حينما ذهب المرشح الرئاسى فى الانتخابات المصرية أحمد شفيق آخر رئيس وزراء فى عهد الرئيس المخلوع مبارك، إلى لجنته الانتخابية فى مدرسة فاطمة عنان فى التجمع الخامس فى اليوم الأول للتصويت الأربعاء 23 مايو الماضى وهى بالمناسبة نفس اللجنة التى أدليت فيها بصوتى الانتخابى، فوجئ بالعشرات من عائلات الشهداء والمعارضين لنظام مبارك الذى كان أحد أركانه فى انتظاره، حيث انهالوا عليه بالأحذية والهتافات المضادة له ولمبارك ونظامه، وقد شكّل هذا السلوك ضد شفيق المظهر الوحيد المهين لأى من المرشحين الثلاثة عشر للرئاسة حتى إن شفيق الذى دخل المدرسة واحتمى برجال الأمن فيها من المتظاهرين، حُبس داخل اللجنة أكثر من نصف ساعة حتى جاءت قوة أمنية إضافية لإخراجه منها، لكن ذلك لم يمنع المتظاهرين من مواصلة رشقه بالأحذية حتى دخوله إلى سيارته وخروجه من المنطقة، والمثير أن شفيق بدا متماسكا واتهم «6 أبريل» والإخوان المسلمين الذين لا يخفى عداءه لهم، بأنهم هم الذين دبّروا له هذا الأمر، وقد اعتبر البعض هذا المظهر تصويتا مبكرا لرفض الشعب لشفيق لا سيما أنه كان آخر رئيس وزراء فى عهد مبارك وأحد المقربين منه، علاوة على وجود عشرات البلاغات المقدمة ضده إلى النائب العام بتهم الفساد، حينما كان وزيرا للطيران لكن أيًّا منها لم يتم تحريكه من قبل النائب العام، هذا كان من الناحية الظاهرية، لكن ما كان يحدث فى صناديق الاقتراع فى شتى أنحاء مصر كان على خلاف ذلك، فقد كان الملايين من المصريين يصوتون لشفيق غير مبالين بالتُّهم التى كانت توجه له عبر وسائل الإعلام أو حتى عبر عضو مجلس الشعب عصام سلطان الذى فجر قضية فساد ضد شفيق من العيار الثقيل وقام مجلس الشعب قبل الانتخابات بأيام بتحويلها إلى النائب العام. المؤشرات الأولى لتقدم شفيق عرفتها فى الثالثة مساء الأربعاء وهو اليوم الأول للتصويت، حيث أجرت قناة الجزيرة استطلاعا علميا مع مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية يدعى «استطلاع الخروج» وهو أحد أشكال الاستطلاع العملية التى تجرى على عينات عشوائية من المشاركين فى الانتخابات، وهى إن أجريت بشكل علمى صحيح عادة ما تعطى نتائج قريبة من الحقيقة مع هامش للخطأ لا يتجاوز اثنين فى المئة، فى الثالثة عصرا حصلنا على مؤشرات أولية عن تقدم أحمد شفيق، لكنه كان يتأرجح بين المركز الثالث والرابع، حيث تصدر الدكتور محمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين السباق من البداية، كان يتبعه أحيانا عبد المنعم أبو الفتوح وأحيانا حمدين صباحى الذى كان المفاجأة الكبرى لكن عمرو موسى بدا متراجعا منذ البداية، وكنا أول من أعلن عن خروج عمرو موسى من السباق فى حلقة الأربعاء من برنامج بلاحدود. لم أصدق أن أحمد شفيق كان متقدما للمركز الثانى والثالث وأحيانا الرابع بفارق قليل، وكنت أطلب من الدكتور عبد الخالق أن يدقق فى النتائج التى تصل إليه، لكنه كان يؤكد لى أن المؤشرات دقيقة وبدأنا نقف فى التحليل عند المحافظات التى تأتى منها التحليلات، وكان واضحا أن الصعيد بكتلة المسحيين والعائلات المتحالفة مع النظام دائما قد رفعت أسهم شفيق، لكن المفاجأة كانت بعد ذلك، حينما بدا أن محافظات فى الدلتا والشرقية قد منحت شفيق أيضا، فى نفس الوقت كان حمدين صباحى متقدما إلى حد مثير لعلامات التعجب والاستفهام، لأن حمدين صباحى فى النهاية وإن كان ناصرى التوجه إلا أن الناصريين ليسوا تنظيما يملك ماكينة تنظيمية مثل الإخوان المسلمين يحرك من خلالها الأنصار ويحشد المؤيدين، كما أنه بدا وقبل عشرة أيام من الانتخابات شأنه شأن باقى المرشحين من أنصار الثورة، ورغم صعود نجم حمدين صباحى قبل الانتخابات بعشرة أيام من خلال عدة حوارات تليفزيونية جاءت فى أعقاب المناظرة الوحيدة التى عقدت بين مرشحى الرئاسة عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح، إلا أن الأداء التليفزيونى له كان فى نظر البعض ليس كافيا ليمنحه خمسة ملايين صوت فى النهاية، مما جعل بعض من سألتهم يشككون فى وجود قوى لعبت دورا أساسيا فى تفتيت الأصوات وتوجيه بعضها لصباحى، مما أضر بأبو الفتوح ولم يمكِّن صباحى من الحصول على المركز الثانى والمنافسة مع محمد مرسى. فى حلقة «بلا حدود» يوم الأربعاء الماضى، رغم وجود نتائج يوم الخروج الأول لدينا، التى وضعت مرسى أولا مع تقارب بين أبو الفتوح وحمدين وشفيق فى المراكز التالية لم نعلن نتيجة الاستطلاع، لأنها من الناحية المهنية يجب أن تعلن بعد إغلاق الصناديق مساء الخميس وتركنا ذلك لزملائنا فى قسم الأخبار، لكن كان واضحا أن شفيق الذى صوّت له أهالى الشهداء والثوار بالأحذية كان له تصويت من شكل آخر، شارك فيه الملايين من أبناء مصر من صعيدها إلى شمالها وبقوة، وبدا أن العجلة التنظيمية للحزب الوطنى ما زالت تعمل وبقوة فى مواجهة العجلة التنظيمية للإخوان المسلمين، وأن استمرار نظام مبارك فى الحكم بالمحافظين وأجهزة الحكم المحلى وحكومة الجنزورى لا شك أنه لعب دورا بشكل أو بآخر لأن يتصدر شفيق المشهد تاليا لمرسى، حيث من المقرر أن يعيد معه ليجد الشعب المصرى نفسه أمام خيارين، أحدهما هو أحد أقطاب النظام السابق والرجل الذى استعان به مبارك فى أيامه الأخيرة حتى ينقذه، لكن مليونيات الثوار أطاحت به، كما أطاحت برئيسه مبارك، لكنه عاد اليوم هذه المرة ليس بالتعيين، ولكن باختيار الشعب لينافس على مقعد الرئاسة فى الإعادة المقررة فى السادس عشر من يونيو القادم، فهل يحافظ الشعب المصرى على ثورته أم يقضى عليها وينهيها ويختار آخر رجال مبارك رئيسا له فتتم إعادة إنتاج نظام مبارك مرة أخرى.. إنا لمنتظرون!