«الصحة» تنظم دورات تدريبية حول الإسعافات الأولية من خلال فروع هيئة الإسعاف بمختلف المحافظات    رئيس شعبة الدواجن: ارتفاع أسعار الفراخ بسبب مشكلة تسعير وليس احتكار    إيلون ماسك يثير الجدل بلفظ غريب عن سيارة «تسلا»| صور وفيديو    طرح 8 مزايدات عالمية للاستثمار في البحث والاستكشاف عبر البوابة الرقمية للبترول    باحث سياسي: إسرائيل تضع العالم أمام مخاطر جديدة.. ولا رادع لها    حزب الاتحاد ينظم ندوة بعنوان «إفريقيا عمق استراتيجي لمصر ومصير مشترك»    رسالة نارية من إبراهيم سعيد ل «شيكابالا»: اعتزل واحترم تاريخك    مستند دولي ينهي جدل أزمة منشطات الأهلي والزمالك بالسوبر الإفريقي ويحدد العقوبات    «ارتدى قناعًا».. مبابي يثير غضب جماهير فرنسا بعد ظهوره في ملهى ليلي (صور)    لصوص الدعم.. ضبط 15 طن دقيق مدعم داخل مخابز سياحية    تأجيل محاكمة إمام عاشور والمتهمين في واقعة مؤمن زكريا| أبرز أحكام الأسبوع الماضي    الهضبة عمرو دياب.. أسطورة الموسيقى يحتفل بعيد ميلاده    4 أبراج مخلصة في الحب والعلاقات.. «مترتبطش غير بيهم»    دار الإفتاء توضح فضل زيارة مقامات آل البيت    التحالف الوطني يطلق قافلة طبية بمركز الزرقا في دمياط للكشف والعلاج مجانا    أسعار التوابل اليوم الجمعة 11-10-2024 في محافظة الدقهلية    تغلب على هالاند.. بالمر لاعب الشهر في الدوري الإنجليزي    "شباب الأحزاب والسياسيين" تعقد ندوة بشأن مرور عام على حرب غزة وتحديات صناعة السلام    مسؤولون أمريكيون: المرشد الإيراني لم يقرر استئناف برنامج السلاح النووي    ضبط مخزن زيت طعام بدون ترخيص والتحفظ على 5 آلاف زجاجة مجهولة المصدر    مصادر طبية فلسطينية: 21 شهيدًا بغارات إسرائيلية على غزة    معارض أوكراني: زيلينسكي يفضل خسارة الحرب على السلام    غدا.. الأوبرا تنظم 4 حفلات ضمن فعاليات الدورة 32 من مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    شبهت غزة بوضع اليابان قبل 80 عامًا.. منظمة «نيهون هيدانكيو» تفوز بجائزة نوبل للسلام    90 صورة من حفل زفاف مريم الخشت بحضور أسماء جلال ويسرا وجميلة عوض    أوقاف الدقهلية تفتتح مسجد أحمد إبراهيم في دكرنس (صور)    فضل الدعاء للأب المتوفي في يوم الجمعة: مناجاةٌ بالرحمة والمغفرة    ننشر حصاد جلسات مجلس النواب 7 -8 أكتوبر 2024    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة بمسجد الشهداء بالإسماعيلية    أخصائية تغذية: هذا الجزء من الدجاج لا يُنصح بتناوله    الجيش الكوري الجنوبي: "بيونج يانج" ترسل حوالي 40 بالونا يحمل القمامة باتجاه كوريا الجنوبية    أوقاف بني سويف: افتتاح 6 مساجد بالمحافظة خلال الشهر الماضي    إيمان العاصي عن تجسيد قصة حياتها في «برغم القانون»: «كلام عجيب.. وأبو بنتي مش نصاب»    تقرير إسرائيلي: خلافات حادة في جلسة المجلس الوزاري المصغر    بحضور وزير الأوقاف: «القومي للمرأة» ينظم ورشة عمل للقادة الدينيين    تعرف علي حكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة    الحوار الوطني.. ديمقراطية الرأي والرأي الآخر دليل على وجود مناخ صحي تشهده مصر تحت رعاية الرئيس السيسي    وزير الإسكان: تسليم الوحدات السكنية بمختلف أنواعها بالمدينة للحاجزين    