«التخطيط» تعقد ورشة حول الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان للعاملين بالوزارة    التنظيم والإدارة يوضح حقيقة عدم توفير اعتمادات مالية ل3 آلاف إمام بالأوقاف    وزير الرى يلتقى أمين عام المنظمة العالمية للأرصاد الجوية    رئيس الوزراء وسط ركاب مترو الخط الثالث.. و«الوزير»: «الرابع» يشمل 39 محطة    حجز شقق الإسكان المتميز.. ننشر أسماء الفائزين في قرعة وحدات العبور الجديدة    خالد حنفي: علينا إطلاق طاقات إبداع الشباب والاهتمام بريادة الأعمال والابتكار    تراجع المؤشر الرئيسي للبورصة بختام تعاملات جلسة الإثنين    خلال لقاء نظيره اليوناني.. شكري: حرب غزة أبشع أزمات التاريخ المعاصر    أزمة بين إسبانيا والأرجنتين بعد تصريحات لميلي ضد سانشيز    انطلاق مباراة زد والاتحاد السكندري بالدوري    قائمة الأرجنتين المبدئية - عائد و5 وجوه جديدة في كوبا أمريكا    بعد التحقيقات.. الأهلي بطلا لدوري الجمهورية 2003    ضبط المتهمين بقتل شاب في مدينة المستقبل بالإسماعيلية    8 مصابين فى حادث تصادم "ميكروباص" وربع نقل بأسوان    بيروت ودبي.. تفاصيل حفلات عمرو دياب في شهر يونيو    الأوبرا تحتفل بالذكرى ال42 لتحرير سيناء    إعلان نتائج مسابقة جوائز الصحافة المصرية عن عامي 2022-2023    حصريًا على dmc.. موعد عرض مسلسل "الوصفة السحرية"    يعالج فقر الدم وارتفاع الكوليسترول.. طعام يقي من السرطان وأمراض القلب    إجراء 19 عملية زراعة قوقعة للأطفال بسوهاج    هل يوجد مشروب سحري لزيادة التركيز يمكن تناوله قبل الامتحان؟.. استشاري يوضح    هيئة الدواء تشارك باجتماع منظمة الصحة العالمية حول استخدام المضادات الحيوية    بدأ العد التنازلي.. موعد غرة شهر ذي الحجة وعيد الأضحى 2024    إلهام شاهين تحيي ذكرى سمير غانم: «أجمل فنان اشتغلت معه»    إيرادات الأفلام تواصل التراجع.. 1.2 مليون جنيه في يوم واحد    حكم شراء صك الأضحية بالتقسيط.. الإفتاء توضح    المالديف تدعو دول العالم للانضمام إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل    الإعدام لأب والحبس مع الشغل لنجله بتهمة قتل طفلين في الشرقية    تراجع ناتج قطاع التشييد في إيطاليا خلال مارس الماضي    ڤودافون مصر توقع اتفاقية تعاون مع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لدعم الأمن السيبراني    بعد طائرة الرئيس الإيراني.. هل تحققت جميع تنبؤات العرافة اللبنانية ليلى عبد اللطيف؟‬    ليفربول ومانشستر يونايتد أبرزهم.. صراع إنجليزي للتعاقد مع مرموش    وزيرة الهجرة: الحضارة المصرية علمت العالم كل ما هو إنساني ومتحضر    شيخ الأزهر يبحث تعزيز الدعم العلمي لأبناء بوروندي    مناورة بترولية بالعلمين بالتزامن مع حفر أول بئر بالمياه العميقة غرب المتوسط    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء العمل في إنشاء الحملة الميكانيكية الجديدة بدسوق    العثور على طفل حديث الولادة بالعاشر من رمضان    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    تأجيل محاكمة طبيب بتهمة تحويل عيادته إلى وكر لعمليات الإجهاض بالجيزة (صور)    كواليس جلسة معارضة المتسبب فى وفاة الفنان أشرف عبد الغفور    افتتاح دورة إعداد الدعاة والقيادات الدينية لتناول القضايا السكانية والصحية بمطروح    الليجا الإسبانية: مباريات الجولة الأخيرة لن تقام في توقيت واحد    الرئيس الجزائري: فقدت بوفاة الرئيس الإيراني أخا وشريكا    نائب جامعة أسيوط التكنولوجية يستعرض برامج الجامعة أمام تعليم النواب    