الانتقالية الحالية السؤال الذي يتردد اليوم بقوة في الشارع السياسي ، ولم يعد في مصر شارعاً ليس سياسياً ، هو : هل يمكن ، وهل يجوز ، للمصريين تجاهل الماضي القريب المفعم بالفساد والانتهاكات البشعة لحقوق وطي صفحة هذا الماضي ، ليمضي المجتمع - الآن وسريعاً - صوب المستقبل المأمول محققاً أهداف ثورة 25 يناير؟ وإذا لم يكن ممكناً تناسي عصر مبارك ، فكيف يمكن للمجتمع المصري تجاوزه بأنجع الطرق وأقصرها وأقلها كلفة مادية وإنسانية ؟ والحق ، فإن مصر ليست هي أول دولة تجابه مثل هذه الأسئلة ، فإن كل بلدان العالم التي شهدت متغيرات عميقة في بنيانها السياسي والاجتماعي ، والتي عاشت سنوات من عمرها في ظل أنظمة ديكتاتورية وبوليسية مستبدة وفاسدة ، قدمت خلالها مئات وربما آلاف الضحايا قربانا لاستمرار بقاء أنظمة حكم غاشمة وعاتية علي سدة حكم هذه البلدان ، جوبهت هي أيضا بمثل هذه التساؤلات ، وقدمت نخبها وشعوبها إجابات منوعة . وقد أثبتت تجارب الشعوب - علي تنوعها - أنه في الحالات المشابهة للحالة المصرية الراهنة لايصح بحال من الأحوال الالتفات عن الماضي وتجاهله ، أيا ما كان إغراء مثل هذا الالتفات والتجاهل وذرائعه ومبرراته التي تتبدي " حكيمة " و " معقولة " و " عملية " ، من قبيل المحافظة علي مقومات الدولة الأساسية ووحدتها ، وصون المجتمع عن الوقوع في حمأة التفسخ والتفكك ، وحماية أمن وسلامة المجتمع . مواجهة الماضي وتتمحور مبررات مواجهة الماضي وعدم تغافل ما انطوي عليه من مآس وانتهاكات في : ان الديمقراطية لا يمكن أن تقوم علي أساس الأكاذيب ، فينبغي تبيان ما وقع في الماضي من فساد وانتهاكات ، وإرساء أسس للمحاسبة عنه كي يتسني بناء ثقافة ديمقراطية حقيقية . ان هناك واجبا أخلاقيا في التذكر تجاه ضحايا الماضي ، فنسيان الضحايا والناجين من فظائع الماضي يعد شكلاً من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والإهانة . انه من المستحيل تجاهل الماضي ونسيانه ، فهو دائماً يطفو علي السطح ، لذا من الأفضل إظهاره بطريقة بناءة وأمينة ، بدلاً من أن يظل كامناً تحت السطح لينفجر بصخب وعنف بين وقت وآخر . ان التذكر والمحاسبة كفيلان بالحيلولة دون معاودة اقتراف شناعات الماضي ، فهما ينطويان علي نوع من الردع . وما العمل؟ إذ تفشي في مصر القهر والفساد علي نحو لا مزيد عليه ، فقد خرج المصريون يتظاهرون ويحتجون ويتلقون الرصاص يصدورهم طلباً للكرامة والعدالة الاجتماعية . وكان نجاحهم مذهلا وسريعا في إسقاط رأس النظام ، غير أن أعمدة النظام وجذوره لا تزال متشعبة وممتدة - رأسيا وعرضيا - في كل أرجاء الوطن ، مما يتطلب استكمال مهام الثورة بإسقاط كامل النظام ، والإجهاز التام علي أعمدته ، واجتثاث جذوره . ولاريب في أن استكمال مهام الثورة حتي تؤتي أكلها أمر معقد يستغرق وقتاً ليس بالقصير ، ويتطلب استخدام آليات وطرق متعددة علي أكثر من مستوي .. إنها الفترة الانتقالية الحاسمة دوماً في تاريخ الثورات ، والتي يتوقف نجاح الثورة علي اجتيازها بشكل دقيق وكامل وآمن . وعلي الرغم من أن ثمة فوارق وتمايزات فيما بين الدول التي مرت بحالة مماثلة للحالة المصرية الراهنة ، وعدم وجود نموذج موحد يتوجب اتباعه للانتقال إلي مجتمع ديمقراطي حر ، إلا أنه وعلي ضوء التجارب التي مرت بها كثير