« دماء علي ستار الكعبة» مسرحية قدمت دراما شعرية إنسانية وطنية بديعة للشاعر المصري بجد فاروق جويدة وقدمها علي مسرح الدولة مبدعون رواد مصريون بجد في السبعينات من القرن الماضي.. " دماء علي ستار الكنيسة " دراما واقعية سكندرية مصرية قدمها سكندريون في معظمهم ، ونفر قليل من بشر لا يعرف لهم هوية في الساعات الأولي في أول أيام 2011 ومسرح الدراما أمام كنيسة القديسين بشارع جلال حمادة السكندري.. "جموع من الناس تدور علي المسرح كأنهم في حالة طواف حول الكعبة الشريفة وتنطلق أصواتهم من بعيد" كورال: لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد .. والنعمة لك والملك.. "يختلط صوت التلبية مع صراخ الناس وإضاءة متقطعة علي المسرح .. ويتصاعد الصراخ ويمتزج مع صوت التلبية " " يدخل الشيخ سلام . رجل عجوز ممسك مسبحة وهو يندفع وسط الناس ويصيح" الشيخ سلام : يا أهل مكة، أغلقوا الأبواب هذا عدو الله يكتسح الربوع الطاهرة دعوت الله أن يحمي دماء المسلمين صوت: إني دعوت الله أن يهدي النفوس إلي الأمان وأن يقينا شر هذا العام صوت: أعوامنا والله شر كلها والشر فينا ، ليس في أيامنا سلام: دعوت الله أن يحمي دماء المسلمين صوت: حينما يشتد فينا اليأس تحمينا بيوت الله.. والآن نهرب من بيوت الله الشيخ سلام: وأي معاقل الدنيا سيحمينا إذا ضاقت بيوت الله؟ الكاهن مقار: أيها الرب الإله ضابط الكل العارف أفكار البشر والفاحص القلوب والكلي إذ وأنا غير مستحق دعوتني إلي خدمتك المقدسة هذه لا ترذلني ولا تصرف وجهك عني بل امح جميع سيئاتي واغسل عيب جسدي ودنس نفسي وطهرني كاملاً لكي لا أطلب من صلاحك أن تعطي غفران الخطايا لآخرين وأكون أنا غير مستحق نعم يا رب لا تردني ذليلاً مخزياً بل أرسل علي نعمة روحك القدوس، وإجعلني مستحقاً أن أقف علي مذبحك المقدس بغير وقوع في دينونة وأقرب لك الذبيحة الناطقة غير الدموية بسريرة نقية صفحاً لخطاياي وسيئاتي وغفراناً لجهالات شعبك، ونياحة وراحة لآبائنا وإخوتنا الذين سبقوا فرقدوا في الإيمان الأرثوذكسي وبنياناً لشعبك أجمع ومجداً لك ولابنك الوحيد والروح القدس المحيي المساوي لك الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور آمين". الشماس : صلوا من أجل السلام الكامل والمحبة والقبلات الطاهرة الرسولية. صوت دوي هائل لتفجيرات خارج الكنيسة الكاهن مقار : ما تخافوش ده صوت زجاج الشبابيك .. انتهي العرض الميلودرامي الحزين ، وتناثرت الجثث وأشلاء الضحايا أمام قاعة العرض ، وكنا جميعاً الشهود والحضور والضحايا ، وما جري للأسف عرض جديد لدراما يتجدد عرضها يكاد يكون بشكل موسمي، نتشارك جميعاً في صياغة فصولها المعذبة ، ثم نتشارك وبفضول إنساني فلكلوري غريب للجلوس في مقاعد الصفوف الأولي، وبتنا نستمرئ عذابات مشاهدة المآسي ، وبمتابعات إعلامية أغرب نتابع عروضًا مرئية ومسموعة ومقروءة مملة مكررة ..