«المصري اليوم» ترصد الطابع الاقتصادى للحكومات المصرية منذ «52»    حدث ليلًا| موعد إجازة رأس السنة الهجرية وحالة طقس الخميس    وزير الري: نطالب بتطبيق مبادئ القانون الدولي للحصول على حصتنا من المياه    ماعت تتناول الفئات الأولى بالرعاية في ضوء المعايير الدولية والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    وزير الشؤون النيابية يشكر الرئيس ويؤكد: سنفتح قنوات مع جميع الكيانات السياسية    الأصغر سنا.. شريف الشربينى أول رئيس جهاز يصبح وزيرا للإسكان.. فيديو    سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق في ختام الأسبوع الخميس 4 يوليو 2024    أبرز مشروعات وزير البترول الجديد بالقطاع الحكومي.. تعرف عليها    الموساد: إسرائيل تلقت رد حماس على اقتراح وقف إطلاق النار في غزة    الكويت تعلن اعتقال مواطنين بتهمة الانضمام لتنظيم محظور    بيراميدز: لم نرفض انضمام صابر وعادل للمنتخب الأولمبي وطلبنا التنسيق فقط    عرابي: نرفض انضمام زعزع للمنتخب الأولمبي.. ولم نناقش انتقال نجويم إلى الزمالك    ملف رياضة مصراوي.. تعادل الزمالك.. قائمة الأهلي لمواجهة الداخلية.. وتصريحات وزير الرياضة    مدرب إسبانيا الأولمبي: لدينا غيابات كثيرة ستؤثر علينا.. وسأكون سعيدًا بالعمل في مصر    دويدار: الموسم الحالي الأسوأ في الكرة المصرية    موعد مباراة الأهلي والداخلية بالدوري المصري والقناة الناقلة    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 4 - 7 - 2024    بالصور.. انهيار منزل في شبين الكوم بالمنوفية وسط قلق الأهالي    طارق الشناوي: توفيق عبد الحميد بخير    خبراء ل قصواء الخلالي: السير الذاتية لأغلبية الوزراء الجدد متميزة وأمر نفخر به    أحمد حلمي: "أتمنى الدولار يوصل 3 جنيه وأوصل العالمية"    ميمي جمال تكشف حقيقة وجود جزء ثاني ل"العتاولة" وثالث ل "كامل العدد"    أفعال مستحبة في ليلة رأس السنة الهجرية    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    كراكاس: فنزويلا والولايات المتحدة تتوافقان على "تحسين العلاقات"    نجم الزمالك السابق: هناك عناد من الأهلي وبيراميدز ضد المنتخب الأولمبي    رئيس مجلس الوزراء يعلن موعد إجازة رأس السنة الهجرية    فلسطين.. اندلاع مواجهات عنيفة عقب اقتحام قوات الاحتلال المنطقة الجنوبية لمدينة الخليل    إجراء تحليل مخدرات لسائق ميكروباص تسبب في سقوط 14 راكبا بترعة بالصف    انتهى الخلاف بطلقة.. تحقيقات موسعة في مصرع شاب إثر مشاجرة بالواحات    تكليف لميس حمدي مديرًا لمستشفى طلخا المركزي بالدقهلية    هاني سعيد: بيراميدز لم يعترض على طلبات المنتخب الأولمبي.. وهذا موقفنا النهائي    لبنان.. قصف إسرائيلي يستهدف خراج بلدة السريرة بمنطقة جزين جنوبي البلاد    بايدن: أنا زعيم الحزب الديمقراطي.. لا أحد يدفعني للرحيل    وزيرا خارجية أمريكا وأوكرانيا يبحثان تعزيز الدفاع الجوي لأوكرانيا    وزير الخارجية الأرميني: مستعدون لتطبيع العلاقات بالكامل مع تركيا وفتح الحدود    