تصاعد الصراع خلال الأسبوع الماضي علي الساحة السياسية الإيرانية بين أنصار الإصلاح بقيادة مير حسين موسوي وهاشمي رفسنجاني،والنظام بقيادة الرئيس أحمدي نجاد. واجتاحت الجامعات والشوراع مظاهرات وتجمعات تمثل الجانبين في يوم (16 آذار 7 ديسمبر). وهو يوم تمت تسميته ب (يوم الطالب) وهو يمثل مناسبة وطنية لإحياء ذكري ثلاثة طلاب قتلوا عام 1953 بواسطة قوات الشاه بعد عزل "مصدق" وتنحيته. وعادة كان يتم استغلاله سياسياً بعد الثورة للتعبير عن المواقف الإيرانية سواء الخارجية أو الداخلية. ولكن المعارضة الإيرانية استغلت المناسبة للتعبير عن موقفها الثابت والرافض تجاه النظام الإيراني بكل أطيافه.غير عابئة بالتحذيرات الأمنية شديدة اللهجة والتي تمنع أي تجمع غير قانوني قد يضر بالمجتمع أو بنظام الجمهورية الإسلامية . والمقصود بها بشكل واضح من أسموا أنفسهم بالحركة الخضراء أو الثورة الخضراء. تمثلاً بشعار موسوي في الحملة الإنتخابية الأخيرة.ولكن قيام المظاهرات وضعت الجانبين في مأزق حقيقي.فلقد أصبح الصدام أكثر وضوحاً. وتخلي النظام والمعارضة عن الخطاب المراوغ الذي كان يعطي الأزمة الإيرانية مساحات للحل أو التحايل.ليتحول إلي المباشرة.وتحديد الأهداف. لاتزال الجامعات في إيران الساحة الأهم للحراك السياسي والأمني بالتبعية.فرغم كل آليات النظام لتسييس المجتمع الجامعي.أو تحويله إلي ثكنات سياسية تابعة للثورة منذ بدايتها.إلا أنه قد تمكن من الإنفلات من القبضة السياسية كلما سنحت له الظروف، أو تمكن أحد جوانب المعارضة من اجتذابه نحوه. بتسييس مضاد. تجمع الطلاب بالآلاف داخل أسوار الجامعات الإيرانية.بدءاً من جامعة طهران، وأصفهان ،وصولاً لتبريز وهمدان.أي بطول البلاد وعرضها. رافعين شعارات تندد بنجاد،والجمهورية الإسلامية،بل بنظام الولي الفقيه ككل.وبتأييد مطلق لموسوي وكروبي.في استدعاء لمشاهد أزمة الانتخابات السابقة التي ما زالت مشتعلة للأن.في محاولة من الطلاب لتجاوز أسوار الجامعات للشوراع.وهذا ما قوبل بمواجهات أمنية غاية في الشدة.فقد نشرت العديد من المواقع الخبرية الإيرانية،والمعارض منها تحديداً إلي استخدام الأمن (الباسيج) للرصاصات المطاطية في جامعة أمير كبير،لمنع خروج الطلاب. بل إن قوات الباسيج قد اقتحمت أسوار الجامعة،لتصطدم داخلياً بالتجمعات الطلابية في جامعة طهران،وهمدان.وسط أنباء بوجود عناصر أمنية بملابس مدنية داخل الجامعة منذ البداية.في محاولة لتفريق التجمعات الطلابية من الداخل.مما أدي إلي صدامات توصف بالدموية،مثل إلقاء أحد أفراد الباسيج لطالب من فوق مبني جامعة أبو علي في همدان. في حين نقلت وكلات الأنباء أخبارًا عن مسيرات حاشدة في شوراع العاصمة الإيرانية و الميادين العامة.مثل ميادين الفردوسي،وولي عصر،وهفت تير وغيرها. إلا أنها قوبلت بقنابل الدخان والمسيلة للدمموع.وألقت القبض علي العديد من الطلاب والمتظاهرين داخل الجامعة وخارجها.وتقديمهم للمحاكمة بتهم مثل الفساد العام والاخلال بالنظام.بل وصدور الأحكام مباشرة من قبل المدعي العام بالحبس الذي ترواح من سنة لسنتين علي العديد من المتهمين.مما استتبع اعتصامات داخل الجامعات ما زالت مستمرة لوقت كتابة هذا التقرير.صاحبها اضرابات عن الطعام من قِبل بعض الطلاب كما وقع في همدان. وفي سياق آخر ومضاد تماماً تظهر الصحف والمواقع الرسمية وشبه الرسمية.موقف المعارضة الإيرانية بوصفه امتدادًا للتدخلات الأجنبية.بل واعتبرت أن تلك المصادمات لم تعم كل الجامعات،ولم تكن بالحدة المصورة اعلامياً من قبل أعداء النظام.