بروتوكول تعاون بين التأمين الصحي الشامل وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية لتطوير البحث العلمي فى اقتصادات الصحة    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو "من أجل المرأة فى العلم"    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    ضبط 20 طن أسمدة زراعية مجهولة المصدر في البحيرة    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    مرعي: الزمالك لا يحصل على حقه إعلاميا.. والمثلوثي من أفضل المحترفين    عواد: لا يوجد اتفاق حتى الآن على تمديد تعاقدي.. وألعب منذ يناير تحت ضغط كبير    ماذا نعرف عن وزير خارجية إيران بعد مصرعه على طائرة رئيسي؟    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    بدأت بسبب مؤتمر صحفي واستمرت إلى ملف الأسرى.. أبرز الخلافات بين جانتس ونتنياهو؟    مجلس الوزراء الإيراني يعقد جلسة طارئة في أعقاب تحطم طائرة الرئيس    معين الشعباني: تسديداتنا أمام الزمالك لم تكن خطيرة.. ولاعب الأبيض قدم مباراة رائعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل ستحسم أصوات العرب معركة الوصول لقصر الإليزيه؟
نشر في القاهرة يوم 27 - 03 - 2012

قبل أسابيع من الدورة الأولي لانتخابات الرئاسة الفرنسية في 22 أبريل القادم، تقلص الفارق بين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وخصمه الرئيسي الاشتراكي فرانسوا هولاند الذي حصل علي 54% من " نوايا التصويت"، فضلا عن صعود مرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلينشون الذي حصل علي 11% من " نوايا التصويت " في آخر استطلاع للرأي، وعودة اليمينية المتشددة مارين لوبن إلي الحملة الانتخابية بعد نجاحها في الحصول علي 500 توقيع اللازمة من نواب الجمعية الوطنية والمجالس المحلية وحصولها علي 16% من "نوايا التصويت "، وذلك في خضم سباق انتخابات الرئاسة الذي يشارك فيه ستة مرشحين إلي جانب ساركوزي، وانسحاب رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان من السباق بعد أن فشل في جمع العدد المطلوب من التوقيعات الرسمية . وحسبما يري المحلل والكاتب السياسي ولياف فاف فإن الرئيس ساركوزي يخوض سباقا رئاسيا صعبا، ويلعب بورقة المهاجرين علي أمل سحب الناخبين اليمينيين من معسكر مارين لوبن، كما يستند إلي انجازاته ومنها إصلاح المدارس ومنظومة التعليم الجامعي، ووضع حد للاضطرابات العمالية، والتدخل لإيقاف الحرب في جورجيا، والانضمام للمستشارة الألمانية انجيلا ميركل في الضغط علي أعضاء الاتحاد الأوروبي للتعامل مع أزمة الديون في أوروبا، ومشاركته في الحملة الجوية التي قام بها حلف شمال الأطلنطي ضد القذافي وإقناع الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالمشاركة فيها . لكن يبدو أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، حيث وقعت تطورات تزيد من سوء موقف الرئيس، عندما تعرضت مدرسة يهودية مؤخرا لهجوم راح ضحيته عدة أطفال في تولوز جنوب غرب فرنسا، فقد استغلت مرشحة الجبهة الوطنية المناسبة لشن هجوم عنيف علي ساركوزي، وصداقته مع أمير قطر وسماحه له باستثمار 50 مليون يورو في ضواحي فرنسا . وبالرغم من استمرار فخر الرئيس بالإنجازات التي حققها، فإن للشعب الفرنسي توجهاته واعتباراته الأخري التي يعبر عنها البعض بأن " ساركوزي لم يكن بالرئيس اللائق لفرنسا " ، حيث ظهر في السنوات الأخيرة كشخص متسلق، يفضل مصاحبة الأثرياء والمشاهير، ويضاعف مرتبه كرئيس، ويبدي إعجابه بالولايات المتحدة، ويتزوج بحسناء ثرية من أصل إيطالي، ولهذه