الجانى مجهول.. إصابة شخص ونجله بطلق ناري حي ببنى سويف    والدة شاب تعدى عليه بلطجي بالمرج تكشف تفاصيل الحادث    فحص نشاطها الإجرامي.. ليلة سقوط «وردة الوراق» ب كليو «آيس»    مصرع طفل غرقا داخل نهر النيل بقنا    «مستقبل وطن»: تشكيل الحكومة الجديدة متناغم وقادر على إجادة التعامل مع التحديات    تونس وفرنسا تبحثان الآفاق الاستثمارية لقطاع صناعة مكونات السيارات    الجمعية العربية للطيران المدني تزكي الكويت عضوا بمجلسها التنفيذي للمرة الثالثة على التوالي    عمرو خليل: اختيار الوزراء في الحكومة الجديدة على أساس الكفاءات والقدرة    اتحاد الصناعات: وزارة الصناعة تحتاج لنوعية كامل الوزير.. واختياره قائم على الكفاءة    رئيس جامعة دمياط يشهد مناقشة رسالة دكتوراة بكلية الحقوق    3 طرق بسيطة لإسعاد زوجك وجعله يشعر بالسعادة    حظك اليوم| برج الدلو 4 يوليو.. «يوم الأفكار المبتكرة والاتصالات الاجتماعية»    أستاذ استثمار عن التغيير الوزاري: ليس كل من رحل عن منصبه مقصر أو سيئ    أول تصريح لمحافظ الأقصر الجديد: نعزم على حل المشكلات التى تواجه المواطنين    أدعية رأس السنة الهجرية.. يجعلها بداية الفرح ونهاية لكل همومك    وزير الزراعة الجديد: سنستمكل ما حققته الدولة وسأعمل على عودة الإرشاد الزراعي    أمين الفتوى: لا تبرروا كل ما يحدث لكم بشماعة السحر والحسد (فيديو)    إحالة طبيب وتمريض وحدتي رعاية أولية بشمال سيناء للتحقيق بسبب الغياب عن العمل    أهم تكليفات الرئيس لوزير الصحة خالد عبد الغفار.. الاستثمار في بناء الإنسان المصري    أستاذ حديث: إفشاء أسرار البيوت على الانترنت جريمة أخلاقية    تعيين عبلة الألفي نائبة لوزير الصحة والسكان    هيئة الدواء توافق على زيادة سعر 3 أدوية (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يكتب عن أوجه الجمال السبعة البناء العظيم لأعمدة النهضة الثقافية
نشر في القاهرة يوم 06 - 03 - 2012

انطلق مشروعه في ثورة يوليو من مخزون معرفي وخير من الثقافة الإنسانية.. ومن الملامسة الحميمة لشتي أنواع الفنون والآداب كالموسيقي والفنون التشكيلية والأدب والمسرح والسينما .. وغيرها. تفاوتت أدواره بين السياسة والقلم.. بين التخطيط والممارسة علي أرض الواقع بدءا من دوره القيادي في الثورة وانتهاء بدوره كأحد مشاعل التنوير في مصر الحديثة مجموع سنوات عمله وزيرا للثقافة في فترتي تكليفه لا يتعدي 8 سنوات فيما تبدو انجازات وكأنها استغرقت دهرا إلي أي حد يمكن - في مقال واحد - الإحاطة بكل جوانب شخصية د.ثروت عكاشة علي مدار رحلته الممتدة وأدواره المختلفة عبر 60 عاما؟.. إنها أدوار تتفاوت بين السياسة والقلم.. بين التخطيط والممارسة علي أرض الواقع.. بدءا من دوره القيادي في ثورة يوليو 1952.. وانتهاء بدوره كأحد مشاعل التنوير في مصر الحديثة.. ودوره في وضع بنية راسخة للثقافة الجمالية تشمل مختلف الفنون.. من خلال موسوعة ذائعة الصيت «العين تسمع والأذن تري».. مروراً بأدواره في التخطيط الاستراتيجي للعمل الثقافي