موقف محمود عباس "أبو مازن" من عسكرة الانتفاضة الفلسطينية معروف وليس جديدا، فهو يعتقد أن عسكرة الانتفاضة أضر بالمصالح الفلسطينية، وكان هذا الموقف سببا في خلافه مع الرئيس الراحل ياسر عرفات وفشلت وزارته أساسا بسبب اختلافهما الاستراتيجي حول هذه النقطة. ولعلنا نذكر أن محمود عباس حين خطط لاتفاقية أوسلو كان الاتفاق مبنيا علي نبذ العنف واللجوء إلي المفاوضات، وسارت الأمور سيرا طيبا حتي عام 2000 حين حدثت التطورات المأساوية عقب فشل مباحثات كامب ديفيد الثانية ونشبت انتفاضة الأقصي وسرعان ما تحولت إلي إطلاق الرصاص وتبادل الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي العنف حتي خرجت الأمور عن السيطرة. وحين يكون هناك اتجاه للعودة إلي المفاوضات فلابد من إيقاف العنف وإفساح المجال لجولة جديدة من العمل السياسي، ولعل هذا هو الخلاف الاَن بين القيادة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة "أبو مازن" خلفا لعرفات وبين فصائل مسلحة أخري شبه متمردة علي السلطة السياسية لفتح كبري الفصائل الفلسطينية، وفصائل أخري تري قيادتها السياسية أن استمرار المقاومة "العنف" هو السبيل إلي إنهاء الاحتلال ولذلك تري أن الدعوة إلي إيقاف العنف غير مبررة بالمرة. ومجددا عاد محمود عباس كمرشح للرئاسة الفلسطينية يدعو إلي وقف عسكرة الانتفاضة وإعطاء فرصة لجولة جديدة من المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، ودعوة أبو مازن لاستمرار المقاومة عن طريق استخدام السبل الشعبية والاجتماعية دون استخدام السلاح تلاقي ترحيبا من دوائر سياسية عربية ودولية، إلي جانب أنها تتسق مع منطق المطالبة بوقف العنف من الجانب الإسرائيلي تمهيدا لاستئناف المفاوضات. وربما يكون واضحا تماما الاَن أن إسرائيل من جانبها وكذلك الفلسطينيون أدركوا أن الاستمرار في العنف لن يؤدي إلي نتيجة وأن الوقت طال بما فيه الكفاية دون تحقيق نتائج، الجانبان أصابهما التعب من العنف وأصبحت هناك رغبة كامنة في جولة جديدة من العمل السياسي مع التغييرات التي حدثت في الجانب الفلسطيني برحيل الرئيس عرفات. ولذلك يمكن القول بأن دعوة أبو مازن مجددا لوقف عسكرة الانتفاضة بمثابة برنامج انتخابي يقدمه للفلسطينيين قبل موعد الانتخابات وإذا وافق الفلسطينيون علي اختيار أبو مازن رئيسا خلفا لعرفات فسيكون عليهم أن يقبلوا بسياسته الرامية إلي وقف عسكرة الانتفاضة وتطبيقاتها في المستقبل التي قد تؤدي إلي بعض المصادمات في الداخل الفلسطيني. الانتخابات الرئاسية الفلسطينية ستكون في الحقيقة استفتاء علي نوع العمل المطلوب لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في المرحلة المقبلة وهل يقبل الشعب الفلسطيني بإنهاء عسكرة الانتفاضة أم يكون له رأي اَخر؟