احتفل العراقيون قي الخامس عشر من ديسمبر ببدء مراسم انسحاب القوات الأمريكية من العراق بشكل رسمي ونهائي وذلك بعد مرور أكثر من ثماني سنوات علي احتلال العراق عام 2003، وأعلن وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا أن "هذه ليس نهاية العلاقة مع العراق، وإنما البداية". وأضاف خلال الاحتفال الذي أقيم بالقرب من مطار بغداد وشهد إنزال العلم الأمريكي ورفع العلم العراقي مكانه أن "أكثر من مليون جندي أمريكي خدموا في العراق وقدموا أكثر من 4500 قتيل و30 ألف جريح لتحقيق عراق آمن ومزدهر مسئول عن أمنه. لقوات العراقية قادرة علي التصدي لأي تهديد إرهابي، لكن أمامها أيام صعبة وتحد واختبار حقيقي". ومن المقرر أن يكون آخر تواجد للجنود الأمريكيين بالعراق يوم 25 ديسمبر. التزام أمريكي وتم إغلاق المقر الرئيسي للقوات الأمريكية، وتسلم العراق آخر قاعدة كانت تستخدمها القوات الأمريكية من مجموع 505 قواعد وهي قاعدة الإمام علي الواقعة في مدينة الناصرية جنوب بغداد التي تحتوي علي معدات تبلغ قيمتها نحو76 مليون دولار بينها رادار متطور. وقال ممثل الجانب العراقي في استلام القواعد الأمريكية ومستشار رئيس الوزراء حسين الأسدي إن القاعدة "تضم رادارين أحدهما تم نصبه بأموال عراقية، في حين ان الرادار الثاني هوهدية من الجيش الأمريكي الي العراق، وسيتم بواسطتهما مراقبة الأجواء العراقية"، وأشار إلي نية استمرار التعاقد مع القوات الأمريكية علي معدات حربية وعسكرية ودفاعية تتضمن طائرات أنطونوف للنقل. وبذلك الانسحاب تكون الولاياتالمتحدة قد التزمت ببنود اتفاقية الأمن الاستراتيجية التي وقعتها مع بغداد عام 2008 حيث سيتم انسحاب حوالي 5000 جندي أمريكي ليتسلم بذلك العراقيون مسئولية إدارة شئون بلادهم الأمنية. وأبدي الكثيرون تخوفهم من مستقبل العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية، وقال إبراهيم الجعفري رئيس التحالف الوطني إن العراق بحاجة إلي دعم شعبي وتكاتف أبناء البلد للحفاظ علي أمنه واستقراره. وكان الرئيس باراك أوباما قد رحب بالقوات الأمريكية العائدة من العراق ووصف الانسحاب الكلي للقوات بأنه إنجاز غير عادي مؤكداً أن إنهاء الحرب أصعب من البدء بها. وقال في خطابه الذي ألقاه "بالطبع لن يكون العراق مكاناً مثالياً، لكننا نترك وراءنا عراقاً ذا سيادة ومستقراً ويعتمد علي نفسه بحكومة تمثله انتخبها شعبه. نحن ننهي الحرب لا بمعركة نهائية وإنما بمسيرة نهائية نحوديارنا". وواجه أوباما انتقاداً لاذعاً من معارضيه الذين اتهموه بالتسرع في إنهاء الحرب في العراق ليحقق مكاسب علي مستوي حملته الإنتخابية. تداعيات انسحاب القوات الأمريكية الخوف من تداعيات انسحاب القوات الأمريكية من العراق ألقي بظلاله علي تصريحات المراقبين والقادة العراقيين خاصة التخوف من التدخلات الخارجية في الشأن العراقي ولاسيما أن هناك إشارات إلي قيام بعض دول الجوار بدعم الجماعات المسلحة وبتمويل الجهود الاستخباراتية داخل العراق. بالإضافة إلي ذلك، هناك تخوف من الفوضي الداخلية بسبب استمرار الصراع بين القوي السياسية واستمرار النقاط الخلافية علي موضوعات شائكة من بينها النزاع حول كركوك وما يتعلق به من