أصبحت الساحة التليفزيونية الرمضانية مسرحا خاصا يطمع فيه شباب الممثلين لكي يرسموا لنفسهم طريقا محددا للمستقبل فنسبة المشاهدة الكبيرة واهتمام الجمهور مما يري علي الشاشة الصغيرة هي الامتحان الحقيقي لهذه المواهب الشابة كي تثبت نفسها وأحقيتها في أن تستلم المشعل من النجوم القدامي لتتابع به طريق الفن الشائك والصعب. مواسم رمضان الفائتة .. اطلقت حقا اسماء عدد من المواهب استطاعت بعد ذلك أن تشق طريقها بقوة سواء علي الشاشة الصغيرة التي قدمتها أو باقتحام الشاشة العريضة التي تتمناها. ومن أكثر الأمثلة وضوحا في هذا المجال الفنان الشاب شريف سلامة الذي منحه مسلسل جاسوسي مثير.. الحق في أن يلعب بعد ذلك بطولات عدة كانت في انتظاره. مواهب شابة هذا العام لفت النظر تعدد المواهب الشابة التي ظهرت في كثير من المسلسلات والتي أصبحت جاهزة تماما لتسد النقص الكبير الذي تعانيه سينمانا المصرية من احتكار كبار النجوم لها، واستمراريتهم الأبدية في الإطلال علينا. وبالطبع لا استطيع الادعاء بأني شاهدت كل المسلسلات التي عرضت علينا في هذا الرمضان الأخير لكي أضع حسب ذوقي جدولا بهذه المواهب الصغيرة المشعة التي تسير وئيدا وبخطي واثقة نحو الشمس .. ولكني سأكتفي برصد بعض هذه المواهب في عدد من المسلسلات التي تسنت لي مشاهدتها وأحاول أن أصف التأثير الإيجابي الكبير الذي خلفه أداؤها الصادق في نفسي. أبدأ بمسلسل «رجل من هذا الزمان» المسلسل الذي كتبه بمهارة «محمد السيد عيد» وأخرجته بإتقان ودقة وإخلاص عرف عنها دائما «إنعام محمد علي».. والذي اثبتت فيه قدرتها علي تحريك مجموعتها الفنية والحصول منها علي أجود ما تملكه من طاقات حتي لو كان الأمر متعلقا بنجوم كبار اثبتوا منذ زمن كفاءتهم ولكنهم يظهرون في مسلسل «إنعام محمد علي» .. وكأن عصا سحرية قد مستهم فأخرجت من أعماقهم كنوزا كانت مكتومة أو خبيئة.. كما هو الحال مثلا مع أحمد خليل الذي لعب دور الضابط الإنجليزي المتعصب الذي يحطم بقصور نظرته أحلام ومستقبل ابنته الوحيدة ويجبرها علي قطع علاقتها بالطبيب المصري.. «ابن المستعمرات الإنجليزية»!! صاروخ فني دور شديد الدقة والحساسية أداه الفنان الكبير أحمد خليل بروعة تحبس الأنفاس.. وكأننا أمام صاروخ فني ينطلق فجأة أمام أعيننا ليذكرنا بما يمكن أن نكون قد نسيناه!! إلي جانب منال سلامة التي استطاعت أن تحيل دورها ذا البعد الواحد إلي مساحة شعورية وعاطفية تثير الحماس والحب.. هذه الروح الجديدة هي التي لمسناها أيضا في أداء «إبراهيم يسري» العبقري لدور عميد الأدب العربي «طه حسين»، ول«أحمد شاكر» الذي خرج من عباءة فريد الأطرش بمرونة وسهولة ليرتدي ثوب الأستاذ الجامعي الجدير بالحب والاحترام. إلي جانب وجه جديد متألق فرض نفسه بقوة هو «ياسر فرج» في دور «مصطفي مشرفة» شقيق العالم الذي عرف بثورته وتمرده ووطنيته. الشوارع الخلفية في« الشوارع الخلفية» يتألق بشدة وبقوة تثير الإعجاب كل من «أحمد مالك» في دور سعد الطالب العبقري الذي استطاع بوجهه البريء وأدائه العفوي المدهش أن يأسر قلوب جميع المشاهدين إلي جانب «أحمد داوود» الذي قدم بتكنيك مثير للإعجاب شخصية طالب الطب المثير للجدل والذي بشر بولادة موهبة تمثيلية كبيرة نحن بأمس الحاجة إليها. إلي جانب هذين الشابين المتألقين تنطلق مواهب نسائية ملفتة للنظر بكل المقاييس «حورية فرغلي» التي تنطلق كشهاب ناري في أكثر من دور في أكثر من مسلسل والتي تتحرك بثقة نحو عرش من النجومية ينتظرها حيث لعبت في «الشوارع الخلفية» دور الزوجة الشابة التي تحلم بالانطلاق من عالمها الضيق، ويقتلها طموحها وجهلها ويسجنها وراء قطبان وهمية صنعتها بنفسها.. دور معقد أدته الفنانة الشابة بامتياز ولعبت فيه حركتها ونظرتها وانفعالاتها الصادقة الشيء الكثير، إلي جانب «مريم حسن» التي لعبت دور عاشقة ابيها حتي لو كان هذا العشق سبب في تدمير حياته.. بمهارة وواقعية تحسدها عليهما كبار الممثلات. ويبقي البطلان