أثار أمر الإفراج عن عمر محمد عثمان المعروف ب«أبوقتادة» والذي أصدره قاض بريطاني الأسبوع الماضي في حالة من الغضب والقلق داخل بريطانيا. ويوصف أبوقتادة بأنه كان أحد مساعدي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وهو رجل دين متشدد فلسطيني الأصل ويحمل الجنسية الأردنية. ويصفه المراقبون بأنه رئيس تنظيم القاعدة في أوروبا، وتطالب به حكومات عديدة منها حكومات الأردن والجزائر وبلجيكا وفرنسا والولاياتالمتحدة وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا. تاريخ مشبوه يذكر أن عمر محمود محمد عثمان من مواليد 1960 في بيت لحم بالضفة الغربية، ويكني نفسه "أبو عمر" أو "أبوقتادة الفلسطيني". اتهم بالإرهاب من قبل عدة بلدان حول العالم كما ضم اسمه ضمن القرار الدولي رقم 1267 الصادر من مجلس الأمن الدولي عام 1999 والذي يشتمل علي الأفراد والمؤسسات التي ترتبط بحركة القاعدة أو حركة طالبان. أقام في الكويت في أوائل التسعينيات ثم طرد منها إلي الأردن، ومن هناك سافر إلي بريطانيا عام 1993 بجواز سفر إماراتي مزور، وطلب اللجوء السياسي بدعوي الاضطهاد الديني، ليمنح اللجوء في العام اللاحق. اعتقل في بريطانيا منذ أغسطس 2005 بعد وقت قصير من تفجيرات 7 يوليو 2005 في لندن. وفي 26 فبراير 2007 حكمت محكمة بريطانية بجواز تسليمه إلي الأردن فقدم استئنافاً ضد قرار المحكمة حكم فيه لصالحه استناداً إلي قانون حقوق الإنسان البريطاني الصادر عام 1998 وأيضاً إلي الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وأخلي سبيله من السجن بعد أن ربح قضية الاستئناف، غير أن السلطات البريطانية أعادت اعتقاله عام 2008 لخرقه شروط الإفراج عنه بكفالة بانتظار ترحيله خارج المملكة المتحدة. نقضت المحكمة الأوروبية قرار الحكومة البريطانية ترحيل أبوقتادة إلي الأردن في إطار اتفاقية وقعتها مع عمان، وبررت المحكمة قرارها بأنه سيواجه محاكمة علي أساس أدلة انتزعتها السلطات الأردنية عبر التعذيب. وكان أبوقتادة قد قاوم قرار بريطانيا ترحيله الي الأردن علي مدي السنوات الست الماضية لأنه سيواجه محاكمة غير عادلة وسيتعرض للتعذيب هناك. إفراج بشروط تقييدية وكان أبوقتادة قد تقدم بطلب إلي هيئة استئناف المهاجرين الخاصة في بريطانيا للإفراج عنه من سجن لونج لارتين المشدد الحماية في ورشسترشير في وسط إنجلترا. وقال محاموه، ايد فتزجيرالد، إن الاعتقال الذي طال لمدة ست سنوات ونصف السنة أصبح غير منطقي وغير قانوني. وأمر القاضي جون ميتنج الذي أصدر قرار الإفراج عن أبوقتادة بكفالة أن يكون الإفراج رهن شروط تقييدية منها فرض الإقامة في منزله باستثناء استراحتين مدة كل منها ساعة كل يوم. وتتضمن شروط الإقامة الجبرية أيضاً عدم استخدام الإنترنت أو الهاتف الجوال وأجهزة الكمبيوتر، وعدم استقبال زوار في منزله إلا بعد استئذان الداخلية البريطانية، وكذلك عدم الذهاب إلي المسجد أو إصدار فتاوي دينية أو المشاركة في اجتماعات. وأمهل ميتنج وزيرة الداخلية تيريزا ماي فترة ثلاثة اشهر للحصول علي تأكيدات من الأردن بأن الأدلة التي تم الحصول عليها من خلال التعذيب لن تستخدم ضد أبوقتادة في حال ترحيله. وأضاف "سيحين قريباً الوقت الذي يصبح فيه استمرار الاحتجاز أو الحرمان من الحرية غير مبرر". صدمة في بريطانيا وتسبب القرار في صدمة كبيرة في بريطانيا خاصة بعد أن أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قراراً يمنع ترحيل أبوقتادة إلي الأردن. وشنت وزارة الداخلية هجوماً ضد القرار وقالت وزيرة الداخلية تيريزا ماي في بيان "أنا محبطة بسبب قرار المحكمة، لكن ذلك ليس نهاية الطريق، وسندرس الآن كل الاحتمالات القانونية المتاحة". كما قال متحدث باسم وزارة الداخلية بعد قرار الإفراج بكفالة "ينبغي أن يبقي أبوقتادة في السجن. هذا رجل خطير، ونعتقد أنه يشكل تهديداً حقيقياً لأمننا، ولم تتغير وجهات نظره أو مواقفه بشأن بريطانيا". وقال مسئولون بريطانيون إن ممثلين من وزارة الداخلية البريطانية سيتوجهون إلي الأردن لمتابعة قضية الإفراج عن رجل الدين الأردني وبحث سبل ترحيله إلي الأردن للمثول أمام القضاء هناك حيث يواجه اتهامات متعلقة بالإرهاب. وذكرت مصادر صحفية أنه من