لقد كانت لفتة كريمة من قصور الثقافة المصرية إقامة احتفاليتين خلال هذا العام بمناسبة مرور خمسين عاما علي رحيل الأديب كامل كيلاني: الاحتفالية الأولي كانت في أواخر يناير هذا العام، والتي أقيمت بقصر ثقافة قصر النيل علي مدي ثلاثة أيام- صباح مساء- والتي ضمت كوكبة مع الأساتذة المتحدثين مثل عبدالتواب يوسف ونعم الباز، ود. محمود خليل وآخرين. الاحتفالية الثانية، والتي أقيمت أيضاً بقصر ثقافة قصر النيل بالقاهرة في أواخر شهر أكتوبر الماضي- ولمدة ثلاثة أيام أيضاً، مثل الاحتفالية الأولي- أواخر يناير الماضي- وضمت كوكبة من المفكرين والأدباء والشعراء ولفيفاً من أهل الفكر والمعرفة، وقد عرضت بها عدة ندوات، بجانب كلمات المتحدثين، ولم يكن لي شرف المشاركة هذه المرة، نظراً لظروف المرض التي أحاطت بي مثل غيري من كبار السن «شفاني الله وإياهم». لذا كان من واجبي كتابة موضوع عن أستاذي المرحوم كامل الكيلاني الذي تعرفت به عن قرب في أخريات حياته، وقبل التحاقي بالأهرام محرراًَ، حيث كنت أول من قدم ثلاثة كتب عن حياته الممتدة والمثمرة لصنوف العلم والمعرفة، والكتاب الأول- كامل كيلاني الرائد العربي لأدب الأطفال عام 1964 عن الدار القومية، والكتاب الثاني كامل كيلاني وسيرته الذاتية عام 1999 نشر بالهيئة العامة للكتاب، والكتاب الثالث، كامل كيلاني وأدب الأطفال، عن المجلس الأعلي للثقافة عام 2004، هذا بجانب رسائل الماجستير والدكتوراه التي أعدت عن الأديب الراحل، التي أظهرت جوانبه الأدبية والقصصية والعلمية المتنوعة شاملة تربية النشئ والشباب من سن رياض الأطفال وحتي شباب الجامعة، لأنه كان وبحق جامعة متنقلة لشتي العلوم والمعرفة. وسأعرض جانبا من أحاديثه الصحفية، التي كانت عن منهاج الكيلاني الأدبي، فعن طريقة الكتابة لدي الكيلاني، يقول: - ليس لدي وقت خاص أكتب فيه، ولا مكان خاص، ولا طريقة خاصة. علي أن خير الأوقات التي تحلو لي فيها الكتابة، هي الأوقات التي أشعر فيها بأن صحتي أحسن، وأن الضعف الجسماني- الذي يكاد يلازمني، قد حل محله شيء من النشاط والحيوية. وكثيرا ما يحلو لي الكتابة بأن أكتب ليلا، أو سحرا، علي شريطة أن اضطر إلي الكتابة اضطراراً. وربما حسيت- لكثرة ما أكتب- أنني مشغوف بالكتابة، والحقيقة أنني من أزهد الناس في الكتابة، وإن كان شغفي بالقراءة قد أربي علي كل حد. أما الكتابة، فأني أهرب منها هروبا، ولا يضطر بي إليها إلا تقديري بمواعيدها الإجبارية، وتقديري التبعة المترتبة علي التوالي فيها. ولست أتعب في كتابة الموضوع، وإن كنت أتعب في التفكير فيه قبل كتابته، وربما لازمتني الفكرة أشهر، إن لم أقل سنين، وأنا لا أجد الفرصة لقيدها كتابة، ولست أكتب إلا في آخر الوقت. ولا يعوقني عن الكتابة أن يتكلم بجواري ألف شخص، ولكن الصياح، أو الصراخ هو الذي يزعجني، ويقطع علي تفكيري، ويهيج أعصابي إلي أقصي حد. وليس يعوقني