الأمور اعتباراتها السياسية والاجتماعية بالنسبة للشعب الفرنسي . صورة الرئيس تأتي انتخابات الرئاسة الفرنسية بجولتيها في أبريل ومايو القادمين، وبعدها الانتخابات البرلمانية، في ظل مرحلة تطرح فيها تساؤلات مهمة بالنسبة للفرنسيين منها ما إذا كان يجب تغيير الرئيس كمقدمة لتغيير الخريطة السياسية في فرنسا، أو في محاولة لتجديد المشروع السياسي الفرنسي تبعا لمتغيرات جديدة تمر بها البلاد . وإذا كان صحيحا أن العنصر الرئيسي في اختيار الفرنسيين لرئيسهم ( الحالي أو رئيس جديد ) سيعتمد بالدرجة الأولي علي مدي القدرة علي حل مشكلات فرنسا في المرحلة الحالية، وهي مشكلات كثيرة وقضايا متعددة في مقدمتها : الاقتصاد الفرنسي، فرص العمل، الظروف المعيشية للفرنسيين والقدرة الشرائية وتشريعات التقاعد وقضايا الصحة والبيئة والطاقة إضافة إلي ملفات السياسة الدولية وسياسة فرنسا الخارجية، فإن هناك اعتبارات أخري يضعها الفرنسيون في حساباتهم عند التصويت علي من يتولي منصب الرئاسة المهم في فرنسا، وفي مقدمة هذه الاعتبارات "صورة الرئيس لدي الرأي العام الفرنسي". وفي ظل الأجواء الانتخابية الفرنسية الحالية نلاحظ أن كلا من المرشحين الرئيسيين حتي الآن نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند يسعي لطرح نفسه بصورة معينة لدي الفرنسيين، فساركوزي يطرح نفسه في السباق الانتخابي باعتباره " الرجل ذا المواصفات القيادية المهمة لزعامة فرنسا " أي الرجل السياسي صاحب الوزن الثقيل في السياسة الفرنسية والقادر علي حماية الفرنسيين وقت الأزمات . وعلي النقيض من ذلك، نري المرشح الاشتراكي هولاند يستفيد من تراجع شعبية ساركوزي ويطرح نفسه كنموذج لرجل " عادي من الشعب الفرنسي " يمكنهم الاعتماد عليه، في تلميح كما يبدو للمآخذ التي يأخذها الفرنسيون علي ساركوزي بالنسبة لاندفاعه دائما للظهور والاستعراض الإعلامي، وعشقه للأضواء وشخصيته اللاهثة دوما وراء الإعلام . ويقول الكاتب الفرنسي دومينيك موسي في صحيفة نيويورك تايمز إن ساركوزي أحرز تقدما نسبيا في الأيام الأخيرة علي خصمه هولاند، غير أن أغلبية الشعب الفرنسي تستشعر نوعا من " الرفض الوجداني " لرجل لا يريدون رؤيته مجددا علي شاشات التليفزيون لخمس سنوات مقبلة . في سياق ذلك، هناك شريحة من الناخبين الفرنسيين يتناولون الانطباعات العامة عن كل مرشح رئاسي، فبالنسبة للمرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند يأخذون عليه "عدم الجدية" في إصلاح الحزب الاشتراكي، ومحاولته الترويج لدومينيك شتراوس كمرشح رئاسي برغم سجله غير المشرف أخلاقيا، والسماح باستمرار ما يطلق عليه "حرب الطبقات " بين الاشتراكيين الفرنسيين حتي الآن، أما بالنسبة لنظرة الفرنسيين للرئيس ساركوزي، فإن البعض يشيرون إلي خلفيات تتعلق بحياته وسيرته الذاتية ومن ذلك أنه ابن مهاجر مجري، وتلقي تعليما مهنيا كي يتخرج كمحام، وعمل في فترة من حياته عمدة لمدينة باريس ثم تحول إلي تلميذ نجيب لجاك شيراك، وتسلق حتي حصل علي منصب رفيع في حكومة شيراك، ثم طرح نفسه كرئيس في انتخابات الرئاسة في 2007 والتي فاز فيها . غير أنه من أهم مشكلات ساركوزي الأخري والتي قد تؤثر علي مستقبله السياسي ما كشفه موقع " ميديا بارت " للتحقيقات حول وثيقة تثبت أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي زار ليبيا عدة مرات بهدف الحصول علي أموال لتمويل حملته الانتخابية الرئاسية في 2007، وحصل بالفعل علي 42 مليون جنيه استرليني من العقيد المغدور معمر القذافي، وذكر الموقع تاريخ الزيارة في 6 اكتوبر 