لاشك أن كثيرا من المصريين لم تتوافق أهواءهم مع ثورة يناير,فكما بزغ فجر جديد لقطاع كبير وعريض من الشعب كان يبحث عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وعمل شريف يقتات منه, ويعيش مستورا محققا أحلامه البسيطة,كان هناك فريق أخر رأى أن رياح الثورة أتت بما لا تشتهيه السفن. فهؤلاء كانوا يعيشون بمعزل عن حياة الفقر والقهر والأسى الذى عايشه وتعايش معه السواد الأعظم من الشعب البائس,ولا شك أن مصالح هؤلاء ومصالح ذويهم قد تضررت وتأثرت بثورة يناير اشد وابلغ التأثير. فلا شك أن الثورة كما أفادت البعض وحققت بعض من مطالبه المشروعة,أضرت بالبعض الأخر وحطمت مطالبهم الغير مشروعة. ومن هذه المطالب الغير مشروعة,هى رغبة بعض القضاة فى تحدى الشعب المصرى وفرض تعيين أبنائهم الفشلة فى السلك القضائي بغير وجه حق، بحجة أن هؤلاء الأبناء نشئوا فى بيئة قضائية. فلا مشكلة لديهم أن يصبح أبنائهم من أصحاب تقدير المقبول جدا,ولا مشكلة أيضا أن يتجاوزوا أقرانهم من أصحاب التقديرات الأعلى,وان يأخذوا حق غيرهم فى التعيين, والسبب البيئة القضائية,وكان الأولى بالبيئة القضائية أن تجعل أبنائها أوائل دفعاتهم, وان يصلوا إلى سلك القضاء بمجهودهم ومهاراتهم, بدلا من تسلق سلك العدالة عن طريق الوساطة والمحسوبية والكوسة. ما أشبه الليلة بالبارحة وما أشبه هؤلاء القضاة الذين يريدون توريث القضاء لأبنائهم بغير حق, بجمال مبارك وأبيه,فجمال كان يرى أن توريث الحكم جائزا, كما رأى هؤلاء أيضا أن توريث القضاء جائز, فلماذا قامت الثورة إذن؟! إن هذا المنطق المشين وهذه الأفعال لا يجب أن تخرج أبدا من القضاة أهل الحق والعدل والعدالة,فكيف نقبل منهم أن يحكموا بيننا بالعدل وهم لا يرسخون قواعده. وكيف لنا أن نؤصل ونرسخ قواعد العدالة الاجتماعية ونمنع التمييز بين الناس,والقضاة يميزون ويفرقون بين أبناء الشعب الواحد,حرصا منهم على مصلحة شخصية بحتة. وإذا كنا نعلم أن القضاء لن ينهار إذا لم يتم تعين أبناء القضاة بغير حق فى السلك القضائي,فلماذا هذا الإصرار من البعض على تخصيص نسبة 25 بالمائة لأبناء القضاة وكأنها تكية أو عزبة خاصة؟! لابد أن يتغير هذا الفكر البائد,وان تنتهي الوساطة والمحسوبية من جميع الجهات والهيئات؛فلا نريد أستاذا فى الجامعة يعين ابنه أو ابنته متخطيا أوائل الدفعة فى التعيين الشرعى لهم,ولا نريد قانون مفصل لأبناء العاملين فى كل الجهات الحكومية دون غيرهم, يسمح بتعينهم وحدهم,ولا نريد وساطة فى دخول كليات الشرطة والكليات العسكرية الأخرى. إذا أردنا أن نكون شعبا متحضرا متقدما,علينا ألا ننظر إلى مصالحنا الشخصية بأنانية مقيتة,وأن نستبدل المحسوبية والواسطة بالخبرة والعلم.فالأمم تًبنى بكوادر أبنائها ولا تبنى بتعيين الفشلة والراسبين فى وظائف لا يستحقونها. [email protected]