يبدو انه لا شيء سيتغير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بالرغم من التصريحات التي قد تبدو متفائلة التي صدرت علي لسان عدد من المسئولين الأمريكيين من الرغبة في احراز تقدم في عملية السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين من ناحية.. الي الرغبة في التعاون مع القيادات الفلسطينية الجديدة وتشجيعها.. وتأييدها للسرعة في انتقال السلطة بعد رحيل ياسر عرفات واجراء انتخابات رئاسية مبكرة في 9 يناير المقبل. اما عدم التغيير في السياسة الأمريكية فهو راجع الي نقطة اساسية وردت في تصريحات الرئيس الامريكي جورج بوش منذ ايام.. وهي ان الدولة الفلسطينية من المتوقع قيامها في عام 2009 اي بعد اربع سنوات من الآن.. وهنا تجدر الإشارة الي اكثر من ملاحظة الأولي.. ان الرئيس الامريكي جورج بوش نفسه كان قد تعهد باقامة الدولة الفلسطينية في عام 2005 وهو الآن يعلن انها ستقام في 2009. وربما عام 2005 اصبح مبكرا جدا علي قيام الدولة الفلسطينية بسبب الجمود الذي اصاب عملية السلام في الثلاثة اعوام الماضية وبالتحديد منذ الحصار الاسرائيلي علي الرئيس عرفات في رام الله منذ يناير 2002 وبالتالي اصبحت هناك استحالة للالتزام باعلان قيام الدولة الفلسطينية في 2005 بينما لاتزال القضايا الرئيسية معلقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين.. مثل القدس واللاجئين والمستوطنات والسيادة وحدود الدولة الفلسطينية التي لا تريد اسرائيل الالتزام بحدود لها. الملاحظة الثانية.. ان عام 2009 الذي حدده الرئيس بوش هو العام الذي ستنتهي فيه فترة ولاية بوش الثانية ولن يحق له ترشيح نفسه لفترة ولاية ثالثة.. اي انه بنهاية فترة ولايته الحالية سيكون في حل من الالتزام بهذا الموعد. الملاحظة الثالثة.. ان اربع سنوات تستغرقها المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي هي مساحة زمنيةكبيرة فلو أعلن بوش ان موعد قيام الدولة الفلسطينية هو 2007 اي بعد عامين كاملين من الآن.. لأعطي هذا انطباعا بجديته في هذا الاعلان.. اما ان يحدد موعدها بعد 4 سنوات.. فقد ترك ذلك الانطباع بانه يدلي بهذه التصريحات للاستهلاك والتصدير فقط وليس اكثر من ذلك. الملاحظة الرابعة.. ان تركيز ادارة الرئيس بوش في فترة ولايته الثانية علي قضية مكافحة الارهاب.. ولا توجد مؤشرات علي تراجع عن هذه السياسة بل كل المؤشرات تقول انها ستواصل تصعيدها لهذه السياسة.. بدليل ماتفعله الآن قوات الاحتلال الامريكي في العراق.. من قتل وارتكاب ابشع المذابح والتي ربما تفوق في بشاعتها مذابح صابرا وشاتيلا ضد الفلسطينيين في الجنوب اللبناني. الملاحظة الخامسة.. وهي متعلقة بالملاحظة السابقة.. وهي أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وهذا ما ستكشف عنه الاسابيع المقبلة ستواصل ضغوطها علي القيادات الفلسطينية الجديدة وعلي الحكام العرب لتفكيك المنظمات الفلسطينية وتخليها عن المقاومة المسلحة.. مثل منظمات الجهاد وحماس وكتائب شهداء الاقصي والجبهة الشعبية.. وهو الامر الذي يتفق مع وجهة نظر محمود عباس "ابو مازن" الذي يعارض "عسكرة" الانتفاضة.. بنزع اسلحة المنظمات والفصائل الفلسطينية. ولا استبعد في هذا الاطار ووفقا لهذه الرؤية ان تأتي محاولة اغتيال محمود عباس في سرادق العزاء للرئيس عرفات في غزة.. كمحاولة او علي الاقل كنتيجة للوصول الي هدف تفكيك المنظمات الفلسطينية وتنفيذ ما تطالب به اسرائيل والادارة الامريكية. الملاحظة السادسة والاخيرة.. وهي تتعلق بالاستقالة التي قدمها وزير الخارجية الامريكية كولن باول من منصبه وقبول الرئيس بوش لها.. وتعيين كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي والمحسوبة علي جناح الصقور والمتشددين في الادارة الامريكية في منصب وزير الخارجية. ان استقالة باول وان كانت قد اخذت طابعا شخصيا كما تحدثت الابناء والتصريحات.. الا ان دلالاتها غير خافية.. وهي وجود تباين في وجهات النظر بين رؤية وزارة الخارجية في عهد باول للطريقة التي يتم بها التعامل مع قضية الارهاب وبين رؤية الادارة الامريكية والجناح اليميني المتشدد فيها وطوال العامين الماضيي استخدم باول في التسويق لهذه السياسة.. وقدمت اليه معلومات خاطئة ومضللة من المخابرات الامريكية. ان هذه الاستقالة.. ثم تعيين رايس في مكان باول يعني استمرار السياسات الامريكية في منطقة الشرق الاوسط... هذا في الحد الادني.. اما الحد الاقصي .. فقد تتورط امريكا في مواجهات مع سوريا ولبنان لنزع سلاح حزب الله.. ثم مع القيادة الفلسطينية الجديدة لنزع سلاح المنظمات.. وفي السودان.. وفي ايران.. وربما في مناطق اخري.