أن أكون جالسا بين أولادي وزوجتي في أثناء الكتابة، بل قد يحبب إلي ذلك، وينشطني تنشيطاً. وربما أنصت إلي حوارهم اللذيذ في بعض الفترات التي أستريح فيها من الكتابة، وقد أقص عليهم قصة قصيرة، أو أشاركهم في حوارهم، ثم أعود إلي الكتابة مرة أخري. وهذه عادتي في أثناء القراءة أيضاً، وقد ألفوا مني ذلك فأصبحوا يتكلون فيما شاءوا من الموضوعات، دون أن يوجهوا إلي سؤالاً واحدا، وفي رده علي قبوله تكريما.. قال: عشت طوال حياتي لم يكرمني أحد. وقد كان موقف الأستاذ الكيلاني ظاهرا، حينما لعب الاستعمار دوره، إذ أراد انتشار العامية، للقضاء علي اللغة العربية الفصحي، وفرض لغته علي اللغة القومية ليتخذها الناس لغة لهم، ودستوراً في المخاطبات والمراسلات وشئون البلاد ولكن فشل الاستعماروأذنابه، إذا ازدهرت اللغة العربية، وذلك بتقوية الشعور القومي بفضل المجاهدين المخلصين للغة الوطن وكان موقفه الحاسم لهذه الحرب منذ ربع قرن، لمحاربة العامية هو حرب البناء، لا الهدم، الذي يصنع التاريخ. وقف الكيلاني بشدة أمام «محمود تيمور» عندما كان يكتب بالعامية في بعض قصصه قائلا له إذا أردت أن يكون أدبك محليا، فاكتب بالعامية وإذا أردت لأدبك الخلود، فاكتب بالفصحي، وقد أصبح تيمور بعد ذلك من ألد أعداء العامية. ولقد عني الكيلاني بتنشئة الطفل، لاعتقاده بأن طالب الاصلاح يجب أن يعبد الطريق، وهو أول ما يعني به المهندس إنما هو متانة الأساس للبناء، ولهذا فإن الطفل هو أساس الأمة، وموضوع أمل الجميع، فالعناية به عناية للأمة جميعها. وكانت فلسفة الكيلاني، هو وضع الشر دائماً بجوار الخير، ويصور الصراع بينهما، حتي لا يكاد الطفل أن يتوقع انحسار الشر في لحظة خاطفة وتنتهي القصة، ولكن الخير ينتصر في النهاية، بكل وسائل الذكاء والمكر والحيلة. لكي يغرس في نفوس الأطفال حقيقة الحياة الواقعة، وهي أن النصر للخيرين الأذكياء والهزيمة للأشرار الأغبياء،وكان شعاره دائماً: أنفع الناس وحسبي .. أنفع الناس ومالي،إنني أحيا لأنفع.. غير نفع الناس مطمع. رحم الله الأديب «كامل كيلاني» وأكرم مثواه، جزاه ما قدم من علم وعرفان. وإني بمناسبة اهتمام قصر ثقافة قصر النيل بإقامة احتفاليتين في آواخر يناير الماضي، وأواخر أكتوبر هذا العام، أتقدم بالشكر لوزارة الثقافة من خلال قصور الثقافة بالقاهرة، وأرجو تحقيق بعض الأماني للأديب الراحل «كامل كيلاني» في ثلاثة عناصر: الأول: وهو جمع الموضوعات التي ألقاها المتحدثون في الاحتفاليتين، وذلك بنشرها في كتاب من كتب قصور الثقافة التراثية للأدباء والعلماء والمبدعين. الثاني: أن يضع مجمع اللغة العربية مكان حارس اللغة العربية في دائرة الاهتمام، لهذا الرجل الذي أفني حياته في خدمة لغة الوطن الأم. الثالث: أن يولي الأستاذ وزير الثقافة اهتماما بالأديب الكيلاني، ووضعه موضع التقدير ويكن له حظاً في جوائز الدولة التي تمنح كل عام.