في 16 يونية 1963، افترش الراهب البوذي"تيك كوانج دُك" أرض ميدان بوسط سايجون، العاصمة الفيتنامية الجنوبية، وسكب البنزين علي جسمه، وأشعل النار، فاحترق حتي التفحم، ليحيي طقساً بوذياً أصيلاً، يري في إفناء الذات أعلي مراتب التضحية. ويعتقدُ بعض العلماء أن ارتباط التضحية بالنار يعود إلي طقوس وثنية قديمة، كانت تحرق فيها النباتات، وأحياناً الحيوانات، تقرباً للآلهة، والظنُّ أنها دخلت إلي الفكر البوذي من باب الرغبة في إنهاء المعاناة، متجاوزة فكرة الممارسة العقائدية، إلي أن استخدمها الراهب "دُك"، معلناً احتجاجه علي الحرب الفيتنامية، ويقال إن احتجاجه كان موجهاً بالأساس إلي النظام الحاكم في ذلك الوقت، لممارسته الاضطهاد الديني ضد طائفة الراهب البوذي، وقد نجح - بالفعل، وبغض النظر عن نية المحتج - في تجميع أصوات احتجاجية سياسية عديدة في فيتنام الجنوبية، فاندلعت مظاهرات واسعة، وانطلق سكان المدينة وقد تخلصوا من رعبهم من السلطة، مطالبين بسقوط الأسرة الحاكمة. في 16 يونية 1963، افترش الراهب البوذي"تيك كوانج دُك" أرض ميدان بوسط سايجون، العاصمة الفيتنامية الجنوبية، وسكب البنزين علي جسمه، وأشعل النار، فاحترق حتي التفحم، ليحيي طقساً بوذياً أصيلاً، يري في إفناء الذات أعلي مراتب التضحية. ويعتقدُ بعض العلماء أن ارتباط التضحية بالنار يعود إلي طقوس وثنية قديمة، كانت تحرق فيها النباتات، وأحياناً الحيوانات، تقرباً للآلهة، والظنُّ أنها دخلت إلي الفكر البوذي من باب الرغبة في إنهاء المعاناة، متجاوزة فكرة الممارسة العقائدية، إلي أن استخدمها الراهب "دُك"، معلناً احتجاجه علي الحرب الفيتنامية، ويقال إن احتجاجه كان موجهاً بالأساس إلي النظام الحاكم في ذلك الوقت، لممارسته الاضطهاد الديني ضد طائفة الراهب البوذي، وقد نجح - بالفعل، وبغض النظر عن نية المحتج - في تجميع أصوات احتجاجية سياسية عديدة في فيتنام الجنوبية، فاندلعت مظاهرات واسعة، وانطلق سكان المدينة وقد تخلصوا من رعبهم من السلطة، مطالبين بسقوط الأسرة الحاكمة. ويبدو أن النار التي أحرقت جسد الراهب "تيك كوانج دُك" لم تنطفئ، إذ امتدت، بعد ما يقرب من شهرين، وفي 16 أغسطس من العام ذاته، ليحترق بها - بالأسلوب ذاته - راهبٌ آخر، في مدينة (فانثيل)، علي بعد 100كم من سايجون؛ وفي مايو من العام 1966، أشعلت راهبة بوذية، هي "تيك نو ثانه كوانج"، النار في جسمها، بأحد ميادين مدينة (هيو)، فانطلقت في سايجون مظاهرة من 20 ألف شخص، واستمر مسلسل إحراق الرهبان والراهبات البوذيين لأجسادهم، متضمنا ثماني حالات أخري في المدن الرئيسية بفيتنام؛ وعلَّق الرئيس الأمريكي ليندون جونسون علي هذه الاحتجاجات العنيفة فوصفها بأنها (مأساوية، ولا ضرورة لها)، فرد عليه جمع من الطلاب والشباب البوذيين بإحراق القنصلية الأمريكية في مدينة (هيو). بل إن نيران الأجساد المحترقة الاحتجاجية عبرت المحيط الهادي، منتقلة إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية ذاتها، وكان أول المحترقين أحد أفراد طائفة أمريكية متدينة، اسمه (نورمان موريسون)، وهو أب