تم تكريم اسم العالم الكبير الدكتور سامي جبرة، وذلك في الحفل الذي أقيم في دار الأوبرا يوم الجمعة 14 يناير 2011 بمناسبة عيد الأثريين الخامس، ولقد تم اختيار يوم 14 يناير تحديدا عيدا للأثريين لأنه اليوم الذي تم تعيين أول مصري هو الدكتور مصطفي عامر كأول رئيس مصري لمصلحة الأثار، وكان ذلك عام 1953 بعد أن كانت الرئاسة من قبل للعلماء الأجانب أما عن سامي جبرة ( 1892-1979) نفسه، فلقد ولد في مدينة أبنوب بمحافظة أسيوط في يوم 24 أبريل 1892 . تعلم في مدارس الأمريكان بأسيوط، ثم غادر مصر إلي فرنسا لدراسة القانون وهناك حصل علي درجة الدكتوراه من جامعة السوربون وكانت حول موضوع "تاريخ الملكية في مصر من العصور القديمة حتي العصر العربي "، وكان ذلك عام 1918 . ومن شدة عشقه للآثار التي كان مولعا بها منذ الطفولة حيث كان يسافر مع ابناء عمومته لزيارة الآثار الموجودة بمنطقة أبنوب مسقط رأسه، التحق بقسم الآثار الذي افتتحه أحمد باشا كمال بمدرسة المعلمين ثم سافر مرة أخري إلي إنجلترا وهناك اتخذ قرارا غير مسار حياته كلها وهو تحوله إلي دراسة الآثار بدلا من القانون، فحصل علي دبلوم الآثار من جامعة ليفربول وكانت حول موضوع " العدالة عند قدماء المصريين " وأكمل دراسته العليا للحصول علي درجة الدكتوراه من جامعة السوربون وكانت حول موضوع " مجلس الأعيان عند قدماء المصريين " .ثم عاد إلي مصر وعمل أمينا للمتحف المصري لمدة خمس سنوات وكان ذلك عام 1928، ثم أستاذا للآثار بجامعة فؤاد الأول، ثم عميدا لمعهد الآثار المصرية. كما اختير عضوا بالمجمع العلمي المصري وانتخب وكيلا للمجمع عام 1955 .و شارك في تأسيس جمعية الآثار القبطية عام 1934 وظل عضوا بمجلس إدارتها لمدة 45 عاما. كما شارك في تأسيس معهد الدراسات القبطية مع العالم الراحل الدكتور عزيز سوريال عطية والدكتور مراد كامل، وكان ذلك عام 1954، وصار عميدا له فترة من الوقت . وانتدب للتدريس في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدةالأمريكية وذلك عام 1953 . وفي عام 1955 انتخب نائبا لرئيس المجمع العلمي المصري وشغل عضوية مجلس إدارته لمدة ثماني سنوات. ولقد كرمته الدولة بحصوله علي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية "فرع الآثار" عام 1974 . واستمر يدرس في معهد الدراسات القبطية حتي توفي في 9 مايو 1979 عن عمر يناهز 78 عاما . أما عن أهم أعماله واكتشافاته الأثرية، في عام 1929 كلفه مسيو بييرلاكو مدير مصلحة الآثار وقتئذ بالقيام بعمل حفائر بمنطقة دير تاسا (20كم جنوبأسيوط) فاكتشف مركزا جديدا لحضارات ما قبل الأسرات . وفي عام 1931 وافق عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين "وكان وقتها يشغل منصب عميد كلية الآداب" علي تخصيص مبلغ 500 جنيه للكشف عن جانب من آثار منطقة الأشمونين بمحافظة المنيا، فتوجه إلي منطقة تونا الجبل وظل يعمل في الحفائر بها لمدة أكثر من عشرين عاما حتي تمكن من العثور علي مدينة كاملة وسراديب تحت الأرض . كما كشف عن وثائق مهمة ونصوص باللغة الهيروغليفية والديموطيقية خاصة بالإله تحوت، أثبت فيها توصله إلي مبدأ التوحيدMonotheism قبل أخناتون، ولقد لاقي هذا العمل مؤازرة كبيرة من الدكتور طه حسين حتي أنه كان يزوره كثيرا في منطقة تونا الجبل، واتخذ له في هذه المنطقة استراحة خاصة به، ومازالت هذه الاستراحة قائمة حتي الآن . ثم قام بنشر نتيجة أبحاثة في كتاب صدر باللغة الفرنسية، وقامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بترجمته إلي اللغة العربية ونشره تحت عنوان "في رحاب المعبود توت " وكان ذلك عام 1971 . كما قام بعمل حفائر في منطقة المطرية وعين شمس .وعمل حفائر أخري في منطقة دهشور بمحافظة الجيزة بتكليف من دار النشر Falcon Wing Press وكان ذلك عام 1957 . وكانت حفائر دهشور هي آخر ما قام به من حفائر واكتشافات. وعندما توفي قام نيافة الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس "اسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي الراحل " بنعيه في مقال نشر بجريدة وطني في 13 مايو 1979، وهذا هو نصه «فقدت مصر والقبط والدراسات المصرية والقبطية برحيلك إلي عالم البقاء علما بارزا وأسطونا من أساطين المعرفة في القرن العشرين، إليك التحية يا شيخ الآثريين وعميد الدراسات المصرية بغير منازع وأستاذ الأساتذة وأب لعديد من أجيال الدارسين والباحثين . لقد كنت كنزا من جوهر، اختزنها قلبك وعقلك وروحك وكنت أيضا عمارة شاهقة ارتفعت مدماكا فوق مدماك صنعتها بصبرك وجدك وكفاحك المتواصل .إن خسارتنا فيك لا تعوض. فأنت بشخصيتك المتزنة الهادئة وقلبك الكبير مجموعة رجال في رجل .كنت عالما عملاقا ولكنك كنت قلبا طيبا وروحا نادرة، احببت تلاميذك محبة أب حنون وشجعت ضعافهم ونفخت فيهم من روحك. ولم تؤخر شيئا من الفوائد عنهم .صنعت لنفسك اسما بأبحاثك الرصينة وحفرياتك المتواصلة في تونة الجبل لمدة تزيد علي ثلاثين سنة. حتي صار اسمك لصيقا بها وكأنك أحد معالمها الخالدة. وبها وبمؤلفاتك القيمة ومقالاتك في أمهات المجلات العلمية والمؤتمرات العلمية فضلا عن المحلية. وصار أسمك معروفا ومشهورا في المحافل العلمية المصرية والعالمية. كرمتك الدولة بمنحك جائزتها التقديرية ولكنك نلت تقدير العقول الكبيرة في مصر وخارج مصر. وعندما ولدت أسماك والداك سامي ولم تكن تدري لماذا. ولكن يبدو أن هذا الاسم أخذ يتحرك في باطنك فأوحي إليك بالسمو والتسامي. حتي صارت حصيلة حياتك هي تجسيد لمعني اسمك. فأنت سامي .اسم علي مسمي. رحمك الله ألف رحمة وعزاؤنا لأسرتك الكريمة. وأسرة الدراسات المصرية والقبطية في جامعة القاهرة ومعهد الدراسات المصرية).