بمصر.. وفي إرساء قاعدة مؤسسية لهذا العمل علي امتداد أرض الوطن من أقصاه إلي أدناه.. وإدارة عجلة القيادة لتنفيذه كرجل دولة رفيع المستوي يتمتع بروح الإبداع لأشكال وآليات جديدة للممارسة.. وإحاطته لمشروعه الثقافي بحصانات لحرية التعبير الفني والأدبي وباحترام التعددية الفكرية والمذهبية ولو أختلف معها، وتشجيعه للرؤي التجريبية في الإبداع المحلقة خارج السرب، في وقت عزت فهي الحصانات لأي شيء.. واختفت منه التعددية بكل ألوانها.. كما انتفي أي تحليق لجماعة أو لشخص خارج السرب فترة هيمنة الحكم الناصري. كانت وزارة الثقافة في عهده هي بيت أغلب المبدعين، ليس علي نمط «حظيرة المثقفين» فيما رأيناه في وزارة فاروق حسني، بل كانت في عهده هي الأمان الاقتصادي والمعنوي لهم بغير تفرقة أو احتواء أو شلة مفضلة، وإنما بشكل مقنن وشفاف ومتكافئ، من خلال قانون التفرغ للإبداع غير المشروط بموضوع أو توجه، مع توفير الدخل الذي يغنيهم عن ربة الوظيفة وعن السعي خلف لقمة العيش، ومن خلال صندوق الرعاية للأدباء والفنانين في حالات المرض والعوز والكوارث، وعن طريق الانتقال بإبداعاتهم إلي كل مكان عبر قصور الثقافة وعبر المسارح الجوالة وقاعات العرض في المناطق المزدحمة والمكتبات المتكاثرة وسلاسل الكتب التي تباع النسخة منها بقرشين إلي خمسة قروش، وعبر الأفلام السينمائية الجادة التي تعرض قضايا الواقع والتحول الاجتماعي وعبق التاريخ، فأعفت السينمائيين من سيطرة رأس المال علي السينما ومن قانون السوق التجاري المفروض عليهم وعلي الجمهور.. لقد وفرت تلك السياسة للشعب «خبز الثقافة» وغذاء القلوب بشكل مجاني إلا قليلا، فردمت ولو جزئيا - الفجوة التاريخية بين المثقفين وبين المجتمع، وفوق ذلك عمل «عكاشة» علي أن يشارك المبدعون في قيادة العمل الثقافي، بمختلف أجيالهم واتجاهاتهم الفكرية.. وأغلبهم من الشباب ومن أصحاب الفكر الثوري، حتي وإن تجاوزوا الاتجاه السياسي للسلطة الحاكمة، حيث وضعهم علي رأس المؤسسات الثقافية، بدءا من رئاسة قصور الثقافة حتي رئاسة الهيئات الكبري في الوزارة، وأعطائهم كامل الصلاحيات للعمل بغير إملاء أو وصاية، وأثبت استعداده للدفاع عنهم وحمايتهم من بطش السلطة أو من فلول الثورة المضادة، دون مطالبتهم بإعلان الولاء للنظام، بل بإثبات الإخلاص للرسالة الثقافية التي اختارهم لتحقيقها، وفي القلب منها: ديمقراطية الثقافة.. بوصولها إلي كل مساحة من أرض الوطن، وبقدرتها علي تفجير طاقات الإبداع من أعطاف الطبقات المحرومة تاريخيا من ثمار الثقافة، حتي يتحولوا من مستهلكين إلي مبدعين لها، بل إنه كان يحرض القيادات الشابة لقصور الثقافة - بمعاونة رئيسها العظيم المرحوم سعد كامل - علي الاستقلال الثقافي عن العاصمة، ويطالبهم بأن يجعلوا من القصر في كل إقليم وزارة ثقافة مصغرة، يطلب ذلك من شباب أغلبهم دون الثلاثين، ومنهم أدباء وفنانون تشكيليون ومسرحيون، وآخرون ناشطون ثقافيون، وجميعهم يمارس العمل القيادي - بل والإداري - لأول مرة في حياته، من هنا تحققت موجات ثورية متنامية في الإبداع