المتوقع أن يناقش رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، والعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، هذه القضية خلال اتصال هاتفي. وقال ديفيد كاميرون أمام مجلس النواب "نحن نبذل كل ما في وسعنا لترحيل هذا الرجل خارج البلاد. الشيء الرئيسي الذي يتعين القيام به هو التوصل إلي اتفاق مع الأردن بشأن الطريقة التي سيتم بها التعامل معه". الأردن يعترض علي منع الترحيل من ناحية أخري، أشار وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، راكان المجالي، إلي أن حكومة بلاده تتابع مع الجهات البريطانية قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو القرار الذي يمنع ترحيل المواطن الأردني عمر محمود عثمان إلي الأردن. وأكد المجالي أن هذا القرار مخالف للحكم الصادر عن القضاء البريطاني كما أنه يشكك في قدرة الأردن توفير محاكمة عادلة لأبوقتادة. وأضاف المجالي أن الحكومة الأردنية سوف تتقدم باعتراض علي قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وفي الوقت الذي أثار فيه القرار فزعاً أمنياً داخل بريطانيا، رحب رجال دين أصوليون بالقرار. ووصفه الإسلامي المصري ياسر السري، مدير المرصد الإسلامي لحقوق الإنسان، بأنه انتصار تاريخي لحقوق الإنسان حيث إنه قد تم اعتقاله منذ هجمات 11 سبتمبر من دون تهمة أو محاكمة. وكان قد تم اعتقاله عام 2002 بموجب قوانين مكافحة الإرهاب التي سمحت بوضع من يوصفون بالإرهاب والمشتبه فيهم في السجن من دون تهمة. وكانت محكمة في الأردن قد أدانته غيابياً بتهمة التورط في عمليتين تفجيريتين عامي 1999 و2000 . وقضي عليه بالسجن مدي الحياة مع الأشغال الشاقة عام 1999 . أما عام 2000 فقد قضي عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً بتهمة التآمر لتنفيذ أعمال إرهابية ضد أهداف إسرائيلية في الأردن. الزعيم الروحي للجماعات المتطرفة انتقدت صحيفة ديلي ميرور البريطانية قرار الإفراج عن أبوقتادة، وقالت إن مراقبة الإسلامي المتشدد ستكلف دافعي الضرائب البريطانيين 40 مليون جنيه إسترليني، أي ما يعادل نحو 63 مليون دولار حيث إنه من المتوقع أن يقوم نحو 60 شرطياً وعنصراً من جهاز "إم آي 5" بمراقبة أبوقتادة علي مدار الساعة كل يوم بعد خروجه من السجن. ونشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالاً بعنوان "أبوقتادة الزعيم الروحي للجماعات الإسلامية المتطرفة"، وتقول الصحيفة إن أبوقتادة قضي تقريباً معظم سنوات حياته منذ أحداث سبتمبر في السجن وبدون توجيه تهم إليه اللهم إلا الاشتباه في تورطه مع عدد من زعماء القاعدة والاشتباه في كونه الزعيم الروحي لمحمد عطا أحد منفذي هجمات سبتمبر عام 2001 . وتعتقد السلطات البريطانية أن لأبوقتادة اتصالات بأيمن الظواهري، الزعيم الأسبق لحركة الجهاد والزعيم الحالي لتنظيم القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن. وتشتبه السلطات البريطانية أيضاً في كونه الزعيم الروحي لحركة التوحيد التي تزعمها أبو مصعب الزرقاوي والتي قام أعضاؤها في العراق بقتل الرهينة البريطاني كيبيث بيجلي عام 2004 . وفي قضايا الاستئناف ضد قرارات المحكمة البريطانية، نفي أبوقتادة التهم الموجهة له وأكد أن اتصالاته كانت من أجل التفاوض لإطلاق سراح بيجلي عام 2004 وسراح ألان جونسون مراسل البي.بي.سي الذي تم اختطافه في غزة عام 2007 . ومن التهم الأخري التي وجهتها السلطات البريطانية لأبوقتادة إصدار فتوي عام 1999 تبيح قتل اليهود والأمريكيين، كما تم اتهامه بالتواصل مع عدة منظمات إسلامية متطرفة. لا شك أن الإفراج عن أبوقتادة جاء بناء علي ضعف الأدلة التي تربطه بعدة عمليات إرهابية من الناحية القانونية. وفي ظل الخوف البريطاني علي الأمن القومي للبلاد بعد الإفراج عنه، يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني لن يهدأ حتي يتمكن من ترحيله إلي الأردن حيث من المتوقع أن يخضع للقضاء ويتم سجنه لتنفيذ العقوبات التي صدرت بحقه غيابياً. غير أنه في المدي البعيد، يبدو أن السياسة البريطانية لم تنجح في حصر نشاط الجماعات المتشددة بنفس المنطق الذي لم تتمكن فيه الولاياتالمتحدة من تحقيق نجاح يذكر في الحرب علي الإرهاب.