يلتئم اليوم شمل "المؤتمر الدولي حول العراق" بشرم الشيخ، وهو المؤتمر الذي استماتت الإدارة الأمريكية إلي عقده ودعت إليه دول مجموعة الثماني "الولاياتالمتحدة، وروسيا، واليابان، وكندا، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا"، والصين بصفتها عضواً دائماً، في مجلس الأمن، وهولندا بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، وماليزيا بصفتها الرئيس الحالي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، فضلاً عن دول الجوار العراقي "الأردن وسوريا وتركيا وإيران والكويت والسعودية" ودول الترويكا العربية "الرؤساء الحالي والسابق والمقبل للقمة العربية تونس والبحرين والجزائر" ومصر "بصفتها البلد المضيف". وكوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة وعمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية وعبدالواحد بلقزيز الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وعدد من ممثلي الاتحاد الأوروبي، وبطبيعة الحال وجهت الإدارة الأمريكية الدعوة إلي حكومة إياد علاوي كممثل للعراق ذاته. والهدف المعلن لهذا المؤتمر الدولي هو "بحث السبل الكفيلة بدعم الاستقرار والأمن في العراق ومساعدة الحكومة العراقية المؤقتة علي إجراء الانتخابات في يناير 2005 وكل ما يدعم تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1546 الصادر بشأن تسليم السلطة للعراقيين". بينما ذكر مصدر دبلوماسي أوروبي أن "هدف هذا المؤتمر هو إعادة بناء إجماع دولي في شأن العراق يتمحور علي قرار مجلس الأمن 1546 وتوجيه رسالة تشجيع إلي العراقيين بإرشادهم إلي الطريق للخروج من الأزمة". أما الدبلوماسية المصرية فقد استهدفت حسبما قول جريدة "الأهرام" أول أمس السبت "جمع فرقاء الأزمة العراقية علي كلمة سواء وإقناع كل من فرنسا وألمانيا من ناحية، وأمريكا وبريطانيا من ناحية أخري، علي الحضور والجلوس علي مائدة واحدة، ناهيك عن فرقاء دول الجوار مثل إيران وسوريا اللذين ناصبا الولاياتالمتحدةالأمريكية بسبب الحرب علي العراق الرفض، الذي وصل لحد العداء، من أجل تكريس كل هؤلاء الأطراف لفتح صفحة جديدة في العراق، ومساعدة العراق سياسياً واقتصادياً مع دعوة دولية من قبل الحضور برفض عمليات الارهاب، الذي يشهده العراق حالياً، ورفض مقاومة جز الرأس التي يتبناها الزرقاوي وغيره من منظمات العنف والإرهاب حالياً في العراق". واللغة المستخدمة علي لسان المصادر الثلاثة السابقة لغة غريبة وملتبسة ومراوغة فضلاً عن افتقارها للدقة. وعلي سبيل المثال فان المصدر الأخير يتجاهل أن من جمع فرقاء الأزمة العراقية هي الإدارة الأمريكية وليست الدبلوماسية المصرية أو غيرها. ثم إنه يردد كلمات ومصطلحات ملتبسة مثل "عمليات الإرهاب" بكل ما تحمله من خلط وتدليس ومحاولة لتشويه "المقاومة الوطنية" العراقية التي لا تقتصر علي ما اسمته مقالة الصحيفة المصرية الشهيرة برصانتها "بمقاومة جز الرأس التي يتبناها الزرقاوي وغيره من منظمات العنف والإرهاب حالياً في العراق". فهذه أولاً ليست السمة الرئيسية للمقاومة العراقية، ثم إنها ليست هي الأصل بل هي مجرد فرع ورد فعل لأن الأصل كما يعرف القاصي والداني هو "الاحتلال" الأمريكي لبلاد الرافدين. ومن العجيب أن كل التقارير الرسمية وشبه الرسمية التي تناولت مؤتمر شرم الشيخ تجاهلت بيت الداء، ألا وهو الاحتلال، وتشبثت بذيوله وردود أفعاله، علماً بأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق لا يمكن توصيفه بأي صفة أخري غير الاحتلال، خاصة بعد أن أصبح واضحاً لكل ذي عينين أن شن الحرب علي العراق تم في ظل ازدراء الإدارة الأمريكية للشرعية الدولية والقانون الدولي والرأي العام العالمي، كما أن المبررات التي روجتها هذه الإدارة لغزو العراق ثبت بالدليل القاطع وباعتراف الإدارة الأمريكية ذاتها، وذيلها الإنجليزي، أنها كاذبة وملفقة. فلماذا إذن يتم السعي الآن إلي اسباغ نوع من الشرعية علي نتائج حرب عدوانية ليس لها أدني رصيد من الشرعية؟ وكيف يمكن لأناس يتحدثون عن "التحضر" و"التمدن" أن يتجاهلوا جرائم الحرب، بما فيها الإبادة الجماعية، التي تمارسها قوات الاحتلال الأمريكية في تلك الدولة العربية التي كانت أول دولة تلقن البشرية ألف باء القانون "شريعة حامورابي"؟ وما هو أنكي أن مؤتمر شرم الشيخ ينعقد بينما شلال الدم العراقي علي يد قوات الاحتلال الأمريكية مازال يصبغ مياه دجلة والفرات باللون الأحمر القاني.. فالمجزرة التي ارتكبها الاحتلال الأمريكي في الفلوجة ستسجل في التاريخ باعتبارها جريمة ضد الإنسانية وواحدة من أحط الأعمال الوحشية ووصمة تلطخ جبين أمريكا. وبدلاً من أن نسمع من المشاركين في مؤتمر شرم الشيخ كلمة واحدة تدين هذه الجرائم الأمريكية المشينة نسمع ثأثأة وكلاماً فارغاً عن "الاستقرار" و"الأمن" و"الديموقراطية" و"الانتخابات"!