المسرحي الشعري والقصصي والتشكيل، كأنها تنبع من منجم للمواهب لا ينضب، والتحمت أعمالهم بألفيات- مثل مليونيات اليوم - من الجماهير في المدن والقري والكفور في أقصي المحافظات، ولأول مرة نري الجمهور - بعد انتهاء العروض والندوات - يتكلم ويبدي رأيه ويختلف وتتجلي من خلاله مواهب في النقد، فيصبح مشاركا حقا في العملية الثقافية، هذه كلمة صدق عن فترة عشتها عبر تجربة كنت فيها شريكا وشاهدا، ليس بمحافظة كفر الشيخ التي قمت فيها بتأسيس قصر للثقافة فحسب، بل في عشرات المواقع علي أرض مصر. لم يكن كل هذا أمرا معتادا في العمل الثقافي بمصر عبر تاريخها الحديث، صحيح أنه سبقتها بعض المحاولات في الأربعينات من القرن الماضي، عبر ما اطلق عليه «الجامعة الشعبية» في مجالات المسرح الشعبي الجوال وفصول محو الأمية والحرف اليدوية ودروس الآلة الكاتبة والتفصيل والاشغال النسوية.. الخ، إلا أنها المرة الأولي بالنسبة لضابط في الجيش، والمدهش أنها كانت بالنسبة له علي طرف نقيض لطبيعة الحياة العسكرية، لما تقوم عليه من ضبط وربط ومن التزام شديد بالطاعة والمحافظة علي النظام، والتحفظ تجاه كل جديد، والنظر بحذر نحو الفنانين والمثقفين باعتبارهم أناسا هوائيين ومنفلتين، ونحو قضايا التحرر والتغيير، ما يجعل من ثروت عكاشة استثناءا فريدا وجديرا بأن تدرس أصول تكوينه الطبقي والثقافي والفكري. تكوينه الثقافي أما عن تكوينه الثقافي فمن السهل معرفة أنه انطلق نحو مشروعه في ثورة يوليو من مخزون معرفي وفير من الثقافة الإنسانية ومن الملامسة الحميمة لشتي أنواع الفنون والآداب: كالموسيقي والفنون التشكيلية والأدب والمسرح والسينما وغيرها.. وأما بالنسبة لتكوينه الفكري فمن السهل أيضا معرفة ما وراء إيمانه العميق بأفكار ثورة يوليو بشأن الحرية والعدالة والتحرر من الاستعمار والقضاء علي الاقطاع والاستغلال، وقد امتزج بداخله الرافدان «الثقافي والفكري» فتكونت منهما قناعة بأن الثقافة ضرورة للشعب وليست ترفا أو عملا ثانويا يأتي في مؤخرة برامج الثورة، بل إنها لا تقل علي ضرورات الحرية والعدالة الاجتماعية، وقد تسبقهما كونها ترتبط بوعي الإنسان الذي يتوقف عليه مصير الثورة، إن إيجابا في حالة بناء وعيه، وإن سلبا في حالة غياب هذا الوعي، وإذا كانت أصول ثروت الطبقية تتقاطع مع أهداف العدالة الاجتماعية، بحكم انتمائه إلي الشرائح العليا من المجتمع التي تهدد الثورة مصالحها، فأظن أن الفضل في إيمانه بالثورة يرجع إلي الرافدين المشار إليهما: الثقافة والفكر، اللذين انفتح عليهما مبكرا بإرادة ذاتية، فقللا من حاكمية انتمائه الفكري إلي النخبة الطبقية، كما قللا من حاكميته انتمائه إلي فكر النخبة العسكرية وتطلعاته السلطوية، وقربا المسافة بينه وبين القاعدة الشعبية، مع كل ما تعيش فيه من فقر وجهل، وأمداه بالإيمان برسالة تغيير واقعهم المادي وبناء وعيهم الثقافي في ذات الوقت. استطيع - بعد كل هذا - أن اختزل تجربته الطويلة في كلمتين: التنوير والتغيير، وقد وضع بالفعل البنية التحتية لكل منهما، وعمل - بقدر ما توفر له