نشأة علم التخدير تقول كتب المدرسة الغربية أن علم التخدير الحديث لم يبدأ ألا مع اكتشاف مادة الأثير عام 1842م وطبعا المجتمع البشري مدين بإدخال طرق التخدير الحديثة إلى مجال الممارسة الطبية إلى: 1. ويلز & مورتون 2. كروفورد لونج 3. سيمسون. لكن الصحيح كان أطباء المسلمين من أوائل الذين عملوا على تخفيف ألام الإنسان، ففي الوقت الذي نبذ الأطباء في أوربا القرون الوسطى الجراحة، ووضعوها في مرتبة متدنية، بل أخرجوها من علم الطب إلى الاعتقاد الذي كان سائدا في الغرب وهو أن الألم والمعاناة هما الثمن الذي يجب أن يدفعه الإنسان ليكفر عن خطاياه. لهذا لا يمكن للجراحة أن تزدهر وتتطور ما لم يزدهر علم أخر، إلا وهو علم (التخدير) وقد كان للمسلمين فضل كبير في هذا العلم، فهم الذين أسسوه بوصفة علما، وأطلقوا علية أسم (المرقد) أي المخدر، وخاصة التخدير العام في العمليات الجراحية. الأطباء المسلمون هم الذين ابتكروا أداة التخدير التي كانت ومازالت شائعة، وهي (الاسفنجة) فقد أورد أبو الفتوح التونسي في كتابة (عيون الإنباء في طبقات الأطباء) أن العرب المسلمين هم الذين اخترعوا (الإاسفنجة) المخدرة، والتي لم تكن معروفة قبلهم، حيث كانت تغمر في عصير أحدى المواد المعروفة آنذاك بعملها المخدر ثم تجفف في الشمس، وأدا ما أرادوا استعمالها ثانية، فأنهم يرطبونها بقليل من الماء، وتوضع على أنف المريض، فتمتص الماد المخاطية المواد المخدرة، ويذهب المريض في نوم عميق وتتم العملية الجراحية بدون ألام تذكر. لقد عرف الأطباء المسلمين الجراحة ومارسوا مختلف المداخلات الجراحية التي كانت معروفة في ذلك الوقت، من بتر واستئصال اللوزتين والأورام، وأحيانا يعرضون وصفا مسهبا لبعض التفاصيل الفنية المتبعة. هذا القدر من المداخلات الجراحية لا يعقل أن يجري بدون الاستعانة بقدر من تخفيف الألم. ومما ساعد على ولوج المسلمين حقل التخدير والعمل على تطويره هو أن قصة الألم كنوع من الجزاء الإلهي لا أصل لها في معتقداتهم وتقاليدهم. هنالك قرائن تشير أن المسلمين كانوا يستعملون المهدئات وخلائط مزيلة للألم قبل العمل الجراحي. ورد عن العلامة أبن سينا قوله (ومن أراد أن يقطع له عضو يسقى من البيروح في شراب مسيت) كان الخليط الذي أستخدم لتخدير المرضى وإزالة الألم يتكون من القنب الهندي (الحشيش)، فقاعات الأفيون (الخشخاش)، الشويكران (البنج). فقد ذكرت زيغريد هونكة في كتابها (شمس الله تسطع على الغرب) ما يلي: ((وللعرب على علم الطب فضل أخر كبير في غاية الأهمية، ونعني به استخدام المرقد (المخدر) العام في العمليات الجراحية)) ثم أضافت في فقرة أخرى (الحقيقة تقول والتاريخ يشيد أن فن استعمال الاسفنجة المخدرة فن عربي إسلامي بحت لم يعرف من قبل) وتضيف زيغريد هونكة (وعلم الطب حقق كسبا كبيرا واكتشافا هاما وذلك باستعمال التخدير العام في العمليات الجراحية وكم كان تخدير المسلمين فعالا، فريدا ورحيما لكل من يتناوله). وهو يختلف كل الاختلاف عن المشروبات المسكرة التي كان الهنود واليونان والرومان يجبرون مرضاهم على تناولها كلما أرادوا تخفيف الألم. كانت توضع هذه الاسفنجة في مزيج من الحشيش والأفيون وست الحسن والزوان. لقد قلنا في البداية أن علم التخدير بدأ تاريخيا باكتشاف الأيثر عام 1842م، لكن المثير والعجيب في الأمر أن العالم المسلم الكندي أستقطر (الكحول) وأكتشف الرازي حمض الكبريت وأدا علمنا أن الأيثر ينتج من تعامل (الكحول) بحمض الكبريت لتقطير واستخلاص قدر من الماء منة لأدركنا أن المسلمين كانوا أول من وضع أسس تركيب هذه المادة المخدرة الجوية (الطيارة) في حقل الكيمياء فان رابطة الأيثر التي هي الجدر الأساسي لمجموعة من مواد المخدرة الاستنشاقية التي تستعمل اليوم (أثير، ميتوكسي فلورين، أنفلورين، فلوروكسنت وفورين) يكتسب أهمية خاصة.
