بين أكثر من ستين مسلسلاً بدأ عرضها في شهر رمضان، "صفصفت" الحكاية علي ستة أو سبعة مسلسلات علي الأكثر نستطيع أن نقول بقلب جامد إنها الأفضل والأكثر طموحاً، يليها في الأهمية عدد أقل من المسلسلات التي حاولت جاهدة الخروج من القوالب الجامدة التي سجنت الدراما المصرية وأعاقتها عن النمو والتطور! يعني في النهاية يمكن أن نقول إن سباق الموسم الدرامي يمكن أن يسفر علي واحد علي عشرة من الكم المعروض ، أما بقية المسلسلات فيمكن أن نعتبرها إهداراً للمال العام أو زكاة يدفعها التليفزيون للهليبة والغلابة وأنصاف الموهوبين حتي يقيهم شر العوز ومد إيديهم في جيوب الآخرين! وأعتقد أن مسلسل "أهل كايرو" من أكثر مسلسلات هذا العام خروجاً عن المألوف، وفردا للعضلات، وهو يحتاج إلي مشاهد يستقبل علي نفس الموجة، ويستطيع أن يتذوق الأشكال الجديدة والمختلفة من الفنون! حالة مزاجية عالية مسلسل "أهل كايرو" من تأليف بلال فضل وإخراج "محمد علي" الذي أتحفنا العام الماضي بحلقات مجنون ليلي، وعندما نقول أتحفنا نقصد المعني الصحيح للكلمة بعد أن أصبحت تستخدم "عمال علي بطال"للدلالة علي معني مختلف! ويبدو أن "بلال فضل" كان في حالة مزاجية وإبداعية عالية وهو يضع الخطوط الأولي للمسلسل، ويضع "الفورم" أو القالب الفني الذي سوف تتحرك من خلاله الأحداث، التي تبدأ بالاستعداد لزفاف سيدة المجتمع "صافي سليم" أو رانيا يوسف علي رجل أعمال قادم من امريكا "زكي فطين عبد الوهاب"، ويبدو في البداية أن الفرح مثل غيره من افراح المشاهير، ولكن الأمور تتخذ منحي آخر، حيث تثير هذه الاستعدادات شهية أهل النميمة، وتفتح جروحا سببتها صافي سليم في نفوس البعض كما تثير الأحقاد والغل وتصبح هي والفرح هدفاً لمحاولات تدمير!يعرفنا المسلسل علي كل شخصية تدخل الحدث بتعليق موجز عن طبيعتها وموقفها من الشخصيات الأساسية مع تعليق ساخر يعبر عن رأي الكاتب والمخرج في الشخصية، وذلك بدلا من اللجوء لمشاهد فلاش باك أو استخدام الحوار والثرثرة الفارغة! يقوم رئيس تحرير إحدي الجرائد الخاصة بنشر صور مثيرة عن صافي سليم ونبذة عن تاريخها وزيجاتها السابقة، مما يثير صافي ويضعها في موقف حرج امام عريسها الغني القادم من أمريكا، ويدعي العريس أن هذه الأمور لا تهمه ولا يلقي لها بالا، ولكن حقيقة الأمر أنه يحمل داخله كل مشاعر الرجل الشرقي الذي لا يطيق أن يكون لامرأته علاقات سابقة سواء داخل إطار الزواج أو خارجه. علاقات متعددة وكما تؤكد الأحداث أن صافي كانت لها علاقات عاطفية مع رجال بعدد شعر رأسها، وأن منهم شخصيات لها شأن في مجالات السياسة أو البيزنس أو الاثنين معا، وأن كثيرين منهم ينقمون عليها ويمقتونهاومع ذلك فقد كانت حريصة علي دعوتهم لحفل زفافها حتي تؤكد لمن رفض الزواج منها أنها يمكن أن تكون سيدة مجتمع تحرك الكبار بإشارة من إصبعها!في الحلقات العشر الأولي تعرف المشاهد علي تاريخ صافي، التي تنتمي الي بيئة شعبية اقرب للعشوائية، والدها رجل غلبان "بائع كبدة"، وبالطبع تجاهلته بعد أن حققت الشهرة والثراء من عملها في مجالات الإعلانات ثم السينما، وفي حارتها الشعبية نتعرف علي حبيبها الشاب المثقف "أحمد وفيق" الذي لايزال يحمل لها مشاعر الحب، ولايطيق أن تذكر سيرتها بسوء، وعلي الجانب الآخر نتعرف علي ضابط المباحث "خالد الصاوي" في واحد من أجمل أدواره التليفزيونية، وحتي الحلقة السابعة يبدو وكأنه يلعب في منطقة بعيدة عن الحدث الأساسي وهو الاستعداد لحفل زفاف صافي سليم الذي يشغل أبناء الطبقات المخملية، وسوف يصبح "خالد"محركاً للأحداث بعد مقتل العروس في جناحها الخاص بالفندق !