من التمويل والوقت - علي استكمالهما وجني الثمار من ناتجهما، لولا حدوث هزيمة 1967، التي زعزعت أركان النظام، وفرضت من التقشف المالي ومن الكوابح السياسية ما أبطأ سير آلته الثقافية وقيد حرية قياداته المستنيرة، إلي أن اضطر اضطرارا إلي تسريحهم بيده بعد عام من الهزيمة العسكرية، لتصبح هزيمة معنوية، خفتت علي إثرها أنوار مشاعله، قبل أن يتخلي عنه عبدالناصر، بعد أن جعله يتخلص من كل القيادات اليسارية في الوزارة، علي أن العمل في مشروعه الثقافي استمر بعد تركه المنصب بضع سنوات بقوة القصور الذاتي، خاصة علي يد الكاتب المسرحي سعد الدين وهبة الذي اسندت إليه من بعده رئاسة قصور الثقافة حتي أواخر السبعينيات، ثم أخذت ذبالات المشاعل تخفت تدريجيا حتي انطفأت أنوارها تماماً. إن مجموع سنوات عمله وزيرا للثقافة في فترتي تكليفه لا يتعدي ثمان سنوات، فيما تبدو إنجازاته وكأنها استغرقت دهرا، ولا أغالي إذا قلت إنه لم تحدث إضافة صروح ثقافية تذكر منذ انتهاء فترة وزارته الثانية عام 1969، وأن ما تم من بعده لا يزيد علي قشور أو عمليات تجميلية لما سبق، أو أنشطة مهرجانية عابرة، أو إضافات تكميلية بسيطة إلي ما انشأه، وليس استحداثا لمشروعات نوعية ترسي قواعد لها صفة الاستمرار. مؤسس الأكاديمية إن من أسس أكاديمية الفنون بكل معاهدها: الفنون المسرحية، السينما، الكونسيرفتوار، الباليه، فرقة أوركسترا القاهرة السيمفوني، فرقة الموسيقي العربية، الفرق القومية للفنون الشعبية، المسرح القومي، مركز الفنون الشعبية، فرقة المسرح الحديث، فرقة مسرح الجيب للأعمال التجريبية، فرق الأقاليم المسرحية، قصور الثقافة، جوائز الدولة للفنون والآداب، متحف الحضارة والقبة السماوية بالجزيرة، متحف مختار، متحف محمد محمود خليل، قاعات الفنون التشكيلية بكل من ميدان باب اللوق وشارع قصر النيل، المراكز الفنية المتخصصة مثل: الحرف التقليدية بوكالة الغوري، البحوث الفنية ببيت السناري، الفن والحياة بسراي المانسترلي، النسجيات المرسمة بحلوان، الخزف بالفسطاط، مراسم الفنانين بوكالة الغوري وقصر المسافرخانة، مسرح العرائس بميدان العتبة، ووضع حجر الأساس لمدينة الفنون الشعبية بأرض الأكاديمية بالهرم، نقل معابد رمسيس الثاني إلي أبوسمبل، إقامة مشروع الصوت والضوء لآثار الجيزة والأقصر وأبوسمبل، دعوة الفنانين والأدباء والباحثين، عبر مركب في النيل من القاهرة إلي أسوان، والإقامة لمدة شهر لمعايشة تجربة بناء السد العالي وتسجيل معالم قري النوبة وفنونها الموسيقية وحكاياتها الفلكلورية قبل إغراقها تحت مياه بحيرة السد 1963، تسجيل التراث الشعبي من الفنون والعادات والتقاليد في مختلف المحافظات النائية، بعث الباحثين والفنانين العاملين في فنون التراث إلي دول أوروبا الغربية والشرقية للاستفادة بخبراتها في هذا المجال، استضافة مشاهير الفنانين الأوروبيين في مصر وعرض أعمالهم في بعض الفنادق الكبري، استضافة مشاهير النقاد والمفكرين الفرنسيين لإلقاء محاضرات ثقافية، إصدار مجلات ثقافية عامة مثل المجلة والمتخصصة مثل الفنون