في الحادي عشر من شهر نوفمبر من العام (1821) ولد دوستويفسكي الكاتب العبقري الموسكوي (نسبةً إلي موسكو).وبعد ما يقرب من مائةٍ وخمسةٍ وعشرين عاماً تقريباً علي رحيله ما زال بعض النقاد يقولون عنه:أذْهلنا كما لمْ يفعلْ غيره.ليس هذا وحسب بل إن الدراسات ما زالت تكتب عن أعماله الفذة والرائعة حتي يومنا هذا. أندية أدب والذي وصل بدوستويفسكي إلي هذه المكانة المرموقة في سجل الأدب العالمي (ولحسن حظه بالطبع) أنه لم تكن في أيامه لا أندية أدب يتصارع أنصاف المبدعين في الوصول إلي كراسي رئاستها أو علي عضوية مجالس إدارتها طمعاً في المشاركة في ندوة أو في الترشيح لمؤتمر بائس أو طمعاً في مكافأة هزيلة أو في خبر يتيم ينشر في صحيفة تحصي أعدادُ من يقرؤنها بالسالب! كذلك لم تكن هناك مؤتمرات (ولا مؤتمرون) يسعي أشباه المبدعين للتواجد بين المشاركين فيها أو لِنيل شرف عضويتها لا لشيء سوي لإقصاء كل من يخالفهم الرأي. مؤتمرات بديلة من حسن حظ دوستويفسكي أنه لم ينشغل لا بالمشاركة في مثل هذه المؤتمرات ولا حتي في المؤتمرات البديلة التي تتسم هي أيضاً بكل ما في المؤتمرات الأخري من نواقص وسلبيات ولا تختلف عنها إلا في التصاقها بكلمة (بديلة). لم ينشغل دوستويفسكي بأن يكون عضواً مُؤسِّساً في مؤتمرات فجة لا يدعي إليها إلا من هم علي شاكلة مالكيها.مؤتمرات لم يستطع مالكوها أن يتعافي إبداعهم مما ألمَّ به.إنها مؤتمرات لو كان لمالكيها مشروع إبداعي ينكبّون عليه ما شغلوا أنفسهم ولا انشغلوا وأضاعوا وقتهم سدي في مثل هذه الأمور التي لا تُقدم ولا تؤخر قيد أنملة في طريق الإبداع. السماء رحيمة لقد كانت السماء رحيمةً بدوستويفسكي إذ لم يكن في أيامه دور نشر يقف البعض منتظراً نشر أعماله لما يقرب من عشر سنين فيما يكتب البعض كتباً وينشرونها فيما يقل عن عشرة أيام! لم تكن ثمة دور نشر يتولون أمر قيادتها من هم لا يصلحون إلا لإفساد كل شيء صالح..دور نشر تساند فنوناً إبداعية ضد فنون أخري تحت ذريعة أن هذا يبيع وهذا لا يبيع. قتل المبدع حقاً لقد كان دوستويفسكي محظوظاً إلي أقصي درجة أن ولد وعاش وأبدع في أيامٍ تختلف طقوسها ومناخاتها عن طقوس ومناخات هذه الأيام التي تتكاتف وتتعاضد كل الظروف لقتل المبدع إما معنوياً وإما مادياً بعد أن جعلته يصبح أمام الجميع وكأنه شيء لا قيمة فيه ولا أمل يرجي مما يفعل. فشل ذريع لقد ظل دوستويفسكي شخصاً ونتاجاً أدبياً باقياً إلي يومنا هذا وسيبقي لأنه لم يكن ليفكر إلا في مشروعه الإبداعي تاركاً كل ما عداه من تفاهات لأصحابها الذين فشلوا فشلاً ذريعاً في أن ينتجوا نصَّاً إبداعياً ذي قيمة فما كان منهم إلا أن استسهلوا وشغلوا أوقاتهم بثرثرات فارغة علي كراسي المقاهي وقارعة الطريق.