دار الكثير من الحديث عن الخلاف الفرنسي الأمريكي بشأن مؤتمر شرم الشيخ عن العراق إذ أصرت فرنسا علي حضور مختلف القوي العراقية في حين اصرت أمريكا علي ألا يحضر سوي القوي الممثلة في الحكومة العراقية المؤقتة التي عينتها لكن هذا الاصرار الأمريكي الذي اثبت نجاحا في نهاية الأمر كان له شكلان مختلفان: اسلوب مهذب لين بعض الشيء متقبل للمناقشة مثله كولن باول وزير الخارجية الذي يقضي أيامه الأخيرة في الوزارة بعد ان قدم استقالته وأسلوب خليفته المنتظرة كوندوليزا رايس الذي كاد يصل الي حد الشجار مع ميشيل بارنييه وزير الخارجية الفرنسي. وهذه الواقعة لا تكشف سوي القليل عما سيكون عليه الحال بالنسبة للعالم والشرق الأوسط بالتحديد بكل تعريفاته سواء الكبير أو الصغير الضيق أو الواسع في تعامله مع الولاياتالمتحدة في فترة ولاية الرئيس جورج دبليو بوش الجديدة بعد التغييرات التي وصل بعض المحللين الي حد اعتبارها "انقلابا" يبعد عن الإدارة الجديدة والاجهزة والمؤسسات المتعاملة معها في الولاياتالمتحدة كل من يختلف في الرأي مع المحافظين الجدد. وكان من أوضح الأمثلة علي هذا الانقلاب ما حدث في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سي. اي. ايه" الشهيرة والتي اشتهرت اكثر بالمعلومات الخاطئة التي قدمتها لباول ووقف يقرأها أمام مجلس الأمن مؤكدا امتلاك العراق أسلحة دمار شامل تشكل خطرا علي الولاياتالمتحدة ليعزز الموقف الامريكي من شن الحرب علي العراق ورغم ثبوت عدم صحة المعلومات واضطرار باول للرجوع عن تصريحاته، ورغم هذا الاظهار الخارق للعادة للولاء من جانب مؤسسة عريقة كانت تعرف من قبل بالموضوعية كان من أوائل استعدادات بوش لتكريس سلطاته وتوسعتها في الولاية الجديدة تغيير رئيس المخابرات ليأتي برئيس جديد أكثر ولاء واظهارا علنيا لهذا الولاء فقد أرسل بورتر جوس المدير الجديد للوكالة مذكرة لموظيفه يبلغهم فيها أن عملهم هو "دعم الإدارة وسياستها" وأضاف "باعتبارنا عاملين بالوكالة فنحن لا نتفق أو نؤيد أو نقود أي معارضة للإدارة أو لسياستها" ودقت هذه العبارة نواقيس الخطر داخل الدوائر السياسية الامريكية وحتي بين الجمهوريين الشرفاء الذين يؤكدون أن مهمة هذه الوكالة هي أن تكون قادرة علي قول الحقيقة للسلطة حتي لو تعارضت هذه الحقيقة مع سياسة الإدارة. لكن من الواضح كما يري المحللون الأمريكيون أن بوش يسعي لتركيز سلطاته وتكريسها بتعيين المقربين له في المراكز المهمة ليقضي علي المشاورات أو أي إبداء لرأي مخالف داخل إدارته فتخلص من جورج تنيت رئيس المخابرات السابق وباول الذي كان معارضا لاتخاذ قرار منفرد دون تفويض دولي بغزو العراق. وتوالت الاستقالات بعد ذلك فمنذ ايام قليلة استقال مسئولان كبيران آخران من المخابرات لم يكشف عن هويتهما لأنهما كانا يعملان في نشاط سري ووصفت صحيفة نيويورك تايمز استقالتهما بأنها "لعدم ارتياحهما مع الإدارة الجديدة". وقبل ذلك بأسبوع قدم ستيفين كابيس رئيس وحدة المهام السرية بالوكالة ونائبه مايكل سوليك استقالتهما. وقال المحلل الامريكي البارز ديفيد جيرجين الذي عمل مستشارا للبيت الأبيض في عهد أربعة رؤساء إن بوش باغلاقه باب الخلاف وتركيزه السلطة في أيدي مجموعة قليلة من مؤيديه فإنه يتصرف وكأنه يصدق فعلا أنه وفريقه يعرفون أكثر من غيرهم ولا يحتاجون لمشورة أحد. ويعتقد بعض المؤرخين الأمريكيين أنه مع سيطرة الجمهوريين علي مجلسي الكونجرس فإن بوش سيبدأ فترة ولاية جديدة "بسلطة أكبر وقيود أقل من أي رئيس آخر منذ أن حكم البلاد ليندون جونسون في عام 1964". هذا ما يحدث في الإدارة الامريكية التي ستحكم العالم لفترة ولاية ثانية ويكفي النظر لما حدث في الولاية الأولي وقبل هذا التركيز والتكثيف للسلطة لنتعرف علي ما قد يحدث في السنوات الأربع المقبلة فربما تزيد احتمالات غزو ايران بعد التصعيد الكبير لاتهامها بالاتهامات نفسها التي وجهت للعراق من قبل وعلي الأرجح سيزيد الخلاف ويتسع مع أوروبا وبالتحديد فرنسا وألمانيا ليزداد العالم انقساما وتزيد التهديدات بتفكيك الشرق الأوسط وإعادة تشكيله وهو ما سيستتبع بالضرورة زيادة مباشرة الأعمال الإرهابية التي قد تصل إلي 11 سبتمبر جديد وربما ما هو أفظع بالنسبة للعالم كله.