إصابة مواطن في إطلاق نار بسبب مشاجرة بسوهاج    تنزانيا تسجل أول إصابة بجدري القردة وسط مخاوف صحية دولية    موعد مباراة مالي وغينيا بيساو في تصفيات أمم إفريقيا 2025 والقنوات الناقلة    القومى للطفولة يولي مهام رئاسة المجلس لعدد من الفتيات في يومهن العالمي    سقوط تشكيل عصابي تخصص في سرقة سيارات النقل بالأقصر    الصحة: إغلاق عيادة جلدية يديرها أجانب مخالفة لاشتراطات التراخيص في مدينة نصر    سفيرة مصر في زامبيا تطالب الكنيسة بتوسيع خدمات المستشفى القبطي    أجواء سياحية صباحية بزيارات معابد شرق وغرب الأقصر مع تحسن حالة الطقس.. صور    الأربعاء..انطلاق Arabs Got Talent بموسمه السابع على MBC مصر    خطبة الجمعة اليوم.. تتحدث عن السماحة في البيع والشراء والمعاملات    مشادة كلامية.. حبس فتاة قتلت صديقتها طعنا داخل كمباوند شهير في أكتوبر    ترامب يتعهد بإلغاء الضريبة المزدوجة على الأمريكيين المقيمين بالخارج حال الفوز    تغيرات حادة في أسعار الحديد والأسمنت بمصر: التقلبات تعكس الوضع الاقتصادي الحالي    للنصب على المواطنين، حبس صاحب أكاديمية وهمية لتعليم التمريض بالإسكندرية    التأمين الصحى ببنى سويف تنظم برنامجا تدريبيا عن الأسس العلمية لإدارة المكاتب    موعد مباراة هولندا والمجر والقنوات الناقلة في دوري الأمم الأوروبية    أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم.. الماكريل ب 180 جنيهًا    اختللاط أنساب.. سعاد صالح تحذر المواطنين من أمر خطير يحدث بالقرى    «راجع نفسك».. رسائل نارية من رضا عبد العال ل حسام حسن    مباشر الآن مباراة البرازيل ضد تشيلي (0-1) في تصفيات كأس العالم 2026.. لحظة بلحظة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفعت السعيد يكشف كواليس الاضطرابات الكبرى بالبلاد منذ 2011 وحتي الإطاحة بمرسي
نشر في البوابة يوم 08 - 11 - 2014

أزاح السياسي والمؤرخ المصري رفعت السعيد الستار عن كثير من المتغيرات الدقيقة التي أسهمت بقوة في إنهاء حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، سواء من الشعب أو من الأجهزة المعنية. وكشف السعيد لمجلة «المجلة»، في عددها الصادر هذا الشهر، عن كواليس الاضطرابات الكبرى التي شهدتها البلاد منذ عام 2011، ودور جماعة الإخوان المسلمين ورئيس المخابرات ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في محاولة الإمساك بدفة الأحداث وسط أمواج متلاطمة من المظاهرات والفوضى الأمنية التي ضربت البلاد عقب تخلي مبارك عن الحكم. كما يتطرق السعيد لصراعات جبهة الإنقاذ التي أطاحت بحكم الرئيس المعزول محمد مرسي، ويتناول في الوقت نفسه لمحات وأسرارا من المقابلات التي جمعته مع كل من الرئيس الأسبق ونجله جمال، وعدد من قادة الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم الذي كان يرأسه مبارك حتى جرى حل الحزب بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. وفي ما يلي ملخص لشهادة القيادي اليساري البارز رفعت السعيد الموسعة ل«المجلة» بشأن سنوات الاضطرابات الكبرى التي مرت على مصر منذ أحداث 25 يناير إلى ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 التي أطاحت بالرئيس محمد مرسي وجماعة والإخوان المسلمين.
