أعمال قليلة تلك التي يتم تصويرها حاليا في مجال الدراما التليفزيونية.. والأسباب واضحة.. أولها أن معظم أموال الإنتاج كانت تحت الطاولة باسم فلان وعلان ولأن غالبية هؤلاء إما ذهبوا إلي جهاز الكسب غير المشروع أو في طريقهم إليه، فقد رفعوا أيديهم وابتعدوا وهذا ما يثير الشبهات حول عمليات غسيل الأموال في هذا المجال، وهو ما ساهم في رفع أجور النجوم إلي الأرقام الخرافية التي بلغتها. أما علي صعيد الجهات الحكومية فإن صوت القاهرة شبه متوقف بعد أن تم استبعاد رئيسها إبراهيم العقباوي وتكليف سعد عباس بإدارة شئونها في وقت حرج لا يعرف فيه الرجل جيدا ما الإمكانات المتاحة أمامه، وهل سيعمل مستقلا عن القطاع الاقتصادي وشركة الإعلانات، وإذا كان الأمر كذلك فهل هو علي أرض الواقع يمتلك الميزانية التي تسمح له بحرية الحركة، وهل ستعود إليه عائدات تسويق أعماله السابقة والشركة بالفعل تمتلك رصيداً لا بأس به، ولكن علي الشاشات العديدة لا نري إلا أقل القليل.. ولا ندري لذلك سببا، وهل الظروف الحالية التي تعيشها معظم الدول العربية تسمح لها أن تأخذ من إنتاج صوت القاهرة ما يحقق لها السيولة التي تستطيع بها أن تدير عجلة إنتاجها، وكلنا يعرف أن الشركة تم فصل قطاع الصوتيات والمرئيات فيها.. عن شركة الإعلانات قبل الثورة، ولكن بعدها تم التراجع عن هذه الخطوة، وبعد غياب وزير الإعلام والأوضاع المهنية في ماسبيرو بسبب الهموم الإدارية والمالية والوظائفية التي حاصرت رئيس الاتحاد الدكتور سامي الشريف ظلت صوت القاهرة في مكانها لا تعرف إلي أين وكيف تتجه، وأصبحت أشبه بالمطلقة المعلقة، لا هي مستقرة في بيت الزوجية ولا هي انفصلت وبحثت لنفسها عن حياة جديدة. مدينة الملاهي أما علي صعيد مدينة الإنتاج الإعلامي فإن استقلاليتها بعيدا عن سطوة وزارة الإعلام المباشرة لم تشفع لها أن تستمر في إنتاجها الدرامي بعد أن عانت التخبط في إدارتها برئاسة سيد حلمي، الأمر الذي دفع الخبير الدرامي يوسف عثمان إلي الانسحاب منذ أسابيع تاركا المركب بما حمل لحلمي، الذي كان يستخدم يوسف وخبراته، ثم يتجاهله في اتخاذ القرارات الإيجابية، فإذا بإنتاج المدينة يتدهور عاما بعد آخر، رغم أنها تمتلك ذخيرة من النصوص المتميزة دفعت فيها أرقاما كثيرة ولم تنفذها لأسباب غير مقنعة أو منطقية نهائيا.. ومع ذلك استمر حلمي في رئاسة المدينة معتمدا علي تأجير الاستوديوهات والإيرادات التي يحصلها من تأجير مدينة الملاهي.. وحصيلة الأكاديمية والفندق الموجودين بالمدينة.. وقد كانت المدينة قلعة شامخة للإنتاج أيام عبدالرحمن حافظ.. ولعل أبرز علامات الفشل هذا المسلسل الهزلي الذي أسندت المدينة بطولته إلي النجم عمر الشريف الذي اعتمد فيه علي فكرة لكاتبه هي في الأصل سكرتيرته ولأنها عديمة الخبرة بالدراما التليفزيونية، رفض غالبية المخرجين تنفيذ النص.. فإذا بالمدينة تكافئها علي ذلك بإسناء مهمة الإخراج