لثلاثة أبناء، اختار أن يحرق نفسه أمام مكتب وزير الدفاع الأمريكي في ذلك الوقت، (روبرت ماكنامارا)، بالبنتاجون، في الثاني من نوفمبر عام 1965؛ ولكي يلفت موريسون مزيدا من الانتباه لاحتجاجه المأساوي، اصطحب معه أحد أطفاله، أو ربما أُشيع ذلك لتشويه صورته والتعتيم علي مغزي رسالته الاحتجاجية ضد حرب ظالمة تورطت فيها بلاده. غير أن هذه الرسالة وصلت إلي الفيتناميين، الذين احتفوا بموريسون، فأطلقوا اسمه علي شارع في هانوي بفيتنام الشمالية، وأصدروا طابع بريد يحمل صورته، وتغني به الشعراء في قصائدهم، ويقول مقطع في واحدة منها : يا مكنمارا أين تراك تختبئ ؟ بمقبرة في مقرك الخماسي (بنتاجون يعني خماسي الشكل) ؟ كل زاوية منه هي قارة وهناك تخفي نفسك من العالم المشتعل كنعامة تخفي رأسها في رمال تحترق ! وقد اعترف ماكنمارا في شهادته بقضية شهيرة أمام محكمة أمريكية في عام 1984، بأنه قد أيقن أن حل المشكلة الفيتنامية لن يكون عسكرياً، وبأنه توصل إلي هذا اليقين في أواخر عام 1965 (متزامنا مع اشتعال موريسون). وعاد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ليعترف في مذكراته، صراحة، بأن موت موريسون (كان مأساة، ليس لعائلته فقط، ولكن لي أنا أيضاً، وللبلد؛ لقد كان صيحة احتجاج ضد قتل عديد من الشباب الفيتنامي والأمريكي). وقد شهد المجتمع الأمريكي عدة حوادث احتراق احتجاجية أخري، ضد الحرب الفيتنامية، لا تتوفر عنها معلومات كثيرة، كأن الأمريكيين تواضعوا علي نسيانها، لينسوا معها الحقبة الفيتنامية كلها؛ غير أن مراجعة سريعة لجانب من أرشيف الصحف الأمريكية توفر لنا بعض المعلومات عن حادثتين إضافيتين، الأولي لسيدة مسنة، هي (أليس هيرز) - 82 سنة - واشعلت النار في جسدها باحد شوارع مدينة ديترويت الأمريكية في 16 مارس 1965، وقبل أن تلفظ انفاسها الأخيرة، قالت إنها فعلت ذلك اقتداءً بالرهبان البوذيين الفيتناميين، وإدانة لسباق التسلح في العالم. أما الحادثة الثانية، فهي لشاب اسمه (روجر لابورتيه) - 22 سنة - وقد أحرق نفسه وهو يجلس القرفصاء أمام مبني الأممالمتحدة في نيويورك، في 9 نوفمبر 1965، بعد أسبوع واحد من احتراق نورمان موريسون، وكان ينتمي لجماعة دينية كاثوليكية مناهضة للحروب. وما زلت اتذكر دهشتي حين طالعت خبر إحراق أحد اليابانيين جسده تضامنا مع شأن عربي، ففي الثامن من مارس عام 2001 أضرم الناشط الحقوقي الياباني البوذي (تاكاوي هيموري)، 54 عاما، النار في نفسه في حديقة عامة بالعاصمة اليابانية طوكيو، احتجاجا علي الجرائم الاسرائيلية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، والحصار الذي كان مفروضا علي الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات؛ وكان "هيموري" عضوا بحركة تسمي (صوتنا)، تناصر القضية الفلسطينية، وقد شارك أكثر من مرة علي مدار 20 عاما، منذ مجزرة صبرا وشاتيلا، في تظاهرات مع الشعب الفلسطيني، كما أضرب عن الطعام لمدد متفاوتة، تضامنا مع نضال الشعب الفلسطيني. ومن الأعمال الأدبية التي أشارت إلي (رسالة النار) الاحتجاجية، رواية "ثلج" لأورهان باموك حيث نجد نساء كرديات ينتحرن احتراقاً، ويبدو انتحارهن أمراً وارداً، له شعائر وطقوس.