بدأ رفعت السعيد شهادته بكشف تفاصيل دعوة المجلس الأعلى للقوات المسلحة له لمقابلة عدد من قادته في أعقاب قرار الرئيس حسني مبارك بتكليف القوات المسلحة بتسلم السلطة بعد تخليه عن منصب رئيس الجمهورية مساء الجمعة 11 فبراير (شباط) عام 2011.
يقول السعيد إنه كان حاضرا في هذه المقابلة، من أعضاء المجلس العسكري الحاكم وقتها، اللواء محمد العصار، واللواء ممدوح شاهين، واللواء محمود حجازي، واللواء إسماعيل عتمان، الذي كان مسؤولا عن الإعلام (إدارة الشؤون المعنوية بالجيش)، بالإضافة إلى اللواء عبد الفتاح السيسي (رئيس الدولة الحالي) الذي كان عضوا في المجلس بحسب وظيفته كمدير للمخابرات العسكرية والاستطلاع، وذلك وفقا لما كان مكتوبا على بطاقة التعريف الخاصة به، والتي أعطاها للسعيد حيث لم تكن عليها أي أرقام هواتف، وهو أمر نادر لا تجده إلا في كروت تعريف الشخصيات المهمة.
ويتابع السعيد، الذي تعرض للاعتقال والسجن في عهد عبد الناصر، قائلا إن هذه المقابلة مع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة جرت وقائعها بعد تخلي مبارك عن سلطاته بنحو 4 أو 5 أيام، في فندق «تيريومف» بشارع الخليفة المأمون في شرق القاهرة، واستمرت نحو 5 ساعات، ويقول إن الذي كان يتحدث في هذا اللقاء هو اللواء السيسي «لسبب لم أكن أعرفه»، ويواصل متذكرا ذلك اللقاء: «المهم جلست، وقلت لهم: حضراتكم لا تعرفونني.. أنا رجل لا أريد شيئا، ولا أتنازل عن رأيي إلا إذا اقتنعت بعكسه.. أريد فقط أن أتقدم بالنصيحة من وجهة نظري، وأن أستمع لأقدم رتبة عسكرية فيكم».
ويضيف السعيد أن أقدم رتبة بين القادة العسكريين الجالسين كان اللواء محمود حجازي، الذي بادره بالقول: «نحن، في العسكرية، لا يتكلم الأقدم أولا، ولكن يتكلم الأقل أقدمية أولا». فسأله رفعت السعيد متعجبا: «ولماذا؟»، فقال له اللواء حجازي: «لأن الأقدم رتبة لو تكلم، وكان في كلامه شيء من الخطأ، فإن الأقل منه رتبة لن يستطيع أن يقول له إنه على خطأ، وما يجب وما لا يجب. لكن عندما يتكلم الأقل أقدمية أولا فإن الأعلى رتبة منه يستطيع أن يصحح له ويقول له أنت أخطأت في كذا وينبغي كذا ولا ينبغي كذا، وعلى هذا نستطيع أن نتبادل الأفكار وأن نتفاهم مع بعضنا بعضا».
ويتابع الدكتور السعيد قائلا إن السيسي، الذي كان أقل لواءات أعضاء المجلس العسكري أقدمية في ذلك اللقاء، واصل حديثه بعد ذلك و«تكلم باستفاضة شديدة، ولا أعتقد أنه مسموح لي بأن أقول كل تفاصيل الحوارات التي جرت هناك، لكني قلت لأحد أعضاء المجلس العسكري: أنتم جيش منضبط، فما معنى أن يكون مبارك جالسا في بيته وهو ما زال رئيسا للجمهورية، وتسمحون بمرور دبابة أمام كاميرات التلفزيون مكتوب عليها يسقط مبارك.. تمر هذه الدبابة بهذه اللافتة، فمن كان يقف وراء المكتوب عليها، وهل كان ذلك دون إذن من قادة الجيش، مثلا؟». وأجاب عضو عسكري البارز قائلا: «نحن مَنْ كتبها.. هذه رسالة للعالم، ولك، ول(25 يناير)، ولمبارك نفسه.. رسالة لمبارك بأن الجيش لم يعد معه».