يكرر النخبة ويردد بعدهم البسطاء ما يقولون .. " طول عمرنا عايشين مع بعض في حب وسلام " .. " اللي يعمل الفتنة دي لا يمكن يكون مصري " .. " ده عمل إرهابي من خارج مصروليس طائفي بين أبناء شعبنا " .. "يجب تجاوز الحدث والوحدة الوطنية هي الأهم " .. " البابا رضعته مسلمة " .." عمرنا ما سألنا ده ملته إيه ".." مصر مستهدفة " .. إلي غير ذلك من التعليقات التي حفظناها ، ونتوقع ترديدها عقب كل حادث وأزمة ترتبط بأمر علاقات شركاء الوطن بلا أدني إحساس بالملل من قبل من يكررونها، رغم أنها قد تساهم في تسكين حالة كان يمكن استثمارها ( في كل مرة تحدث ) للتحاور بهدوء وموضوعية وصدق وحرص علي مصلحة البلاد والعباد حول سبل التعامل مع الأزمة ، وسبل تحسين المناخ العام الذي بات ميسراً لحدوث الكوارث الطائفية! نعم نحن نعيش في مناخ عام لابد أن نعترف باختراقه من قبل فكر أشاوس التشدد والجنوح الطائفي ، وبشكل تتزايد وتيرة تدفقه عبر استغلال وسائط إعلامية حديثة شديدة التأثير والتواصل السريع مع الناس بشكل عام، والشباب بشكل خاص مثل قنوات التليفزيون الدينية التي يطل من شاشاتها تجار الأديان ، ومواقع الإنترنت التي باتت تشهد تلاسناً ، بل حرباً طائفياً كريهة.. إن من يقولون ، ويكادون يقررون باستهداف مصر ، ويحدثوننا عن أطماع الفرنجة ، وخطط الموساد ، ومكانة مصر وموقعها الذي يحلم العالم شرقه وغربه باستلاب مقدراته ، وتحطيم مشاريعه الإقليمية في الوجود، وتكسير حلمه الوطني المستقبلي .. من يتبني تلك الأفكار المبررة لحدوث الأزمات وتوالي حدوثها بشكل بات متسارعاً وأشد إيلاماً ، قد نختلف أو نتفق مع طرحه ، ولكن الثابت ، والمفروض الذي يجب ألا نختلف بشأنه أن المجتمع الأكثر تماسكاً ، هو القادر بكل أطيافه وألوانه أن يجابه تلك الأزمات ، وأن تنكسر علي عتباته كل غارات وجحافل الشر مهما بلغت شراستها ، وبشاعة هجماتها .. لقد ساهمنا جميعاً في تفجير كنيسة القديسين عندما منحنا مؤسساتنا الدينية ، بل وكلفناها بالقيام بأدوار لا ينبغي أن تكون من بين أدوارها ، بينما هناك تقصير في أدوارها الرئيسية .. خطاب ديني يحتاج مراجعة .. افتقاد لحالة احتواء إنسانية من قبل الجامع والكنيسة لجماعات المؤمنين .. تداخل بالرأي في الشأن السياسي دون حسابات! لقد ساهمنا جميعاً في تفجير كنيسة القديسين عندما لم نتفق بشكل مجتمعي جماعي علي رفض التفاعل مع حدوتة " بيشوي/ العوا " رغم خطورة ما تضمنت تفاصيلها ، فلا جماعة وطنية كانت في ضيافة جماعة، ولا كنائسنا ترسانات أسلحة ، ولا وجود لإسرائيل في القضية القبطية.. لقد كانت للحدوتة تكليفات مباشرة لحدوث حالة كانت مطمعاً لصحف الإثارة وبرامج التهييج للتناول ، ومن ثم توصيل رسالات تلك الحدوتة لقطاعات عريضة للبسطاء من أهالينا ، فصدق البعض منهم رسائل الطرف الأول ، وصدق البعض الآخر فتاوي الثاني إلي حد أن سأل البعض لماذا لم يخرج المصلون في كنيسة القديسين بسلاحهم للزود عن مرتاديها؟! لقد ساهمنا جميعاً في تفجير كنيسة القديسين عندما قابلنا باستهانة تهديدات أشاوس الإرهاب ، وبأن كنائسنا في مرمي الهدف ، وحتي عندما قام الزميل مجدي سلامة بجريدة الوفد بتقديم تحقيق مصوربمهنية ومسئولية وطنية بدخول عدد من الكنائس حاملا حقيبة مريبة وبمظهر مريب ، ولم يرتاب أحد علي أبوابها ، ولم يكتشف أحد أنه وجه جديد كان ينبغي أن يستلفت انتباههم ! لقد ساهمنا جميعاً في تفجير كنيسة القديسين ، عندما طلبنا فتوي بالسؤال: هل ينبغي استمرار مشاركة الأقباط في احتفالات رأس السنة؟