2005، وكان ساركوزي في منصب وزير الداخلية آنذاك، وله طموحات قوية لجمع المال لتمويل حملة الرئاسة وحزب " الاتحاد من أجل حركة شعبية " الذي ينتمي إليه حتي ولو حصل عليه من طاغية مستبد سيئ السمعة مثل القذافي، ووفقا للوثائق فقد تم له ذلك، ونجح في الانتخابات وأصبح رئيسا لفرنسا، وعندما قام القذافي بزيارة فرنسا بعد ذلك، حظي بحفاوة بالغة أدهشت الكثيرين، وسمح له بنصب خيمته في جوار قصر الإليزيه، غير أن الأيام دول. وسرعان ما تتغير الظروف والمواقف، فعندما قامت ثورة الليبيين بهدف إسقاط القذافي، كان ساركوزي في مقدمة المهرولين لإسقاطه، وكانت طائرات فرنسا أول من ضرب مواقع القذافي في ليبيا، وعندما تكلم سيف الإسلام ابن القذافي مخاطبا ساركوزي أن يعيد إلي ليبيا الأموال التي أخذها من والده، نفي ساركوزي ذلك بقوة غاضبا وطالبه بإظهار ما لديه من شيكات يدّعي امتلاكها . علي كل، فإن مذكرة الاتهام المزعومة والخاصة بهده الواقعة أصبحت الآن في أيدي الشرطة وأجهزة التحقيق الفرنسية، وضمن الوثائق 3 خطابات من ساركوزي للقذافي، ويعلق البعض علي هذه الأحداث بأنه لا يمكن محاكمة ساركوزي الآن وهو في منصب الرئاسة، ولكنه قد يخسر الانتخابات علي خلفية كل هذه الحقائق في حالة تمكن من يسعي وراءها لإثباتها. أخبار سيئة علي مدي الأعوام الثلاثة الأخيرة، كان ساركوزي علي موعد دائما مع أخبار سيئة وتداعيات سلبية جعلت الكثيرين يتنبأون بأن حملة الانتخابات الرئاسية بدأت مبكرا، وهي ليست في صالح ساركوزي إطلاقا . ففي عام 2010 تدنت شعبية ساركوزي بين الفئات المتوسطة وذات الدخل المنخفض والموظفين والعمال في القطاع الخاص، وهو الناخبون الذين صوتوا لصالحه في انتخابات 2007، كذلك سادت حالة من الاستياء من فقدان الوظائف وانخفاض مستوي المعيشة وخطط الحكومة لإصلاح بعض الخدمات الاجتماعية مثل التقاعد، وسعت الحكومة الفرنسية إلي رفع سن التقاعد إلي 62 عاما بحلول عام 2018، وهي كلها أمور ساهمت في انخفاض شعبية ساركوزي، فضلا عن تردد أقاويل عن مشكلات أسرية أخلاقية تمس الرئيس الفرنسي مباشرة ونشرتها وسائل الإعلام الفرنسية . وفي العام نفسه، كانت الأخبار السيئة أيضا تتمثل في الانتخابات الإقليمية الفرنسية والتي جاءت بمثابة صدمة عنيفة لليمين الحاكم ولحزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، حزب الرئيس، حيث حقق الحزب الاشتراكي واليسار المعارض نسبة 53% بينما حصل حزب ساركوزي علي 35%، وحصلت الجبهة الوطنية الممثلة لليمين المتطرف علي 17%، وفي حينها قيل إن الانتخابات الإقليمية تختلف عن الانتخابات القومية، ولكنها علي كل حال مؤشر لا تخفي معانيه بالنسبة لشعبية الرئيس، لأن ذلك يعني إرسال برقية تحذير لمن يهمه الأمر . غير أنه منذ ذلك، بدأت التحليلات تشير إلي اهتزاز موقف الرئيس الفرنسي في الشارع ولدي المواطنين، خاصة أن الكثير من الوعود البراقة التي قطعها ساركوزي علي نفسه لم تتحقق، وجاءت النتائج عكسية، فالبطالة وصلت إلي مستوي قياسي لم تصل إليه منذ 10 سنوات، وتراجعت مستويات المعيشة والقوي الشرائية بصورة واضحة، وتراجع وتدهور مستوي الخدمات في التعليم والصحة، ولم تتحقق وعود ساركوزي بالنسبة لإعطاء دفعة قوية لمكانة فرنسا ودورها وللاقتصاد الفرنسي، وكل ما تحقق هو مزيد من المزايا والامتيازات للأغنياء والطبقات الراقية في فرنسا، وزيادة علي ذلك، فقد غرقت البلاد في الديون، مما يؤكد وجود انعكاسات سلبية علي الأجيال القادمة، ويري الكثيرون أن موقف الدين العام في فرنسا لا يختلف عن المواقف المالية الصعبة لكل من اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال، وأن كل ما تعيش عليه فرنسا حاليا هو مكانتها التاريخية الدولية، ولكن الحقيقة هي ارتهان حاضر ومستقبل فرنسا بما ينتظر اقتصادها من مصير مجهول في عهد ساركوزي الذي يصوره البعض علي أنه ( الرئيس الضعيف العاجز ). وقالت صحيفة الأوبزفر إن ساركوزي يواجه أزمة حقيقية، وقد أظهرت الاستطلاعات أن شعبيته أقل من 28%، وأن عددا من نواب حزبه حاولوا إطلاق ثورة ضد سياساته الضريبية علي وجه الخصوص . ووصولا إلي تطورات عام 2012 حيث اكتملت دائرة الأخبار السيئة بخبر فقدان فرنسا لتصنيفها الممتاز بعد تحذيرات من " ستاندر ان بورز "، وانطلاق المرشحين الرئاسيين بالجملة من اليمين، ويمين الوسط، والمرشح الوسطي فرانسوا بايرو، واليمين المتطرف مارين لوبان، وتمنحه استطلاعات الرأي الحالية حوالي 23% فقط. وإزاء هذا الموقف المتدهور، تحاول حملة الرئيس ساركوزي جاهدة اعتماد استراتيجيات تقوم علي الاعتراف بالخطأ والنقد الذاتي، دون إهمال ما تم تحقيقه والديناميكية التي يرون أنها تحققت في عهد الرئيس ساركوزي، ومحاولة استقطاب شخصيات قوية لجانب الرئيس. غير أن الأخبار السيئة تتوالي، وفي استطلاع للرأي أجراه مركز " بي في ايه " في مارس 2012 جاء أن الرئيس الفرنسي هو الأقل شعبية بين أكبر خمسة زعماء في أوروبا، وأن منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند يحافظ علي تقدمه في استطلاعات الرأي لنوايا التصويت . ويحمل 58% ممن شملهم الاستطلاع مشاعر سلبية تجاه ساركوزي، مقارنة مع 41% تجاه المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، و42% تجاه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، و36% تجاه رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي، و34% تجاه رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي . ويقول رئيس مركز "بي في ايه" إن الملاحظ أن ساركوزي يثير الاستياء في أوروبا، كما يثير الاستياء في فرنسا، وكان الاستطلاع قد شمل مواطنين في فرنسا وألمانيا وأسبانيا وبريطانيا. وليس معروفا علي وجه التحديد الأثر المرتقب الذي يمكن أن يحققه إعلان هيرمان جروهي الأمين العام لحزب " الاتحاد المسيحي الديمقراطي " الألماني أن المستشارة الألمانية انجيلا ميركل سوف تدعم ترشيح نيكولا ساركوزي لفترة ثانية لرئاسة فرنسا، وقد سبق أن دعم ساركوزي ميركل في 2009 لإعادة انتخابها مستشارة لألمانيا، والمعروف أنه في البرلمان الأوروبي، ينشط نواب الاتحاد من أجل حركة شعبية الفرنسي، مع نواب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني، في إطار المجموعة البرلمانية الأوروبية " الحزب الشعبي الأوروبي " وهي المجموعة التي تضم الأحزاب الديمقراطية المسيحية المحافظة وأحزاب يمين الوسط . الدين في السياسة في أثناء زيارة قام بها ساركوزي لمسجد في باريس لتدشين نصب تذكاري للجنود المسلمين الذين سقطوا في الحربين العالميين الأولي والثانية دفاعا عن فرنسا، طالب الرئيس مسلمي فرنسا بأن
يكون لهم إسلام فرنسي وألا يكون إسلاما في فرنسا، وجاءت كلمات ساركوزي ( كجزء من حملته الانتخابية ) في محاولة لتلطيف الأجواء المتوترة بين الجالية المسلمة والحكومة الفرنسية بعد أن حاول الحزب الحاكم تطويع قضايا إسلامية لخدمة الحملة الانتخابية، وتجلي ذلك في تصريحات رئيس الوزراء فرانسوا فيون ووزير الداخلية كلود جيان بشأن الموضوع الذي أطلق عليه " اللحم الحلال " والطريقة التي يعتمدها مسلمو فرنسا في ذبح المواشي، وكان رد ساركوزي في مسجد باريس قائلا إنه لا مكان لمثل