إليها.. وكان المسلسل الذي يضرب به المثل لإعادة ممثل عالمي إلي دائرة المحلية مرة أخري ولا أظن أن حالة التخبط هذه يمكن أن تتغير إلا إذا تم تغيير سيد حلمي. شبه ميت أما علي صعيد قطاع الإنتاج فهو تابع بشكل مباشر لاتحاد الإذاعة والتليفزيون وعندما تم إبعاد راوية البياض تولي إدارة القطاع مسئول الشئون المالية وهو التغيير الذي يعني بكل بساطة إدارة شئون موظفي القطاع وما لهم من رواتب شهرية.. أما الإنتاج الدرامي فهو أيضا شبه ميت. نظرة مختلفة في ظل هذه الظروف الخانقة التي تحيط بجهات الإنتاج الخاصة والحكومية.. ليس أمامهم للخروج منها إلا اللجوء إلي أشكال درامية مختلفة.. أهمها البطولة الجماعية من خلال نصوص فيها روح الابتكار بعيدا عن أمور الاستسهال بإعادة الأفلام القديمة خاصة تلك التي تدور في أجواء المخدرات واللصوص والانحرافات.. وبعد ذلك علينا البحث عن مسلسل ال 15 حلقة، وأيضا السباعية والخماسية والسهرة التليفزيونية التي يمكن تقديمها في حدود الساعتين والتعامل معها كفيلم، خاصة أن الأفلام حاليا يتم تصويرها بكاميرات الديجيتال ال HD مرتفعة المواصفات. قد اعترفت بها مهرجانات السينما في انحاء العالم كما أنها تمنح الفرصة لعمل الخدع والمونتاج علي أرقي مستوي وبأقل تكلفة ممكنة.. وهو ما يعطي الفرصة لضخ دماء طازجة في شرايين دراما كانت رائدة وانحدرت تجاريا إلي أدني مستوياتها باستثناء بعض أعمال السنة الأخيرة وأبرزها أهل كايرو، شيخ العرب، قصة حب، عايزة اتجوز، سقوط الخلافة وماما في القسم. والحقيقة أن مجموعة المخرجين الشبان نجحوا في تجديد دماء الأسلوب الإخراجي النمطي في الدراما التليفزيونية بالكاميرات الثلاث.. عندما عملوا بكاميرا واحدة علي طريقة السينما، ومن هؤلاء محمد علي، مريم أبوعوف ورامي إمام. القوالب التي أتحدث عنها يمكنها أن تقدم لنا الرؤي والأفكار الجديدة في بلد تغير من الوريد إلي الوريد ولا يمكن بحال أن تظل الدراما وهي ديوان العرب جامدة خاملة بعيدا عما يجري.. وهذه القوالب التي حققت الريادة لمصر هي التي يمكن من خلالها في الوقت الحالي تقديم التجارب المميزة بإنتاج منخفض التكاليف وبعناصر مبدعة في جميع المجالات. وأشهد أن تجربتي في تأسيس مركز السيناريو والقنوات بجريدة الجمهورية جعلتني أثق تماما أن من يدعي غياب المؤلف الجيد هو واهم أو غائب عن التيار الحقيقي للمواهب وتحت أيدينا نصوصهم وأعمالهم ويمكن في ذلك سؤال كبار الكتاب والنقاد والنجوم الذين قدموا محاضراتهم إلي هؤلاء ومنهم محمود ياسين، محفوظ عبدالرحمن، محمد جلال عبدالقوي،رفيق الصبان، عاطف بشاي، ماجدة موريس، عمر عبدالعزيز، محمد السيد عيد، نادر خليفة، عادل الأعصر، محمد الغيطي ومحمد كامل القليوبي. وكما ينادي الناس بالتغيير من باب أولي أن يتم هذا التغيير في ميدان دراما المسلسلات، لأنها تستطيع أن تقدم المتعة والوعي وما ينهض بالروح والوجدان نحو العالمية الجديدة.