وفهم الدكتور السعيد من خلال المجريات التي أعقبت تخلي مبارك عن سلطاته بأيام أن الجيش كان قد حسم أمره قبل قرار مبارك نفسه بالتخلي عن سلطاته.
التوريث وسقوط مبارك
ويسترجع السعيد ذكرياته إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك مبينا في حديثه أن من بين أهم المتغيرات التي أسهمت بقوة في إنهاء رئاسة مبارك ما تعكسه الرسالتان اللتان وصلتا له من أحد أشد المقربين من عائلة مبارك وقصر الرئاسة، وذلك في الأشهر الأخيرة من عام 2010، حين قال له إن الرئيس قرر أن يقف بقوة ضد رغبة بعض الأطراف الحزبية والعائلية في ترشيح جمال مبارك، نجل الرئيس، للرئاسة، التي كان موعدها في خريف عام 2011، خلفا له، ثم عاد نفس هذا الرجل، وكان عضوا مهما في مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان)، ونقل رسالة مغايرة للسعيد، قال له فيها: «الموقف تغير.. لقد تجمَّعوا حوله، وأقنعوه بترشيح جمال».
في أواخر عام 2009 ومطلع عام 2010 كانت الأسئلة السياسية في مصر قد أخذت تكبر وتتضخم دون إجابة. والمظاهرات تتزايد في الشوارع، والحركات الشبابية والمعارضة تتشكل في القاهرة وبعض المحافظات. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي كان مقررا التحضير لها منذ صيف 2011، أصبحت سلالم نقابة الصحافيين في العاصمة أشهر مكان تعلو فيه صيحات الرافضين لما يتردد عن اعتزام الرئيس مبارك توريث ابنه جمال الحكم، رغم أن الرئيس وقادة الحزب الحاكم كانوا ينفون هذا الأمر. وفي تلك الأثناء اقترب الدكتور السعيد من نائب كان يحظى بأهمية كبيرة بين أعضاء مجلس الشورى، لسببين: صداقته الطويلة لمبارك، وصلة القربى مع أسرته. ويقول السعيد إن الرجل تعرف على مبارك قبل عدة عقود، أي في مطلع ستينات القرن الماضي، حين كان كل منهما في بعثة دراسية في موسكو، وإنه كان حين يتحدث عن فترة الدراسة تلك يقول عنه إنه كان عسكريا مستقيما جدا، وكان يمكث طيلة الوقت في استذكار دروسه، ولا يحب الخروج. كما أن كل التقارير التي كانت تُكتب عنه وهو طالب كانت تقول إنه دؤوب، وإنه لا يخرج كثيرا ولا يشرب الخمور.
ويوضح السعيد قائلا إنه في واحدة من المرات التي كان فيها القلق كبيرا في البلاد بشأن المستقبل، خاصة أن مبارك كان قد بلغ من العمر نحو 80 عاما دون أن يعين نائبا له، سأل قريب أسرة مبارك وصديقه: «أريد أن أسألك سؤالا وتجيبني عنه بصراحة.. هل قريبك (يقصد مبارك) ينوي توريثنا لابنه؟».. فأجابه الرجل: «لا.. وحين تناقشت معه في هذا الموضوع رد مبارك قائلا إن مصر ليست عزبة أبي حتى أورثها له (لجمال). وقال لي أيضا اذهب إلى قريبتك (أي إلى سوزان مبارك) وأخبرها بأن هذا لا يصح ولا ينفع، وأنا أخشى على الولد من أن يتعرض للقتل لهذا السبب».