ويقول "إياوات محمد"، الباحث في ظاهرة انتحار النساء الكرديات: (لحالة الحرق بعد تاريخي طويل داخل المجتمع الكردي مرتبط بالثقافة الإيرانية والأفغانية والهندية، إذ تعتبر النار مقدسة في المجتمع الكردي المتأثر بالثقافة الزرادشتية التي تقدس النار، وتبقيها مشتعلة في البيوت والمعابد، فالنار تعبر عن التطهر من العذاب الذي يعيشه الإنسان). ويشير إحصاء قامت به منظمة «تمكين المرأة» في كردستان العراق إلي إن 2222 امرأة وفتاة كردية أقدمن علي الانتحار حرقا خلال ثلاث سنوات من 2003 - 2006 ؛ فما الذي يجعل المرأة الكردية في كردستان العراق تقدم علي الانتحار حرقا، رغم تحسن وضعها، وبشكل كبير، علي صعيد التحرر الاجتماعي والاقتصادي والقومي؟. يري نفر من الكتاب السياسيين الأكراد أن رسالة النار السياسية التي تسطرها أجساد الكرديات المنتحرات احتراقا، تقول للعالم ، إلي متي يبقي الكردي محاصرا في هذا العالم، لا يجد سوي الصمت، ولا يمكن الاقتراب منه؟ ولم يكن إحراق محمد بوعزيزي التونسي لجسده أول احتراق احتجاجي في المغرب العربي، إذ سبقه في نوفمبر من العام 2009 اعتزام مجموعة من المكفوفين المغاربة العاطلين الاحتجاج بأشكال نضالية مختلفة، نفذوها بأن سكبوا البنزين علي أجسادهم في عملية (استشهاد جماعي)، تعبيرا عن حالة اليأس من تجاهل الحكومة لمطالبهم المتمثلة في الالتحاق بالوظائف العمومية، وبالحق في الرعاية الاجتماعية، استنادا إلي المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب. وعلق أحد أساتذة علم الاجتماع، بجامعة ابن طفيل، علي ذلك بقوله : «إن الأشكال الجديدة للحركات الاحتجاجية التي أصبحنا نلاحظها بشكل يومي في مدينة الرباط، مثل إحراق الذات أمام بعض مقار المؤسسات العمومية والحكومية، تعبر عن تطور ملحوظ في مضمون الفعل الاحتجاجي المغربي». ولن تكون حادثة البوعزيزي، الجامعي العاطل، بائع الخضروات الجائل في بلدة سيدي بوزيدالتونسية، آخر مسلسل حوادث إحراق الذات، فقد انطلقت شرارة عبر الحدود، حيث شهدت الجزائر، بعد أيام قليلة من احتراق بوعزيزي، أربع محاولات للانتحار احتراقاً، احتجاجا علي البطالة وعدم توفر السكن؛ ففي ولاية (تبسه) الواقعة علي الحدود مع تونس، أضرم شاب يدعي محمد بوطرفيف "27 عاما" النار في نفسه، بعدما سكب البنزين علي جسده، أمام مقر المجلس الشعبي لبلدية "البوخضرة"؛ وفي ولاية (جيجل)، الواقعة علي بعد 400 كيلو متر شرق العاصمة، أشعل مواطن، يبلغ من العمر 27 عاما، النار في نفسه أمام مقر الأمن للولاية؛ وفي بلدية برج منايل بولاية بومرداس، الواقعة علي بعد 50 كيلو مترا شرق العاصمة، حاول مواطن يدعي محمد أوشية، 41 عاما ، أب لستة أطفال، الانتحار حرقا احتجاجا علي إقصائه من قائمة المستفيدين من السكن. وفي بلدية عين البنيان بالعاصمة الجزائرية، أقدم شاب علي إضرام النار بجسمه، احتجاجا علي أزمة السكن وتسببت النيران في إصابة والده الذي كان يرقد في غرفته. تُري، من سيكون مرسل الرسالة التالية ؟