وكانت نتيجة لأنصار موسوي بشكل مباشر.مما يؤكد حدة الخطاب المتبادل بين الطرفين.فقط نشرت وكالة (فارس) للأنباء شبه الرسمية.تقريرها حول رفع بعض أنصار موسوي شعارات مثل (فلتحيا أمريكا ولتتحرر الجامعة) (الموت للديكتاتور).وغيرها من العبارات الصادمة لنظام الدولة.وذلك في مقابل الموقف السلمي الذي قامت به التجمعات الطلابية المؤيدة للجمهورية الإسلامية وهم من أسمتهم ب (أنصار الولاية).الذين رفعوا شعارات مضادة لأنصار موسوي. فأدي ذلك لصدمات متبادلة وتطلبت تدخل الأمن. بل إن التقرير يقدم أنصار موسوي بوصفهم خارجين عن الدين ككل.فقد قاموا بإهانة مجموعة من أنصار الولاية أثناء تأديتهم للصلاة في مسجد جامعة طهران. ووصفت اعتقالهم بثلة من الخارجين عن القانون. إهانة الخوميني وتجاوز الخط الأحمر في استمرار لحالة التصعيد القائم.خرجت مسيرات مؤيدة لنظام الجمهورية الإيرانية،وللمرشد العام.عقب صلاة الجمعة الماضي.كموقف رافض للمعارضة،علي إثر حادثة تبدو افتعالية كما علق عليها موسوي فقد وُجدت صور للخوميني ممزقة و محروقة. في العديد من أماكن تجمع الطلاب المتظاهرين.وفي شوارع العاصمة.مما تم اعتباره مؤشراً واضحاً لإهانة المعارضة الإيرانية المتجسدة في أنصار موسوي لرمز الثورة الأول.ومؤسس الجمهورية الإيرانية. فأصدرت الهيئات الدينية في قم ومشهد بيانات متعددة تدين إهانة الرمز الأعلي الخوميني.واعتبار ذلك تجاوزًا لكل الخطوط الحمراء الممكن التساهل فيها.ولكن الغريب والملفت في الأمر هو موقف السنة من هذه القضية.فقد أدان معظم أئمة الجمعة السنيين،في العديد من المحافظات الإيرانية مثل (أروميه ،وتبريز..وغيرهما).موقف هؤلاء الطلاب المنشقين من الإمام الخوميني. واعتبروا الخوميني رمزاً للإسلام بشكل عام.وليس في إيران فقط بل في العالم الإسلامي بأكمله.مع الإلحاح الإعلامي الإيراني علي تصريحات هؤلاء الأئمة.مما يؤكد رغبة النظام في توحيد كل الرموز الاجتماعية بشتي توجهاتها المذهبية،ضد المعارضة. خاصة أن المسيرات التي تمت منددة بهذا الموقف.كانت بواسطة الحوزة الدينية وطلابها.أي محاولات تفعيل دور الحوزة بشكل رسمي وواضح بعد تغيبه لمسافة طويلة منذ بدايات عهد نجاد.في إشارة واضحة من الحكومة علي إعلان سيطرتها التامة علي الحوزة الدينية أمام الجامعات المدنية.خاصة وأن آية الله أحمد خاتمي،المعروف بتشدده وتأييده لنجاد،قد صرح في خطابه أم الحوزة العلمية بالمدرسة الفيضية ذات الشهرة الواسعة في قم.أن ما أسماه بالاحتجاج الجماهيري سوف يحبط فتنة المعارضة الفاسدة في مهدها. وفي تصريحات لموسوي عقب أزمة حرق صور الخوميني،أشار إلي استحالة وقوع مثل هذه الأحداث من مناصريه،أو من طلاب الجامعات.فلا يوجد مواطن إيراني لا يقدر الإمام.في إشارة منه إلي إمكانية افتعال الأزمة من قبل الأمن لتشويه صورة الثورة الخضراء.والمظاهرات الطلابية. فمحاولات إلقاء التهم بين الجانبين يؤكد تجاوز مرحلة المناوشات والمراوغة ليدخل مباشرة في ثنائيات واضحة.فالحوزة في جانب كبير منها إلا من يتبع (آية الله حسين منتظري) الذي اعتبر قمع المتظاهرين خروجًا عن الإسلام ذاته.مؤيدين لنجاد مواقفه.وأمام أنصار موسوي أو الحركة الإصلاحية الذين يثبتون تواجدهم الدائم في الجامعات والشارع.فإهانة الخوميني أياً كان المتسبب فيه يمثل ورقة غاية في الخطورة.بل ويعيد إلي الأذهان صورًا قديمة عن مرحلة الثورة في بدايتها .وإحراق صور الخوميني من قبل النظام الملكلي السابق.