ويتابع السعيد أنه بعد مرور نحو شهر، وفي أحد الأيام، حين كان في قاعة مجلس الشورى، وجد الرجل نفسه يبحث عنه، وحين قابله قال له: «أريد أن أخبرك بأن المعلومة التي قلتها لك أصبحت خطأ. نجحوا في إقناعه بأن يأتي جمال رئيسا، وأن يجري إعداده لهذا الأمر.. كلهم (أعضاء من أسرة مبارك وقيادات من الحزب الوطني) تجمعوا حول الرئيس، وأخذوا يتحدثون معه ويعطون المبررات ويقنعونه حتى اقتنع.. أخبرك بهذا حتى لا يأتي يوم وتجد جمال مرشحا للرئاسة فتقول إنني كنت أكذب عليك».
ومن وجهة نظر السعيد فإن مبارك في أيامه الأخيرة «انقطع الإرسال بينه وبين الجميع وجرت محاصرته محاصرة تامة بطريقة كان يطلق عليها البعض حلقة النار، وأحد أبرز من كانوا يحيلون بين مبارك والآخرين رئيس ديوان رئيس الجمهورية، زكريا عزمي، الذي كان يشغل موقعا قياديا في الحزب الحاكم أيضا. ويتذكر السعيد إحدى الوقائع التي تخص هذا الموضوع، قائلا إنه «حين جرى تعيين أحد أصدقائي ممن كانوا يعملون في مؤسسة (الأهرام)، لرئاسة الهيئة العامة للاستعلامات (وهي واحدة من الهيئات المهمة للدولة خاصة على الصعيد الخارجي) اصطحبه مبارك معه في رحلة لإحدى الدول الأجنبية، لأنه كان يريد أن يتعرف عليه بشكل جيد». وفي الطائرة، حسب رواية السعيد، «أخذ رئيس هيئة الاستعلامات يتبادل الحديث مع مبارك، إلى أن قال له: يا ريس.. أنا عندي طلب بسيط، وهو أن تعطيني الإذن بأن أتصل بك في أي وقت، لأنه أحيانا تكون هناك معلومات تأتيني ينبغي أن تعلم بها أو أريد أن أسأل عن معلومة حتى لا أخطئ». ويضيف السعيد أنه أثناء انتقال رئيس هيئة الاستعلامات من المقعد المجاور لمبارك إلى مقعده الآخر في الطائرة، قال له المسؤول عن مكتب الرئيس: «أنت كسرت حلقة النار».. وكان يقصد حلقة النار حول مبارك. وأصيب رئيس الهيئة بالقلق، وحين عاد لمصر أبلغ السعيد عن الواقعة، فأخبره بأن ما حدث يعني أنه سيفقد موقعه، وهو ما حدث بعد نحو شهرين من تعيينه في هذا الموقع.
السنوات العشر الأخيرة
ويتحدث السعيد عن أن السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك كانت قد ازدحمت بالحديث عن الفساد والإفساد بطريقة جنونية وظاهرة للعيان، لكن كانت لديه مشكلتان أساسيتان طوال تلك المدة. الأولى تتعلق ب«جماعة الإخوان المسلمين» والثانية تدور حول «توريث الحكم لجمال». ويزيد قائلا: «أشهد بأن مبارك كان يكره (الإخوان)، واكتشفت أنه قرأ الكتب الثلاثة التي كنت قد أصدرتها. وحين كنت أقابله في مناسبة من المناسبات، كان يقول لي: (اكتب لنا كتابا جديدا عن الإخوان.. الموضوع بسيط وليس كيمياء)».
لكن السعيد يعود ويذكر أنه، أي مبارك، كان أيضا حريصا على استخدام الإخوان ك«فزَّاعة» لباقي قوى المعارضة ذات التوجهات المدنية والليبرالية واليسارية. وقام حزب مبارك بالتنسيق مع جماعة الإخوان في الانتخابات النيابية، ويقول السعيد إنه حين اكتشفت قوى المعارضة تحالف حزب مبارك مع «الإخوان» في انتخابات برلمان «2005 – 2010»، كان بعض المحيطين بمبارك يتحججون بأنهم يقومون بهذا الأمر في محاولة لترضية الجماعة من أجل الابتعاد عن المشاكل وتهدئة الأجواء السياسية في البلاد. ويضيف السعيد قائلا إنه وفقا لما تحصل عليه من معلومات فإن جمال مبارك كان في الأسبوعين الأخيرين من حكم والده يسيطر على الأمور، وهو من يقرر من يلتقي بمبارك.
