خصصت مجلة الشئون الخارجية Foreign Affairs الأمريكية في أعدادها منذ شهر يناير مقالات قدمت وجهات نظر متعددة حول الملف الإيراني، وحول سؤال محوري ألا وهو ما الاستراتيجية الأمثل التي ينبغي للولايات المتحدة والمجتمع الدولي اتباعها مع إيران. وجاءت هذه المقالات في شكل مناقشات حول المسألة الإيرانية في ملف بعنوان "النقاش حول إيران: الهجوم أم لاThe Iran Debate: To Strike or Not to Strike كارثة استراتيجية وكتب إيهود إيرين مقال بعنوان "ماذا يحدث بعد أن تهاجم إسرائيل إيران" أكد فيه أن النقاش المفتوح يمكن أن يحول دون كارثة استراتيجية. وإيهود إيرين باحث بقسم العلاقات الدولية بجامعة حيفا الإسرائيلية، ومدرس منتدب ببرنامج مبادرة مفاوضات الشرق الأوسط بكلية الحقوق بجامعة هارفارد. ويحذر إيرين من عواقب أن تقوم إسرائيل بهجمة وقائية ضد إيران لأنها من شأنها أن تورط الدولة العبرية في صراع كبير. فمنذ نشأة إسرائيل عام 1948، قامت بشن عدة هجمات عسكرية وقائية ضد أعدائها. وفي عامي 1981 و2007، قامت إسرائيل بتدمير المفاعلات النووية في كل من العراق وسوريا؛ وهي عمليات عسكرية لم تؤد إلي نشوب حرب غير أن الوضع مع إيران مختلف. والملحوظ أن النقاش حول الملف الإيراني داخل إسرائيل نقاش عام وصريح وتتداوله وسائل الإعلام ويتداوله الرأي العام، غير أن النقاش يركز علي سؤال إذا ما كان ينبغي علي إسرائيل استباق هجوم دفاعي ضد إيران أم لا. ولا يركز النقاش علي مغبة هذا الهجوم. هذ النقاش محصور علي نخبة من المسئولين الحكوميين خلف الأبواب المغلقة، ويركز علي شكل رد الفعل الإيراني الذي إن جاء في شكل رد فعل عسكري سيتسبب في قلق داخلي كبير. ويشير إيهود إيرين إلي أنه حتي هذا النقاش المغلق يبدو وأنه يتجاهل الجوانب طويلة الأمد المحتملة لهجوم إسرائيلي علي إيران من جاهزية الداخل الإسرائيلي، وشكل استراتيجية الخروج من المأزق، وأثر الهجوم علي العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وانتكاس العلاقات الدبلوماسية، واستقرار أسواق الطاقة العالمية، وأثر الهجوم داخل إيران. ولذلك ينبغي علي إسرائيل أن تدرس كل العوامل المحيطة بأي هجوم علي إيران وإلا سينتهي بها الحال في مواجهة أزمة استرتيجية كبيرة حتي وإن حقق لها الهجوم أهدافها العسكرية الضيقة. سيناريوهات الرد الإيراني وكان المسئولون الإسرائيليون قد درسوا سيناريوهات متعددة للصراع المحتمل بين القدسوطهران في حال قيام إسرائيل بهجوم علي إيران. وفي تقرير قدمه عام 2010 قال إفراييم كام، ضابط المخابرات العسكرية السابق ونائب رئيس المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي، إن إيران من المتوقع لها أن ترد بطريقتين: الطريقة الأولي بهجمات صاروخية علي إسرائيل سواء بشكل مباشر أو عن طريق منظمات حليفة مثل حركة حماس أو حزب الله، أما الطريقة الثانية فمن الممكن أن تكون عن طريق هجمات إرهابية علي المصالح الإسرائيلية خارج إسرائيل. ويقدر المسئولون الإسرائيليون أن الهجمات الصاروخية الإيرانية المباشرة سيكون لها أثر أكبر من تلك التي شنتها العراق خلال حرب الخليج الأولي والتي تسببت في وفاة مواطن واحد، ولكنها ستكون محدودة. وقال إيهود باراك مشيراً إلي مثل هذا السيناريو في نوفمبر الماضي "إن سيناريو الضحايا الذي من الممكن أن يبلغ عددهم 50 ألف شخص أو خمسة آلاف شخص هو سيناريو غير قائم. لو التزم المواطنون منازلهم، ربما لن يصل عدد الضحايا حتي