(ليس في وسعكم منع طيور الحزن من التحليق فوق رؤوسكم، ولكنكم تستطيعون منعها من بناء اعشاشها على شعركم) - حكمة صينية - كشفت دراسة أجرتها الدكتورة اسماء الحسين ونشرت تعليقا حولها جريدة الوطن في 30سبتمبر 2002م (أن 57% من النساء السعوديات العاملات و34% من غير العاملات يعانين من الاكتئاب بسبب توتر العلاقات الزوجية. ولوحظ في الآونة الأخيرة حدوث حالات اكتئاب واسعة وشديدة بين الزوجات بناء على إحصائيات وتقارير في العيادات النفسية. وحسب الدراسة فإن من أهم مسببات مشكلات الاكتئاب لدى المرأة المتزوجة طبيعة العلاقة بينها وبين زوجها، وتباعد الفارق العمري بين الزوجين. وعدم التكافؤ العلمي والثقافي والبيئي، أو اختلاف الزوجين حول المسائل المالية، أو مشكلات الأبناء، أو صراع المرأة والرجل سواء في إطار تعدد الزواج أو مشكلات الزوجة من أجل التوفيق بين مسؤولياتها الأسرية والوظيفية). وحسب الأرقام التي أوردتها الجمعية النفسية الأمريكية فإن مقابل كل رجل يصاب بالمرض النفسي تصاب امرأتان أو ثلاث بأمراض عصبية ونفسية مثل الكآبة والقلق والفصام والعته والوسواس القهري والتوتر، والأرق ويحتل مرض الكآبة المرتبة الأولى في قائمة الأمراض..
ولكن لماذا تكتئب النساء؟ وهل تتلقى المرأة الدعم الكافي داخل اسرتها او من المجتمع حيال ما تمر به من ضغوط نفسية يمكن ان تؤدي بها الى الاكتئاب؟ وهل المرأة مسؤولة عن التعريف بخاصية بنائها العضوي والنفسي حتى يتفهم من حولها طبيعتها الخاصة ؟
المرأة والمرض النفسي:
ذكر الدكتور "محمد عبد الله شاوش" مدير مستشفى الصحة النفسية في جدة،لجريدة الشرق الاوسط في العدد الصادر بتاريخ 5/مايو/2003م (ان الارقام الاحصائية تشير الى ان نسبة السيدات المصابات بمرض الانفصام في السعودية اكبر من الموجودة لدى الرجال، على الرغم من أن أعداد المراجعين لمستشفيات الصحة النفسية في البلاد هم من الرجال. وعزا الدكتور أسباب ذلك الى القلق والخوف والحساسية المفرطة التي تمتاز بها المرأة في المجتمعات العربية ،وان ما قد يساعد على تفاقم هذه المشكلة هو خوفها غير المبرر من التردد على عيادة الطب النفسي خشية نظرة المجتمع لها، او ما قد يترتب على ذلك من آثار اجتماعية على الأسرة). نحن هنا بالفعل أمام مشكلة خطيرة فإذا كانت المرأة لا تراجع الطبيب النفسي خوفاً من زوج غير متفهم او اسرة غير واعية فهذا يعني انها تقود نفسها الى الهلاك فالمرض العقلي او النفسي يتفاقم اذا لم يعالج . ومرض كالانفصام من اخطر الأمراض العقلية التي تصيب الإنسان وتسبب له المشاكل التي تبعده عن أهله وأصدقائه وتدفعه الى العزلة وتربك اسرته حيث لا يستطيع الاعتماد على نفسه مطلقا . إذن ما الدور المنوط بالمؤسسات العلمية والتخصصية لتوعية المجتمع بخطورة إغفال علاج المرض النفسي والعقلي ؟ وما دور الأسرة تجاه امرأة تعاني من المرض النفسي ؟
لماذا المرأة؟
ربما وحدهم الأطباء يعرفون أسرار جسد المرأة وتعرضه للتقلبات الهرمونية في اوقات معينة بدءا من مرحلة المراهقة وانتهاءً ببلوغها سن الخمسين. ويشير ("د. احمد أبو العزايم" إلى أن نسبة الأمراض النفسية تزداد بين السيدات عن الرجال حوالي 20-25%). وليس جسد المرأة وحده الذي يتعرض للاضطراب الهرموني كل شهر وفي فترات الحمل والولادة ثم سن اليأس انما ايضا روحها وذلك بسبب الضغوط النفسية التي تعاني منها جراء تحملها مسؤوليات مضاعفة في كل المجتمعات وحتى في المجتمعات الخليجية حيث ينظر الى ترفها لا تقل مسألة الضغوط النفسية على المرأة العاملة بسبب وجود الخادمات بل أنها أحيانا تزيد حيث إن المرأة أحياناً تقوم بدور الأم والأب معاً في ظل وجود السائق إذ يتنحى بعض الرجال عن مسؤولياتهم تجاه شؤون المنزل الخارجية ومتطلبات الاولاد ،يفعل ذلك بعض الرجال ملوحاً بسيطرته على المرأة حيث سمح لها بالعمل ومن هنا فعليها أن تتحمل الكثير دون شكوى وفي سبيل أن يدعها تنعم بتحقيق ذاتها من خلال العمل. أما إذا كانت ربة منزل فان الضغوط النفسية تختلف في مضمونها ولكنها لا تسلم منها حيث يستمر بعض الرجال في التخلي عن مسئولياتهم والتعذر بالانشغال الدائم في ظل انعدام عمل المرأة خارج المنزل وتوفير الخادمة لها وبالتالي فهي تملك الوقت. إذن في الحالتين تخضع المرأة للضغوط النفسية جراء عدم تفهم الزوج لمسؤولياته في مؤسسة الزوار.