هذا الجدل في بلادنا، وأن المسلمين لهم الحق في ممارسة طقوسهم الدينية مثل باقي المواطنين الفرنسيين، مؤكدا أن الجالية المسلمة لها مكانتها في الجمهورية الفرنسية، وأشار إلي أهمية مسجد باريس الذي كان ولايزال مكانا للحوار والسلام . ومع ذلك، وكما تقول صحيفة الأوبزرفر البريطانية فإن مسلمي فرنسا يشعرون بالاستياء من ساركوزي لأن الجدل حول مسألة " اللحم الحلال " يشعر المسلمين الفرنسيين أنهم في مناخ معاد، وأن رجال الأعمال المسلمين يشعرون بالغضب، ونقل عن مصادر مقربة من المسلمين أن الطبقة الجديدة والجيلين الثاني والثالث من مسلمي فرنسا لا يقبلون الخضوع للجمهورية الفرنسية مثلما كان الحال مع الجيل الأول، بسبب نظرة البعض لهم تحت طائلة شبهة الإرهاب، وتقول الأوبزرفر إن نفور المسلمين من ساركوزي سيجعله يخسر الكثير من الأصوات التي يحتاجها . هنا لابد من ملاحظة الاهتمام الشديد بالفرنسيين من أصل عربي كونهم يمثلون قوة ديمغرافية لايستهان بها، حيث يصل عددهم إلي حوالي 8 ملايين نسمة، ما يعني أن أصواتهم سيكون لها تأثيرات قوية علي نتيجة الانتخابات، لذلك يثار الجدل حول قضايا عديدة منها : لمن يصوت العرب الفرنسيون ؟ وكيف يتعاملون مع الانتخابات ؟ وهل يتمتعون بالتنظيم الكافي لاستثمار ذلك بما يخدم قضاياهم ؟ وما هي حقيقة الصورة النمطية للعربي في فرنسا ؟ غير أن قضية الدين بالنسبة للانتخابات الفرنسية تتجاوز ذلك، حيث يقول الكاتب سيغولين ألماندو إن الدراسات المتعلقة بالسلوك الانتخابي للفرنسيين تهتم بمعايير الفئة الاجتماعية والمهنية والفئة العمرية ونوع الجنس، ولكن الانتماء الديني له أيضا دوره المهم عند وضع البطاقة في صندوق الاقتراع، وربما تفوق أهميته الانتماء إلي طبقة اجتماعية ما. وعلي حسب مركز البحوث السياسية التابع لجامعة العلوم السياسيةCevipof يقول كلود دارجان إن الكاثوليك يمثلون أغلبية الناخبين في البلد ( 2 . 57%) يليهم المسلمون ( 5% ) والبروتستانت ( 2% ) واليهود (6 . 0% ) والأشخاص بلا دين ( 30% ) . ويري دارجان إن الناخبين المسلمين يميلون لاختيار تيار اليسار، وأن 95% منهم صوتوا لصالح سيجولين رويال في انتخابات 2007، حيث ينتمي ثلاثة أرباع الناخبين المسلمين إلي الفئات الشعبية، لاسيما العمال والأجراء، ويستنتج أن تصويت المسلمين يميل إلي اليسار بسبب انتماءهم الديني وليس بسبب فئتهم الاجتماعية . ويري دارجان أن التصويت لاعتبارات دينية هو مسألة قيم، وأن " ظهور الإسلام " كعامل جديد اليوم أعاد إلي الواجهة " الرهانات الدينية "، وكان نيكولا ساركوزي في محاولته استرضاء الناخبين من أصحاب القيم المحافظة قال في انتخابات 2007 " إن المدرس لا يمكنه أن يحل أبدا محل الكاهن أو الراعي " . أما عن الكاثوليك المتدينين فإنهم لسنوات طويلة كانوا يصوتون بخمسة أو ستة أضعاف لليمين أكثر من الناخبين بلا دين، ومن المتوقع أن يستمر تصويتهم في هذا الاتجاه في الانتخابات المقبلة، ولكن هذه الفئة لا يستهويها اليمين المتطرف، أما بالنسبة لتصويت البروتستانت فهم عموما يصوتون في أغلبيتهم لصالح اليسار، وعلي الرغم من أن فئة اليهود في فرنسا لا يتمتعون بوزن مؤثر ( أقل من 1% ) فإن تصويتهم أيضا يميل ناحية اليسار، ولو أنه تصويت تشوش عليه الاتجاهات نحو القضية الفلسطينية . قضايا اقتصادية يري السياسي والأكاديمي الفرنسي جاك أتالي في كتابه " أجيبوا أيها المرشحون " أن هناك ( 3 فرنسا ) تتصارع في الوقت الراهن، فهناك فرنسا السريعة التي تسير قدما للأمام، وهناك فرنسا المترددة المحافظة التي تحلم بالبقاء حيث هي، وأخيرا