إلي 500 قتيل". غير إن إيهود إيرين يحذر من هذا الهدوء الذي يتحدث به باراك لأنه لا يمكن الاعتماد علي فشل تكهنات عامي 1981 و2007 التي توقعت ردود أفعال عنيفة من العراق وسوريا. ولا يبدو أن المسئولين الإسرائيليين منزعجون أيضاً من سيناريو قيام المنظمات الحليفة لإيران بشن هجمات صاروخية علي إسرائيل. ويعرف هؤلاء قدرة حزب الله مثلاً علي القيام بذلك خاصة أنهم اختبروه عام 2006 أثناء الحرب المفتوحة علي لبنان، ويعتمد هؤلاء علي فكرة أن الصراع مع حزب الله هو صراع مفتوح ومستمر سواء قامت إسرائيل بالهجوم علي إيران أم لا. ويقلل المسئولون الإسرائيليون من خطورة حزب الله في الوقت الراهن بسبب الأزمة السورية التي ربما تتسبب في إضعاف قيادة حزب الله في حال تغيير النظام السوري الموالي لها. سيناريو الهجمات الإرهابية ويعرف المسئولون الإسرائيليون أيضاً قدرة كل من إيران وحزب الله علي شن هجمات إرهابية علي المصالح الإسرائيلية في العالم، والتي من بينها مثلاً الهجوم الإرهابي علي السفارة الإسرائيلية في بوينس أيرس في الأرجنتين عام 1992 كرد فعل علي اغتيال إسرائيل لأمين عام حزب الله وقتها عباس الموسوي. وعلي الرغم من ذلك تقدر الإدارة الإسرائيلية أن مثل هذه الهجمات ستستمر في حال قيام إسرائيل بالهجوم علي إيران، غير أن قدرة طهران علي ذلك تواجه مزيدا من التقييدات بسبب الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر فعملاء إيران فشلوا مؤخراً في التسبب في خسائر تذكر عند قيامهم باستهداف المصالح الإسرائيلية في جورجيا، وفي الهند وفي تايلاند. إن رغبة إسرائيل في تنفيذ هجوم ضد إيران من الممكن أن يتسبب في كارثة شبيهة باحتلال إسرائيل للبنان عام 1982 . فهذه العملية التي استهدفت القضاء علي تهديد الجماعات الفلسطينية المسلحة في عملية سريعة تستغرق يومين جرت إسرائيل إلي صراع دام 18 عاماً وشهد ظهور أعداء جدد لإسرائيل علي رأسهم حزب الله. الجانب الآخر لسيناريو الهجوم الإسرائيلي علي إيران يخص العلاقات الإسرائيلية الأمريكية فمن غير المعروف ما إذا كان هناك اتفاق بين البلدين حول ضرورة القيام بهجوم ضد إيران أو حول جدول تنفيذه، ولكن معروف أن هناك قلقا متبادلا بخصوص الملف النووي لإيران. وفي هذا السياق، يذكر إيهود إيرين المسئولون الإسرائيليون بأنه لا يمكن الاعتماد علي رد فعل الولاياتالمتحدة عام 1981 عقب الهجوم علي المفاعل النووي العراقي. فهذا الهجوم أثار غضب الإدارة الأمريكية مما تسبب في تعليق المساعدات العسكرية لها لفترة إلي أن باركت الهجوم واسعادت علاقاتها بإسرائيل. إذا كان هذا ما يطمح إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي خاصة في ظل انشغال الرئيس أوباما بحملته الانتخابية حيث سيكون من الصعب عليه أن يعنف إسرائيل علي الملأ دون أن يخسر أصوات ناخبين محتملين. ليس هذا وقت الهجوم أما كولين كال، فقد كتب بعنوان "ليس هذا وقت الهجوم علي إيران: لماذا ينبغي أن تكون الحرب الخيار الأخير؟" لينقد ما كان ماثيون كرونيج قد كتبه بعنوان "إنه وقت الهجوم علي إيران". ويشغل كولن كال منصب أستاذ مساعد ببرنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورجتاون الأمريكية. وكان ماثيو كرونيج قد أكد أن الولاياتالمتحدة لم يعد لديها خيار آخر غير شن حرب علي إيران علي غرار الحرب علي العراق وعلي أساس أن خيار الحرب الوقائية هو أقل الخيارات ضرراً. ويربط كرونيج ضرورة الحرب بالخطر