وزير الأوقاف ينشد في حب الرسول خلال احتفال «الأشراف» بالمولد النبوي    الداخلية تكشف تفاصيل واقعة اتهام شيخ الطريقة التيجانية بالتحرش    صفارات الإنذار تدوّي في عدة مقاطعات أوكرانية وانفجارات ضخمة في كييف    6 شهداء وإصابات اثر قصف الاحتلال لمنزل في مدينة غزة    خبير تكنولوجي يكشف مفاجأة عن سبب انفجار أجهزة اللاسلكي لعناصر حزب الله    سياسي بريطاني يحذر من تصعيد خطير بشأن ضرب كييف للعمق الروسي    موناكو يهزم برشلونة بهدفين في دوري أبطال أوروبا    رياضة ½ الليل| أزمة ميكالي.. حياة فهد المولد.. جائزة ل صلاح.. ومشاركة فتوح    شخص يدعي تزايد جرائم القتل في أسوان.. والداخلية تكشف الحقيقة    مصدر أمني: فيديو صفحات الإخوان بشأن اعتداء الشرطة على مواطن «قديم»    جريمة على باب المسجد.. 3 أشقاء بينهم سيدة يقتلون شاب بحلوان    قرار جديد من وزير التربية والتعليم قبل بدء العام الدراسي المقبل 2025    انتشال جثة طفل غرق في ترعة بالشرقية والبحث عن شقيقته    دينا: ابني فخور بنجاحي كراقصة    مساجد شمال سيناء تعقد 53 ندوة علمية دعوية عن سيرة النبي    مفصول من التيجانية، الأجهزة الأمنية تكشف مفاجآت مثيرة في اتهام سيدة لصلاح التيجاني بالتحرش    قبل بدء الدراسة.. العودة لنظام كراسة الحصة والواجب في نظام التعليم الجديد    مفصول من الطريقة التيجانية.. تفاصيل جديد بشأن القبض على صلاح التيجاني    ارتفاع جنوني.. تعرف على سعر طن الأسمدة بالسوق السوداء    أحمد فتحي: أنا سبب شعبية هشام ماجد (فيديو)    بعد القبض عليه.. تفاصيل القصة الكاملة لصلاح التيجاني المتهم بالتحرش    الطريقة العلاوية الشاذلية تحتفل بالمولد النبوي الشريف في شمال سيناء.. فيديو    رانيا فريد شوقي عن بطالة بعض الفنانين وجلوسهم دون عمل: «ربنا العالم بحالهم»    ترامب: ينبغي أن تهزم كمالا هاريس لأن فوزها سيضر بإسرائيل    عيار 21 يرتفع الآن لأعلى سعر.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الزيادة الكبيرة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على صعود    حلمي طولان يكشف كواليس فشل تدريب الإسماعيلي    هجمات روسية بالمسيرات تستهدف محطات الطاقة الفرعية بأنحاء متفرقة في أوكرانيا    أفضل أدعية الفجر يوم الجمعة.. فضل الدعاء وعبارات مُستجابة    48 ساعة قاسية.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الجمعة (ذروة ارتفاع درجات الحرارة)    عبد الباسط حمودة: أبويا كان مداح وكنت باخد ربع جنيه في الفرح (فيديو)    عاجل.. موعد توقيع ميكالي عقود تدريب منتخب مصر للشباب    أسعار الخضروات اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    لبنان: وصول رسائل مشبوهة مجهولة المصدر إلى عدد كبير من المواطنين    اليوم.. الأوقاف تفتتح 26 مسجداً بالمحافظات    توقعات الفلك وحظك اليوم.. برج الحوت الجمعة 20 سبتمبر    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    ملف مصراوي.. جائزة جديدة لصلاح.. عودة فتوح.. تطورات حالة المولد    تعرف على قرعة سيدات اليد فى بطولة أفريقيا    بعد فيديو خالد تاج الدين.. عمرو مصطفى: مسامح