فالخوميني منطقة ليس عليها خلاف كبير. بل إن الجميع يتصارع علي إرثه وتأويله لصالح كلا المتصارعين. هل يسعي قادة المعارضة إلي اعتقالهم؟ في إشارة لتصريحات وزير الاستخبارات الإيرانية (حيدر مصلحي) التي هاجم فيها هاشمي رفسنجاني (رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء) مباشرة. واتهمه أنه يخالف أصلاً من أصول الجمهورية الإيرانية.وهو الولاية المطلقة للفقيه. أعلن رفسنجاني أن ولاية الفقيه لابد وأن تكون برغبة المجموع. فإذا رفض الناس ولاية أحد فعليه بالانسحاب، وترك مساحة لمن يختاره الناس. وكان رئيس جهاز المخابرات قد ذهب إلي أن دور الناس يتحدد في الاختيار وليس العزل.وأن ولاية الفقيه من ولاية الإمام.أي أن رفسنجاني قد تعدي بالفعل علي أصل أساسي لنظم الحكم الإيراني.مما يثير تساؤلات حول موقفه ليس فقط من المعارضة التي يناصرها كلية ضد نجاد. ولكن في موقفه من المرشد ومنصبه. وإمكانية طرح بديل للأشخاص الحاكمة الآن كما تمت الإشارة له أثناء المحاكمات الإيرانية التي تمت عقب أزمة الانتخابات.من مؤامرة علي النظام كانت تفضي إذا نجحت إلي تولي رفسنجاني منصب المرشد.وموسوي رئاسة الجمهورية.خاصة مع وضع رفسنجاني المتأزم بعد التهديد باعتقال ابنته (فائزة) التي اتهمت بتحريضها علي انقلاب داخلي ضد النظام.خاصة بعد أن ألقت الخطاب أمام مظاهرة داخل الجماعة كانت تندد بخامنئي وتصفة بالديكاتور.وكذلك موقف (مهدي) التي اتهم بقضايا فساد. ويشار إليه بكونه ضالعاً كذلك في تمويل المعارضة الداخلية.وخروجه شبه هارب من إيران إلي أوروبا. خاصة إذا وضعنا في الاعتبار بقية تصريح وزير الاستخبارات.وهو أنه لا يريد أن يعتقل بعض العناصر داخل المعارضة،حتي لا يجعل منهم أبطالاً دون الإشارة لأسماء هؤلاء.ليجعل الحلقة تتسع لتشمل الجميع.بداية بموسوي بالطبع.وسط أنباء يطلقها المقربون من موسوي نفسه ومنشورة علي أكثر من موقع مؤيد له. بوجود احتمالات اعتقال قريب لموسوي من قبل الأمن الإيراني.مع بعض الملامح التي قد تؤيد هذه الاحتمالات .مثل منعه هو وكروبي من المشاركة في المظاهرات بالقوة.كمظهر من مظاهر الإقامة الجبرية. وكذلك تعرض (زهرا رهنورد) زوجته لمضايقات مباشرة من قبل قوات (الأمن) أثناء أحداث 16 مارس. فقد مُنعت من المشاركة في المظاهرات داخل جماعة طهران رغم كونها أستاذة بها.وتم التعرض لها بالضرب والشتم من قبل بعض العناصر الأمنية النسائية داخل الجامعة. وتمكن أمن الجامعة من إنقاذها وإخراجها خارج أسوارها. ومن ثم تعرضت ثانية لمضايقات أمنية في الشارع.مع تضخيم هذا الحدث في كل المواقع المعارضة .وعدم الإشارة له بالنفي أو بالإثبات من قبل الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي. فهل يعمل رموز المعارضة لاستفزاز النظام لتوريطه في عملية اعتقال غير محسوبة العواقب قد تؤدي إلي ثورة كاملة لا يمكن السيطرة علي أبعادها؟؟. وهذا ما يخشاه النظام.لذا دائماً هو بعيد عن رؤوس المعارضة. ويتعامل- كما تقول هذه المعارضة- مع الأذيال والأتباع فقط. فالتهييج الشعبي الذي يمارسه رموز المعارضة.والحشد المضاد الذي يمارسه النظام.لابد وأن يفضي في النهاية إلي صدام مباشر.فالجميع قد تخلي عن أقنعته السياسية.وما كان يسمح به النظام من حضور لموسوي أو كروبي المظاهرات التي كانت تتم في بداية الأزمة الانتخابية.ما عاد يسمح به الآن .كما أن استخدام الحوزة في الحشد الجماهيري قد يكون مؤشراً لبداية انفصال كامل بين المعسكرين.وما ستأتي به الأحداث سوف يظهر الكثير من الوجوه علي مرآة الساحة الإيرانية.