يا معشر المصريين علينا أن نقرّ بأنّنا نصنع حياتنا جميعا، شئنا أم أبينا، وهناك كثيرون لايروق لهم ذلك ! وصلتني مكالمات كثيرة، وشاركت في مناقشات مشبعة بالكروب المؤلمة التي حلّت ببهجتنا ولاتزال تحلّ مع الحرّية الجديدة التي نقلها إلينا ميدان التحرير لتشكيل حياتنا الشخصية والاجتماعية ينتابني إحساس بالوقت لايفارقني، يتغلغل في عمقي ووجداني وقد اقترب العيد الأوّل لثورة 25يناير، بأنّنا غيرمتفانين أوساعين بحماسة وحبّ إلي ابتكارالوسائل والطرق لاستثمار ثمانية عشر يوما فقط ابتدع فيها المصرىّون فرصتهم ليتحوّلوا، كي يصبحوا مسئولين جميعا عن إدارة محيطهم الحيوي برمّته.. ومنذ الساعات الأولي في حياة الجمهورىّة الثانية التي ننتظرها أصبح حقّ المواطنين في العمل من أجل سعادتهم أحد الروافد الرئيسىّة الذي علينا أن نزود عنه ونبذل من أجل ذلك دمائنا وأرواحنا.. تواجه مجتمعنا عدّة قضايا أساسية تراكمت منذ23يوليو1952 علي رأسها ديمقراطية الحكم . أؤكّد لكم أنّها مشكلتنا،فإذا كنّا ننشد الأمن والنظام في شوارعنا ،والاستمرار لحياتنا ودوران عجلة انتاجنا،فنحن لانطلب تدخّلا غير موجود من الذين استطاعوا وملكوا الإراة لإسقاط الجمهورية الأولي المستبدّة والمضلّلة للشعب الذي استبعدوه وتمّ تعجيزه عن الرؤية والمقاومة . بداية النهاية الدولة المدنية الديمقراطية ياسيداتي وسادتي هي بداية النهاية، ذلك أنّ السخط الاقتصادي كان موجودا باستمرار، بشكل ملحوظ أودرامي طيلة الثلاثين سنة من حكم مبارك. يمكن أن نقول إنّ الأحوال المعيشىّة السىّئة تفتح الطريق، لكن لم يكن ذلك هوالذي فجّر 25يناير بل كانت الآمال السياسىّة والغضب الهائل من القمع الذي حاولت العهود المختلفة أن تحاصر به آمال كل جيل عندما يحاول أن يجعل من عجز الأمّة كنزها !ومن زمن ، وفي ظروف أكثر جهلا وأمّية وإظلاما اعتقد المصريون في الديمقراطية، وقاموا بأوّل محاولة لهم لتأسيس حزب سياسي عصري عام 1879م، أي من قبل أكثر من مائة وثلاثين سنة وكان أوّل تجربة من نوعها في الشرق. واستمرّت الجماهير المصرية مؤمنة بدورها، وكانت مناقشات الرجال والنسوة العاديين في مخادع النوم حول أمور حياتهم اليومية ومايجب أن يكون ومالايجب، قادرة علي توسيع أفقهم باستمرار،تمدّهم بالوعي والتفكيربما أوقفهم وراء عرابي، ولفّهم حول سعد زغلول.. واستلمهم عبد الناصر من قلب حركّة وطنية عارمة وصاعدة وغير متخبّطة ولاغائبة عن أهدافها وأعدائها، الذين لم يجدوا وسيلة لدحرها سوي حرق القاهرة. ويمكن أن نقارن بين تلك الأىّام وأىّامنا هذه، ولكن لنطرد أفكارا ولّي زمانها ، بأن زعيما أوحاكما سيجهّز لنا الأرض أوّلا، ويشبع بطوننا مقدّما، ليهىّؤنا لنكون صالحين لنشعر ونفكّر في السؤال الذي صاغه أفلاطون :من يعهد إليه بالسلطة؟ يظلّ قابعا في الإجابة المقبولة والمعقولة هذا السؤال، قدرتنا وإرادتنا للردّ علي الأزمة الاقتصادية التي تمسك بخناق بلدنا هذه الأيام والآخذة في التفاقم . أزعم أنّه أصبح لمجتمعنا قدرة علي الرؤية ويمكنه أن يطلب بالتحديد تصحيح اتّجاهات تم تعكيسها وتحريفها كثيرا ولأزمنة طويلة، ويراد إعادة قلبها مرّة أخري منذ إعلان ميدان التحرير (حرية -عدالة- كرامة). غيرالشعب المصري ميزان القوي في 25 يناير2011 وشهد له الداخل والخارج بانتصار العقل والانسسانية، لاأعظم الآمال تحقّقت، ولاحدثت استجابة ضخمة ولايوجد من يتوقّع ذلك في مدّة وجيزة وإن كانت ظروف دولة أخري مثل تونس قد اختلفت. بينما يستمرّ الجهد السياسي في مصر حتّي اليوم مكبّلا حائرا منحصرا في تطبيل وتزمير إعلامنا حول ملايين حرمت من ممارسة حقوقها، خرجت مشتاقة إلي طوابير الاستفتاء علي تعديلات دستورية ملتبسة، ثمّ انتخابات لمجلس الشعب تنتخب فيها مصر غالبا أزماتها وتتباهي بالحبر الفوسفوري علي أصابعها . ولاوقت ولامناخ ولامزاج، بل تحلّ أجواء التنويع والتبديل والمناورة والتوريط والاستفزاز محلّ وظائف التبليغ والاستكشاف لاختيارالحزب أوالمرشّح أوالتفكّر في البرنامج. وخيل لنا أن صندوق الاقتراع