ما حدث في بيروت في الرابع عشر من الشهر الحالي لم ينبع من فراغ وانما تم في اطار مخطط يأتي في سياق ما بعد اصدار القرار 1559 وعدم تعاطي سوريا مع مطالبة لها بالانسحاب من لبنان، فاختيار رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان السابق، هدفا للاستئصال إنما أريد به استهداف سوريا والمس بالاستقرار في لبنان وبالأمن السوري الذي يأخذ من لبنان امتدادا استراتيجياً له، ولا شك ان الحادث كانت له تداعيات خطيرة توقع المخططون له حدوثها. السلطة والمعارضة الجريمة تم توقيتها بعد الانتخابات التي جرت في العراق وبعد قمة شرم الشيخ ومحاولة الجمع بين شارون ومحمود عباس. وجاء التنفيذ بهدف الاضرار بسوريا والسلطة اللبنانية. ولا شك أن الجريمة اضعفت النظام اللبناني واظهرته مرفوعا من الخدمة وشدت من أزر المعارضة التي ما لبثت أن صعدت موقفها المنادئ للسلطة اللبنانية ولسوريا وظهرت كبديل يرمي الي الاطاحة بالحكومة والي اجبار سوريا علي الرحيل من لبنان. من الفائز؟ لقد حقق المخطط الهدف من ورائه فبدت سوريا محاصرة وبدت السلطة اللبنانية متراجعة منكمشة وظهرت المعارضة في تناغم كامل مع الصوت الأمريكي الفرنسي الإسرائيلي. نجح المخطط في عزل النظامين السوري واللبناني أما اسرائيل فكانت هي الفائز الأكبر، فالخطوة تؤدي حتما إلي اجتثاث حزب الله واخراجه من المعادلة اللبنانية ورحيله عن الجنوب وانتشار القوات اللبنانية بدلا منه علي طول الحدود مع اسرائيل التي لم تنس لحزب الله أنه هو الذي أجبرها علي الانسحاب بليل من جنوب لبنان في الرابع والعشرين من مايو 2000 واذا قادت الظروف الي جز رقبته تكون قد اقتصت منه. الإطاحة بالحكومة... المستفيد بعد إسرائيل المعارضة اللبنانية التي أدت واقعة الاغتيال الي منحها فرصة لإملاء شروطها والمفارقة أنها نفس شروط أمريكا ومن والاها، ولا غرابة فلقد شعرت المعارضة بالاستقواء مما شجعها علي المطالبة بما حلمت به من قبل الا وهو رحيل السلطة اللبنانية علي أساس أنها فاقدة للشرعية وتشكيل حكومة انتقالية تؤمن إنسحابا كاملا للقوات السورية من لبنان، والاصرار علي لجنة تحقيق دولية باشراف الأممالمتحدة لكشف المتورطين في الجريمة ومطالبة المجتمع الدولي بحماية الشعب اللبناني الأسير والمهدد بارهاب الدولة المنظم. وكأنها بذلك حددت الاطر التي سبق لأمريكا أن حددتها بما فيها استخدام ذريعة الإرهاب كمدخل يفتح الباب علي مصراعيه من أجل مجابهته والقضاء عليه. الذرائع الأمريكية؟ جريمة اغتيال الحريري جددت الذرائع لأمريكا وأوجدت الحافز الذي شجع إدارة بوش علي ان تربط بين التنديد بواقعة الاغتيال وبين ضرورة خروج سوريا من لبنان ذلك أن الواقعة جددت التساؤل حول السبب المعلن لوجود القوات السورية في لبنان؟! ووجدتها أمريكا فرصة لايصال رسالة تقول بأن الظروف التي أحدثها الوجود السوري هو الذي أدي الي تدهور الأوضاع في لبنان وأنه لم يكن إلا عنصر زعزعة للاستقرار. وكأنها بذلك تجزم بأن أصابع الاتهام موجهة في الأساس نحو سوريا. جولة أوروبية... لا شك أن جولة بوش الأوروبية التي بدأت في العشرين من الشهر الحالي إنما أراد بها طي صفحة الخلاف مع الدول التي عارضت في شن حرب علي العراق وبصفة خاصة المانياوفرنسا وبالتالي الحصول علي تأييدها لموقفه، فلقد أراد بوش اليوم حمل أوروبا علي دعم مواقفه تجاه دمشق.. والمتوقع أن يجد بالفعل آذانا صاغية طالما أن فرنسا تدعم الخط نفسه لحمل دمشق علي تغيير سلوكها والانسحاب من لبنان ولجم حزب الله وتفكيك الفصائل الفلسطينية التي تعمل علي أرضها ووقف دعمها لعمليات التسلل عبر الحدود إلي العراق. وما من شك في أن جولة بوش الأوروبية ستعينه علي تنفيذ أجندته الطموح في العالم عامة وفي الشرق الأوسط بصفة خاصة لاسيما بالنسبة لخطته في نشر الديمقراطية والتي يطمح في أن تنفذ بيسر وسهولة توطئة لوضع يده علي ما أسماه بالشرق الأوسط الكبير....!