أسعار الذهب في مصر بنهاية التعاملات.. جرام 21 يتراجع 10 جنيهات    أسعار الفراخ البيضاء اليوم الثلاثاء 22-10-2024 في الأسواق    وزير التموين: استيراد مليون طبق بيض مائدة.. وطرح الطبق ب150 جنيها    "عبد الغفار": الصحة والرياضة محوران رئيسيان لتحقيق أهداف التنمية البشرية    بزعم أن ظروف المنطقة انعكست الموازنة .. وزير التموين :التحول من الدعم العيني إلى النقدي    أسعار الدولار اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024    غارات إسرائيلية على بلدات جنوب لبنان.. وحزب الله يقصف قاعدة غليلوت    الرئيس السيسي يتوجه إلى روسيا للمشاركة في قمة تجمع دول «بريكس»    تحذيرات أمريكية من خطورة التعليمات الأخيرة ل السنوار.. والمقاومة ترد بتفجيرات ضخمة تهز إسرائيل    «القاهرة الإخبارية»: أمريكا ترفض مطالب كييف بضرب العمق الروسي بأسلحة طويلة المدى    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على بيت لاهيا بقطاع غزة    سقوط طائرة شحن غرب السودان وإعلان هام من سفارة روسيا بالخرطوم    عبد الجليل: قرار عقوبة كهربا «عادل»..والأهلي يمر بفترة حاسمة    الكرة النسائية.. المدير الفني لفريق سيدات "مسار" يطالب الاتحاد بحلول لظاهرة الهروب من المباريات    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024 والقنوات الناقلة    «الأرصاد» تحذر مرضى الحساسية: رياح مثيرة للرمال والأتربة في المدن والطرق الصحراوية    حريق هائل بمخزن شركة مشروبات شهيرة يلتهم منزلين فى الشرقية    النائب العام يلتقي نظيرته الجنوب إفريقية على هامش فعاليات منتدى النواب العموم    إصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم دراجتين بالشرقية    جريمة هزت عرش جرجا وأشاعت الحزن بالبلينا.. تفاصيل اللحظات الأخيرة بحياة ضحية التوكتوك    أبو سمبل تتألق في ليلة تعامد الشمس.. احتفالات فنية وتكريم رواد الثقافة    شيرين عبد الوهاب تدخل موسوعة جينيس    النجمات لطيفة وجنات وريهام عبد الحكيم في ضيافة «الليلة العمانية» بالأوبرا    لهذا السبب.. جوري بكر تتصدر تريند "جوجل"    الدكتور خالد عبدالغفار يبحث مع وزير الصحة العراقي الاستفادة من الخبرات المصرية    الصحة تنظم جلسة حوارية حول فوائد البحوث التطبيقية في تحسين الرعاية الصحية    اليوم.. وزير التعليم يستعرض خطط وسياسات الوزارة أمام البرلمان    خاص| محمد القس يكشف عن دوره في مسلسل «برغم القانون»    «الأزهرى» يشارك فى حفل تنصيب الرئيس الإندونيسى نائبًا عن «السيسى»    بث مباشر على تيك توك.. طبيبة تونسية تنقل عملية جراحية من داخل العمليات (تفاصيل)    إغلاق كازينو بشارع الهرم لممارسة أنشطة سياحية دون ترخيص (صور)    عواقب صحية كارثية لشرب كوكاكولا يوميا، أخطرها على النساء    للمسافرين.. تعرف على مواعيد القطارات اليوم على خطوط السكك الحديد    صناع عمل "مش روميو وجولييت" يعلنون تأسيس نادي أصدقاء للجمهور    تصل ل 20 ألف جنيه.. أسعار تذاكر حفل عمرو دياب نوفمبر المقبل    تغطية إخبارية لليوم السابع حول غارات الاحتلال على رفح الفلسطينية.. فيديو    رئيس جامعة بنها: ندعم أفكار الطلاب وابتكاراتهم    الأمم المتحدة تدين القصف الإسرائيلي العنيف للمناطق الحضرية والسكنية في لبنان    قائد القوات البحرية: مصر نجحت في منع الهجرة الغير شرعية منذ 2016    الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على قيادي في حزب الله في دمشق    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    الصحة اللبنانية تدين تعرض إسرائيل لأكبر مرفقين طبيين في البلاد وتطالب بموقف دولي إنساني    حل سحري للإرهاق المزمن    بعد منعه من السفر… «هشام قاسم»: السيسي أسوأ من حكم مصر    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ما حكم استخدام المحافظ الإلكترونية؟ أمين الفتوى يحسم الجدل    «القابضة للمطارات»: مؤتمر المراقبين الجويين منصة للتعاون ومواجهة تحديات الملاحة    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    أسامة عرابي: الأهلي يحتاج خدمات كهربا رغم أزمته الحالية    هل ينسحب الزمالك من نهائي السوبر أمام الأهلي؟ ثروت سويلم يُجيب    رئيس إنبي: لجنة المسابقات ستشهد نقلة نوعية بعد رحيل عامر حسين    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    50 جنيهًا تُشعل خلافًا ينتهي بجريمة قتل في كفر الشيخ    حدث بالفن| طلاق فنانة للمرة الثانية وخطوبة فنان وظهور دنيا سمير غانم مع ابنتها    سعر الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سامح قاسم يكتب: أنطونيو سكارميتا.. ساعي بريد الحب والحرية
نشر في البوابة يوم 17 - 10 - 2024

أنطونيو سكارميتا، الكاتب والشاعر والروائي التشيلي، يعد واحدًا من أبرز الأسماء الأدبية في أميركا اللاتينية خلال القرن العشرين. تتسم أعماله بالغوص العميق في القضايا الإنسانية والوجودية، بالإضافة إلى الانخراط في النقاشات السياسية والاجتماعية التي كانت وما زالت تشكل جزءًا كبيرًا من هوية المجتمعات في المنطقة. ينتمي سكارميتا إلى تقليد أدبي امتزج فيه الأدب بالسياسة، وأعماله تشهد على موهبة سردية استثنائية، حيث تمكن من الجمع بين الروح الثورية والعمق الإنساني، لتظهر أعماله كمحفز على التأمل في الذات والمجتمع على حد سواء.