هناك فرنسا المنسية التي تتمثل في الفرنسيين المنسيين ومن لا يجدون أنفسهم ولا أحلامهم في النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم . وعلي هامش معركة انتخابات الرئاسة، تتلاقي الوعود الانتخابية وتنطلق صيحات الترحيب أو الانتقادات اللاذعة، ولكن من سوء الحظ أن انتخابات الرئاسة الفرنسية تأتي في وقت حرج للغاية حيث تمر منطقة اليورو بأزمة خطيرة تحتاج خلالها إلي رؤي تتوافق والظرف الدقيق الراهن، ومن هنا نري ساركوزي يؤكد علي التزامه بسياسة ميركل المصرة علي مزيد من الانضباط المالي، وفرض قواعد صارمة علي الدول المستفيدة من المساعدات الأوروبية. أما هولاند فيبدو أنه لايتفق مع ذلك، ويلمح إلي أنه لن ينتهج سياسة التقشف، وسيفرض ضريبة تصل نسبتها إلي 75% علي الأفراد الذين يتجاوز دخلهم السنوي 3 . 1 مليون يورو . وعندما قال ساركوزي أنه سيعمل علي خلق فرص عمل جديدة من خلال خطة إصلاحية يتبناها الحزب الحاكم، فقد وصفها الحزب الاشتراكي بأنها " خطة قديمة، وفشلت في الماضي، دون أن تحل مشكلة التوظيف "، وبينما رحب حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني الحاكم باقتراحات ساركوزي خاصة ما يتعلق منها بزيادة الضريبة علي القيمة المضافة، فإن ميشال سابان المكلف بصياغة البرنامج الرئاسي للمرشح الاشتراكي هولاند انتقد ذلك مؤكدا أن مرشح حزبه سيعمل علي إلغاء الزيادة في الضريبة علي القيمة المضافة في حال اختياره رئيسا لفرنسا في دورة مايو القادم . وفي إطار الوعود الانتخابية، يركز المرشح الاشتراكي هولاند علي ضرب الوعود عن حل مشكلة البطالة والسكن التي يعاني منها الشباب، وفي مهرجاناته الانتخابية يردد أن " فرنسا ستعود للأحياء الشعبية " في إشارة إلي إعادة الاهتمام بهذه الأحياء المنسية في عهد ساركوزي، ويؤكد هولاند علي أن مهمته كرئيس ستكون موجهة لإنشاء بنك مهمته الأساسية هي تمويل برامج اجتماعية واقتصادية لخدمة ساكني هذه الأحياء، وطبعا هذا النوع من الدعاية السياسية يضرب مباشرة في سمعة ساركوزي المعروف عنه الانحياز للأثرياء والتركيز علي خدمة مصالحهم . أيضا ضمن وعود هولاند للناخبين العمل علي استعادة الأمن، مشيرا إلي مايسميه " يد القانون " التي ستضرب بشدة من يتسبب في إثارة الفوضي، ومؤسسات الدولة التي لن تتواني عن معاقبة كل من تسول له نفسه بأنه " فوق القانون "، ويضيف هولاند إلي كل هذه الوعود أنه سيعمل علي تأكيد " علمانية فرنسا " ، والعمل بقانون 1905 الذي يفصل الدين عن الدولة في الدستور الفرنسي. وأيا كانت وعود المرشحين في المجال الاقتصادي فإن حقائق الواقع قد تقف دون تحقيقها، وذلك نظرا إلي الصعوبات والمشكلات الاقتصادية التي تواجه فرنسا، فالمعهد الفرنسي للإحصاء يؤكد أن نسبة الفرنسيين الذين يعيشون تحت خط الفقر في ازدياد، وقد وصلوا إلي 2 . 8 مليون فرنسي أي بنسبة 5 . 13% من السكان (محسوبة علي أساس من يعيش بأقل من 954 يورو في الشهر) (2009 2011). وطبعا يؤدي زيادة عدد الفقراء إلي زيادة عدد العاطلين عن العمل، وأكدت دراسة المعهد أنه من أهم مشكلات فرنسا مشكلة عدم المساواة، واتساع الفجوة بين الميسورين والمتواضعين، وبالتالي فإن مستوي معيشة 10% من السكان الأكثر تواضعا أقل من 10410 يورو سنويا، ويفوق مستوي معيشة 10% الأكثر ثراء 35840 يورو سنويا . من ناحية اخري، ففي شهر يناير الماضي أفاد بنك فرنسا المركزي أن النمو الاقتصادي الفرنسي توقف تماما في الربع الأخير من عام 2011 وهو ما يؤكد حدوث تباطؤ بثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وأوضح البنك أن نمو الناتج المحلي وصل إلي 75 . 