وحضر رفعت السعيد زفاف، أو ما يسمونه في مصر «كتب كتاب»، جمال مبارك على زوجته خديجة ابنة رجل الأعمال المعروف محمود الجمَّال، والذي جرى في قصر القبة التاريخي بوسط القاهرة، في حضور أسرتي العروسين، خاصة مبارك وزوجته سوزان. وكان نجل الرئيس قد وجه الدعوة لكل رؤساء الأحزاب والشخصيات العامة للحضور. وتوجه السعيد للسلام على العروسين، ثم سار عدة خطوات للسلام على مبارك نفسه، حيث فوجئ بمبارك يقول له: «لماذا لا تكتب لنا كتابا عن مساوئ فاروق حسني». وكان فاروق حسني، وهو فنان تشكيلي بالأساس، وزيرا للثقافة، ويتعرض لانتقادات مستمرة من صحف ونواب المعارضة بشدة، ويكرهه تيار «الإخوان»، والمتطرفون. ولم يكن يعلم حتى هذه اللحظة أن مبارك يمزح معه وفي الوقت نفسه يبلغ رسالة تحذير للوزير، لأن فاروق حسني كان يقف، بنفسه، خلف السعيد، دون أن يراه. وقبل أن يلتفت خلفه قال السعيد لمبارك: «يا سيادة الرئيس.. أولا أنا أعتقد أن فاروق حسني رجل محترم، وهو صديقي.. وأريد أن أقول لك إنه بعد مرور 300 سنة سيقال إنه في زمن حسني مبارك كان هناك وزير اسمه فاروق حسني أنقذ الآثار الإسلامية والآثار القبطية من الضياع، وأعاد ترميمهما».
ويقول السعيد إن مبارك كانت له طريقته في توجيه الرسائل لمن حوله، وإن حديثه المازح عن وزير الثقافة كانت إشارة إلى أن الرئيس يريد منه أن يراجع نفسه وألا يتسبب في شيطنة منتقديه. كما أن مبارك كان أحيانا يشير إلى بطن أحد الوزراء ويبدي ملاحظة أنه أصبح أكثر انتفاخا وبروزا من قبل، مما يعني أن الرئيس يعطي إشارة تحذيرية عن أنه يراقب الأمور ويتابع المتغيرات، وأن كل مسؤول عليه أن يأخذ حذره، وألا يتجاوز حدودا معينة، كما يقول رفعت السعيد.
مقابلة الوريث
يضيف السعيد: «تحدث معي أحد النواب الشباب في مجلس الشورى، وكان هذا النائب يعمل بمثابة سكرتير خاص لمبارك الابن في الشؤون السياسية وغيرها. وقال: (جمال بك يريد أن يقابلك).. وكانت المقابلة في مقر الحزب الوطني على كورنيش النيل». وخلال اللقاء، وكان بالتحديد يوم 5 مايو (أيار) عام 2009، تلقى جمال مبارك نبأ عن وفاة زوجة رئيس الوزراء المصري حينذاك، الدكتور أحمد نظيف، وجرى إخطاره بموعد الجنازة، فتقرر إنهاء اللقاء من أجل الاستعداد للتوجه إلى العزاء. ومنذ ذلك الوقت تعذر انعقاد أي لقاء جديد بين الطرفين، رغم أنهما اتفقا على مواصلة مناقشة موضوع الضبعة.
ويتذكر السعيد المقابلة مع مبارك الابن ويقول إنه كان «غاية في الأدب.. لدرجة أنه نزل معي لكي يوصلني إلى باب السيارة». ويضيف أنه: «لم يكن يحبذ أن يعلم أحد بهذه المقابلة لأنها لم يكن لها شأن بالعمل السياسي، ولهذا قلت لجمال مازحا وهو يهبط معي درجات السلم خارج مكتبه: (فضحتني)، لكن، على أي حال لم يكن هناك أحد». ويصمت السعيد قليلا قبل أن يشير إلى أن نزول جمال مبارك معه حتى سيارته «ربما كان متعمدا».