ليلي علوي وجمال سليمان.. قطبين حقيقيين في هذه المجرة السينمائية التي زخرت بالنجوم الشابة والتي يزيد من تألقها وجود هذين «القطبين» اللذين مازالا يتربعان علي قمة المجد بأحقية واستحقاق. في مسلسل «الشحرورة» و«حضرة الغياب» لم يكن هناك ما يلفت النظر حقا سوي أداء «رفيق أحمد علي» في دور جورج فغالي والد صباح الذي رسم ببعد واحد ميلودرامي واستطاع الممثل أن يضيف إليه بعبقرية أدائه الكثير من الحساسية والإقناع.. مما جعلنا ننسي إلي حين سوء رسم الشخصية والمبالغة الدرامية التي صبغتها والتي استطاع أداء الممثل اللبناني الشهير أن يخرجها من ورطتها والقضبان الحديدية التي أحاطت بأدائه لها. أما «أسعد فضة» في المسلسل الذي يحكي قصة حياة شاعر فلسطين الأكبر «محمود درويش» فقد كان العنصر التمثيلي الوحيد الذي يجبرنا علي احتمال مشاهدة مسلسل غاب فيه صاحبه الأصلي واستحق بجدارة عنوانه الرمزي «في حضرة الغياب». «دوران شبرا» كان مسرحا حقيقيا لتفجر المواهب الشابة شأنه شأن «المواطن x» حيث افسح كل من المسلسلين المجال واسعا لهذه المواهب كي تثبت جدارتها وتألقها واستعدادها الحقيقي لكي تحتل المقاعد الشاغرة في هيكلة النجوم في مصر. غياب نسبي في «دوران شبرا» يعود «محمد رمضان» للتألق بعد غياب نسبي أثار بعض التساؤلات كي تؤكد «حورية فرغلي» سيطرتها لكي تكون الاكتشاف الأكبر في مسلسلات رمضان لهذا العام إلي جانب النجم الشاب «هاني عادل» وسيطرة مدهشة من «أحمد كمال» في دور فرعي جعلته موهبته دورا رئيسيا خالصا. ولا ينجح هيثم أحمد زكي في إثبات نفسه ولكنه يؤكد بشكل غير مباشر استعداده لخوض تجربة قادمة ربما ستكون أفضل بالنسبة له لو عرف كيف يتغلب علي مشاكل النطق عنده وعلي محاولة تقليد أسلوب والده الراحل. أجواء اجتماعية أما «المواطن x» فهو الجواد الأسود في مسابقة مسلسلات رمضان لهذا العام لكل ما يحتويه من عناصر كتاب وأداء وإخراج وجو عام.. إنه يعيد لأذهاننا وبقوة نجاح «أهل كايرو» في الموسم السابق حيث يعتمد علي حبكة بوليسية كتبها باقتدار وقوة «محمد ناير» ليرسم أجواء اجتماعية وسياسية وأخلاقية لمصر ما قبل الثورة بدقة وإحكام شديدين، ومن خلال أداء مثير الدهشة والإعجاب لمجموعة من الوجوه الشابة علي رأسها «أروي جودة» في دور سيحسب لها طويلا و«رشا المهدي» التي حققت أخيرا وبعد كفاح طويل حقها في النجومية التي تتطلع إليها.. و«عمرو يوسف» الذي يزداد تألقا بعد كل ظهور له. و«أمير كرارة» الذي يبدو وكأنه ولد من جديد في هذا المسلسل وخصوصا «يوسف الشريف» الذي ظهر بقوة غير معتادة واستطاع أن يضفي علي شخصيته المرسومة أبعادا إنسانية حقيقية تؤكد موهبته التي مازالت موضع جدل عند الكثيرين. أما الفائز الأول في هذا المسلسل البديع فهو دون شك «إياد نصار» الذي يثبت بعد كل ظهور له أنه واحد من أكثر ممثلي جيله قدرة وثقافة واخلاصا لفنه وأن نجاحه في «البنا» ومن قبله في دور «المأمون» لم يكن وليد الصدفة قدر ما هو وليد الاجتهاد والجهد والموهبة وأنه من هذه الفئة من الممثلين القادرين علي بعث الحياة والحيوية في أي دور يلعبونه مهما كان حجمه ومهما كانت هويته، إنه الممثل الأمثل في زمن يحتاج كثيرا إلي أمثاله. ولا يمكن أن اختم جولتي السريعة هذه مع مواهبنا التي اشعت هذا العام علينا دون الإشارة إلي الحساسية المفرطة التي قدمتها شيرين في دور كلير الفرنسية في مسلسل «عابد كرمان» وأحمد حلاوة الذي عكس بعبقرية خاصة الروح التي تميز اليهودي في دور «ماكوب» في المسلسل نفسه. ولا يسعني إلا أن أختم هذه الجولة السريعة بين زهورنا الشابة التي ملأت سماءنا بعطرها الناغم هذا العام إلا برواية هذه «النكتة» التي أصبحت مدار أحاديث المتفرجين كلهم في الأمسيات الرمضانية وهي الدعاية الخاصة بأحد البنوك في مصر والتي يدعو إليها خالد صالح وهو مازال يلبس شخصية الريان بلحيته ونظرته ويشجعنا علي التعامل مع هذا البنك. لا أدري هل هي نكتة حقا أم جهل متعمد؟!