علم التخدير الحديث وتبدأ قصة أدوية التخدير الحديثة، في أواخر القرن الثامن عشر. ففي عام 1776، اكتشف الكيميائي بريستلي (priestly) غازاً، أطلق عليه غاز أكسيد النيتروز (nitrous oxide). وبعد عشرين عاماً من هذا الاكتشاف، اكتشف بريستلي وصديقه همفرى دافي (humphry davy) أن لهذا الغاز خاصية تخفيف الآلام في المرضى. وفي أوائل القرن الثامن عشر اكتشف العالم مايكل فاراداي (michael faraday) أن استنشاق الأثير (ether)، وهو سائل يتحول بسرعة إلى غاز، عند تعرضه للهواء الجوي، يسبب فقدان الإحساس بالألم. وفي هذه الأثناء، اكتشف بعض الناس أن استنشاق كلٍّ من أكسيد النيتروز والأثير معاً، يمنح إحساساً رائقاً محبباً، ويجعل الإنسان في حالة مرحة. ولذا أقيم عديد من الحفلات أطلق عليها حفلات الأثير المرحة (ether frolic)؛ حيث تميزت بالعبث واللهو. ويرجع الفضل، في استخدام أكسيد النيتروز في التخدير، إلى أطباء الأسنان، الذين كانوا على احتكاك يومي مع الألم، الذي يسببونه لمرضاهم، عند خلع أسنانهم. إذ لاحظ طبيب الأسنان الأمريكي هوريس ولز(horace wells) أن أحد المترددين على حفلات الأثير المرحة، التي كان يستنشق فيها أكسيد النيتروز، قد جُرِحَ جرحاً كبيراً إلا أنه لم يشعر بألم. وفي اليوم التالي قرر ولز فوراً أن يقوم بإجراء تجربة على نفسه، فقام باستنشاق غاز أكسيد النيتروز ثم قام أحد زملائه الأطباء بخلع ضرس له، فلم يشعر ولز بالألم. وتحمس ولز لهذا الاكتشاف، فقدم طلباً لعرض اكتشافه في المستشفي العام لولاية ماساشوسيتس (massachusetts general hospital)، الموجود في مدينة بوسطن الأمريكية. وفي يوم العرض، اجتمع حشد كبير من الأطباء والطلاب، وقام ولز بإحضار مريض له، يود خلع أحد أسنانه، إلا إن المريض صرخ من الألم، أثناء قيام ولز بعملية الخلع، فباءت دعوى ولز بالفشل الذريع. وإذا كان النجاح لم يحالف ولز، إلا أنه حالف صديقه، ويليام مورتون (william morton)، الذي كان يدرس الطب. وكان مورتون على دراية بغاز أكسيد النيتروز ومحاولات ولز معه. كما كان أيضاً على علم، بما للأثير من خواص خافضة للألم، ومفقدة للإحساس، لذا عكف مورتون على إجراء تجارب في تخدير الحيوانات بالأثير. وبعد أن تيقن من نجاحها، وأن الحيوانات تعود لوعيها، بعد فترة تطول أو تقصر، حسب جرعة الأثير الذي تعرضت لها، قام مورتون بإجراء تجارب عديدة على نفسه، تعلم منها أموراً كثيرة عن الأثير، وخواصه، وتأثيره على الإنسان. وفي عام 1846، تقدم مورتون بطلب، لعرض نتائجه، وتجربتها على مريض، تُجْرى له عملية جراحية، في المستشفى العام لولاية ماساشوسيتس، التي باءت فيها تجربة ولز بالفشل. وفي يوم التجربة 16 أكتوبر 1846 احتشدت غرفة العمليات في هذه المستشفى، والتي تعرف حالياً باسم قبة الأثير (ether dome) تخليداً لهذا اليوم، بالمئات من رجال الصحافة والإعلام الذين ملئوا الدنيا ضجيجاً بأن طالب طب في الصف الدراسي الثاني يدعي القدرة على منع الشعور بالألم عن المرضى، أثناء إجراء العمليات الجراحية. كذا احتشدت غرفة العمليات بأساتذة وطلبة الطب، وبلفيف