النزاع علي توزيع النفط. تلك المخاطر التي تحدد وحدة العراق بسبب أبعادها العرقية والطائفية ليست المخاطر الوحيدة، بل يضاف إليها أيضاً تحديات إعادة الإعمار والبناء في ظل ظروف اقتصادية وأمنية متردية تشهد ارتفاع معدلات الفقر وارتفاع نسبة البطالة. وتعالت في الآونة الأخيرة الأصوات المنادية بالفيدرالية مما أعاد إلي الأذهان الخوف من تقسيم العراق. ومن ذلك مطالب تشكيل أقاليم عراقية مثل الدعوة إلي تشكيل إقليم غرب العراق من محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالي. واتهم رئيس الحكومة وأصوات في كتلة دولة القانون المطالبين بتشكيل هذا الإقليم بالسعي إلي تشكيل إقليم بعثي. في الوقت نفسه، هناك تشكك في قدرة القوات العراقية علي حفظ الأمن الداخلي وتوفير حماية حدود العراق الطويلة التي تشترك فيها مع ست دول هي الكويت والسعودية والأردن وسوريا وتركيا وإيران. وقال الفريق روبرت كالسين المشرف علي تدريب وتجهيز القوات العراقية إن العراق سيواجه عجزاً في تدريب قواته الأمنية خاصة قوات مكافحة الإرهاب، وأضاف إن "أفضل حل هووجود قوة تدريب مقيمة يمكنها أن تدربهم كما نفعل نحن في جيشنا". قلق داخلي وعبر طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي عن قلقه إبان الانسحاب الأمريكي قائلاً "إن هناك قلقا لدي الشارع العراقي لما ستؤول إليه الأمور بعد الانسحاب الأمريكي، وعلينا أن نثبت للجميع إننا علي قدر المسئولية وعلي استعداد كامل لتأكيد الوحدة الوطنية وبناء مجتمع عراقي موحد قوي قادر علي مواجهة الأزمات وتحديد مصيره بيده". وفي الوقت نفسه، أكد صالح الملك نائب رئيس الوزراء عدم تفاؤل المسؤولين بسبب التحديات التي تواجه العراق، وأضاف" "الولاياتالمتحدة ستغادر العراق تاركة إياه بلا بنية تحتية، وأن العملية السياسية تتجه نحو المسار الخاطئ وهي الديكتاتورية". أما الملا ناظم الجبوري الخبير في شئون تنظيم القاعدة فقد أشار إلي أن انسحاب القوات الأمريكية سيكون فاتحة لنشاط الميليشيات المدعومة من إيران بالإضافة إلي نشاط تنظيم القاعدة الذي شهد عملية إقصاء من الحكومة المركزية ولكن لم يتم القضاء عليه فعلياً. وأضاف "علي صعيد الفصائل السنية فقد خرجت امريكا تاركة وراءها مئات المقاتلين المحتفظين بإسلحتهم والمدعومين من بعض دول الجوار، التي ليس من مصلحتها أن يحظي حلفاء إيران من الأحزاب والساسة الموجودين علي رأس السلطة باستقرار أمني يعطيهم الفرصة لتحقيق أهداف إيران في هذا البلد". وعقب بدء انسحاب القوات الأمريكية، ظهرت بوادر أزمة سياسية في العراق عندما علقت القائمة العراقية مشاركتها في البرلمان احتجاجاً علي ممارسات الحكومة وهدد وزراء القائمة وكتلتها البرلمانية بالاستقالة. وكانت القائمة العراقية قد اتهمت ائتلاف دولة القانون بمحاولة تهميشها للتفرد بالسلطة. وقال القيادي في قائمة العراقية حيدر الملا: إن "العراقية طالما نادت ومدت يدها للحكومة الحالية وحذرت من سياسات التهميش والإقصاء والتفرد في إدارة الملف الأمني وتداعياته ومن التنصل من تنفيذ الاتفاقات الشرعية وعدم حسم ملف الوزارات الأمنية والحكم الفئوي". ويعد هذا الانقسام السياسي الذي يهدد مستقبل الشراكة مع ائتلاف