الشعبية والمسرح والفكر المعاصر، إطلاق مشروع التفريغ للفنانين والأدباء، ومشروع صندوق الرعاية لهم، ومشروع إقامة متحف الفن الحديث، ومشروع اقتناء أعمال الفنانين لتزويد المتاحف بها ولتأسيس ذاكرة الفنون التشكيلية، طبع أعمال الفنانين في مستنسخات مكبرة بتقنية عالمية وإتاحتها لمحبي الفن، تعيين رموز الفن الكبار في مناصب قيادية بالوزارة تقديرا لمكانة الفنان في الحركة الثقافية أمثال: سعيد الصور، صلاح طاهر، حامد سعيد، رمسيس يونان.. تكليف بعض الفنانين بإقامة جداريات ضخمة بمحطات السكك الحديدية ومراكز الاتصالات الكبري ومجمعات المحاكم.. الخ. مشروعات وأنشطة ولا يخفي علي القارئ ما وراء هذه المشروعات والأنشطة من فلسفة.. إنها تتخلص في الربط بين إحياء التراث والانفتاح علي العصر «بمعني الأصالة والمعاصرة».. وفي بناء وعي المواطن بثقافة متعددة الأبعاد متحررة التوجهات، وفي مد الجسور الراسخة بين المبدعين والشعب، وفي استكشاف المواهب في كل مكان علي أرض مصر وإتاحة الفرص أمامهم للتحقق والتواصل مع العاصمة وبقية المحافظات عبر الفرق المسرحية والموسيقية والمعارض التشكيلية والقصائد الشعرية والأعمال القصصية، أما الاستراتيجية النهائية فهي تحقيق لا مركزية الثقافة وكسر احتكار العاصمة لها، والانتقال بها من كونها نشاطا نخبويا للخاصة إلي أن تكون ضرورة شعبية وليست شعبوية أو تعبوية، ثقافة يطلبها المواطن كحق أصيل مثل ضرورياته الحياتية، وهي في مردودها الأسمي: ثقافة الهوية الحضارية التي تمثل تاريخ ووجدان شعب يضرب بجذوره في عمق التاريخ، وهي الهوية التي تنعكس - في النهاية - في إبداعات الفنانين فيما يسمي «بالشخصية المصرية»، وأظن أنها التي أتاحت الفرصة لأدباء مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ويحيي حقي ويوسف إدريس وميخائيل رومان وألفريد فرج
وغيرهم ليشيدوا صروحهم الأدبية بدون أن يضطروا إلي التنازل عن استقلالهم الفكري عن النظام أو إلي كبح اخلاقهم معه، وهذه «الشخصية المصرية» هي نفسها التي جعلت من تماثيل السجيني ولوحات الجزار وندا وحامد عويس وصلاح عبدالكريم، بل حتي اللوحات العارية لمحمود سعيد، والتجريدية لرمسيس يونان وفؤاد كامل، واللوحات التعبيرية لإنجي افلاطون في سجن عبدالناصر، ولوحات تحية حليم وعفت ناجي وجاذبية سري، تحظي بمكانة رفيعة في مصر والعالم، لقد حقق كل هؤلاء الحرية لأنفسهم في حدها الأقصي، وتكفل ثروت عكاشة بتوفير الحصانة لها والتفرغ لإنتاجها والتكريم لأصحابها. لكن العلاقة التي نستخلصها من تعامله مع المبدعين والمثقفين كانت هي السير علي السلك الشائك لحل مشكلة المثقف والسلطة، وقد جاء انحيازه في النهاية لصالح المثقف، بالرغم من أنه شخصيا جزء أساسي من السلطة. لقد خصني المرحوم ثروت عكاشة بثقته الكبيرة مرتين، الأولي عندما وافق علي تكليفي بتأسيس ورئاسة قصر الثقافة بكفر الشيخ في ديسمبر 1966، وظل ظهيرا قويا لي في مواجهة كل العواصف السياسية والأمنية، حتي اضطررت إلي الاستقالة في يوليو 1968 بعد ملاحم حفرت سطورها في تاريخ العمل