الكل وهبدأ صفحة جديدة    عبد الباسط حمودة عن بداياته: «عبد المطلب» اشترالي هدوم.. و«عدوية» جرّأني على الغناء    رسميًا.. إعادة تشكيل مجلسي إدارة بنكي الأهلي ومصر لمدة 3 سنوات    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    رسميًا.. فتح تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والدبلومات الفنية (رابط مفعل الآن)    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    بارنييه ينتهي من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة    محافظ القليوبية: لا يوجد طريق واحد يربط المحافظة داخليا    النيابة تصرح بدفن جثة ربة منزل سقطت من الطابق السابع في شبرا الخيمة    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    حكاية بسكوت الحمص والدوم والأبحاث الجديدة لمواجهة أمراض الأطفال.. فيديو    وكيل صحة قنا يوجه بتوفير كل أوجه الدعم لمرضى الغسيل الكلوي في المستشفى العام    البلشي: إطلاق موقع إلكتروني للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    فحص 794 مريضًا ضمن قافلة "بداية" بحي الكرامة بالعريش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرية المرأة عند زكي نجيب محمود "2"
نشر في البوابة يوم 11 - 03 - 2017

نكمل، اليوم، عرض تصور المفكر العربى الكبير الراحل الدكتور زكى نجيب محمود لحرية المرأة المصرية.
مشكلة «الحرية» من المشكلات التى خلفَّت وراءها تراثًا طويلًا، وعُولجت -بعمق- خلال تاريخ الفكر الإنسانى، فقد ظهرت هذه المشكلة فى عدة صور متباينة (عبر المراحل المختلفة التى مر بها التطور العقلى للإنسان)، فكانت فى صورتها البدائية البسيطة مشكلة لاهوتية تتعلق بكيفية التوفيق بين وجود إله قادر على كل شىء، عالم بعلم سابق، وبين حرية الإنسان المسئول أخلاقيًا، أى هى إمكان التوفيق بين حرية الإنسان وإرادة الله، وكانت فى المرحلة الثانية- من التطور العقلى للإنسان- مشكلة ميتافيزيقية بصفة خاصة، تبحث فى كيفية العلاقة بين الحرية الأخلاقية وفكرة السببية وصرامة القانون وشموله، وأصبحت فى العصور الحديثة- بعد أن سلم العلم بنظرية التطور- مشكلة الحياة نفسها، أى العملية المنتظمة التى تتحكم فى أشكال الحياة ذاتها، إنها الحرية التى شملت الأحياء جميعًا: «من الأميبا الأولى إلى أرقى ما ارتقى إليه البشر»، لكن ما المقصود بالحرية عند «زكى نجيب محمود» وما معناها؟
يمكن القول إن اهتمام «زكى نجيب محمود» ب«مشكلة الحرية» ينطوى على جانبين: جانب سلبى، وآخر إيجابى، الجانب السلبى هو: الجانب الخاص بالتحرر من القيود التى تكبلنا من الخارج، «كالتحرر من الاحتلال البريطانى، وتحرر المرأة من طغيان الرجل، وتحرر العامل الزراعى من استبداد مالك الأرض، وتحرر العامل الصناعى من تحكم صاحب رأس المال.. وهكذا»، وقد أعطى صورًا من التاريخ المصرى الحديث ليتعقب من خلالها فكرة «الحرية»، صورتها ومفهومها، يقول: «سأتحدث عن مصر لأن حقائق التاريخ المصرى فى هذه الفترة أوضح لى منها فى أى جزء آخر من الوطن العربى، وقد يكون الفرق بين جزء وآخر من أجزاء الوطن العربى هو وعى ضرورة التحرر والإفصاح عن ذلك الوعى».