من الشعوب في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، فقد تولدت خبرات ، تعمقت وتحددت أكثر منذ أواخر ثمانينات وتسعينات القرن الماضي . آليات الانتقال للديمقراطية مثلما حدث في الأرجنتين عام 1983، وتشيلي عام1990، وتشيكوسلوفاكيا عام 1991، وجنوب أفريقيا عام 1995 .. فقد حدثت تحولات في هذه الدول والتي عانت من أنظمة حاكمة باطشة وتعرضت شعوبها لانتهاكات عميقة وممنهجة ، واعتمدت في انتقالها للديمقراطية علي الآليات الأساسية التالية: الدعاوي الجنائية: حيث يحقق مع المسئولين الكبار ورموز النظام المسئولين عن الفساد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتجري محاكمتهم جنائيا. لجان التقصي: وغرضها الرئيسي هو الوصول إلي حقيقة وقائع الظلم والاضطهاد والتعذيب في ظل النظام السياسي السابق ، وإصدار تقارير وتوصيات بشأنها للحيلولة دون تكرارها مستقبلا . التعويض وجبر الضرر : وهي مبادرات تدعمها الدولة للاسهام في جبر الأضرار المادية والمعنوية للمواطنين الذين تعرضوا لمظالم وانتهاكات في السابق ، وذلك بتعويضهم ماديا ورمزيا فضلا عن إمكانية تقديم إنذارات رسمية لهم . إصلاح الأجهزة الأمنية : حيث يجري تحويل كل المؤسسات المتعلقة بتطبيق القانون وإنفاذه من أدوات للقمع والفساد إلي مؤسسات نزيهة تقوم علي خدمة المواطنين علي السواء. تخليد الذكري : بإقامة متاحف ونصب تذكارية للضحايا لحفظ الذكريات ، ورفع الوعي الأخلاقي بشأن جرائم الماضي بما يحول دون تكرارها . منهج كلي إن الآليات والسبل السالف ذكرها - وغيرها مما يستبين مع الممارسة الحاجة إليه - يتعين إعمالها وتطبيقها معاً في آن واحد ، فهي إجراءات يكمل بعضها بعضاً ، وتزيد من فاعلية كل منها متي تجاور مع غير من إجراءات. لا سيما إذا ما كانت تركة الحقبة الماضية معقدة ومثقلة بالفساد والانتهاكات بما يستحيل معه معالجتها أو مواجهتها بإجراء واحد. فمع اتساع دائرة الفساد وتشابكها، وازدياد حجم الانتهاكات وتنوعها، لا يمكن تصور أن تكون المعالجة القضائية والمحاكمات الجنائية وحدها سبيلا ناجزاً ومنصفاً . فبدون السعي لكشف الحقائق وجبر الأضرار وتعويض الضحايا ، قد تصبح معاقبة بعض الجناة شكلا من أشكال الانتقام السياسي. كما وأن الكشف عن الحقيقة بمعزل عن عقاب مرتكبي الانتهاكات وإصلاح أجهزة الأمن، يمكن اعتباره مجرد أقوال بلا أفعال. وبالمثل فإن التعويضات غير المرتبطة بمحاكمات جنائية وكشف للحقيقة، يمكن النظر إليها بوصفها محاولة لشراء صمت الضحايا أو رضاءهم. ولعله من المفيد - في هذا المقام - الإشارة إلي أن " ديفيد تولبرت " رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية قال مؤخراً تعليقاً علي الأوضاع الراهنة في مصر : " يجب علي المسئولين المصريين انتهاز الفرصة السانحة للبدء في حوار وطني حول استجلاء الحقيقة وضمان تحقيق العدالة والإنصاف فيما يتعلق بانتهاكات الماضي؛ لقد رفع المتظاهرون أصواتهم منددين بالتعذيب، ومنادين بمحاسبة من اقترفوا انتهاكات حقوق الإنسان خلال الأسابيع الأخيرة؛ وما من سبيل أمام مصر لطي صفحة الماضي، وضمان نجاح المرحلة الانتقالية القائمة علي أساس من سيادة القانون، إلا بانتهاج استراتيجيات للعدالة والمساءلة ". مدير مركز مساواة لحقوق الإنسان السيد زرداستراتيجية للعدالة والمساءلة لطي صفحة الماضي ونجاح المرحلة الانتقالية الحالية السؤال الذي يتردد اليوم بقوة في الشارع السياسي ، ولم يعد في مصر شارعاً ليس سياسياً ، هو : هل يمكن ، وهل يجوز ، للمصريين تجاهل الماضي القريب المفعم بالفساد والانتهاكات البشعة لحقوق وطي صفحة هذا الماضي ، ليمضي المجتمع - الآن وسريعاً - صوب المستقبل المأمول محققاً أهداف ثورة 25 يناير؟ وإذا لم يكن ممكناً تناسي عصر مبارك ، فكيف يمكن للمجتمع المصري تجاوزه بأنجع الطرق وأقصرها وأقلها كلفة مادية وإنسانية ؟ والحق ، فإن مصر ليست هي أول دولة تجابه مثل هذه الأسئلة ، فإن كل بلدان العالم التي شهدت متغيرات عميقة في بنيانها السياسي والاجتماعي ، والتي عاشت سنوات من عمرها في ظل أنظمة ديكتاتورية وبوليسية مستبدة وفاسدة ، قدمت خلالها مئات وربما آلاف الضحايا قربانا لاستمرار بقاء أنظمة حكم غاشمة وعاتية علي سدة حكم هذه البلدان ، جوبهت هي أيضا بمثل هذه التساؤلات ، وقدمت نخبها وشعوبها إجابات منوعة . وقد أثبتت تجارب الشعوب - علي تنوعها - أنه في الحالات المشابهة للحالة المصرية الراهنة لايصح بحال من الأحوال الالتفات عن الماضي وتجاهله ، أيا ما كان إغراء مثل هذا الالتفات والتجاهل وذرائعه ومبرراته التي تتبدي " حكيمة " و " معقولة " و " عملية " ، من قبيل المحافظة علي مقومات الدولة الأساسية ووحدتها ، وصون المجتمع عن الوقوع في حمأة التفسخ والتفكك ، وحماية أمن وسلامة المجتمع . مواجهة الماضي وتتمحور مبررات مواجهة الماضي وعدم تغافل ما انطوي عليه من مآس وانتهاكات في : ان الديمقراطية لا يمكن أن تقوم علي أساس الأكاذيب ، فينبغي تبيان ما وقع في الماضي من فساد وانتهاكات ، وإرساء أسس للمحاسبة عنه كي يتسني بناء ثقافة ديمقراطية حقيقية . ان هناك واجبا أخلاقيا في التذكر تجاه ضحايا الماضي ، فنسيان الضحايا والناجين من فظائع الماضي يعد شكلاً من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والإهانة . انه من المستحيل تجاهل الماضي ونسيانه ، فهو دائماً يطفو علي السطح ، لذا من الأفضل إظهاره بطريقة بناءة وأمينة ، بدلاً من أن يظل كامناً تحت السطح لينفجر بصخب وعنف بين وقت وآخر . ان التذكر والمحاسبة كفيلان بالحيلولة دون معاودة اقتراف شناعات الماضي ، فهما ينطويان علي نوع من الردع . وما العمل؟ إذ تفشي في مصر القهر والفساد علي نحو لا مزيد عليه ، فقد خرج المصريون يتظاهرون ويحتجون ويتلقون الرصاص يصدورهم طلباً للكرامة والعدالة الاجتماعية . وكان نجاحهم مذهلا وسريعا في إسقاط رأس النظام ، غير أن أعمدة النظام وجذوره لا تزال متشعبة وممتدة - رأسيا وعرضيا - في كل أرجاء الوطن ، مما يتطلب استكمال مهام الثورة بإسقاط كامل النظام ، والإجهاز التام علي أعمدته ، واجتثاث جذوره . ولاريب في أن استكمال مهام الثورة حتي تؤتي أكلها أمر معقد يستغرق وقتاً ليس بالقصير ، ويتطلب استخدام آليات وطرق متعددة علي أكثر من مستوي .. إنها الفترة الانتقالية الحاسمة دوماً في تاريخ الثورات ، والتي يتوقف نجاح الثورة علي اجتيازها بشكل دقيق وكامل وآمن . وعلي الرغم من أن ثمة فوارق وتمايزات فيما بين الدول التي مرت بحالة مماثلة للحالة المصرية الراهنة ، وعدم وجود نموذج موحد يتوجب اتباعه للانتقال إلي مجتمع ديمقراطي