كبير من الأطباء، الذين وفدوا من كل صوب وحدب، لتعلم مزيد عن التخدير. وعند حلول وقت إجراء العملية الجراحية، دخل القاعة السيد جلبرت أبوت(gilbert abbott)، وهو المريض الذي ستُجْرى له العملية الجراحية، ومعه الجراح الشهير، في ذلك الوقت، الدكتور جون وارين (john warren). الذي قام بتجهيز عدة رجال أشداء لإمساك المريض وربطه إلى منضدة العمليات عند الحاجة تحسباً لفشل تجربة مورتون، أو عدم حضوره. وبالفعل لم يحضر مورتون في الوقت المحدد. وانتظر الجميع ومرت الدقائق بطيئة متثاقلة حتى نفد صبر الجراح، الذي تحدث إلى الحشد قائلاً: يبدو أن السيد مورتون لديه أشياء أخرى تشغله عن المجيء، وهنا ابتسم الحاضرون، في حين انكمش المريض على منضدة العمليات خوفاً. وما إن شمر الجراح عن ساعديه، وتناول المشرط، وشرع في إجراء العملية. حتى دخل مورتون إلى القاعة غارقاً في عرقه، فقد كان يسابق الزمن، طوال هذه الفترة لابتكار جهاز، يستطيع به المريض أن يستنشق الأثير، أثناء الجراحة. وتعجب الجراح عندما رآه، لكنه تراجع للوراء، وقال لمورتون متهكماً "حسناً يا سيدي، هاهو ذا مريضك مستعد لأن تفعل به ما تريد". وبهدوء وبرود شديدين شرع مورتون في عمله، وسط نظرات الحاضرين المملوءة بالدهشة والتعجب، وبعد دقائق معدودة من استنشاق الأثير، فقد المريض وعيه، وعندئذ نظر مورتون إلى الجراح، وتحدث إليه بنفس الصيغة التهكمية قائلاً: "حسنا يا دكتور وارين، هاهو ذا مريضك مستعد، لأن تفعل به ما تريد". وبدأت العملية، ولم يتوجع المريض، إذ كان في سبات عميق، وكان تنفسه طبيعياً، ونبضه منتظماً، وعندما انتهى الجراح وارين من عمليته، التفت إلى الحاضرين الذين كانوا في ذهول وصمت مطبق، كأن على رءوسهم الطير قائلاً: أيها السادة. . إن ما رأيناه اليوم حقيقة وليس خدعة. وقيل أن الجراح ذهب، بعد ذلك، إلى السيد مورتون وانحنى أمامه، مقبلاً يده قائلاً: "إن هذه لحظة لن ينساها التاريخ ولن ينساك معها". كذا صرَّح الجراح الذائع الصيت، دكتور هنري بيجلو (henry bigelow)، قائلاً: "إن ما رأيناه اليوم سينتشر في العالم أجمع، وسيستمر حتى نهايته". وانتشرت أنباء هذا النجاح بسرعة البرق، وفتح الطريق إلى الجراحة الحديثة، بلا ألم؛ حيث انتشرت في جميع أنحاء العالم، وحتى يومنا هذا. وعلى الرغم من هذا النجاح المذهل، لم تتحقق لمورتون السعادة، والرضا الذي كان يتوقعها. فقد ادعى الطبيب كروفورد لونج (crowford long) قد أجرى تجربة ناجحة مماثلة، قبل تجربة مورتون بأربع سنوات قام فيها بتخدير مريضه جيمس فينال (james fennial)، بواسطة استنشاق الأثير، ثم أزال ورماً، كان في عنقه، دون ألم. ولم يعلن لونج عن نتائج تجربته، في ذلك الوقت، ولم يحاول أن ينشر نتائج أبحاثه، إلا في عام 1849، وبعد أن ملأت أصداء نجاح مورتون الآفاق. لذا،. غير أن، مواطنو مدينته بوسطن قاموا بتشييد تمثال لمورتون بالقرب من مقبرته تقديراً لكشفه العظيم حيث دونوا عليه: "إلى ويليام مورتون مخترع التخدير، الذي كانت قبله العمليات الجراحية نوعاً من العذاب وصارت بعده شفاءً بلا آلام، إليه يرجع الفضل في معرفة العلم كيف يستطيع إيقاف الآلام"؛ أما كرفورد لونج، فقد نال أيضاً حظه من الشهرة بسبب اكتشافه، فقد أقيم له متحف، في مسقط رأسه، في مدينة جيفرسون، بولاية جورجيا، كما أن تمثاله يمثل ولاية جورجيا في مبني الكونجرس الأمريكي، حيث تضع كل ولاية رمزاً، لأكثر ما تعتز به على مدى تاريخها".