بدأت البذور الأولى لقضية «الحرية» من الناحية الفكرية عند «الطهطاوى»، إثر عودته من باريس، وتأثره بما رآه هناك من حريات لم يكن عرفها فى مصر، لا قبل أن يسافر منها إلى باريس ولا عقب عودته إليها. ويظهر اهتمامه ب«الحرية» وحرصه على الدعوة إليها فى كتابه «المرشد الأمين للبنات والبنين»؛ يقول فى الفصل المعنون ب«فى الحرية العمومية والتسوية بين أهالى الجمعية»: «حقوق جميع أهالى المملكة المتمدنة ترجع إلى الحرية، فتتصف المملكة بالنسبة للهيئة الاجتماعية بأنها مملكة متحصلة على حريتها، ويتصف كل فرد من أفراد هذه الهيئة بأنه حر، يباح له أن ينتقل من دار إلى دار، ومن جهة إلى جهة، بدون مضايقة مضايق ولا إكراه مكره، وأن يتصرف كما يشاء فى نفسه ووقته وشغله، فلا يمنعه من ذلك إلا المانع المحدود بالشرع أو السياسة، مما تستدعيه أصول مملكته العادلة. ومن حقوق الحرية الأهلية ألا يُجْبَر الإنسان على أن يُنْفَى من بلده، أو يُعاقَب فيها، إلا بحكم شرعى أو سياسى مطابق لأصول مملكته». وفى هذا الفصل أيضًا يقسم «الطهطاوى» «الحرية» خمسة أقسام: حرية طبيعية: هى التى خلقت مع الإنسان، وانطبع عليها، كالأكل والشرب وما إليها، وحرية سلوكية: هى حسن السلوك ومكارم الأخلاق، وهى الوصف اللازم لكل فرد من أفراد الجمعية. وحرية دينية: تكفل حرية العقيدة والرأى والمذهب، شريطة ألا يتعارض هذا مع أصل الدين، وحرية مدنية: تنظم التعامل مع الناس، وحرية سياسية: معناها أن تكفل الدولة لكل مواطن أن يتمتع بالحريات السابقة.
وواضح من الحريات المذكورة أنها لم تجعل الحرية السياسية شاملة لمشاركة الشعب فى الحكم، فذاك أمل بعيد المنال عند «الطهطاوى»، لكنها تتضمن فكرة «المساواة» فهى تنصرف إلى جميع المواطنين على حد سواء، بمعنى أنه لم يفرق فى تلك الحريات بين رجل وامرأة، ومن ثمَّ يمكن اعتباره أول من دعا إلى «حرية المرأة» دعوة بلغت ذروتها عند قاسم أمين، كما أنه كان أول مَنْ بشَّر بالديمقراطية السياسية التى صاغها فيما بعد «أحمد لطفى السيد»، عندما قال: «حريتنا هى نحن، هى ذاتنا ومقوم ذاتنا، هى معنى أن الإنسان إنسان، إن حريتنا ما هى إلا وجودنا، وما وجودنا إلا الحرية». «الحرية غرض الإنسان فى الحياة، كانت ولا تزال هواه الذى طالما قدم له القرابين، وأنفق فى سبيله أعز شىء عليه، ولئن وصفنا ما وصفنا من شوق الإنسان إلى الحرية، فلا نبلغ من إثباته ما بلغته الحوادث الحسية التى تقع من الأفراد والأمم، دالة على أن الحرية هى الحياة، بل أعز من الحياة»، وجاء «جمال الدين الأفغانى» (1838-1897) واضطلع بدوره على الضوء الذى ألقاه «الطهطاوى» من قبله، لكنه ارتفع بفكرة «الحرية» على المستوى الأول نفسه، عندما نقل الولاء للحاكم الذى افترضه «الطهطاوى» ليجعله ولاء للشعب.