حر ، إلا أنه وعلي ضوء التجارب التي مرت بها كثير من الشعوب في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، فقد تولدت خبرات ، تعمقت وتحددت أكثر منذ أواخر ثمانينات وتسعينات القرن الماضي . آليات الانتقال للديمقراطية مثلما حدث في الأرجنتين عام 1983، وتشيلي عام1990، وتشيكوسلوفاكيا عام 1991، وجنوب أفريقيا عام 1995 .. فقد حدثت تحولات في هذه الدول والتي عانت من أنظمة حاكمة باطشة وتعرضت شعوبها لانتهاكات عميقة وممنهجة ، واعتمدت في انتقالها للديمقراطية علي الآليات الأساسية التالية: الدعاوي الجنائية: حيث يحقق مع المسئولين الكبار ورموز النظام المسئولين عن الفساد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتجري محاكمتهم جنائيا. لجان التقصي: وغرضها الرئيسي هو الوصول إلي حقيقة وقائع الظلم والاضطهاد والتعذيب في ظل النظام السياسي السابق ، وإصدار تقارير وتوصيات بشأنها للحيلولة دون تكرارها مستقبلا . التعويض وجبر الضرر : وهي مبادرات تدعمها الدولة للاسهام في جبر الأضرار المادية والمعنوية للمواطنين الذين تعرضوا لمظالم وانتهاكات في السابق ، وذلك بتعويضهم ماديا ورمزيا فضلا عن إمكانية تقديم إنذارات رسمية لهم . إصلاح الأجهزة الأمنية : حيث يجري تحويل كل المؤسسات المتعلقة بتطبيق القانون وإنفاذه من أدوات للقمع والفساد إلي مؤسسات نزيهة تقوم علي خدمة المواطنين علي السواء. تخليد الذكري : بإقامة متاحف ونصب تذكارية للضحايا لحفظ الذكريات ، ورفع الوعي الأخلاقي بشأن جرائم الماضي بما يحول دون تكرارها . منهج كلي إن الآليات والسبل السالف ذكرها - وغيرها مما يستبين مع الممارسة الحاجة إليه - يتعين إعمالها وتطبيقها معاً في آن واحد ، فهي إجراءات يكمل بعضها بعضاً ، وتزيد من فاعلية كل منها متي تجاور مع غير من إجراءات. لا سيما إذا ما كانت تركة الحقبة الماضية معقدة ومثقلة بالفساد والانتهاكات بما يستحيل معه معالجتها أو مواجهتها بإجراء واحد. فمع اتساع دائرة الفساد وتشابكها، وازدياد حجم الانتهاكات وتنوعها، لا يمكن تصور أن تكون المعالجة القضائية والمحاكمات الجنائية وحدها سبيلا ناجزاً ومنصفاً . فبدون السعي لكشف الحقائق وجبر الأضرار وتعويض الضحايا ، قد تصبح معاقبة بعض الجناة شكلا من أشكال الانتقام السياسي. كما وأن الكشف عن الحقيقة بمعزل عن عقاب مرتكبي الانتهاكات وإصلاح أجهزة الأمن، يمكن اعتباره مجرد أقوال بلا أفعال. وبالمثل فإن التعويضات غير المرتبطة بمحاكمات جنائية وكشف للحقيقة، يمكن النظر إليها بوصفها محاولة لشراء صمت الضحايا أو رضاءهم. ولعله من المفيد - في هذا المقام - الإشارة إلي أن " ديفيد تولبرت " رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية قال مؤخراً تعليقاً علي الأوضاع الراهنة في مصر : " يجب علي المسئولين المصريين انتهاز الفرصة السانحة للبدء في حوار وطني حول استجلاء الحقيقة وضمان تحقيق العدالة والإنصاف فيما يتعلق بانتهاكات الماضي؛ لقد رفع المتظاهرون أصواتهم منددين بالتعذيب، ومنادين بمحاسبة من اقترفوا انتهاكات حقوق الإنسان خلال الأسابيع الأخيرة؛ وما من سبيل أمام مصر لطي صفحة الماضي، وضمان نجاح المرحلة الانتقالية القائمة علي أساس من سيادة القانون، إلا بانتهاج استراتيجيات للعدالة والمساءلة ".