الثقافي، لم يكن يتردد في أن يقول لي - حين تضعف قدرتي علي المقاومة، وحين تتكالب علي قوي الثورة المضادة - «يجب أن تصمد!.. أنت علي رأس قلعة أمامية للدفاع عن مشروعنا، ولو سقطت سيسقط غيرها تباعا»! وأذكر أن الدكتور أحمد عكاشة كان حاضرا في أحد تلك اللقاءات، بمكتب الوزير الذي كان يعلم بانتمائي إلي الفكر اليساري، وبأن الصراع كله بيني وبين أجهزة السلطة يتلخص في ذلك تحديدا، وكان يمكنه بجرة قلم أن يتخلص مني ليرضي السلطة فتسلم سفينته من الدوامات التي كانت تشدها بعنف إلي القاع، ويخرج بها إلي بر الأمان، لكنه رفض بمنتهي الحسم حتي أمام عبدالناصر عندما تصاعد الموقف بيني وبين المحافظ وأجهزة أمن الدولة وسأله عبدالناصر في ذلك، فثبت علي موقفه، ليس دفاعا عن شخص، فلم أكن إلا شابا في الثامنة والعشرين وأمامي المستقبل كله، بل لقناعته بأن التنازل في موقف واحد سوف يجر إلي سلسلة من التنازلات، فوق أن قناعته بموقفي كانت تتماهي مع موقفه في الوزارة، بالرغم من أنه لم يكن من المنحازين إلي الفكر اليساري مثلي. هل رأيتم قائدا ثقافيا بمثل هذه الجسارة الثورية في تاريخنا الحديث والمعاصر؟! المسافرخانة أما المرة الثانية فكانت عند تكليفه لي بإدارة قصر المسافرخانة الأثري بحي الجمالية كبيت الإبداع الفنانين التشكيليين عام 1969 بعد تجربتي المجهضة في كفر الشيخ، طالبا مني أن أحقق من خلال هذا القصر الذي كان تحفة معمارية نادرة، بعد ما حققته هناك، وسرعان ما لاحقتني لعنة أجهزة أمن الدولة حتي انتهي الأمر بقرار رئيس القطاع الذي يتبعه القصر بتنحيتي من منصبي، وكانت مواجهة عاصفة بقاعة باب اللوق وسط عشرات الفنانين في افتتاح رسمي لأحد المعارض، بين الوزير وذلك المسئول، بعدما علم بالأمر من غير طريقي، وإذ به يثور ثورة عارمة وينذر المسئول علي الملأ بأنه إن لم يصدر قرارا بعودتي سوف يضطر إلي إصدار قرارين معا الأول بعودتي: والثاني تنحيته، وهكذا عدت، وبعد سبع سنوات من ذلك شهدت في القصر ما هو أنكي وأمر، هذه المرة ليس علي يد المسئول الكبير وحده، بل علي أيدي بلطجية مأجورين قاموا بتدمير مرسمي ولوحاتي، وانتهي الأمر بفصلي من العمل!، ولم يكن ثروت عكاشة حينذاك - عام 1976- ذا نفوذ في السلطة ليحميني من الفصل والتنكيل كما حماني من قبل أكثر من مرة! لقد بدأت المقال بالتساؤل عن مدي امكان الإحاطة بكل جوانب شخصية ثروت عكاشة في مقال، وها هو ينتهي ولم أتعرض إلا لجانب واحد من جوانبها وهو ما تسمح به المساحة، ذلك أن كل جانب منها يحتاج إلي ما هو أكثر من مقال، ولعل ذلك سيبقي دينا في عنقي حتي أفي بيه يوما. أيها البطل الملحمي في عصرنا.. أيها البناء العظيم للبشر قبل الحجر، ولأعمدة النهضة لا دعائم السلطة، سقطت قلاع كثيرة منذ رحيلك عن ميدان العمل الثقافي، لكن قلاعك الجديدة التي شيدتها بقلمك ورسمت علي جدرانها أوجه الجمال السبعة، وجدت لتبقي راسخة أبد الدهر، ومنها سوف يستمر إشعاع تنويرك، فرحيلك الجسدي سوف يزيدها إشعاعا وتنويرا.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.