دولة القانون بالإضافة إلي الأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة ديالي أول بوادر التوتر السياسي والأمني عقب انسحاب القوات الأمريكية. وشهدت محافظة ديالي بعد إعلان مجلس المحافظة إقليماً نزول الميليشيات المسلحة المدعومة من الحكومة إلي شوارع المحافظة والسيطرة علي الطرق فيها. بداية لاستراتيجية أمريكية جديدة وعلي الرغم من تداول الأخبار عن انسخاب القوات الأمريكية بشكل نهائي، إلا أن بعض وكالات الأنباء نشرت أخباراً عن بقاء 3000 جندي أمريكي علي أرض العراق بينما قالت صحيفة «بديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن انسحاب القوات الأمريكية لا يعني انسحاباً أمريكيا حيث تبقي الولاياتالمتحدة في العراق ممثلة بأكثر من 17 ألف أمريكيا من بينهم ستة آلاف أمريكي يعملون بالسفارة الأمريكية في بغداد في إطار جهود أمريكية للحفاظ علي مصالحها في المنطقة وعلي رأسها مصالحها النفطية بالإضافة إلي استخدامها للعراق كدرع ضد النفوذ الإيراني. وأكدت الصحيفة أن الولاياتالمتحدة ستقوم بحماية مصالحها في العراق من قواعدها العسكرية المنتشرة في الخليج. وأشارت الصحيفة أيضا إلي أن ميزانية السفارة الأمريكية في بغداد والقنصليات في البصرة وأربيل وكركوك ستصل إلي 3.8 مليار دولار في العام المقبل. من جهة أخري، قالت صحيفة «الوول ستريت جورنال» ان مهمة حماية المصالح والمسئولين الأمريكيين في العراق بعد انسحاب الجيش الأمريكي ستقوم بها شركات أمنية خاصة قوامها حوالي 15 إلي 16 ألف شخص. ويري البعض أن انسحاب القوات الأمريكية من العراق ربما يكون التزاما ببنود الاتفاقية الاستراتيجية الأمنية الموقعة عام 2008، غير أنها تمثل بداية لاستراتيجية أمريكية جديدة في العراق بدت ملامحها منذ زيارة جو بايدن للعراق في التاسع والعشرين من شهر نوفمبر الماضي حيث ناقش تداعيات الانسحاب الأمريكي ومهد لزيارة المالكي لواشنطن حيث حصل علي موافقة واشنطن علي بيع بغداد طائرات أف 16. ثمن حرب الولاياتالمتحدة في العراق كلف العراقيين 103 آلاف و775قتيلاً وتسبب في اغتيال 464 أكاديمياً وعالماً وفي مصرع 174 صحفياً. الآن وبعد انتهاء الحرب فعلياً بسحب القوات الأمريكية يظل العراق مهدداً أكثر من ذي قبل باستمرار بحور الدم بسبب التفكك السياسي الداخلي واستمرار الطموحات الانقسامية المبنية علي أسس طائفية وعرقية وأيديولوجية. ربما تكون الولاياتالمتحدة قد أنهت حربها في العراق، ولكن من المؤكد أنها لم تنه وجودها هناك سواء علي مستوي التواجد الدبلوماسي واللوجيستي أوعلي مستوي التواجد الاستخباراتي لتأمين مصالحها المتمثلة في تأمين النفط وتأمين مصالحها ضد امتداد النفوذ الإيراني في المنطقة. المرحلة المقبلة ستشهد بلاشك تبلور ملامح الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة في العراق والتي سيكون التعاون العسكري والأمني أحد أهم ملامحها فالإدارة الأمريكية التي لاقت فشلاً في أهدافها العسكرية في العراق كلفها آلاف القتلي والمصابين وتكلفة تخطت التريليون دولار لن تتخلي بسهولة عما تكبدته من خسائر بل ستسعي لاستبدال تواجدها العسكري بتواجد دبلوماسي ربما يكون أكثر قبولاً لدي الناخب الأمريكي.