الذي يمثله الملف النووي لإيران، ويؤكد أن حصولها علي السلاح النووي بات وشيكاً بحيث ربما لن يتعد الستة أشهر القادمة. ولا يأخذ كولين كال بهذا الرأي لسببين. السبب الأول هو أن الدرس المستفاد من حرب العراق يشير إلي أن الحرب الوقائية لسيت بالفعل هي الأقل ضرراً بل إن كانت هناك أمام الولاياتالمتحدة خيارات أخري لم تأخذ بها. أما السبب الثاني فيعود إلي أنه ليست هناك أي تأكيدات من قبل هيئة الطاقة الدولية علي أن إيران لديها القدرة علي تطوير السلاح النووي. من ناحية أخري، أكد ديفيد أولبرايت مدير معهد العلوم والأمن الدولي أن الاحتمالات ضعيفة جداً لأن تصنع إيران قنبلة نووية خلال العام المقبل. كما أشار كرونيج إلي أن الولاياتالمتحدة لديها القدرة علي احتواء التبعات المترتبة علي الحرب علي إيران، وهذا ما يصفه كولين كال بأنه سراب لأن أي حرب مع إيران ستكون عنيفة وسيترتب عليها فوضي غير متوقعة وعدد كبير من الضحايا. غير أن كرونيج يتوقع ألا تلجأ إيران في حال الحرب عليها إلي إغلاق مضيق هرمز أو إلي شن هجمات صاروخية علي جنوب أوروبا خاصة إن كانت لا تشعر بتهدبد لنظامها لأن الولاياتالمتحدة ستعلن أن هدف الحرب هو تدمير المفاعل النووي الإيراني. ويري كولين كال أن هذه الرؤية من السذاجة بحيث تتجاهل حقيقة ربط النظام الإيراني لشرعيته الداخلية بقدرته علي مقاومة الضغوط الخارجية من أجل إيقاف نشاطها النووي، وذلك بدوره يعني أن أي هجوم علي المفاعل النووي سيكون بمثابة هجوم علي النظام الإيراني نفسه. هذا غير المشاعر المعادية لأمريكا داخل إيران التي ستمهد لرد فعل في منتهي العنف إذا ما تم الهجوم عليها. ضغط الحرب السريعة ومن النقاط الأخري المهمة التي يشير إليها كولين كال في هذا السياق الضغوط التي سيتعرض لها الطرفان في حال الحرب حيث سيكون كل جانب علي دراية تامة بضرورة إنهاء العدوان فوراً لما له من تأثير علي أسواق الطاقة العالمية. في هذه الحالة، سيكون من المتوقع أن تلجأ إيران إلي ضربة انتقامية سريعة ربما ستستخدم فيها الهجمات الصاروخية في الخليج العربي ضد القواعد والسفن الأمريكية. وفي المقابل، ربما تضطر الولاياتالمتحدة أيضاً تحت ضغط عدم الخوض في حرب طويلة إلي تدمير البنية التحتية لقواعد الصواريخ الإيرانية وكذلك للحرس الثوري وللقوات الإيرانية. وفي حال إذا فشلت الولاياتالمتحدة في القيام بذلك سيكون من المتوقع أن تتعرض المصالح الأمريكية لسلسلة من الهجمات في الشرق الأوسط. إذا كانت الولاياتالمتحدة ستخوض حرباً ضد إيران، فإنه من الممكن جداً أن تكسب الحرب علي مستوي العمليات العسكرية خاصة في ظل وجود القوات الجوية والبحرية الأمريكية المنتشرة في منطقة الخليج والتي يصل قوامها إلي نحو 40 ألف جندياً. هذا بالإضافة إلي القوات الأمريكية المنتشرة في إيران وقوامها نحو 90 ألف جندي. وربما ستتمكن أيضاً الولاياتالمتحدة في خلال أسابيع قليلة من الإضرار بالقدرة الحربية لإيران. غير أن الصراع الأمريكي الإيراني لن يتوقف عند هذا الحد بل سيمتد إلي جر بعض الدول والجماعات المسلحة في المنطقة إليه. ولن يكون تورط كل من إسرائيل وسوريا وحزب الله في هذا الصراع مستبعداً مما سيتسبب في حرب كبري في الشام. أما الجانب الآخر لهذا الصراع فسيمتد إلي الشارع العربي الذي يسوده الآن مشاعر تحررية ضد الأنظمة والتي كانت تقليدياً مناهضة لإيران. أي حرب الآن علي إيران سيكون من شأنها إثارة تعاطف الشارع العربي مع إيران.