يمكن أن يكون بهذه السهولة، فيصل لتحديد معالم السياسة والمجتمع بلا دستوريتوافق عليه ويقرّه الجميع. بعد عشرات السنين من البرمجة الذهنية الفردية والاجتماعية قامت بها عهود وظّفت متمرّسين ذوي خبرة في التحطيم والإلهاء ونفخ المخ بالحشوالديني والسياسي والإعلامي ! لهفي علي ثوّار 25يناير، مامن أجل هذه البدائىّة وقاموا، لهفي علي الشهداء والجرحي من أجل الحرّىّة والكرامة والعدالة.. ومن موقعة الجمل إلي لحظتنا هذه ، لايزال يجري قتل المتظاهرين وفضّ المعتصمين بالقوّة المفرطة وبالرصاص الحي وفقء العيون بذاتها لشباب مصري وجرّ شابّة أوأخري وسحلها وتعريتها!علي من نذرف الدموع الحية؟ حزنا مع أم علاء عبدالهادي علي ابنها طالب الخامسة طبّ الذي قضي برصاصة تدخل من أنفه لتخرج من أذنه وهويمرّض المصابين أم وراء شهادات الدكتورة فريدة الحصّي وشيماء كأمثلة ؟ أم نتفلسف حول النيران وحرق المجمع العلمي ونتفنّن في حفر أخاديد الكراهية بين جيشنا وشعبنا ! كفانا ادّعاءات وملاعيب خادعة لاتنطلي إلاّ علي عديمي التفكير أوذوي التفكير السطحي ! وهناك أسئلة لاحصر لها حول الشعب الذي كان رائعا منذ شهور، فإذا بنا نوشك أن نعتبره مطىّة يقوده البلطجىّة. وأسأل نفسي سؤالا صعبا، وقد عشت حوالي خمسة أىّام أطلّ من نافذة بيتي علي حرب مع مديرىّة أمن الاسكندريةّ :كيف ينفجر الكرّ والفرّ فجأة ويتلاشي فجأة حين يتقرّر أن يهدأ كلّ شيء لتبدأ في اليوم التالي انتخابات مجلس الشعب ؟ ولانغمط أبدا القدرة الإنسانية علي الخداع إلي هذا الحدّ، ولا القدرة علي شغل الرأي العام واحتلاله بوسائل الإعلام وبالألفاظ والكلام والصور، وهي لاتعبّيء أحدا، بل تمنع التعبير العام عن الآمال المشتركة والحقائق المطلوبة، والصدق . كيف نساعدكم وأكثر الأسئلة إلحاحا هوكيف يمكن أن نساعد 85 مليونا من المصريين علي شقّ مسار نحوالدولة المدنية الديمقراطية؟ هل يمكن للمجلس الأعلي للقوّات المسلّحة والمجلس الاستشاري وحكومة الإنقاذ برئاسة الجنزوري أن يقوموا بذلك في بلد يصطدم فيها المنطق مع هذا التراتب في الخطوات نحوالجمهورىّة الوليدة؟! لانملك إلاّ أن نمضي علي تفهّم ماذايعني أنّ المصريين قاموا بثورة ؟ وأنّ الجماهير تستمرّ في الاحتشاد في الميادين والشوارع وينشدون شعارات تلقائىّة جديدة، وبسيطة أيضا. ربّمالايملك أحد أن يداري خوفه من أن أن يكون هناك بؤس وصراعات ومظالم أخري تنتظرنا، وفي أسوأ الحالات لاتشملنا الطمأنينة بشأن الفائزين الجدد،الأغلبية من الإسلاميين المتلهّين بالغنائم عن الإجابة : كيف يكون "الإسلام هوالحلّ" لحاضرنا قبل مستقبلنا! علينا قبل هذا الهراء حول نصرة الإسلام والدشّ والذكر علي القنوات أن نقوم بمجهود لنصرة الشارع المصري وهويصرّ علي تبليغ رسالة قاطعة مانعة، بأنّه يصعب علينا بل نفضّل الموت علي أن نري مرّة أخري ذلك النظام الذي يركّز القوّة السياسية والاقتصادية وأدوات القمع ويديمها لفريق. ولايسمح لنا بدولة السلطة فيها مكبوحة ومحدودة ومحدّدة ومتداولة بدون إراقة دماء . سنين ومعارك أعي أنّ الأمر لايزال بعيد المنال تكتنفه العقبات، أمامنا سنين ومعارك، ودورات من الانتخابات النزيهة التي ستصنع لنا السلطات وتستخلصها من براثن مراكز التحكّم والتأثير وصناعة الأفكار والأسماء وصناعة قبولها ورواجها، تخليص الأغلبية دائما من التجهيل والتعمية والتعجيز وفكّ أي حصار عن عقولها وكلّ إفساد ذهني وأخلاقي واجتماعي .وأسوأ مانعانيه أن يرضي بعض من ترك لهم مبارك السلطة أن يقولوا ببساطة: نحن نمسك بالمدفع وأنتم لاتمسكون شيئا !أونحن نمسك بالسلطة لأنّ مبارك تخلّلي عنها فأصبحنا في السلطة!هذه الشرعية المتبقية ربّما تهيء لبعض الحكّام وخداّمهم من السياسيين والبيروقراطيين والخائفين علي امتيازاتهم واستقرارهم من خداع أنفسهم،ونحن نضمّد جراح أنفسنا قبل أن نضمّد جراح مجتمعنا نعالج انقساما في شخصياتنا جميعا. ولكلّ شيء صلة بالكلمة، بالصحافة، بالتليفزيون، وتنظيف البيئة اللغوية لايقلّ حيوية عن تنظيف البيئة الطبيعية .