حزن النساء:
حسب رأي خبيرة علم النفس في جامعة ستانفورد الأميركية "سوزان يكسيما" (فإن سبب حدوث الاكتئاب الشديد هو الاستسلام لمشاعر الحزن والسماح لها بالسيطرة الكلية على مشاعر الإنسان الأخرى، وبالتالي الوقوع في دوامة الحزن الدائم والعميق على عكس الذكور والذين يستطيعون نسيان الحزن بطريقة أو أخرى). لسنا في حاجة الى إثبات رأي الخبيرة سوزان فحزن الرجل مختلف عن حزن المرأة بلا شك حتى وان كانت المرأة اقرب الى التعبير عن مشاكلها "التنفيس" بينما يكبت الرجل همومه ولا يعبر عنها ،فإن حزن المرأة عميق ويتغلغل في روحها ويتحد مع تقلبات الهرمونات في جسدها ولذلك يصيبها الاكتئاب اكثر من الرجل. وحسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن بعض الأفراد قد يكونون من ناحية بيولوجية معرضين للمرض بينما آخرون يصابون بالاكتئاب نتيجة عوامل بيئية أو نفسية أو كليهما معا.. ولعلي هنا أُركز على العوامل البيئية لما لها من تأثير في حياة المرأة ولأن حزن النساء عميق جدا ولا يستطعن بسهولة الاعتماد على الذات في التخلص من احزانهن .
الاكتئاب الخفي:
كمثال على احتياج المرأة لتفهم معاناتها فان مرض "اكتئاب فترة النفاس" والذي بدأ يتعرف عليه الطب منذ 50عامًا فقط، تعاني منه كما تخبرنا د. نادية العوضي في مقالة لها في جريدة البيان الإماراتية بتاريخ 2001/7/2م(ما بين 50- 80% من النساء وهو يختفي تلقائيا بعد 10- 12يومًا من الولادة،لكن المجتمع لا يهتم بخطورة بقائه ان لم يذهب فهناك نسبة 20% من هؤلاء النساء تتطور الحالة لديهن إلى اكتئاب مرضيّ أو تبدأ ظهور الأعراض بين الأسبوع الثاني والثامن عقب الولادة بدلاً من عدة أيام فقط بعدها. وتتمثل أعراض هذا النوع من الاكتئاب في الميل إلى البكاء والحزن والقلق وصعوبة في النوم، ولا تحتاج المرأة المصابة بهذه الحالة عادة إلا إلى بعض الدعم النفسي والمساعدة في أعباء المنزل ورعاية الوليد الجديد. هذا الاكتئاب المرضي يحتاج إلى استشارة ضرورية للطبيب لتلقّي العلاج اللازم، والذي يأتي في هذا النوع من الاكتئاب بنتائج سريعة ومثمرة، إلا أنه بسبب جهل أهل المريضة بهذا المرض أو بسبب تخيّل بعض الأطباء أنها حالة طبيعية لا بد للوالدة أن تمر بها عقب الولادة، لا تتلقى الكثير من النساء ما تحتاجه من علاج، وبالتالي تصبح عرضة لتطور الحالة إلى الاكتئاب المصحوب بأعراض ذهانية). ما زلت اذكر حين كنت أتدرب خلال دراستي الجامعية على دراسة المشكلات الاجتماعية في بعض المستشفيات والمؤسسات الاجتماعية المرأة التي ماتت بسبب اكتئاب ما بعد النفاس أظن تلك المرأة لم تكن بحاجة إلا الى الدعم النفسي وتفهم وضعها الصحي، تلك الحادثة مر عليها اكثر من خمسة عشر عاما ووفق الإحصاءات التي ترجح ازدياد الاكتئاب فلا استبعد ان نساء قد فقدن الحياة بسبب اكتئاب غيرمفهوم! ولو نظرنا الى طريقة تعامل المجتمع مع ظروف المرأة بعد الولادة لوجدناها تصب في ازدياد الوضع تأزماً فالمرأة تذهب الى بيت أهلها أي تنفصل عن الزوج فلا يدعمها لأنه لا يعرف شيئا عن معاناتها مع المولود فضلاً عن تقيد المرأة باستقبال الضيوف المهنئين بصرف النظر عن الإرهاق والتعب النفسي الذي تعانيه وأشياء أخرى كثيرة تعرفها النساء جيدا .