وهكذا اشتدت الإرهاصات الفكرية فى المرحلة الأولى، حتى تمخضت آخر الأمر عن ثورة «عرابى» عام 1882، التى كانت أول ثورة رفعت شعار مصر للمصريين، لكن «عرابى» لم يستطع أن يطالب بالحرية إلا فى نطاق ضيق يزيد قليلًا عما كان يطالب به «الطهطاوى»؛ فيطلب لنفسه أو لشعبه «الحرية» التى تخلصه من الحكم الأجنبى بكل شروره، على أن الثورة العرابية نجم عنها الاحتلال البريطانى فنشأت مرحلة جديدة تطالب بالحرية من المستعمر البريطانى المحتل، هذه المرحلة أخذت تتضخم وتتسع حتى امتلأت بها العقول والنفوس والقلوب؛ ثم جاءت الحرب العالمية الأولى وشبت ثورة تطالب بزوال المحتل عن أرض مصر، فكانت ثورة «سعد زغلول» عام 1919، التى طالبت ب«الحرية» بل حققت جزءًا منها، لكن «الحرية» التى كانت مطلبًا ل«سعد زغلول» ورفاقه لم تتجاوز «الحرية السياسية».
إلا أن المرحلة التى تلت أخذت تدرك شيئًا فشيئًا أن تلك المرحلة السياسية لم تكن كافية ليشعر المصرى بما يريده لنفسه فى حياته. فتفجرت عندئذٍ جداول وروافد عدة فى كل مناحى الحياة تطالب لنفسها بحرية من نوع ما، فمثلًا يناضل «محمد عبده» ليحرر حياتنا الدينية مما علق بها من خرافة، ولينجو بعقول الناس من الجهل، ويدعو «قاسم أمين» إلى تحرير النصف المستعبد من الأمة، أعنى المستعبد مرتين: فهو مستعبد للرجل أولًا، ثم هو والرجل مستعبدان معًا للمستعمر. و«مصطفى كامل» (1874-1908) وزعامته السياسية نحو تحرير البلاد من المستعمر، و«لطفى السيد» وإصراره على تقيد الحكومة من سلطانها، بحيث لا تسيطر إلا على ما تدعو الضرورة إلى سيطرتها عليه، وهو ثلاثة: الجيش والشرطة والقضاء، وفيما عدا ذلك فالولاية للأفراد والمجاميع الحرة. هذا فضلًا عما سعى إليه «لطفى السيد» من تطوير التعليم الذى أراد له أن يكون تنمية للحرية الفكرية بعد أن كان منحصرًا فى إعداد الموظفين للحكومة. وكذلك أيد دعوة «قاسم أمين» فى «حرية المرأة»، لكنه قفز بالمعنى المقصود قفزة عالية، فبعد أن كانت «حرية المرأة» عند «قاسم أمين» تعنى أن تكشف المرأة عن وجهها برفع الحجاب، أصبحت عند «لطفى السيد» تعنى حق المرأة فى التعليم حقًا مساويًا لحق الرجل فيه.
من هنا أخذت تنمو هذه المطالب نحو حرية أوسع وقامت الحرب العالمية الثانية وانتهت، فاشتدت الحركة نحو المطالبة بالحرية. ثم شاء الله، كما يقول «زكى نجيب محمود»، للأمة العربية كلها أن يتدخل عنصر مفاجئ، وهو قيام إسرائيل عام 1948 فأصبحت المطالبة بالحرية، فى هذا الموقف الجديد، أوسع وأكثر تعقيدًا. وقامت ثورة 1952 لتطالب بحرية جديدة تضاف إلى الحرية السياسية التى ظفرنا بها عام 1919 وهى «الحرية الاجتماعية». وإذا كانت الثورتان السابقتان قد دعتا إلى «التحرر» من قيود مختلفة، فقد جاءت ثورة 1952 لتدعو إلى «الحرية»، والفرق بعيد بين «التحرر» و«الحرية»؛ فالتحرر هو تحطيم القيود والحرية هى العمل الإيجابى الحر الذى يضطلع به من تحطمت قيوده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.