وانتهت السنة، وجاءت بعهدها سنة 2010 التي خسرت فيها المعارضة مقاعدها في البرلمان، ثم تداعت الأحداث سريعا مع الشهر الأول من عام 2011. ويقول السعيد إنه: «من الخطأ أن تتأخر في إصدار القرار اللازم في الوقت المناسب. فلم تكن المظاهرات في الشوارع تطالب بإسقاط مبارك، بل كانت لديها مطالب محددة مثل العيش (توفير الخبز) والحرية والعدالة الاجتماعية. وبالتالي كان على مبارك أن يتخذ 3 أو 4 خطوات للإصلاح الجذري، سياسيا واقتصاديا، لكي ينقذ نفسه، لكنه لم يفعل».
رئاسة مرسي وأملاك الإخوان
ماذا فعل الدكتور السعيد الذي عرف على مدى نحو 3 عقود بكتاباته ومواقفه المنتقدة للإسلاميين، بعد أن فاز الدكتور مرسي برئاسة مصر في يونيو (حزيران) 2012، مع وجود أغلبية برلمانية تهيمن عليها جماعة الإخوان والإسلاميون الآخرون من سلفيين وجهاديين وغيرهم؟
يقول: «كنت واثقا أن هذا الوضع لن يستمر، ولا أعرف لماذا، إلا أنها كانت أمنية تفرض نفسها فتتحول إلى رأي. وحين سُئلت: ألا تلاحظ أنك تقول الدكتور مرسي، وليس الرئيس مرسي؟ أجبتُ: نعم أنا متعمد ذلك، لأنني لا أعده رئيسا، لسببين، الأول ما شاب الانتخابات من عوار، إضافة للتدخل الأميركي والقطري. ولم يكن مرسي يتلقى التعليمات من مكتب إرشاد (الإخوان)، ولا من المرشد، بل من خيرت الشاطر (نائب مرشد الجماعة)، وأنا أعرف من هو الشخص الذي كان ينقل التعليمات بينهما، وهو شاب حاصل على الدكتوراه من كندا، ومقبوض عليه الآن في قضايا (الإخوان)».
وظل السعيد مكروها من «الإخوان» والمتطرفين كراهية شديدة كان يشعر بها ويراها من حوله، حسب قوله، رغم أن «الإخوان» حلّوا كجيران عليه قرب منطقة سكنه فوق جبل المقطم الذي يعد من مناطق نفوذ «الإخوان»، وذلك بعد أن اشترت الجماعة مقرا لها هناك من ناحية الغرب، بينما حاصرته مجموعة أخرى من المحسوبين على «الإخوان» من حزب الوسط الذي اتخذ له مقرا هو الآخر يقع إلى الشرق قليلا من مسكن رفعت السعيد.
ويقول السعيد الذي خصصت له الدولة حراسة بسبب التهديدات التي تلقاها بالقتل: «كنت أرى من نافذة غرفة نومي قيادات حزب الوسط وهي تجتمع في مقر الحزب». ويضيف أن «الإخوان» كانوا يكرهونه، وأنه يعطيهم الحق في هذا.. «لأنني كنت أهاجم أفكارهم وأنبش في تاريخهم وأدرسه، لدرجة أن بعضهم كان يقول لي أنت درست تاريخنا أكثر مما درستْه كوادر (الإخوان)».
جبهة الإنقاذ.. وتحالفات الساعات الأخيرة لثورة 30 يونيو
وصلت الجماعة إلى قمة السلطة بانتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر، إلا أنه سريعا ما تشكلت جبهة معارضة قوية ضد نظام مرسي و«الإخوان»، وحملت هذه القوى عنوان «جبهة الإنقاذ» عقب إصدار مرسي «التعديلات الدستورية» الشهيرة التي حصن فيها نفسه من المساءلة وأدت لردود فعل غاضبة في الأوساط العامة. وضمت «جبهة الإنقاذ» العديد من رؤساء ورموز الأحزاب والشخصيات السياسية، كان من بينهم الدكتور محمد البرادعي وعمرو موسى، وغيرهما، إضافة للسعيد أيضا، والذي يضيف أن عددا من قيادات الجبهة كان في البداية ضد إسقاط حكم «الإخوان».