، وقد اعتدنا تلك المشاركة من عشرات السنين ، فتكون الفتوي إياكم والمشاركة .. حرام .. حرام ! .. حتي تصور البعض أن من أفتي كان يعلم بحدوث الكارثة ، وكان يأمل تجنيب طالبي الفتوي أذي العمليات الإرهابية الغبية الغاشمة! لقد ساهمنا جميعاً في تفجير كنيسة القديسين ، عندما شاهدنا ، ولم نغضب أو نرفض أن يصرح محافظ الإسكندرية أمام شاشات الفضائيات عقب الحدث، وهو يقف وسط أشلاء الضحايا ، والدماء تصرخ علي جدران الكنيسة في خلفية المشهد.. يقول لو أن المستهدف بتلك العملية الإرهابية أقباط مصر لكانوا قد اختاروا كنيسة أخري لايقابلها مسجد ، ولكانوا اختاروا يوم 7 يناير.. ولا تعليق سوي أن المسئول لم يقدر مشاعر أبناء الكنيسة الواقف أمامها يصرخون ألماً لفقد احبابهم في يوم يحتفلون فيه بميلاد عام ميلادي جديد لرمزهم الأعظم .. وبدلاً من المسارعة بتقديم الاستقالة اعترافاً بأن الحادث جاء تتويجاً لمحافظة نما فيها الفكر السلفي ، وتكرر فيها حدوث المظاهرات التي يقوم منظموها بتوجيه السباب واللعنات لقداسة البابا ، وتمزيق صوره وضربها بالنعال برعاية رجاله ودون التصدي لهم !! .. وصدق الدكتور علي السلمي في مقاله الاخير المهم بجريدة الوفد عندما قال: من أهم سمات نظام الحكم في مصر أن المسئولين من وزراء ومحافظين ومن في حكمهم يتم تعيينهم وإقالتهم من دون أسباب واضحة حتي لهم شخصياً. ومن الأمور المستقرة في ممارسات نظام الحكم المصري أن المسئول يقال ولا يستقيل. وبذلك ترسخت تقاليد مضمونها أن من يتم تعيينه في وظيفة عامة عليه أن يبقي في وظيفته حتي يتم تغييره أو إقالته من دون أن يكون له أن يستقيل فهو لا يملك هذه الرفاهية التي يتمتع بها أقرانه في الدول المتحضرة، وبغض النظر عن مستوي كفاءته وقدراته، وما قد يسببه فشله في أداء واجبات وظيفته من مآس ومصائب وكوارث تصيب المواطنين .. حاسبوا كل من يرتكب حماقات الكراهية الطائفية المقيتة ، ولا تستثنوا رجال دين، أو علماء دين أو مسئولين مهما بلغت مقاديرهم ، فأمر أمن الوطن والمواطن لاينبغي التعامل معه بهذا القدر من الاستهانة!! وأتفق مع ما صرح به قداسة البابا أننا في احتياج إلي المزيد من تفهم قيم المواطنة ، كما أن الوحدة الوطنية تحتاج إلي ثقافة مجتمعية ووحدة في الفكر والمشاعر، ودعوته أقباط المهجر إلي التزام فكر الكنيسة المصرية..ويرحب الشارع المصري بفكرة " بيت العائلة " التي طرحها بموضوعية وسماحة فضيلة شيخ الأزهر كمرجعية ومنطقة للتحاور النبيل.. واقتراح آخر لفضيلة مفتي الديار بتشارك شباب مصر من المسلمين والمسيحيين في مشاريع برعاية الدولة لإحداث المزيد من التلامس والتقارب يمكن التحاور حوله بين الناس في بلادي .. شكراً لكل اجتهاد بدلا من الاكتفاء بالتشخيص وادّعاء الحكمة ، أو العويل والنحيب!!