شيخ المحررين السينمائيين، وهو شاهد عيان علي الحركة الفنية في مصر والعالم الخارجي خلال أكثر من ستين عاما، والأمين علي أسرار هذه الحركة من مسرح وسينما وغناء وموسيقي. إنه الأستاذ عبدالنور خليل، الناقد السينمائي والفني بدار الهلال، الذي ولد بقرية إخطاب، مركز أجا بالدقهلية عام 1931م، وهو نفس العام الذي ولد فيه عمر الشريف، وفاتن حمامة، ومحرم فؤاد، كما يتباهي دائما، انتقل إلي القاهرة في المرحلة الثانوية ليكون بجوار أخيه العالم الكبير الدكتور عبدالصبور خليل، وكانت القراءة تسليته ،كان يقرأ المجلات والصحف التي كانت تصدر في ذلك الوقت كالرسالة والبلاغ والثقافة والكتاب وغيرها، فبعث يوما بقصة إلي جريدة " البلاغ "، فنشرها له الدكتور زكي مبارك، وكان ينشر سلسلة مقالاته الشهيرة الحديث ذو شجون، فكتب زكي مبارك يقول : " أتنازل اليوم عن مكاني لأفسحه لأديب مصري جاد وأصيل، يبشر إنتاجه بمولد أديب سيكون له شأن"، وفي الغد بعث له بخطاب شكر ودعاه للحضور ليشكره بمقر الجريدة، كانت كلمات زكي دافعاً قويا ً له للبذل والعطاء، وتوطدت الصلة والصداقة بينهما حتي رحيل زكي مبارك في عام 1952م . تخرج في كلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة الانجليزية عام 1953م، ليعمل بالصحافة معشوقته التي كان يراسلها ويكتب إليها وهو مازال في المرحلة الثانوية، والجامعية فعمل في مجلات عدة مثل : " الدستور"، و" البلاغ "، و" صوت الأمة "، و"الرسالة"، وغيرها إلي أن التحق بدار الهلال عام 1956 فعمل ب"الكواكب " :المجلة الفنية الأولي سكرتيراً للتحرير، ثم مديراً للتحرير، فرئيساً للتحرير، ثم انتقل للمصور مديراً للتحرير فترة، ومازال يرأس القسم الفني والأدبي بها حتي الآن . مكتبة الفيلم أسس مكتبة الفيلم : وهي سلسلة كتب شيقة، يتحدث عن حبكة كل فيلم تعرض له، معرضا أهميته وخصوصاً أنه كان ينتقي الأفلام المأخوذة عن الأدب ومن خلالها قدم الكاتب الأمريكي" تنسي ويليامز" لأول مرة للقارئ العربي، واستمرت هذه السلسلة تنتقل من نجاح لآخر حتي توقفت لأسباب وفكرة " مكتبة الفيلم"، هي مجموعة كتب شعبية، تتيح ثقافة سينمائية ،عن أفلام لها طابع ثقافي، فيها إقناع سينمائي علي درجة عالية من الجودة والرقي وكان يحرص أن تكون هذه الأفلام التي تقدمها "مكتبة الفيلم" من النوع الذي تؤخذ قصته عن كاتب شهير (مسرحية - رواية ) لكاتب مثل "تنسي ويليامز"، وبالمناسبة أنه أول من قدمته للقارئ العربي .. قدم له: " طائر الشباب الحلو "و" صيف ودخان"، وقدم للكاتب ايبانير" فرسان القدر " و"سكوت فيتزجرالد" قدم له : " دعني لليل " و" اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، و"رسالة من امرأة مجهولة " لسيفان زفايج، و"طريق الدموع " لحلمي حليم، و" لاوقت للحب " ليوسف إدريس. طريق الدموع قد كتب الكاتب الكبير علي أمين في عموده الشهير " فكرة " كمقدمة أول كتب مكتبة الفيلم "طريق الدموع " ليقول إنه أحب الفكرة لأنها تتيح لكل متعطش لفن السينما أن يجد في مكتبة بيته كتاباً للفيلم الذي أحبه . هل حقق المشروع الهدف منه ؟ ولماذا توقف ولم يستمر حتي الآن؟: كان عبدالنور خليل متحمساً في تلك الفترة من الستينات لهذا المشروع، وأعطاه الكثير من وقته، وأنجز منه العديد من كتبه كما أسلفنا، كانت البداية مذهلة، وحقق المشروع مبيعات كبيرة وصلت 18ألف نسخة من كتاب، وزعت في مصر والعالم العربي وهي أعلي نسبة حيث كتب العقاد وطه حسين تطبع 5 ألاف نسخة، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن إذ صدرت قوانين خاصة قصرت توزيع الكتب علي الدار القومية للتوزيع والنشر وما كان من سبيل للاستمرار، واعتذرت الأخبار عن القيام بالتوزيع لمستوي الوطن العربي .. وتوقفت عن الاستمرار في هذا المشروع وتحمل الكثير كي يسدد ديون المشروع من طباعة ودعاية وكتب معدة للنشر، حيث كان مرتبه ثمانية عشر جنيهاً، ظللت سنوات طويلة يسددها ولكن عزاءه، أنه ترك نقطة من نور علي بحر الثقافة السينمائية التي تحتاجه جماهير السينما في بلادنا، مرات عديدة شرع في أن أعيد إصدار مكتبة الفيلم ولكنني كنت أصطدم بزيادة تكاليف إصدار كتاب واحد حتي لا يمكن أن يتحملها فرد بمفرده في زمن أصبح مجرد التفكير في إصدار كتاب مغامرة خطرة ما لم يكن وراء هذا الإصدار مؤسسة من مؤسسات النشر في بلادنا وإن كنت قد أصدرت منذ سنوات كتاباً عن فيلم " كوكب الشرق..