إذا كانت الأرض التي أنبت فيها ربنا من كل زوج بهيج وحسن المنظر أي من جميع الزروع والثمار والنبات والأنواع.. فإن مشاهدة خلق السماوات والأرض وما جعل الله فيهما من الآيات العظيمة. تبصرة ودلالة وذكري لكل عبد منيب خاضع رجاع إلي الله عز وجل. وإذا كان في تاريخ الأمم والجماعات تتلألأ أعمال ظاهرة باهرة لا تقتصر أمرها علي بعد النظر أو عبقرية البشر أو للوسائل الأرضية الأخري. بل تؤيدها قوة السماء وتلحظها عناية الله وتحفها ملائكة الرعاية والرحمة.. فإن شذا الذكريات سيفوح منها: ذكريات الحق الأعزل يخلص كريما من بين مخالب الباطل الباطش. كما يفوح منها أيضاً أريج النفحات: نفحات النبوة الراشدة الحليمة وهي تعلو علي السفاهة الكافرة والحمقاء.. قال الله تعالي "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم" التوبة آية "40". ويقول المفسرون يقول الله تعالي: "إلا تنصروه" أي تنصروا رسوله فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه كما تولي نصره "إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين" أي عام الهجرة لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه فخرج منهم هاربا بصحبة صديقه وصاحبه أبي بكر الصديق. فلجأ إلي غار ثور ثلاثة أيام يرجع الطرب الذين خرجوا في آثارهم يسيروا نحو المدينة فجعل أبوبكر يجزع أن يطلع عليه أحد فيخلص إلي الرسول عليه الصلاة والسلام منهم أذي فجعل النبي يسكنه ويثبته ويقول يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ولهذا قال تعالي "فأنزل الله سكينته عليه" أي تأييده ونصره عليه أي علي الرسول في أشهر القولين وقيل علي أبي بكر.. "وأيده بجنود لم تروها" أي الملائكة "وجعل كلمة الذين كفروا السفلي وكلمة الله هي العليا" قال ابن عباس: يعني بكلمة الذين كفروا الشرك. وكلمة الله هي لا إله إلا الله وقوله: "والله عزيز" أي في انتقامه وانتصاره منيع الجناب لا يضام من لاذ ببابه واحتمي بالتمسك بخطابه "حكيم" في أقواله وأفعاله. ومما يستنبه النظر في هذه الآية الكريمة التي تحدثت عن طرف من أخبار الهجرة: تكرر الظرف "إذ" ثلاث مرات فيها: إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين. إذ هما في الغار. إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا. وكان هذا التكرار بمثابة التنبيه والتذكير لهؤلاء المنافقين لحماية الله لنبيه ونصره له في أحلك الظروف وأشدها خطرا. عليهم أن يفيئوا إلي أنفسهم ويدركوا أن تخلفهم وكيدهم لا يدفع النصر أو يسبب الهزيمة لان الله ينصر رسله وأولياءه وهو سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" غافر "51". وفضلا عن كل هذا فإن تكرار "إذ" في المرة الثالثة إشارة إلي حقيقة هامة وهي ان سبيل النصر الاعتقاد الصادق بالحق والعمل به. وان ما عرف الناس من وسائل القتال إنما هي في نظر المؤمن أدوات مغلولة معطلة بإزاء ما يملأ قلبه من ثقة بربه عز وجل. وللحديث بقية