لست في حاجة إلي التذكير بأن هذا القلم دأب علي التحذير من خطورة لجوء هذه الفئة المصرية أو تلك إلي "الاستقواء" بالخارج، ودأب بالمثل علي حث الجميع إلي حل كل الخلافات داخل إطار الجماعة المصرية علي أرضية وطنية لا علي أرضية طائفية. وربما كانت الندوة المهمة التي نظمها منتدي الشرق الأوسط للحريات عن كيفية إنهاء العنف ضد الأقباط هي أحدث المناسبات التي جري فيها جدل ساخن حول هذه المسألة شارك فيه الأستاذ محمد فايق رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان والدكتور منير مجاهد أحد مؤسسي حركة "مصريون ضد التمييز" وكاتب هذه السطور. وفي هذا الحوار الصريح الذي أداره واستضافه الأستاذ مجدي خليل كانت هناك مناظرة ممتازة بين حجج المؤيدين للجوء إلي المحافل والجهات الدولية دفاعاً عن مطالب الأقباط وبين حجج المعارضين لهذا التوجه (ومن بينهم كاتب هذه السطور). ورغم أنني كنت، ومازلت، من بين أولئك الذين يرفضون البحث عن حلول لمشاكلنا الداخلية خارج البلاد، وبالذات في دهاليز الإدارة الأمريكية.. ورغم أنني كنت، ومازلت، من بين أولئك الذين يرفضون تدخل هذا الطرف الخارجي أو ذاك في شئوننا المصرية.. فإنني بالمقابل لم أشعر بارتياح لهذه الحملة العصبية التي تم شنها في الأيام الأخيرة ضد قرار البرلمان الأوروبي الخاص بأوضاع حقوق الإنسان في مصر. حيث استدعت وزارة الخارجية يوم الخميس الماضي سفراء دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين العاملين في القاهرة لابلاغهم رفض مصر القاطع لمشروع القرار المقدم إلي البرلمان الأوروبي حول حالة حقوق الإنسان في مصر. وألقي حسام زكي المتحدث باسم وزارة الخارجية مزيداً من الأضواء حول هذا "الاستدعاء" فقال إن "الخارجية المصرية أبلغت الجانب الأوروبي أن مصر لا تقبل محاولة أي جهة التعليق علي أوضاع حقوق الإنسان فيها أو أن تسمح لنفسها بإعطاء الدروس لدول أخري حول أوضاعها الداخلية مهما تكن ملاحظاتها علي أداء هذه الدول خصوصا في مجال حقوق الإنسان". كما قرر صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري في إطار الاتفاق بين مجلسي الشعب والشوري عدم مشاركة المجلس في اجتماعات اللجنتين السياسية والاقتصادية للبرلمان الأورومتوسطي المقرر عقدها في بروكسل هذا الأسبوع، تعبيراً عن استياء المجلس لقرار البرلمان الأوروبي المشار إليه. كذلك هدد الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب بقطع العلاقات مع البرلمان الأوروبي للسبب ذاته. ردود الأفعال هذه تتسم بالعصبية، وتتجاهل حقيقة أساسية هي أن "إعلان برشلونه" الذي تبناه مؤتمر برشلونة عام 1995 لتأسيس الشراكة الأوروبية المتوسطية، قد تضمن مبادئ الشراكة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية والإنسانية. وقام مشروع الشراكة بمبادرة من الاتحاد الأوروبي الذي "يقوم علي مبادئ الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحكم القانون. وهي المبادئ التي تدين بها كل الدول الأعضاء" فيه وفقا للمادة السادسة من معاهدة الاتحاد التي تؤكد أن الاتحاد ملزم باحترام "الحريات السياسية كما تضمنتها الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية الموقعة في روما في الرابع من نوفمبر 1950، وكما تتبع التقاليد الدستورية المشتركة للدول الأعضاء، وذلك بوصفها مبادئ عامة من مبادئ قانون الجماعة الأوروبية". وفي ضوء هذه المبادئ التي قام عليها الاتحاد الأوروبي جرت صياغة البنود المتعلقة بالديموقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية في إعلان برشلونة التي ستقوم الشراكة علي أساسه، فجاء في ديباجة الإعلان ما يلي: "يعرب الموقعون علي الإعلان عن عزمهم علي السعي لتحقيق هدف تأسيس إطار من العلاقات الجماعية الدائمة يقوم علي روح الشراكة، آخذين في الاعتبار الخصائص والقيم والسمات الخاصة لكل مشارك من المشاركين. كما يعربون عن اقتناعهم بأن تحقيق هدفهم الرامي إلي تحويل منطقة حوض البحر المتوسط إلي منطقة للحوار والتبادل ضماناً للأمن والاستقرار والازدهار أمر مطلوب من أجل تحقيق تقوية الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وتنمية اقتصادية واجتماعية مضطردة وإجراءات لمكافحة الفقر وتعظيم فهم الثقافات لبعضها البعض، وكل ذلك يمثل جوانب أساسية للشراكة". علماً بان دول إقليم المتوسط من الجانب العربي هي مصر والأردن ولبنان وفلسطين والمغرب وتونس والجزائر وسوريا. وقد تم التوقيع علي اتفاقات للمشاركة بين الاتحاد الأوروبي وهذه الدول كل علي حدة.