لولا شرف الذكرى الذي غلب على حق الأحداث علينا لآثرنا حق الأحداث علينا بترك الحديث فيها الذي الزمْنا به أنفسنا منذ بزغ قرن الشيطان في تلك الأحداث الدامية التي بدأت بهذا الهجوم الأحمق من نظام التأزيم والتعويم والتعتيم على بعض ذوي الحقوق المهدرة والحرمات المنتَهكة بميدان التحرير. مما أنتج فتنة عمَّت وأزكت نيران غضب طمت لا يعلم إلا الله مستقرها ومنتهاها، لهذا آثرنا حجب أقلامنا في هذه الفتنة طلبا لقصر عمرها فينا وحرصا منا على سلامة المسيرة حتى فاجأتنا الذكرى - ذكرى الهجرة الشريفة - فلم نجد في السكوت عليها عذرا أو ملاذا، خاصة وأن فيها من الدروس ما تفتقر إليه الساحة وتطلبه الآن الأحداث. (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40) إنه التحذير من الله لكل من يرى لنفسه على أمته فضلا، أو يطلب لها قدرا فوق قدرها، أو يطلب لها مهربا من شرف المواجهة. (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) وهذا هو دائما شأن الله مع أوليائه (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51). ننصرهم على الأنظمة الباغية، وننصرهم على الحكومات الغادرة، وننصرهم على الجموع الجاحدة، وننصرهم على السياسات الماكرة. وقبل ذلك ننصرهم على دواعي الهوى الأخذ والشهوات الماحقة: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:2) فيا أيها الثائرون على الأنظمة الباغية في كل شبر من أرض الإسلام، ويا أصحاب المليونيات المشرفة التي سيغير الله بها بعد أن غير بكم، هنيئا لكم ما أنعم الله به عليكم في ثوراتكم تلك من التحرر من أثقال المطامع، وأوزار المناصب، وأوهام اللذائذ، وعار الدعة، وذل الراحة، وثقل اللحم والدم والتراب، قد خفف عنكم الكثير مما أرهق غيركم، فانطلقوا باسم الله، على بركة من الله، واثقين من دوام عون الله لكم، الله الذي نصر عبده محمدا صلى الله عليه وسلم: ( إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(التوبة: من الآية 40) وكان ذلك حين ضاقت به قريش ذرعا، كما تضيق القوة الغاشمة دائما بكلمة الحق وأهلها، لا نملك لها دفعا ولا تطيق عليها صبرا، فكانوا معها كما هي معكم اليوم فماذا كانت العاقبة؟ كان أن الله كما قال: (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى) وظلت كلمة الله في مكانها العالي منتصرة قوية نافذة، والله جل جلاله على الدوام " عزيز" لا يُذلُّ أولياؤه" حكيم" يُنزل النصر في حينه على من يستحقه من الصابرين التائبين الواثقين. فانفروا أيها الثائرون على كل حال، وإياكم أن تُخدعوا أو تَخضعوا للعوائق وذوي الأغراض والأهواء، واثبتوا واصبروا، على ما قال الله رب العالمين لكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200). لا تغادروا الميدان قبل أن تستوثقوا لمستقبل أمتكم وحق دينكم وأمتكم فإن " المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين" )اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(لأعراف: من الآية128). استعينوا بالله واستيقظوا على حق أمتكم عليكم بأن تبينوا لهم وتنصحوا، فإن " الدين النصيحة" واحذروا أن تعطوا أصواتكم مجاملة أو عصبية، فإن هذا الصوت شهادة له ما بعده وقد قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يّس:12). وإننا كما نُحذر من عبيد السلطان المخلوع في هذا النظام فإننا نحذر كذلك من علمائه الذين باعوا لهم من قبل دينهم، فاحذروهم على أنفسكم وعلى دينكم، واعلموا أن من ثبت ظفر، ومن صبر انتصر. واذكروا فيما أنتم فيه ما جاء في سورة الأعراف: (( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) (لأعراف:128) ورغم ما نحن فيه فإن هذا لا يمنعنا حق التهنئة لأمتنا القائمة بحق الله عليها وبخاصة في مصر، وليبيا، وسوريا، واليمن، وتونس، وما سيلحق بها على درب الشرف والعزة والكرامة من بقية ديار المسلمين: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(الشعراء: من الآية227) صدر عن جبهة علماء الأزهر في غرة المحرم 1433ه، 26 نوفمبر 2011م.