1% وهو الهدف الذي حددته باريس، وأكد رئيس الوزراء أنه تم تجاوز الرقم المستهدف لخفض العجز لعام 2011، وتسعي باريس لخفض عجز الميزانية العمومية لتبلغ مستوي 3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013، وإلغائه بالكامل بحلول عام 2016 . ملفات خارجية تركز حملة الرئيس ساركوزي في دعايتها السياسية علي ما يعتبر انجازات مهمة علي صعيد السياسة الخارجية الفرنسية في المرحلة الراهنة، وهناك ملفات ينسب فيها الفضل لساركوزي منها موضوع ليبيا، وساحل العاج، فضلا عن " القيادة الفرنسية " في ظل مرحلة صعبة تمر بها أوروبا علي الصعيد الاقتصادي . وفي خضم ظروف حملة انتخابات الرئاسة، هناك ملفات في حاجة ماسة لسياسة حازمة منها : مصير القوات الفرنسية في أفغانستان، والمشكلة السورية، والموقف من البرنامج النووي في إيران، وأزمة اليورو في الاتحاد الأوروبي. ويبدو أن حملة ساركوزي الانتخابية لم تتوصل بعد لرسم استراتيجية محكمة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الفرنسية للرئيس في المرحلة القادمة، حيث تتعرض الحملة لهجوم شرس من منافسي الرئيس علي خلفية التناقضات الصارخة التي تنطوي عليها تصريحات ساركوزي ومواقفه المرتقبة في الشأن الخارجي . ومن ذلك مثلا، الخطاب الذي ألقاه ساركوزي مؤخرا، وطالب فيه بمراجعة اتفاقيات " شنغن " الأوروبية، في حال لم تشدد الدول الأوروبية قبضتها علي الهجرة . وقد لاقي هذا الموقف من جانب ساركوزي هجوما عنيفا، حيث اتهمه الحزب الاشتراكي بمحاولة خلق خلافات جديدة مع الشركاء الأوروبيين، كما اتهم الاشتراكيون ساركوزي باتباع مواقف متناقضة، فكيف يهدد بإخراج فرنسا من فضاء " شنغن " وهو يحاول في الوقت نفسه إقناع الأوروبيين بضرورة التوقيع علي اتفاقية التقشف باسم التلاحم بين جميع دول الاتحاد الأوروبي . فضلا عن ذلك، تساءل فرانسوا بايرو مرشح حزب الحركة الديمقراطية عن العواقب التي تنتج في حالة خروج فرنسا من فضاء " شنغن " وهل ستعود فرنسا لفرض ضرائب جمركية علي الحدود مع الدول الأوروبية، وتعيد مراقبة الحدود بعد التوقيع علي قرار فتحها منذ 22 سنة ؟ أما ماريان لوبن ممثلة الجبهة الوطنية فتتهم ساركوزي بأنه فتح الباب لإضعاف فرنسا أمام الاتحاد الأوروبي، وأن الرئيس صادق علي معاهدة لشبونة خلال فترة رئاسته، علما بأن الشعب الفرنسي رفض فكرة الاعتماد علي دستور أوروبي خلال الاستفتاء الشعبي في عام 2005 . وهنا لابد من ملاحظة أن أغلبية الشعب الفرنسي تؤيد الحفاظ علي اليورو، وجاء ذلك في استطلاع للرأي أجري مؤخرا حيث أعرب 67% من الفرنسيين رغبتهم في الحفاظ علي اليورو كعملة للبلاد، مقابل 30% منهم فضلوا العودة إلي الفرنك الفرنسي، وردا علي سؤال عن الأفكار التي يجسدها الاتحاد الأوروبي أشار 21% إلي فكرة " اقتصاد السوق" و"السلام" بينما رأي 12% منهم أنها تمثل " الديمقراطية". علي صعيد آخر، سعي مرشح الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند إلي فتح الملف الفرنسي الجزائري، مطالبا ببدء حوار بين الجانبين لإنهاء " حرب الذاكرة " وفتح صفحة جديدة بين الشعبين، مشيرا إلي أن حرب الجزائر تحتل مكانة هامة في التاريخ الفرنسي المعاصر، وأدت إلي سقوط الجمهورية الرابعة وظهور الجمهورية الخامسة، وأن حكومة ليونيل جوسبان الاشتراكية هي التي اعترفت في 1999 بأن ما جري في الجزائر ليس بأحداث وإنما " حرب حقيقية " ودعا هولاند إلي النظر إلي هذه الحقبة التاريخية بنوع من الوضوح والجدية .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.