يتحول حفل العرس الي قاعة لعرض كل النماذج التي تطفو علي سطح المجتمع المصري في الآونة الاخيرة ، رجل دين منافق، وزير سابق يسعي للعودة للأضواء، وزراء في السلطة ولهم علاقات وثيقة بعالم البزنس، صحفي فاسد اعتاد علي ابتزاز المشاهير، نجوم فن سفراء دول صديقة، يعني صورة مصغرة من المجتمع المصري داخل قاعة فرح ! ليلة العرس تحدث حالة من التوتر داخل قاعة الفرح عندما يحاول وزير سابق التحرش بإحدي العاملات بالفندق تدافع الفتاة عن نفسها وتقوم بمسخرة الوزير ويتكهرب جو الفرح، وتقوم الإدارة بسحب الفتاة والتحفظ عليها والتحقيق معها بينما تقوم الصحفية "كندة علوش" باستدعاء الضابط حسن محفوظ "خالد الصاوي" لإنقاذ الفتاة، ولكن يحدث موقف آخر يؤدي الي فركشة الفرح تماما بعد الاعلان عن وجود قنبلة في القاعة تصبح الأمور خارج السيطرة ويهرع الوزراء للخارج في ذعر مقيت ويدرك العريس "زكي فطين عبد الوهاب" أنه أساء إلي نفسه وتاريخه عندما قرر الزواج من صافي سليم ، التي تصاب بدورها بانهيار نفسي وبينما يترك العريس الفندق تماما ويترك عروسه في جناحها تعاني مما لاقته في ليلة عرسها ! ولن يتوقف الأمر علي هذا النحو بل سوف يزداد تأزما وتشابكا بعد مقتل صافي سليم وهو الحدث الذي ينتظره المشاهد منذ بداية الحلقات ! إيجاز واضح الموضوع مثير للغاية وطريقة السرد أكثر إثارة مع اهتمام كبير بجماليات الصورة وإيجاز واضح رغم كثرة التفاصيل، كندة علوش ورانيا يوسف، كارولين خليل ، وحنان يوسف وأحمد وفيق وغيرهم في أدوار بالغة الروعة سوف تضع كل منهم في مكانة مميزة، أما خالد الصاوي فهو يحفر مع كل دور يقدمه نموذجا إنسانيا غير مسبوق ومع أهل كايرو يقدم انقلابا في صورة ضابط المباحث، يعاني مثل أي شاب آخر من مشاكل حياتية سواء مع زوجته السابقة ووالدها أو مع ديونه التي تنغص حياته ، أو مع علاقاته في مجال العمل تفاصيل ينتحتها خالد الصاوي لتصنع شخصية إنسانية لا تملك إلا أن تقع في هواها وتترقبها يوميا، وأحيانا تشاهد الحلقات أكثر من مرة لتستزيد من المتعة التي يقدمها المسلسل! مجرد تمهيد استضاف برنامج «القاهرة اليوم» أبطال مسلسل "أهل كايرو" خالد الصاوي ورانيا يوسف والمخرج محمد علي، وانهالت المكالمات التليفونية علي البرنامج من مشاهدين ينتمون إلي عدة دول عربية، وكان واضحا إعجابهم الشديد بالمسلسل واستيعابهم لمفرداته الفنية المختلفة، وكان السؤال الذي يشغل الجميع متي يتم قتل صافي سليم؟ إن الجميع يتعجل الوصول الي نقطة الذروة، اعتقادا منهم أن قتل صافي هو المحرك أو نقطة القفز للحدث وأن كل ماسبق كان مجرد تمهيد لما سوف يأتي، وهو أمر يدل علي متابعة الجمهور للأحداث بشغف ولكنه يدل أيضا علي تأثرهم بما أشيع من أن الأحداث تتماس مع فيلم المذنبون الذي يبدأ بمقل ممثلة شهيرة "سهير رمزي" بعد حفل صاخب أقيم في فيللتها وحضره نخبة من صفوة المجتمع !ثم ماتلي هذا الحادث من تحقيقات تكشف فساد تلك النخبة المتورطة في قضايا لاتقل جرماً عن القتل، ولا أظن أن "أهل كايرو" سوف يتخذ هذا المنحي، غير أن البعض يهوي نظرية الشبهية، أي البحث عن شبيه لكل عمل ناجح ، ربما لأنهم يستكترون علي مبدع العمل تميزه أو ابتكاره لشكل مختلف من أساليب السرد! ومن عناصر التميز ايضا الحوار الممتع الذي يناسب مكونات كل شخصية والاضاءة والموسيقي التصويرية وإن كان المكساج في بعض المناطق يؤدي الي ارتفاع صوت الموسيقي عن حوار الشخصيات، بالإضافة الي تصميم تترات البداية والنهاية وأغنية التتر التي يؤديها حسين الجاسمي من كلمات لأيمن بهجت قمر وموسيقي علي طلعت ، ولم يزعجني في هذا العمل الذي كان يمكن أن يكون أقرب للكمال إلا ثرثرة "إيمان السيد" التي تقدم شخصية وصيفة صافي سليم ومحاولتها للإضحاك والتهريج الدائم مما يجعلها خارج السياق تماماً!