النساء أولا
لا يحتاج الأمر الى القول بأن مشاكل المرأة تهمش احيانا وعلى مستوى عربي وعالمي ففي لقاء مع الدكتور جمال التركي اجرته مجلة الثقافة النفسية المتخصصة الصادرة في / يولية / 2001م تحدث عن ( الاهتمام الذي طرأ مؤخرا بطب نفس المرأة بصفة منفصلة عن طب نفس الرجل حيث الضرورة التي أملتها نتائج الأبحاث الحديثة ، حيث تبيّن العلاقة الوثيقة بين الهرمونات الأنثوية والاضطرابات الوجدانية (خاصة بين الأستروجين والسيروتونين) وقد لوحظ ارتفاع واضح في نسبة الاضطرابات المزاجية عند المرأة مقارنة بالرجل . وقد تم عرض أرقام في المؤتمر العالمي الأوّل للصحّة النفسية للمرأة (برلين: 27- 2001/3/31) ، من ذلك تقدّر نسبة الإصابة بالاكتئاب الجسيم عند المرأة ب 22% وهي عند الرجل لا تتجاوز 13% ، نسبة الديستيميا تساوي 9% عند المرأة و 5% عند الرجل، الاضطرابات الوجدانية الفصلية 6% عند المرأة و لا تتعدى 1% عند الرجل. هذا إضافة إلى تفرّد المرأة باضطرابات وجدانية خاصّة بها بحكم تكوينها البيولوجي كاضطراب خلل الوجدان السابق للحيض، و اكتئاب ما بعد الولادة). إذن هناك بالفعل تقصير في العناية بنفسية المرأة وهناك مؤسسات التعليم لدينا والتي لا تدرِّس الطالبات أو الطلاب شيئاً عن سيكولوجية المرأة في المرحلة الثانوية ! وهناك مدارس البنات التي لا تعلِّمهن شيئا عن الصحة النفسية ! لكن هل التقصير فقط من قبل المنظمات النفسية العالمية أم ان التقصير ايضا من المرأة نفسها ؟ بعض النساء لا يعرفن أو يحاولن أن يتعرفن على أسرار أجسادهن وكيف أن الهرمونات تتحكم كثيرا في المزاج والنفسية وينعكس هذا بشكل اكيد على علاقة المراة مع من حولها سواء كانت متزوجة او عزباء،كما أننى أرى أن على المرأة المتزوجة إفهام الرجل طبيعة جسدها وما يعتريه من تغيرات فبعض الرجال لا يعرفون عن عالم المرأة إلا القليل .
المرأة والزواج:
ترى الدكتورة موزة غباش "أن النساء في الخليج يعانين غالبا من الاكتئاب النفسي بدرجات بسيطة ومعتدلة بسبب المتغيرات البيئية والاجتماعية، فيما توجد بعض حالات لنساء يعانين من اكتئاب حاد لأسباب بيولوجية".وتعتقد الدكتورة غباش أن الأمهات في الخليج يتحملن وحدهن مسؤولية رعاية الأسرة بمشاركة بسيطة من الآباء الذين يتوقعون من النساء التصرف وفقا للنظام الاجتماعي التقليدي). هل يمكننا القول إن اكثر اكتئاب النساء لدينا من عدم التوافق الزواجي ؟ هل تشكل مؤسسة الزواج داعماً قوياً لصحة المرأة النفسية؟ في ظل وجود المرأة كعضو في مؤسسة الزواج فإن ذلك بالتأكيد يشكل عاملاً هاماً في حياتها يسبغ عليها الاستقرار أو يدفعها للاضطراب. أما إذا لم تكن المرأة عضواً في مؤسسة الزواج فيكفيها أن المجتمع يثقل عليها بضغوطه فلا تستطيع الانفكاك من نظرته إليها بالنقص أو العيب. قليلاً من الرفق بالمرأة فهي تحمل جسداً من نار وروحاً من ضياء.. كما أرجو أن تلتفت مؤسسات التعليم لدينا الى التثقيف الصحي للطلاب بشكل اعمق من سرد الامراض .. نحتاج أن يعرف الشاب سيكولوجية المرأة وان تتعرف الشابة الى سيكولوجية الرجل بشكل علمي يساعد الشباب على فهم الآخر . ولئن استطاع الشاب في ظل الانفتاح المعلوماتي ان يعرف الكثير عن عالم النساء دون عمق في الوعي فما زالت البنات بحاجة الى ان يعرفن ذواتهن بشكل يضمن لهن الاستقرار في الحياة .