وماذا إذا ثار الشعب غدًا ضد الإخوان؟ ما البديل وكل الاتجاهات السياسية المتاحة إما وليدة وإما ضعيفة هزيلة وإما غير منظَّمة وإما نفعيَّة؟ هل سنخرج من بطش إلى بطش، أم من بطش إلى فوضى، أم من بطش إلى تكالُب على السلطة؟ تبدو كل الخيارات سيئة، ويبدو المتاح سيئًا أيضًا، خصوصًا إذا كنا قمنا بالثورة ونحن نقول إن أي شيء بعد مبارك سيكون أفضل، ولكن ها نحن قد بدأ بعضنا يترحّم على أيام مبارك. ما البديل إذن؟ في رأيي أنه ليس أمامنا سوى بديل واحد، أن نضمن أن النظام -سواء كان الإخوان أو سواهم- سيكون محكومًا بقوة أعلى منه، تكبّله إذا أراد فكاكًا من التزامه، وتعاقبه إذا أراد أو أتى بطشًا أو ظلمًا للشعب أو سرقةً لمقدَّراته. هذه القوة إذا لم نضعها بأيدينا وإرادتنا في الدستور القادم، فلا أحد يضمن أي نظام، ولو كان البرادعي هو الحاكم، بل ولو كان عمر بن الخطاب هو الحاكم، فقد كان ابن الخطاب محكومًا بدستور إلهي هو القرآن الكريم والشريعة الإسلامية الحقيقية، وكان كلما أوشك أن يظلم، وهو غافل عن ذلك، أدركه عليّ بن أبي طالب بما جاء في الشرع من حق يجبره به على التراجع عمّا عزم عليه. وكما كان القرآن الكريم سلطانًا أعلى من سلطان الحاكم، فيجب أن نجعل دستورنا القادم سلطانًا فوق سلطان الحاكم والحكومة، نضمن به أن لا يبطش بنا باطش مهما رأيناه عادلاً قبل توليه الحكم. سيقول قائل: ولم لا نجعل دستورَنا هو القرآن الكريم كما كان هو دستور عمر بن الخطاب؟ وأقول له: إن الشريعة الإسلامية والقرآن الكريم سيكونان مضمَّنَين في مواد الدستور، وبقيّته تفصيل لأمور جاءت في الشريعة الإسلامية، تخصّ حقوق الإنسان والمرأة والطفل والعامل والموظف والجار، ومهمات كل مسؤول في الدولة، وهي كلها أمور جاءت ضمنًا في الشريعة الإسلامية والقرآن، ولم تأتِ تفصيلاً، أي أن وضع الدستور ليس شيئًا مخالفًا لوجود القرآن الكريم، بل هو مفصِّل لبعض مما جاء مفصَّلاً فيه. … ستجدون أقوامًا يدورون بينكم وبين أهليكم ليقنعوهم بما يريدون، وسيُغْرُونهم -وقد يرهِّبونهم من جهنّم وبئس المصير إذا رفضوا- بعبارة "بما لا يخالف الشريعة"، فاعلموا أن هؤلاء إنما يعنون "الشريعة التي يرونها"، لا الشريعة التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلّم. فهؤلاء أنفسهم كانوا يحرّمون الخروج ضد ظلم الحاكم ويسمّونه "الخروج على الحاكم" تهييبًا للناس وتكفيرًا لمن يفعله (والخروج على الحاكم يعني مقاتلته بالسلاح، وهو ما لم يحدث قط في مصر). وهم أنفسهم لم يخرجوا مرة ضد من ظلم، ومنهم من كان للظالم يدًا باطشة، ومنهم من كان صوتًا عاليًا بالباطل، وهم أنفسهم الذين غرّروا ببسطاء الشعب في استفتاء تعديل الدستور فزيَّنوا لهم ما دخلنا به في غياهب الظلام عامَين، وهم أنفسهم الذين مالَؤوا العسكر طويلاً حتى سالت دماء شهدائنا الطاهرة، فلم يرعوا للدماء حرمة ولا قداسة كما أمرَنا وأمرَهم الله، وهم أنفسهم الذين كفّروا ويكفّرون كل من يخالفهم، فلا تظنُّوا فيهم خيرًا، فمن لم يظهر خيره وقت الشدة، فلن يظهر له خير وقت الدَّعَة. … وإني أتوب إلى الله أمامكم وأستغفره من كل ظنّ سوء، إنما هو ما عانيناه جميعًا معًا، وما زلنا نعانيه، فمن أراد ما أريدُ فليشدُدْ بيده على يدي وينشر هذه الدعوة، ومَن لم يُرِد فإن لنا قدَرًا بيد الله لن يتغيَّر، وإنما نحن أسبابُه.