ويكشف السعيد، لأول مرة، عن أنه كان هناك صراع بين الدكتور البرادعي وعمرو موسى، على موقع «المنسق العام لجبهة الإنقاذ»، لكن السعيد لم يشأ التحدث في تفاصيل هذا الموضوع، لكنه يقول إن البرادعي لم يكن يخفي على أعضاء جبهة الإنقاذ أنه كان يتلقى اتصالات هاتفية من جون ماكين، النائب في الكونغرس والمرشح الأميركي السابق للرئاسة، وأنه كان يناقش معه الأوضاع في مصر. وفي إحدى المرات، كما يتذكر السعيد، أبلغه البرادعي بأن ماكين قال له إن «مشكلتكم في مصر أنكم لا تختارون شخصا واحدا يتحدث مع الجانب الأميركي»، ويضيف السعيد أن البرادعي كان يقصد نفسه بهذا «الشخص الواحد».
وبينما كانت ثورة الشعب المصري تقترب ضد حكم جماعة الإخوان، والتي جرت في 30 يونيو (حزيران) العام الماضي، عقدت جبهة الإنقاذ اجتماعا لإصدار بيان بشأن الموقف من الرئيس مرسي. ويقول السعيد: «بدأنا نتحدث عن أن نظام مرسي فقد مشروعيته، وهنا اعترض البرادعي، وقال إن معنى فقد شرعيته أي أننا ننقلب عليه، وأنا ضد الانقلاب. وحين بدأ عدد من قادة الجبهة يعكفون في الجانب الآخر على صياغة البيان، وكان الذي يقوم بكتابته هو سامح عاشور، نقيب المحامين، وعضو الجبهة، أخبرني البرادعي بأنهم إذا طالبوا في البيان بإسقاط مرسي فإنه سينسحب من جبهة الإنقاذ». ويضيف أنه أدرك من طريقة كلام البرادعي أنه لم يكن يريد الانسحاب، لكنه كان يريد الضغط بحيث لا يخرج البيان بتلك الطريقة. ويقول السعيد إن صيغة البيان التي كانت تقول «إسقاط حكم الاستبداد» كانت تزعج البرادعي، و«لكي أقوم بتهدئة الوضع والحيلولة دون انشقاق الجبهة وتصدعها تدخلت وجعلت الصيغة كالتالي (إسقاط استبداد الحكم)، وهذا أعطى فرقا كبيرا في المعني، أراح البرادعي».
وسقط حكم مرسي و«الإخوان»، في نهاية المطاف، بعد أن انتفض ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين. وجرى تعيين البرادعي نائبا لرئيس الدولة المؤقت، المستشار عدلي منصور، لكنه استقال حين قررت السلطات فض اعتصام «الإخوان» في ميدان رابعة العدوية، وسافر إلى خارج البلاد. وبدأت جبهة الإنقاذ تفقد زخمها، رغم قرب موعد الانتخابات البرلمانية، وتلويح عدة أحزاب من تلك التي تشكل الجسم الرئيس في الجبهة بتشكيل تحالفات لخوض الانتخابات المقرر إجراؤها خلال شهرين أو ثلاثة. ويقول السعيد: «أعتقد أن كثيرا من هذه التحالفات وهمية أو شكلية، أو أن بعضها مضر، بمعنى أنها ستتسبب في كسر وحدة القوى المدنية والديمقراطية وتفتت أصواتها.. بينما سيوحد (الإخوان) والمتأخونون والسلفيون والمتأسلمون صفوفهم حتى ولو لم يعلنوا ذلك»، مشيرا إلى أن «الأحزاب والنخب المصرية في محك خطير، وعلى الجميع أن يدرك مسؤوليته تجاه الوطن، قبل فوات الأوان».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.