وُلد سكارميتا في عام 1940 في مدينة أنكونسبسيون، تشيلي. تأثر بالواقع السياسي المضطرب في أميركا اللاتينية، حيث عاصر سقوط الحكومات الديمقراطية وصعود الأنظمة الدكتاتورية، وكان لتجربته في المنفى تأثير كبير على أعماله الأدبية. بعد انقلاب الجنرال أوغستو بينوشيه على الرئيس سلفادور أليندي في عام 1973، اضطر سكارميتا إلى مغادرة تشيلي والعيش في المنفى في الأرجنتين وألمانيا، حيث أصبح ناشطًا سياسيًا وأدبيًا ضد نظام بينوشيه، ودافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في أميركا اللاتينية.
أحد أقواله الشهيرة هو: "الأدب يستطيع أن يكون عملًا من أعمال المقاومة." هنا يعبر سكارميتا عن إيمانه القوي بدور الأدب كقوة مقاومة ضد القمع والاستبداد، مما يجعله ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل أداة فعالة للتغيير والتحدي.
من أشهر أعمال سكارميتا رواية "ساعي بريد نيرودا"، التي تحولت لاحقًا إلى فيلم شهير تحت عنوان "Il Postino" (البوسطجي). تدور الرواية حول علاقة شاعرية بين الشاعر الكبير بابلو نيرودا وساعي البريد الشاب ماريو خيمينيز، الذي يبدأ بالتعرف على نيرودا وقراءة أشعاره، ليتحول هذا اللقاء إلى نقطة تحول في حياة الشاب، الذي يتعلم من نيرودا كيف يعبر عن مشاعره وكيف يتواصل مع العالم من حوله.
هذه الرواية ليست فقط قصة حب بين ماريو وبياتريس، بل هي أيضًا تأمل في تأثير الأدب على حياة الإنسان. من خلال ماريو، يجسد سكارميتا قوة الشعر في تحويل الوعي وتجديد الروح، حيث يقول نيرودا في الرواية: "الشعر لا يخص من يكتبه، بل من يحتاجه." هذه العبارة تلخص مفهوم الأدب عند سكارميتا، كوسيلة لإعادة تشكيل العالم من خلال قوة الكلمات.
علاوة على ذلك، فإن الرواية تعكس جانبًا سياسيًا مهمًا. إن الصداقة بين نيرودا، الذي يمثل الفكر الثوري والشعر السياسي، وماريو، الذي يمثل البساطة والعفوية، تحمل رسالة واضحة عن ضرورة وجود التضامن بين المثقفين والبسطاء في مواجهة الظلم والاستبداد.
لم يكن سكارميتا مجرد كاتب منفصل عن قضايا وطنه والعالم، بل كان ناشطًا أدبيًا وسياسيًا يؤمن بدور الأدب في مواجهة الأنظمة الدكتاتورية. في أعماله، تبرز قضية الحرية الفردية ومعارضة القمع كموضوعين مركزيين. وقد دعا سكارميتا مرارًا إلى إعادة الديمقراطية إلى تشيلي وإلى احترام حقوق الإنسان.
في هذا السياق، قال سكارميتا: "ليس من الضروري أن يكون الكاتب سياسيًا بالمعنى الحزبي، لكن عليه أن يكون واعيًا بالتغيرات الاجتماعية وأن يعبر عنها بأمانة." هذا الموقف يبرز أهمية دور الكاتب كمثقف مسؤول، لا يكتفي فقط برصد الأحداث، بل يسعى لتحليلها ومواجهتها إذا تطلب الأمر.
