قبل شهرين من الجولة الأولي للانتخابات الرئاسية الفرنسية يبدو ان الامور صعبة في وجه الرئيس الحالي نيوكلاي ساركوزي بسبب الاحوال الاقتصادية التي تعيشها فرنسا في ظل الازمة المالية التي تجتاح عددا من دول منطقة اليورو الاوروبية . وأدي وجود مرشح اكثر تشددا تجاه منطقة اليورو المستشارة الالمانية انجيلا ميركل الي تبني حملة لدعم الرئيس الفرنسي ساركوزي . وخرجت الصحف البريطانية والاوروبية لتستهجن هذا التصرف قائلة ان الامور تبدو سيئة لدرجة ان ميركل تقرر التدخل في السياسة الفرنسية لانقاذ ساركوزي . لم يتوقف الامر عند ذلك الحد بل بدأت الاوساط السياسية الاوروربية تنظر الي خطوة ميركل علي أنها نوع من المغامرة السياسية عندما قررت تبني حملة لتأييد ساركوزي من خلال الظهور في برنامج تليفزيوني لدعمه في الجولة الاولي يوم 22 من ابريل القادم . لان كل الاستطلاعات التي اجريت تشير الي ان منافسة الاشتراكي فرنسوا هولاند قد يهزم الرئيس المحافظ ساركوزي في جولة الاعادة في السادس من مايو القادم وبالتالي سيصبح لزاما علي السيدة ميركل التي دعمت ساركوزي ان تعيد بناء القيادة الفرنسية - الالمانية للاتحاد الاوروبي من الصفر من خلال الشخصية الجديدة التي كانت تتجاهلها في السابق . ربما يكون التاريخ شاهدا علي هذا الاحراج الذي قد تتعرض له المستشارة الالمانية في حال فشل ساركوزي وهذا يذكرنا ببدايتها ايضا السيئة مع الرئيس الامريكي باراك اوباما الذي رفضت ميركل ان تعطية تصريحا في اطار حملته الانتخابية القاء خطاب عند بوابة براندنبيرج الشهيرة في برلين. لكن في محاولة لتبرير تلك الخطوة اعلن مساعدو المستشارة الالمانية ميركل ان هناك سببين وراء قرارها مساندة ودعم ساركوزي بناء علي طلبه اولهما الحاجة الي الحفاظ علي الشراكة الالمانية - الفرنسية في ادارة منطقة اليورو وازمة الديون الاوروبية والتي اكسبتهما علاقات وطيدة لدرجة ان السياسيين في العالم يطلقون عليهما اسم "مير كوزي"علي الرغم من اختلاف الرؤي السياسية بين الجانبين لكن ذلك ربما يكون بمثابة جرس انذار من هولاند المرشح الاشتراكي الذي يستخدم البلاغة اللغوية في هجومة علي السوق وايضا تبنيه دعوات لاعادة التفاوض علي اتفاق مالي وضريبي جديد بين دول اليورو .وصل الامر الي ان هيرمان جرو سكرتير الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتبعة ميركل الي القول بان خطط هولاند من شأنها احداث نوع من عدم الاستقرار في منطقة اليورو. انقاذ فرنسا وهناك من يري ان فبول ساركوزي للعب بورقة المانيا قد تكون بمثابة الخطر عليه شخصيا عندما تفقد فرنسا شراكتها السياسية والاقتصادية مع المانيا مثلما هو حادث الان عندما انخفض التصنيف الائتماني للبنوك الفرنسية خلال الشهر الماضي .وهو ما دعا دومنيك مويزي الخبير في العهد الفرنسي للعلاقات الدولية الي القول في هذه الحالة ربما تكون المانيا هي المنقذ لفرنسا وليس لنكولاي ساركوزي . هذه العلاقة غير المتكافئة كانت مسار سخرية رسامي الكاريكتير في الصحف الفرنسية التي شبهت ميركل في صحيفي الليموند مثل الممرضة التي تدفع بساركوزي المعاق الجالس علي مقعد متحرك، اما صحيفة ليبراسيون اليسارية فقد نشرت كاريكاتير اخر يصور ميركل الام التي تمسك طفلها ساركوزي وتطلب منه عدم التحدث .وهناك توقعات ان لا يقبل الناخبون علي ساركوزي هذه المرة نظرا لأنه جعل الشعب الفرنسي ينظر الي المانيا باعتبارها النموذج في تبريره لمقترحاته بخفض الضرائب علي المرتبات في مقابل زيادتها علي القيمة المضافة في السلع الاستهلاكية . ويصر اليسار الفرنسي علي أن الصحوة الالمانية في الصادرات انما جاءت في الوقت الذي شهدت فيه فرنسا نوعا من الركود الاقتصادي وتدني الاجور وعدم المساواة في الوقت الذي كان فيه العمال الالمان ممثلين في مجالس الادارات ولهم الحق في اتخاذ القرارات اما الفرنسيون لا يملكون هذه الحقوق .وتعتبر ميركل انه في حال نجاح ساركوزي فانه سيحتفظ لها بهذا الجميل في حين لو فاز هولاند فليس امامه اي خيار سوي اللجوء الي حق فرنسا في قيادة الاتحاد الاوروبي وهذا امر طبيعي فلقد تعرضت العلاقات الفرنسية الالمانية الي فترات شهدت فيها صعودا وهبوطا وتوترا علي مدي نصف قرن مع حدوث تغيير في القيادة السياسية هنا او هناك ورغم ذلك تعود مرة ثانية باعتبارها قوة الدفع في الاتحاد الاوروبي .ولعل الجميع يتذكر ذلك في اوقات شارل ديجول وكونراد ادينور وكذلك جيسكارديستان وهيلمت شميت وميتران وهيلمت كول لكن علي تلك العلاقات ان تجتاز العديد من العقبات . ولن ينسي الشعب الالماني حالة الرعب خلال فترة حكم الرئيس ميتران الرئيس الوحيد الاشتراكي عندما استعان بالشيوعيين في الحكومة عام 1981 وقام بتأميم الصناعة الفرنسية والشئون الاجتماعية .وحتي بعد الازمة المالية فقد شكل ميتران تحالف مع هيلمت كول جزئيا للمساهمة في في نشر صواريخ امريكية في المانيا لمواجهة السوفيت . الحلف أبقي والغريب ان الزعيمين كانا من المعارضين المتبنين للعملة الاوروبية الموحدة وقاما بتمرير الموافقة عليها من خلال البرلمان في الدولتين . واليوم يقول فرانسيس هولاند الذي يسير علي خطي ميتران بانه لن يتراجع عن الاجراءات التي اتخذها ساركوزي فيما يتعلق بالعودة الي حلف الناتو وتوجه الي حلفاء ميركل في برلين اثناء زيارته وقال ان اولي زياراته في حال انتخابه ستكون الي المانيا ورغم ذلك فقد رفضت المستشارة الالمانية لقائه في الزيارتين ويقول المستشارون الذين يعملون مع هولاند ان الشراكة بين ميركل وهولاند "ميركولاند " ستكون مثل السابقة "ميركوزي " ميركل وساركوزي . في حين يري بعض السياسيين ان الشراكة الفرانكو-الالمانية قد تكون مهمة ولكن من الصعب ادارة كيانين بمبدأ واحد عليك ان تضم الاخرين مثل ايطاليا واسبانيا وهذا ما يريده هولاند .