أم كلثوم" من إخراج محمد فاضل . كتب قيمة كان الحماس في هذا الوقت يسربله، فألف العديد من الكتب القيمة مثل: "رجال في حياة فاتن حمامة " و" نساء في حياة عبد الوهاب " و" نساء في حياة عبد الحليم"، بعدها توقف فترة إلي أن عاد في نهاية الثمانينيات ليكتب السير الذاتية عن كبار رجالات الفن في: "الأنباء" و" السياسة " في الكويت، و"الشرق" في قطر، و"الاتحاد" في الإمارات، و"الدستور" في الأردن نتج عنها الكتب الآتية :- " فاطمة رشدي - سارة برنار الشرق "، و"فطين عبد الوهاب ملك الضحك علي الشاشة"، و"ليلي مراد- قيثارة الغناء العربي" و"بليغ حمدي في المنفي " و"أنور وجدي الفتي الذهبي للسينما" و" رجال في حياة أم كلثوم " وغيرها عمل في مجلات الهلال من منتصف 1956ومنها " الكواكب "، وخلال عمله بها كتب الكثير عن السينما العالمية وأعد وأدار العديد من الندوات عن مشاكل السينما الغربية والعربية وأجري لقاءات مع كبار النجوم، ومثل " الكواكب " لأول مرة في مهرجان " سان سباستان " السينمائي الدولي في إسبانيا عام1959م، ثم انتظمت في حضور المهرجانات العربية والعالمية في كان ونيودلهي وبرلين وفينيسيا وموسكو وطشقند ودمشق وقرطاج وحظيت أنشطتها بالنقد السينمائي والتحليل وعمل لقاءات مع كبار السينمائيين . معارك فنية خلال رحلته الفنية عاصر العديد من المعارك الفنية وكان أشهرها ما أثير حول فيلم " المهاجر "، ففي عام 1994 أنتج وكتب وأخرج يوسف شاهين فيلم " المهاجر" وهي قصة مستوحاة من حياة سيدنا يوسف عليه السلام، وأحدث ضجة عند عرضه بدعوي أنها تمس سير الأنبياء، ووصل الأمر للقضاء الذي قبل الدعوي، ومنع عرض الفيلم، ورفضه وهاجمه الأزهر، ودعا عبدالنور خليل يوسف شاهين وكوكبة من النجوم والأدباء والنقاد لندوة في دار الهلال انتهي إلي تأييد يوسف شاهين، وعلاقته بيوسف شاهين ممتدة الجذور، فقد مثل معه في فيلم " العصفور"، وكذلك دعمه في مواقف عدة غير "المهاجر"، فقد أيده أيضاً في فيلم "المصير" وكتب مقالا شهيرا رد بها علي الدكتور الطاهر أحمد مكي . كذلك ساند الموسيقار الراحل بليغ حمدي، في محنته التي حدثت له في منتصف الثمانينيات، لم يتخل عنه أو يتحاشاه كما فعل غيره، فظل يوده، ويتصل به، أو يزوره عندما يذهب إلي باريس للمشاركة في مهرجان " كان " كل عام، وقد كتب سلسلة مقالات شهيرة حول هذه الذكريات بعنوان " بليغ حمدي في المنفي "، سوف تصدر في كتاب قريباً، وتعود معرفته ببليغ حمدي إلي مرحلة الصبا والشباب، فقد كان عبدالنور خليل، يقيم معرضاً صغيراً للكتب علي سور مدرسة التوفيقية بشبرا شبيهاً بسور الأزبكية، وكان بليغ يأتي إليه ويجلس معه بالساعات، يتفحص الكتب، ويقلب في المجلات الأدبية والفنية، وكان أن أقتني كتاب "الموسيقي الشرقي" لكامل الخلعي، وأتي عليه، وحفظ ما به من أشعار وموشحات، وكذلك قرأ كتاب "سفينة شهاب" الشهير، وأيضاً مسرحيات سلامة حجازي وسيد درويش، وكان حلمه هو عودة المسرح الغنائي وكان بليغ قبيل وفاته يعمل في أوبريت ضخم عن " إخناتون"، ولم يكمله، وكذلك لحن" مجنون ليلي " لأحمد شوقي، تعلم بليغ فن الموشحات علي يد درويش الحريري الذي يحضر الصالون الذي يقيمه والده، ويؤمه رجالات الفكر والأدب والفن وكان الصغير ينصت لهم في إعجاب واهتمام ،فاختزن كله في وجدانه مكوناً ثروة فنية كانت تزاحم عقله إلي أن رحل في عام 1993م . كما أن عبدالنور خليل عضواً بالعديد من الهيئات : - عضو بنقابة الصحفيين أحمل عضوية( 842). - عضو بنقابة السينمائيين "عضوا شرفيا مدي الحياة . - عضو مؤسس لجمعية الفيلم وهي أقدم الجمعيات السينمائية في مصر . - عضو مؤسس لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وكذلك مهرجان الإسكندرية، عضو لجنتي المشاهدة بالمهرجانين . تحية إعزاز وإكبار له بمناسبة بلوغه الثمانين هذا العام، فهو مازال يعطي، ويعمل بروح الشباب الوثاب ونحن نعيش ثورة الشباب .