الوصول للمنطقة الحرة الأورومتوسطية بحلول عام 2012 لن يأتي من الطرف الأوروبي وحده.. هذه هي الحقيقة التي علي أساسها تمت صياغة الملامح الأساسية لاتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي التي حرص الطرف الأوروبي من خلالها علي تقديم أكثر من برنامج للدعم الاقتصادي لتأهيل العلاقات الاقتصادية لتصبح أكثر توازنا بين الطرفين مع دخول المرحلة الانتقالية في الاتفاقية التي بدأت من يونية الماضي. وعلي الرغم من أن الدعم الأوروبي الموجه جاء أساسا لتنشيط الصادرات المصرية مقابل الرفع التدريجي للإجراءات الحمائية علي الواردات الصناعية الأوروبية من الجانب المصري بطريقة تدعم تطور الصناعة المصرية بشكل غير مباشر حيث تبدأ بمرحلة السلع الرأسمالية والمواد الخام ثم مرحلة السلع الوسيطة والمغذية وحتي مرحلة السلع المكتملة. إلا أن السؤال عن مستقبل هذه العلاقة جاء محملا بأكثر من إجابة.. فرغم تحمس الكثير من الخبراء للدعم الأوروبي للصناعة المصرية من أجل دفع عربة الصادرات التي ظلت معطلة بسبب تأخر الصناعة المصرية عن مواكبة التحديث وعدم مطابقتها لمواصفات الأسواق الدولية.. إلا أن البعض توقع أن تتوقف هذه المساعدات عند المرحلة التي تصبح فيها الصناعة المصرية عند مرحلة تنافسية يحددها الطرف الأوروبي حسب مصالحه التجارية، باعتباره المالك لكل أسرار تكنولوجيا التحديث الصناعي ويصبح الطرف المصري مجرد سوق "أكثر قدرة" علي الاستهلاك واستيراد الصناعة الأوروبية. وهل المساعدات التي تقدمها أوروبا مساعدات "لوجه الله" و"منزهة" لدرجة أنها يمكن أن تساعد المنتجات المصرية المصنعة علي غزو الأسواق الأوروبية بل وتحقيق الاكتفاء الذاتي من تلك الصناعات محليا؟ ويمكننا بالتالي "الاستغناء" عن المنتجات الأوروبية التي تجد سوقا كبيرا هنا. أحمد جنيدي مدير فريدرش إيبرت لتمويل المشروعات أيد الرأي القائل بأن الطرف الأوروبي لا يقدم الدعم إلا عندما تكون كفة المصالح التجارية لصالحه.. ويقول: من خلال خبرتي في السياسات التمويلية الأوروبية أتوقع عدم تمويل الاتحاد الأوروبي لأي نشاط اقتصادي يحقق علي المدي البعيد تنافسية حقيقية للصناعات التي تتميز بها صادراته في المنطقة، ومع ذلك فالمنافس الأوروبي "منافس شريف" لا يمنع الدول الأخري ومنها مصر من النهوض الذاتي بصادراتها الصناعية إلي أسواقه التي يفتحها أمام الطرف الذي يثق في أنه لن يحقق نهوضا ذاتيا يمكنه من تحقيق المنافسة.. أي إن أوروبا تري في الغالب أن مصر لا تستطيع أن تنافسها صناعيا في المستقبل. تحديث بشروط ويؤيد عبد المعطي لطفي نائب رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات المستثمرين جنيدي في رأيه واعتبر مشروع تحديث الصناعة ممثلا لهذه الرؤية لأنه أهم مشروعات الدعم الأوروبي الموجه لتحقيق أثر إيجابي مباشر علي الصادرات المصرية.. إلا أنه يري أن برامجه ابتعدت عن تحديث الصناعات التي تساعد علي النهوض بالصناعة المصرية ككل كالصناعات الالكترونية والثقيلة المؤهلة للدخول إلي مرحلة "تكنولوجيا صناعة خطوط الإنتاج" وتطويرها، وركز علي تحديث الصناعات البسيطة مثل صناعة الأثاث والصناعات النسيجية.. مشيرا إلي أن عملية التحديث في مصر تظل مرهونة بالتكنولوجيا الأوروبية. وينتقد عبد المعطي لطفي كذلك برامج التحديث الإدارية لهذه المنشاَت الواقعة تحت التحديث حيث يري أنها اهتمت فقط بتطوير إدارة الموارد البشرية وتقديم الدورات التدريبية البسيطة دون الاهتمام بإنشاء وحدات البحوث والتطوير R.D بهذه المصانع لتحقيق التميز الابتكاري للصناعة المصرية في الأسواق الدولية. طرحنا علي سليم التلاتلي مدير مركز تحديث الصناعة الانتقادات الموجهة للمركز.. بدأ حديثه مؤكدا علي أن التطور الصناعي المستوعب لديناميكيات التنمية الصناعية والقائم بجهود متوازية بين "التصنيع" و"التحديث المستمر" هو التطور الصناعي المؤهل لريادة الاقتصاد المصري في المنطقة، وهو المبدأ الذي أقره مجلس المركز في الورقة الخضراء الممثلة للسياسات الصناعية بعيدة المدي التي ستنتهي بحلول عام 2022. أما عن الدور المباشر في عملية التحديث أكد التلاتلي علي أنه لا توجد قطاعات "محظور تحديثها" في البرنامج حيث إن اختيار القطاعات المحدثة يتم طبقا للطلبات المقدمة مع فتح باب المركز للمشاركة في خطة التحديث السنوية، موضحا أن دخول نشاط المركز في تطوير الصناعات المعقدة مرهون بطلب أصحاب هذه الصناعات للتحديث ولكن بشرط أن تكون صناعاتهم قائمة بالفعل وتحتاج فقط للمعونة الفنية التي يقدمها المركز من خلال الخطط التطويرية وإمداد المصنع بالمعلومات عن الفرص التصديرية، ولا يدخل في نشاط المركز النهوض بصناعات أفلست أو إنشاء صناعات جديدة قد تحقق تنافسية في الأسواق الدولية لأن المركز لا يقوم بعملية التمويل وإنما يقتصر دوره فقط علي الوساطة بين المصنع والممول من خلال إعداد دراسة جدوي عن تمويل هذه