تميز أسلوب سكارميتا بالبساطة والعمق، حيث استخدم لغة متقنة وشاعرية لنقل أفكاره ورؤاه. كان يميل إلى التركيز على الشخصيات البسيطة والقصص الإنسانية الصغيرة، لكنه في نفس الوقت، كان قادرًا على استحضار اللحظات التاريخية الكبيرة وتجسيدها في أعماله.
يقول سكارميتا عن الكتابة: "الكتابة ليست مجرد عمل إبداعي، بل هي عمل اجتماعي يتطلب تواصلًا حقيقيًا مع القراء." هذا الفهم لأهمية التواصل مع الجمهور يجعل من أعماله قريبة إلى القراء، حيث يشعرون بأنهم جزء من الحكاية وليسوا مجرد مشاهدين.
ساهمت أعمال سكارميتا في تشكيل الوعي الأدبي والسياسي في أميركا اللاتينية، حيث تميزت بقدرتها على نقل معاناة الإنسان وحلمه في الحرية بأسلوب فني فريد. "ساعي بريد نيرودا" على سبيل المثال، لم تكن مجرد رواية حول الحب والشعر، بل كانت تعبيرًا عن الصراع من أجل الحرية والكرامة، وهو موضوع يعكس تجربة الكاتب نفسه في مواجهة الدكتاتورية.
كما أن أعماله الأخرى مثل "حلم الفتاة الحمراء" و*"أمسيات الثلاثاء"* تتناول قضايا تتعلق بالمنفى والهوية، وتعكس تجارب الكاتب في الشتات والحنين إلى الوطن. في هذه الأعمال، يظهر تأثير تجربة المنفى على سكارميتا، حيث يتجلى شعور الاغتراب والبحث عن المعنى، وهذا يتضح في قوله: "المنفى ليس مجرد غياب عن الوطن، بل هو حالة نفسية تجعلك تشعر بأنك غريب حتى داخل نفسك."
يعتبر سكارميتا جزءًا من حركة أدبية واسعة في أميركا اللاتينية، تأثرت بتجارب الواقع القاسي للدكتاتوريات والانقلابات العسكرية. وعلى الرغم من أنه يُصنف ضمن الكتاب الذين لم ينالوا نفس الشهرة العالمية لبعض زملائه مثل غابرييل غارسيا ماركيز أو ماريو فارغاس يوسا، إلا أن تأثيره الأدبي كان عميقًا ومؤثرًا. إذ أن أعماله تُرجمت إلى العديد من اللغات وحظيت باهتمام القراء والنقاد على حد سواء، مما يعكس قدرة سكارميتا على التأثير في الجمهور العالمي ونقل تجارب الإنسان في ظل القهر والحرمان.
يمكن اعتبار سكارميتا أحد الكتاب الذين آمنوا بأن الأدب يمكن أن يكون وسيلة للبحث عن الحقيقة، تلك الحقيقة التي غالبًا ما تكون خفية ومختبئة خلف ستار السياسة والقمع. في أعماله، يسعى للكشف عن جوانب الحياة اليومية التي تمثل تجارب إنسانية عميقة، وتحديات اجتماعية وسياسية تضرب بجذورها في الواقع. وقد قال في هذا الصدد: "لا يمكن للأدب أن يتخلى عن مهمته في الكشف عن المظالم والدفاع عن الحرية."
هذا الإيمان بدور الأدب كوسيلة للكشف والتغيير جعل من سكارميتا صوتًا أدبيًا يتردد صداه في أرجاء أميركا اللاتينية وخارجها، حيث أنه قدم أعمالًا تعكس التحديات الكبرى التي واجهها الإنسان في ظل أنظمة قمعية تسعى لتقييد حرياته.
أنطونيو سكارميتا هو كاتب تجاوز حدود الأدب ليتحول إلى ضمير يعبر عن هموم الإنسان وحلمه في الحرية والكرامة. كانت حياته وأعماله شاهدًا على معاناة الشعب التشيلي والمقاومة الثقافية ضد القمع. استطاع من خلال أعماله أن يمزج بين الرؤية الإنسانية والبعد السياسي، ليخلق أدبًا لا ينفصل عن الواقع، بل يشكل جزءًا منه.
تبقى أعماله مصدر إلهام للكثيرين، حيث إنها تحمل رسالة واضحة عن قوة الكلمة في مواجهة الاستبداد، وعن دور الأدب في تشكيل الوعي الجماعي والمساهمة في التغيير الاجتماعي. في النهاية، يبقى سكارميتا رمزًا للأدب الملتزم، الذي يسعى دائمًا للبحث عن الحقيقة والكشف عن الجوانب الخفية في حياة الإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.