهاب باسم الدين وكان مسلسل «العائلة» الذي كتبه وحيد حامد بمثابة البداية، ثم جاء فيهم «الإرهابي» الذي كتبه لينين الرملي، وإخراج نادر جلال حول قضية اغتيال فرج فودة، وكان يتضمن انتقاداً ملحوظا للتطرف الديني بشكل عام لدي المصريين، بجميع عقائدهم، وعند عرض الفيلم في عيد الفطر، كانت هناك حراسات أمنية مشددة وتفتيشات للمشاهدين المتزاحمين لدخول الصالات، وقد شجع هذا منتج فيلم «الملائكة لا تسكن الأرض.. أن يعرضه بشكل متواضع في سينما «أوديون» ولم ينتبه إليه أحد، كما أن نجاح الفيلم شجع الكثير من المنتجين لانتاج أفلام مشابهة كما شجع نفس فريق عمل «الإرهاب والكباب» علي عمل أفلام أخري منها «طيور الظلام» الذي أدان أطرافاً كثيرة، وكانت هناك شخصيات حقيقية موجودة في قصص هذا الفيلم، مثل محام كان هاويا للموسيقي عرف دوما أنه يدافع عن القضايا ذات البعد الديني. من هذه الأفلام التي قدمت طوال هذه الفترة: «الخطر»، «المصير»، «الآخر» و«كشف المستور» وقد بدت السينما هنا ليست كصاحبة موقف، بل إنها تسعي للاستفادة من نجاح ما كي تستقيظه من جديد، مثلما حدث عقب نجاح فيلم «الكرنك» فتم إنتاج العديد من الأعمال عن مراكز القوي، وسرعان ما توقف المنتجون عن إنتاج أفلام جديدة في هذا الشأن، وبدت السينما كأنها قالت كلمتها، أو كسبت أموالا، وقد دفع الأمر بمنتج فيلم «الناجون من النار» إلي منع عرضه في دور العرض، ورأينا الفيلم بعد سنوات في عروض قليلة في الفضائيات العربية، وفي عام 2006 عاد الكاتب وحيد حامد لمناقشة هذه الظاهرة في فيلمين، بعد ان كانت قد انتهت تماماً قبل سنوات، هذا الفيلمان هما «دم الغزال» و«عمارة يعقوبيان»، حيث بدا للناس كأنما الفيلمان يتحدثان عن ماض تلاشي من المواجهة بين الدولة وخصومها، وفي هذه الأفلام كان هناك انتقاد إلي كل أطراف المصريين رجال الإسلام السياسي، ورجال الدولة الفاسدين وبدت السينما كأنها تخاصم الجميع وليس طرفا واحدا. المسألة المهمة في هذا الأمر أن الناس تصدق السينما خاصة من خلال شاشتها العريضة الضخمة ولعل هذا قد أرق أصحاب الشأن فالأفلام لا تزال موجودة، وتعرض مراراً علي شاشات الفضائيات مما يعني أن اللجوء إلي القضاء ليس هدفه فقط مس ممثل عمل في بعض هذه الأفلام، له شعبيته الطاغية، لكن كما أشرنا التمهيد لاعتبار أن هذه الأفلام «كافرة» ضد التدين وأنه يجب منعها وسوف يحدث هذا حتما لو سارت الفضائيات بالاطر نفسها ووجدت من يناصرها وعلي الحرية الإبداعية السلام.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.